تحديات أولمبياد طوكيو

تصريحات مسؤولي اللجنة الأولمبية الدولية وضغوط تثقل كاهل إدارة سوغا الجديدة

طوكيو 2020

تعهد رئيس الوزراء الياباني سوغا يوشيهيدى بإقامة دورة ألعاب طوكيو الأولمبية والبارالمبية، لكن الجدل يحتدم حول إمكانية استضافة الفاعليات في ظل استمرار تفشي الوباء في أرجاء العالم. إلا أنه في وسط هذه الاضطرابات، أكد مسؤول اللجنة الأولمبية الدولية جون كوتس مؤخرًا أن الألعاب ستمضي قدمًا.

تصريحات جون كوتس

تظل آمال اليابان متطلعة إلى إقامة دورة ألعاب طوكيو الأولمبية والبارالمبية في عام 2021. حيث أعلن نائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية ورئيس لجنة طوكيو التنسيقية جون كوتس لوكالة فرانس برس في مقابلة أجراها في السابع من سبتمبر/ أيلول قائلًا بأن ”الألعاب ستبدأ فاعلياتها كما هو مخطط له في الثالث والعشرين من يوليو/ تموز مع أو بدون فيروس كورونا“ بل وعزز من موقفه مصرحًا بقوله ”هذه ستكون الألعاب التي قهرت فيروس كورونا“، وأن الشعلة الأولمبية يمكنها أن تصبح بمثابة الضوء القابع في نهاية النفق.

الآن ما الذي يمكنه أن نفهمه من هذه التصريحات؟ لا يزال الوباء مستشريًا، واللقاح المضاد للمرض ما زال في طور التجارب، ولن يصبح متاحًا على نطاق واسع لبعض الوقت في المستقبل. ويبدو أن كوتس في إبداء التزامه بإقامة الفاعليات مستعدًا لتعريض صحة وسلامة الرياضيين والجماهير للخطر. الأمر الذي يبدو لي تصرفًا غير مسؤول.

ولقد كرر توماس باخ، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، ما قاله كوتس في مؤتمر عن بُعد عقب اجتماع مجلس الإدارة في التاسع من سبتمبر/ أيلول، وأصر على أن المنظمة لا تزال تركز على تقديم أولمبياد طوكيو بشكل آمن وناجح. وقال باخ: ”كوتس، مثل اللجنة الأولمبية الدولية بأكملها، ملتزمٌ تمامًا بالمبدأ الذي نطبقه دائمًا في الألعاب الأولمبية بإقامتها في بيئة آمنة لجميع المشاركين“. ولكن هل هذه حقًا هي الرسالة التي أرسلها كوتس مع تصريحاته؟

من المقرر أن تنتهي معظم العقود التي وقعتها اللجنة المنظمة لطوكيو مع الرعاة المحليين في نهاية هذا العام. والمفاوضات جارية حاليًا لتمديدها، ولكن بالنظر إلى الحالة الضبابية التي تخيم على الوضع، فإن اللجنة المنظمة تواجه معركة شاقة مع المفاوضات في ظل تضاءل احتمالات تأمين المداخيل للرعاة. ومن هذا المنطلق، يمكن تفسير دوافع كوتس في إعلان التزامه بإقامة الألعاب على أنها تهدف إلى مساعدة اللجنة المنظمة في مفاوضاتها مع الرعاة.

وهناك تفسير آخر بخصوص مسألة التعويضات والخسائر المحتملة إذا تم إلغاء الألعاب الأولمبية. فاللجنة الأولمبية الدولية لها الكلمة الأخيرة في ما إذا كانت الألعاب ستقام أم لا، لكنها لا تريد أن تتحمل العبء عندما يتعلق الأمر بإلغاء الفاعليات برمتها. ونظرًا لأن الحكومة اليابانية طلبت تأجيل الأولمبياد في المقام الأول، فقد تأمل اللجنة الأولمبية الدولية أنه في حالة إلغاء الألعاب، أن يكون القرار قادمًا من اليابان. وعلاوة على ذلك، قد يكون كوتس في تصريحاته يرسل في الواقع رسالة مبطنة إلى رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدى مفادها أنه على الرغم من توليه للتو منصب رئيس الوزراء، إلا أنه لا يزال في مأزق بسبب التزاماته المالية.

انسحاب آبى

بموجب الاتفاقية المبرمة مع حكومة مدينة طوكيو واللجنة الأولمبية اليابانية، والتي تم بموجبها إنشاء لجنة طوكيو الأولمبيةو، تتمتع اللجنة الأولمبية الدولية بسلطة إلغاء الألعاب. والاتفاق الذي اقرته الحكومة اليابانية في عهد سلف سوغا شينزو آبى لا ينص على أي تأجيل.

وفي الرابع والعشرين من مارس/ آذار من العام الحالي، استدعى آبي محافِظة طوكيو كويكي يوريكو ورئيس اللجنة الأولمبية بطوكيو موري يوشيرو لحضور أحد الاجتماعات وتحدث عبر الهاتف مع باخ، وطلب التأجيل حتى صيف عام 2021. وبالنظر إلى ولاية آبى كرئيس للحزب الليبرالي الديمقراطي، والتي كان من المقرر أن تنتهي في سبتمبر/ أيلول 2021، اعتقد الكثيرون في الأوساط السياسية أنه أراد بذلك جعل الألعاب الأولمبية بمثابة مسك الختام.

وتعرضت اللجنة الأولمبية الدولية لضغوط متزايدة من الرياضيين والاتحادات الرياضية الوطنية، حيث بدأوا في الحديث عما إذا كان من المناسب المضي قدمًا نحو إقامة الألعاب كما كان مخطط له في عام 2020، وربما أنقذ الاجتماع الذي عقده آبى اللجنة المنظمة من الاضطرار إلى اتخاذ قرار التأجيل من تلقاء نفسها.

وفي بادئ الأمر لم يكن من المتوقع أن تشارك حكومة الدولة المضيفة بشكل مباشر في الألعاب الأولمبية، ولكنها عوضًا عن ذلك تلعب دورًا داعمًا فقط للمدينة المضيفة. إلا أن تضخم حجم الألعاب الأولمبية، وسع من نطاق مشاركة الحكومة بالضرورة.

ولقد كان آبى دائمًا محل الأنظار عندما يتعلق الأمر بأولمبياد طوكيو. وكان في الواجهة في جلسة اللجنة الأولمبية الدولية في بوينس آيرس في عام 2013 عندما تم منح طوكيو شرف استضافة الألعاب الأولمبية، الأمر الذي خفف من المخاوف بشأن الكارثة في محطة فوكوشيما دايئتشي للطاقة النووية من خلال إعلان اليابان بأن الوضع تحت السيطرة. ثم في الحفل الختامي لدورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو في عام 2016، حيث تفوق على كويكى بمظهره الذي لا يُنسى وهو يرتدي زي سوبر ماريو في اللعبة الشهيرة التي تنتجها شركة ألعاب الفيديو نينتندو.

إلا أن استقالة آبي غير المتوقعة من رئاسة الوزراء بسبب مرضه تعني أن الألعاب فقدت المروج الرئيسي لها، والآن تتساءل اللجنة الأولمبية الدولية عن من سيلعب نفس الدور.

العقود المبرمة والعجز المالي

في الأسبوع الذي تلا إعلان آبي تنحيه، عقدت الحكومة اليابانية الاجتماع الأول للجنة التنسيقية المنوطة بالتعامل مع فيروس كورونا فيما يخص الأولمبياد. وحضر الاجتماع أيضًا مسؤولون من حكومة مدينة طوكيو ولجنة طوكيو الأولمبية الجديدة، ونُوقش فيه عدة مسائل مثل وضع التدابير اللازمة للوقاية من العدوى وتنظيم الدخول إلى البلاد. وعلى الرغم من القضايا الحيوية، يعتقد القليل من الناس أن اللجنة هي صانع القرار الرئيسي. وأن الأمر الأكثر إلحاحًا من الوقاية من العدوى هو توفير الأموال اللازمة لدفع التكلفة الباهظة الناجمة عن التأجيل.

ولقد مرت ستة أشهر منذ اتخاذ قرار تأجيل فاعليات الدورة، لكن المنظمين ما زالوا متخبطين وليس لديهم فكرة واضحة عما إذا كان سيتعين إقامة الفاعليات أمام المدرجات الفارغة أو ما إذا كان سيتم السماح بالحضور الجماهيري، حتى ولو بأعداد محدودة. وبالتالي الاستعدادات، بما في ذلك مخصصات الميزانية، لا يمكن تحديدها حتى يتم حل هذه المعضلة.

وستشهد توقعات لجنة طوكيو الأولمبية فيما يخص ايرادات بيع التذاكر المقدر وصولها إلى 90 مليار ين انخفاضًا ملحوظًا إذا تم تقييد عدد الحضور، وستكون إعادة الأموال للأشخاص الذين اشتروا التذاكر بالفعل بمثابة نفقات إضافية. وحتى ولو حضرت حشود كبيرة الفاعليات المختلفة، فإن تكاليف الوقاية من العدوى والإجراءات الاحترازية عند الدخول في المطارات ستكون باهظة للغاية هي الأخرى.

وستحاول اللجنة الأولمبية بطوكيو التي من المتوقع أنها ستضطر إلى العمل بميزانية محدودة إلى خفض التكاليف كلما أمكن ذلك. وعلى الرغم من قبول اللجنة الأولمبية الدولية بإمكانية إقامة الألعاب أمام حضور جماهيري أقل، إلا أنها أبلغت اللجنة الأولمبية بطوكيو أنها لن تسمح بإقامة الفاعليات خلف الأبواب المغلقة أو تقليص حجم مراسم الافتتاح والختام، لذلك فهناك حد للقدر الذي يمكن على أساسه تخفيض الميزانية.

وبموجب عقدها مع اللجنة الأولمبية بطوكيو، يجب على حكومة العاصمة طوكيو تعويض أي نقص في ميزانية اللجنة. إلا أن طوكيو قد استنفدت بالفعل معظم الأموال المخصصة للطوارئ البالغة 900 مليار ين خلال تعاملها مع أزمة فيروس كورونا. وإذا لم تتمكن طوكيو من توفير الأموال اللازمة، فسيتعين على الحكومة اليابانية، كما هو مذكور في ملف المدينة المرشحة المقدم إلى اللجنة الأولمبية الدولية ووفقًا للقانون المحلي، تغطية أي عجز في الميزانية. ويسري الأمر نفسه إذا تم تقليص نطاق الألعاب. ولقد كان آبى رئيسا للوزراء عندما تم إبرام هذا الاتفاق مع اللجنة الأولمبية الدولية، الأمر الذي جعله في الواقع ضامنًا للحدث الأولمبي الكبير.

قرار مهم أمام إدارة سوغا

ذكر آبى عند تنحيه أن الاستعدادات ستستمر كما هو مخطط له، وأكد أن خليفته سيتعاون بشكل وثيق مع المنظمين لمعالجة مختلف القضايا العالقة.

وفي حديثه إلى العديد من الصحف الرياضية، تعهد سوغا، الذي كان قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء، الذراع الأيمن لآبى من خلال منصبه ككبير أمناء مجلس الوزراء، بأنه سيبذل قصارى جهده لضمان إقامة الألعاب. إلا أنه عند ترشحه لمنصب رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي، لم يشر إلى الأولمبياد، ولم يكن له أي تعاملات تقريبًا مع اللجنة الأولمبية الدولية بنفسه.

وبلا شك هو يدرك التأثير السياسي للألعاب الأولمبية. ولقد أغلق الباب في وجه التكهنات القائلة بأنه سيدعو إلى انتخابات مبكرة قبل نهاية العام الحالي، وذكر بأن السباق البرلماني القادم لن يحل حتى أوائل عام 2021 على الأقل. الأمر الذي يترك فقط نافذة قصيرة لإجراء انتخابات إما قبل الألعاب أو بعدها.

ويرتبط المستقبل الانتخابي للحكومة التي يقودها الحزب الليبرالي الديمقراطي مع مصير الألعاب الأولمبية ارتباطًا وثيقًا. حيث سيكون إلغاء الألعاب بمثابة ضربة قوية للإدارة، مما يجعل إجراء الانتخابات قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن إقامة الألعاب الأولمبية أمر له مزايا كبيرة. والسؤال الذي يلوح في الأفق الآن هو متى بالضبط سيقرر سوغا إجراء الانتخابات البرلمانية.

أصوات متشككة من الخارج

ومن ناحية أخرى، في إحدى المقابلات الإذاعية التي أُجريت في أغسطس/ آب الماضي مع بي بي سي، ناقش عضو اللجنة الأولمبية الدولية ورئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى سيباستيان كو إمكانية عدم إقامة الفاعليات الأولمبية كما هو محدد في عام 2021، قائلاً ”لا يزال الوضع مبهم“ حول إمكانية إقامة الألعاب في الموعد الجديد. وطرح اقتراحًا بأن اللجنة الأولمبية الدولية قد تضطر إلى التفكير في إقامة أنواع مختلفة تمامًا من الفاعليات.

وفي الحقيقة لا أعرف بالتحديد نوع المسابقات التي يفكر فيها كو، لكن ملاحظاته تشير إلى أن الشخصية البارزة في عالم ألعاب القوى بدأت التفكير في ضرورة اتباع نهج جديد للتعامل مع الاضطرابات التي يسببها فيروس كورونا.

وحتى تخف حدة الوباء، فإن إقامة المسابقات الرياضية الدولية واسعة النطاق أمر مستبعد. وقد تكون الفكرة البديلة هي توزيع الأحداث في مواقع مختلفة. وقد عُقد لقاء دولي لرياضة القفز بالزانة في مدينة لوزان بسويسرا، حيث مقر اللجنة الأولمبية الدولية، في أوائل سبتمبر/ أيلول الماضي. واقتصر عدد الحضور على 1,000 متفرج وشاركهم بالحضور توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية.

وتوصف الفاعليات الأولمبية بأنها مهرجان يحتفل بالسلام العالمي من خلال الرياضة، وتعتبر الألعاب حدثًا رئيسيًا على وجه التحديد لأنها تجمع بين الرياضيين والمتفرجين من جميع أنحاء العالم. ولكن حتى لو كانت الفاعليات الأولمبية ستقام في مواقع مختلفة، فإن استخدام التكنولوجيا عبر الإنترنت لتنظيم هذا الحدث الرياضي الكبير قد يكون بديلاً لربط الناس من جميع أنحاء العالم.

وكو نفسه هو رياضي أولمبي، وحاصل على الميدالية الذهبية في سباق 1,500 متر في كل من أولمبياد موسكو 1980 وأولمبياد لوس أنجلوس 1984. كما شغل منصب رئيس اللجنة المنظمة بلندن عام 2012 كرئيس للاتحاد الدولي لألعاب القوى، وكان لتصريحه بأنه لا ينبغي تعريض سلامة الرياضيين للخطر دورٌ مؤثرٌ في قرار التأجيل.

وعلى الصعيد الآخر، لم يقل المعنيين في الأوساط الرياضية اليابانية الكثير. ويبدو أن جميع القرارات تُركت بيد الحكومة، وبدأ بعض النقاد في التشكيك في قدرتها على التعامل مع الموقف. ولكن بالنظر إلى الوضع الراهن فقد ولى وقت حديث اللجنة الأولمبية اليابانية والهيئات الرياضية المحلية الأخرى.

وقد تحمل الرياضيون العبء الأكبر من المقاطعات ذات الدوافع السياسية لدورة الألعاب الأولمبية لعام 1980 بموسكو، والتي دعا لها الرئيس الأمريكي جيمي كارتر احتجاجًا على الغزو السوفيتي لأفغانستان، وبعدها جاء رد الكرملين على المقاطعة التي قادتها الولايات المتحدة لألعاب موسكو بمقاطعة دورة عام 1984.بلوس أنجلوس.وإذا نظرنا إلى الوراء، فإن قرارات اليابان بالتراجع عن تنظيم دورة الألعاب الأولمبية لعام 1940 لاحتدام صراعها مع الصين على البر الرئيسي الآسيوي ومقاطعة أولمبياد موسكو 1980، كلها كانت بمثابة إرث من الأعمال السياسية التي لا ينبغي أن تتكرر أبدًا.

(النص الأصلي نشر باللغة اليابانية الترجمة من الإنكليزية. صورة الموضوع: جون كوتاس نائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية ورئيس لجنة طوكيو التنسيقية. جيجي برس)

طوكيو الألعاب الأولمبية الحكومة اليابانية