السياسة اليابانية تجاه الصين في مرحلة ”ما بعد آبي“: سياسة جديدة لعصر مختلف

سياسة

في هذا المقال يستعرض كاواشيما شين أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طوكيو التقدم المتواضع للدبلوماسية اليابانية الصينية خلال فترة رئيس الوزراء السابق شينزو آبى ويناقش التحديات الأساسية التي تواجه خليفة آبى في صياغة سياسة متماسكة واستباقية تجاه الصين.

عندما تولى رئيس الوزراء شينزو آبى منصبه في ديسمبر/ كانون الأول 2012 كانت العلاقات بين اليابان والصين تشهد حالة من الجمود، ولكن بفضل مجموعة من العوامل على رأسها الصبر والمثابرة من جانب اليابان، فقد ذاب الجليد في النهاية لدرجة أن الرئيس الصيني شي جين بينغ كان على استعداد للقيام بزيارة اليابان، ولا يعني هذا أن العلاقات الثنائية قد أصبحت دافئة- إنها لم تعد باردة فقط ليس إلا.

ومع اقتراب نهاية فترة ولاية آبى التي حطمت الأرقام القياسية، دعونا نراجع ونقيم سياسته تجاه الصين، مع التركيز على المنعطفات الدبلوماسية الحاسمة، والنظر في التحديات التي تواجه خليفته.

اجتماع القمة

كما ذكرت سابقاً، كانت العلاقات اليابانية الصينية في حالة يرثى لها عندما تولى آبى منصبه في نهاية عام 2012، وفي السنة الأولى بدا رئيس الوزراء مقتنعًا بترك الأمور كما هي. في الواقع تراجعت العلاقة إلى مستوى متدنٍ جديد في ديسمبر/ كانون الأول 2013، عندما أغضب آبي الصينيين بزيارة ضريح ياسوكوني لإحياء ذكرى وفاة الجنود اليابانيين إبان الحرب بين البلدين.

ولكن بعد فترة وجيزة اتخذ آبى الخطوة الأولى نحو المصالحة في خطابه السياسي الذي ألقاه في يناير/ كانون الثاني عام 2014 أمام الدايت، أين أعرب عن تصميمه على العمل من أجل علاقات أفضل بين البلدين، داعيًا إلى استئناف الحوار على مستوى قادة البلدين، كما دعا إلى ”إعادة تأسيس علاقات ثنائية قائمة على المنفعة المتبادلة والمصالح الإستراتيجية المشتركة“

في ذلك العام قام العديد من كبار الشخصيات اليابانيين على رأسهم نائب رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي تاكامورا ماساهيكو ورئيس الوزراء السابق فوكودا ياسو، بزيارة الصين لكسر الجمود. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2014 وعقب سلسلة من المناقشات بشأن جزر سينكاكو وقضايا رئيسية أخرى، أعلن البلدان عن اتفاق من أربع نقاط لاستئناف الحوار في محاولة لبناء علاقة ثقة متبادلة. وفي وقت لاحق من نفس الشهر تمكن آبى من الجلوس مع شي جين بينغ على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ الذي أقيم في الصين. وهكذا تم عقد أول محادثات ثنائية رفيعة المستوى بين البلدين منذ وقت طويل.

شهد العام التالي تصعيدًا في التوترات حول المطالبات التاريخية للصين، ولكن تم تفادي حدوث تدهور خطير في المحادثات. وفي سبتمبر/ أيلول عام 2016 التقى آبى مع شي أثناء وجوده في الصين لحضور قمة مجموعة العشرين في هانغتشو. وبهذه الطريقة كان البلدان يتجهان نحو إقامة علاقات ثنائية قياسية جديدة.

الطريق نحو إقامة علاقات طبيعية

خلال ربيع عام 2017 شهدت سياسة حكومة آبى تجاه الصين تغيراً كبيراً. ففي السابق كانت اليابان قد ترددت في دعم مبادرة الحزام والطريق الطموحة التي أطلقتها الصين، واشتكت من الافتقار إلى الانفتاح والشفافية ووصفتها بأنها مبادرة غير سليمة من الناحية المالية.

ولكن في مايو/ أيار 2017 زار الأمين العام للحزب الديمقراطي الليبرالي نيكاي توشيهيرو بكين لحضور منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي حاملاً معه رسالة شخصية من آبى إلى شي جين بينغ. وعلى الرغم من أن محتوى الرسالة لم يتم الإفصاح عنه حتى الآن، إلا أنه يُعتقد على نطاق واسع أنها كانت تحتوي على تأكيد الحكومة اليابانية على إمكانية المشاركة في المبادرة. وفي يونيو/ حزيران وخلال منتدى نيكاي الدولي حول مستقبل آسيا أكد آبى على موافقته المشروطة لدعم المبادرة قائلاً إن اليابان يمكن أن تشارك في توفير شروط الانفتاح والشفافية وتحقيق السلامة الاقتصادية والمالية. كان هذا الامتياز المتعلق بمبادرة الحزام والطريق خطوة أخرى نحو استئناف الزيارات بين الدولتين.

وفي ربيع عام 2018 بدأت الصين في اتخاذ خطواتها الخاصة نحو المصالحة. ففي 4 مايو/ أيار وقبيل وصول رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ إلى اليابان لعقد قمة ثلاثية مع قادة اليابان وكوريا الجنوبية، تحدث شي جين بينغ مع آبى في أول مؤتمر هاتفي على الإطلاق بين كبار قادة البلدين. كانت هذه إشارة واضحة على عزم شي على المضي قدماً نحو تنمية العلاقات الثنائية.

وفي أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2018 قام آبى بزيارة الصين لأول مرة. جاء ذلك بعد وقت قصير من توجيه مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي وابلًا من الانتقادات إلى الصين في خطابه في معهد هدسون. وقد أسفرت قمة أبى وتشي عن إبرام عدة اتفاقيات أولية للتعاون في أكثر من 50 مشروعًا للبنية التحتية في بلدان أخرى، وهي مشروعات يمكن اعتبارها جزءًا من مبادرة الحزام والطريق، حتى وإن لم يتم تصنيفها صراحةً على هذا النحو. في ذلك الوقت بدا أن الاتفاقيات تبشر بعصر جديد في العلاقات الاقتصادية بين اليابان والصين، ولكن حتى الآن فقد تعثرت جميع المشاريع تقريبًا ولم تتحقق الوعود إلى حد كبير.

وعندما زار شي جين بينغ اليابان في يونيو/ حزيران 2019 لحضور قمة مجموعة العشرين في أوساكا، وافق على العودة لزيارة اليابان في ربيع عام 2020، لكن جائحة كوفيد-19 حالت دون ذلك. وعلى الرغم من تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بشكل أكبر في الأشهر التي تلت ذلك، فقد تمكنت اليابان والصين من الحفاظ على الوضع الراهن. وتحسباً لزيارة شي المؤجلة حرصت الصين على إخماد الانتقادات اللاذعة المعادية لليابان بشأن القضايا التاريخية وغيرها من الموضوعات الساخنة. لكن هذا لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.

العلاقات اليابانية الصينية في ظل إدارة آبى.

تعكس سياسة آبى تجاه الصين على مدى السنوات الثماني الماضية عن تحرك إيجابي في الموقف الياباني تجاه الصين. وذلك على الرغم من أن أكثر من 80% من الذين شملهم استطلاع الرأي العام السنوي ما زالوا ينظرون إلى الصين بشكل سلبي، إلا أن حوالي 70% يؤكدون على أهمية العلاقات اليابانية الصينية، ولعل السبب في ذلك هو وعيهم بأهمية الصين كشريك تجاري. يمكننا القول أن قرار آبى بالمضي قدمًا ببطء وحذر والتركيز على بناء العلاقات الاقتصادية كان متسقًا مع الرأي العام بشكل كبير.

ما كان مفقودًا خلال السنوات الثماني الماضية هو مناقشة جادة وصادقة للتغييرات الأساسية في الوضع بين البلدين. والبحث عن أفضل طريقة لبناء علاقة جديدة مبنية على تلك التغييرات. حيث أصبح من المؤكد أن هناك تفاوت كبير في معدل النمو الاقتصادي بين البلدين لصالح الصين، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين الآن ثلاثة أضعاف مثيله في اليابان، كما أن ميزان القوى الإقليمي تغير أيضًا. ما هو نوع المسار الذي يجب أن نخطط له للعلاقات اليابانية الصينية في ظل هذه الظروف المتغيرة؟ لقد ترك آبى هذا السؤال المهم بدون إجابة.

كما تجنبت حكومة آبى اتخاذ موقف بشأن تصعيد الخلافات بين واشنطن وبكين. فمن وجهة نظر أمنية تقدر طوكيو تحالفها مع الولايات المتحدة وهي قلقة للغاية من مناورات الصين الإقليمية. ومع ذلك فقد أشارت إلى استعدادها للتعاون مع الصين في مبادرة الحزام والطريق، وتراجعت عن الدعوات المتزايدة لتحقيق الاستقلال عن الصناعة الصينية في قطاع التكنولوجيا الفائقة، لا سيما في مجال اتصالات الهاتف المحمول الجيل الخامس. كما ترددت طوكيو في الانضمام إلى الغرب في إدانة انتهاكات الصين لحقوق الإنسان، بما في ذلك حملة القمع ضد الديمقراطية في هونغ كونغ، كما أن موقفها من تايوان غير واضح أيضًا.

منذ مايو/ أيار 2018 تشكلت دبلوماسية الصين تجاه اليابان من خلال خطة شي جين بينغ لتحسين العلاقات بين البلدين. ومع ذلك فإن الصين لديها مشكلة خطيرة تتعلق بصورتها في عيون الشعب الياباني. فعلى الرغم من أن بكين قد استطاعت أن تخمد الخطاب المناهض لليابان في الأشهر الأخيرة، إلا أن محاولتها المستمرة للتوغل في جزر سينكاكو قد نجح في تأجيج المشاعر المعادية لها في اليابان.

الحقيقة أن سلوك الصين في الآونة الأخيرة بما في ذلك ”دبلوماسية الذئب المحارب“ العدوانية التي تتبناها قد أدى إلى نفور العديد من البلدان في العالم النامي وكذلك في الغرب. لقد تضررت هيبة الصين الدولية، وهذا قد يجعل من الصعب على بكين تعزيز العلاقات مع اليابان. ومع ذلك فقد نالت الصين بعض الإعجاب من خلال ”دبلوماسيتها المقنعة“ وإسهاماتها في الحوكمة العالمية. في السنوات المقبلة ستواصل الولايات المتحدة والصين بلا شك التنافس على فرض النفوذ.

نحو سياسة متماسكة

إن التحديات الأساسية التي تواجه الإدارة القادمة فيما يتعلق بالعلاقات اليابانية الصينية هي نفس القضايا التي تركتها حكومة آبى دون حل. في رأيي سيتطلب حلها تقييمًا جديدًا للصورة الكبيرة، مع التركيز على سؤالين أساسيين.

السؤال الأول هو كيف يمكننا صياغة علاقات ثنائية جديدة بين البلدين؟

على مدى السنوات الثماني الماضية انخرطت اليابان والصين في نوع من أنواع شد الحبل الدبلوماسي حول تحديد الهيكل الأساسي لعلاقتهما. فبين عامي 2008 و2012 تسبب الخلاف حول جزر سينكاكو في توتر العلاقات الثنائية. وعندما حان وقت إصلاح الأضرار سعت اليابان إلى إعادة عقارب الساعة إلى عام 2008 عندما كان البلدان على علاقات طيبة، ولكن الصين كانت مصرة على إعادة تعريف العلاقة في ضوء الحقائق الجديدة، بما في ذلك التوازن المتغير للقوة العسكرية في بحر الصين الشرقي والنفوذ الاقتصادي الصيني المتفوق بشكل كبير. كل هذا جعل من الصعب على آبى وشي الجلوس والانخراط في مناقشات مثمرة حول مستقبل العلاقات الثنائية.

وبالنظر إلى مدى التغيير الذي طرأ على الموقف الاقتصادي والعسكري للبلدين، فمن الواضح أن العودة إلى عام 2008 أصبحت مستحيلة. تتمثل المهمة الأولى التي تواجه الإدارة المقبلة في تطوير مخطط عملي متماسك وواقعي لعصر جديد في العلاقات اليابانية الصينية، مع التركيز على المصالح المشتركة. يمكن أن يشمل ذلك صياغة ما يعرف ب ”الوثيقة الخامسة“ التي طال انتظارها والتي تحدد المبادئ المتفق عليها بشكل متبادل بشأن تسيير العلاقات بين البلدين.(*١)

السؤال الثاني هو كيفية التوفيق بين مصالح اليابان ومصالح الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ككل.

تمكنت إدارة آبى من الحفاظ على العلاقات اليابانية الصينية على قدم المساواة إلى حد ما على الرغم من تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين. لكن الولايات المتحدة والصين في صراع حاد بشكل متزايد في عدة مسائل تتراوح بين التجارة والتكنولوجيا إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وطوكيو عالقة في الوسط.. في النهاية ستضطر اليابان إلى اتخاذ موقف واضح بشأن بعض القضايا الهامة والحساسة مثل القضايا المتعلقة بفصل الصناعات المتطورة والتكنولوجيا الناشئة في الصين واعتماد تقنية 5G الصينية. كما ستتعرض اليابان لضغوط متزايدة لاتخاذ موقف بشأن القضايا السياسية الساخنة مثل قضيتي هونج كونج وتايوان. في النهاية ستصبح سياسة الغموض الاستراتيجي التي تبناها آبى سياسة غير مقبولة.

وفي مرحلة ما قد تصر واشنطن على رد منسق على ”التهديد“ الصيني، ليس فقط من الدول الخمس الأخرى (أستراليا وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا) ولكن من اليابان أيضًا. وفي مواجهة السياسات الأمريكية المتشددة ستسعى الصين بلا شك للحفاظ على شراكتها مع اليابان. وهنا ستحتاج طوكيو إلى حشد تعاون حلفاء الولايات المتحدة الآخرين من أجل تخفيف موقف واشنطن تجاه الصين، هذا إذا كانت اليابان تريد حقاً الحفاظ على علاقات ودية مع كلا البلدين. لكن عليها أيضًا أن تقف بحزم بشأن النزاع الإقليمي مع الصين. سيكون من الصعب تحقيق هذا التوازن.

بالطبع ستظهر العديد من القضايا الأخرى في السنوات القادمة، ولكن من أجل التعامل معها بطريقة فعالة ومتماسكة يجب علينا أولاً وضع إطار سياسي استشرافي بناءً على العلاقات ”الطبيعية“ التي نجحت إدارة آبى في استعادتها إلى حد كبير. يجب علينا الاستفادة من سياسة شي جين بينغ الحالية الصديقة لليابان، دعونا نبدأ محادثات حول شكل العلاقة الثنائية مع مراعاة المصالح الوطنية لليابان في المقام الأول.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: رئيس الوزراء شينزو أبى إلى اليسار، والرئيس الصيني شي جين بينغ يلتقيان في بكين في 23 ديسمبر/ كانون الأول 2019 قبيل مؤتمر اليابان والصين وجمهورية كوريا في تشنغدو. كيودو نيوز)

(*١) ^ كانت الأربعة الأولى هي البيان المشترك لعام 1972، ومعاهدة 1978 للسلام والصداقة بين اليابان وجمهورية الصين الشعبية، والإعلان المشترك لعام 1998، والبيان المشترك لعام 2008.

الصين شينزو آبي العلاقات اليابانية الأمريكية الحكومة اليابانية العلاقات الصينية اليابانية