إدارة رئيس وزراء اليابان الجديد: قناع فولاذي يخفي ورائه جوهر هش!

سياسة

خلف سوغا يوشيهيدى شينزو آبي كرئيس لوزراء اليابان في السادس عشر من سبتمبر/ أيلول من العام الجاري. وقد ظل آبي في منصبه لفترة أطول من أي رئيس وزراء سابق، وعندما استقال، تم نقل المهمة بسلاسة إلى الرجل الذي كان يمثل ساعده الأيمن. ويبدو أن سوغا بدأ عهده بداية جيدة ويحظى بمعدلات تأييد عالية حتى الآن. لكن إدارته كشفت عن بعض نقاط الضعف، ويبقى أن نرى إلى أي مدى يمكنه البقاء في السلطة.

هل سيصبح آبى خصم سوغا؟

يبدو أن رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدى يحكم قبضته على مقاليد الأمور، ولكن إدارته مع ذلك أظهرت جانبا هشًا. ويمكن القول بأن إدارة سوغا ستعتمد في صلابتها على نجاحها في ثلاث جبهات: السيطرة على فيروس كورونا، الحفاظ على عجلة الاقتصاد، والتوصل إلى قرار بشأن المضي قدمًا في دورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية في طوكيو العام المقبل من عدمه.

وفي هذه المرحلة، يمكن وصف الإدارة بالسيارة وهي في وضع تشغيل مكابح اليد، والسائق يضغط على دواسة الوقود ودواسة المكابح السفلية في نفس الوقت. وبالنظر إلى الوضع الراهن لا يمكن لمزيج السياسات الحالي السيطرة على الوباء ولا منع الاقتصاد من الانهيار. وعلاوة على ذلك، هناك مخاوف من عدم تمكن سوغا من التوصل إلى قرار في الوقت المناسب بشأن الألعاب الأولمبية.

ومن حيث التفاعلات الحزبية داخل أروقة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، تتمتع إدارة سوغا بموقف مستقر للغاية، حيث ورثت القاعدة السياسية الصلبة لإدارة آبى طويلة الأمد (2012-2020). ولكن هناك الآن علامات على التغيير في العلاقة الوثيقة بين آبى وخليفته. حيث تولى سوغا منصبه وأعلن أنه سيواصل السياسات التي اتبعها آبى. ولكن منذ توليه السلطة، قام بتطهير مجموعة البيروقراطيين المعارين من وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة الذين كانوا يسيطرون على الموظفين في مجلس الوزراء. وقد أثار هذا استياء آبى، الذي كان يقدّر أعضاء فريقه.

ولقد تنحى آبى عن منصبه لأسباب صحية، ولكن منذ استقالته تحسنت حالته الجسدية بفضل الأدوية الجديدة التي يواظب عليها. وبعد أن فشل في تحقيق هدفين رئيسيين أثناء وجوده في منصبه – افتتاح دروة ألعاب طوكيو الأولمبية والبارالمبية وتعديل الدستور – لابد أن يكون لدى رئيس الوزراء السابق مشاعر مختلطة وهو ينظر إلى سوغا على أرض الملعب من مقاعد المتفرجين

وعلى مدار السنوات التي قضاها كمشرع وطني، غيَّر سوغا ولاءه مرارًا وتكرارًا من فصيل من الحزب الليبرالي الديمقراطي إلى آخر (وهو حاليًا لا ينتمي إلى أيٍ منها). وفي عام 2013، ربط مصيره بآبى، وحث رئيس الوزراء السابق بعد فترته الأولى في عام (2006–7) على محاولة العودة. وراهن سوغا على مستقبله السياسي في هذه المجازفة في وقت لم يكن فيه أحد تقريبًا يفكر في مثل هذا الاحتمال. ومن المفترض أنه فعل ذلك بهدف النهوض بمكانته السياسية. وعلى الرغم من أنني لا أعرف ما إذا كان في مكان ما في خبايا عقله كان يتطلع إلى رئاسته للوزراء أم لا، إلا أن انطباعي هو أنه كان يؤوي مثل هذه الأفكار إلى حد ما، وهذا الأمر يصيبني بالقشعريرة.

افتقار سوغا الحاد لمهارات التواصل

يشغل سوغا حاليًا منصبه منذ أكثر من شهرين، وبدأت شخصيته كرئيس للوزراء تتضح شيئًا فشيئًا. وبداية هو يفتقر إلى أدوات توصيل الرسائل للأمة بشكل ملحوظ. وعندما يجيب على الأسئلة في البرلمان الوطني، ينظر إلى الأسفل ويقرأ بشكل متخشب من نصه المُعد. وما يزيد الأمور سوءًا هو أن نطقه ضعيف. وغالبًا ما يكون رده هو العبارة الروتينية ”أود عدم الخوض في هذه المسألة“. وهذا في مجمله أداء ضعيف من قبل رئيس للوزراء.

وخلال فترة ولايته التي حطمت الأرقام القياسية ككبير أمناء مجلس الوزراء في عهد ولاية آبي، كان سوغا المتحدث الرسمي الذي ينقل سياسات الحكومة تجاه مختلف القضايا، ولكنه ربما كان يتلفظ بالكلمات فقط دون استيعاب المحتوى. ومنذ توليه المنصب، أظهر ميلًا للتركيز على المسائل ذات النطاقات الضيقة، كما يتضح من تصميمه على جعل شركات الهواتف تخفض من أسعار الخدمات المقدمة لمستخدمي الهواتف الجوالة، وحملته لتوفير دعم مالي أكبر لمن يخضعون لعلاج الخصوبة. كما عمل جاهدًا على تطوير مجموعة سياسات تنشيط السياحة الداخلية”Go To“ التي تهدف إلى الترويج للسياحة وتناول الطعام في الخارج والتسوق المحلي. وهذه التدابير التي كان له دور أساسي في تبنيها من قبل إدارة آبي، تهدف إلى إعطاء دفعة للفنادق والمطاعم والشركات الأخرى التي تعاني من تداعيات انتشار الوباء. وبعد توليه منصبه الجديد رفض الاعتراف بأن هذه السياسات نفسها تسرع من ارتفاع عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا.

ما نريد أن نسمعه من كبار قادتنا السياسيين هو كلمات تستند إلى نظرة عامة واسعة النطاق على الأوضاع الجارية تخبرنا كيف سيحمون الأمة. فهناك حاجة متزايدة للقادة ممن لديهم القدرة على إيصال هذا النوع من الرسائل في أوقات مصيرية مثل وقتنا الراهن، حيث يشعر العديد من المواطنين بالقلق من انتشار فيروس كورونا.

وكشفت الإدارة الحالية عن طبيعتها الحقيقية عندما رفضت ستة من المرشحين لعضوية مجلس العلوم في اليابان لأنهم عارضوا الحكومة من قبل. حيث قام مسؤول سابق في جهاز الشرطة يعمل كنائب لرئيس مجلس الوزراء باستبعاد أسمائهم من قائمة أولئك الذين سيتم تعيينهم وعرض القائمة المختصرة على سوغا ، الذي بدوره وافق عليها. وكان من المؤلم مشاهدة رئيس الوزراء وهو يحاول لاحقًا تفسير هذا القرار غير المسبوق برفض بعض المرشحين الذين وردت أسماؤهم من قبل مجلس العلوم الياباني من خلال الادعاء بأنه استند إلى ”نظرة شاملة“ وكان يهدف إلى تصحيح عدم التوازن بين الجامعات في تمثيلها للمجلس. وعوضًا عن مجرد إلغاء القرار، تعامل بطريقة فاقمت من المشكلة.

ويعتمد مصير إدارة سوغا على قدرتها على كبح انتشار فيروس كورونا. ومع برودة الطقس، قد يقترب معدل الانتشار من المستويات التي شوهدت في الدول الغربية. حينها هل سيكون من الممكن بالفعل إقامة فاعليات الألعاب الأولمبية في طوكيو الصيف المقبل في ظل هذه الظروف؟ وإذا تمت إقامتها، هل سيتمكن الرياضيون المشاركون وأعضاء الوفود الوطنية والمتفرجون من الخارج الحضور؟ وبالنظر إلى الماضي عندما كانت اليابان في آخر مراحلها في الحرب العالمية الثانية، تطلب الأمر القصف الذري لهيروشيما وناغازاكي ودخول الاتحاد السوفياتي في الأعمال العدائية لإجبار الحكومة اليابانية على الاعتراف بالهزيمة. وأخشى أن نرى إحجامًا مماثلًا عن قبول ما لا مفر منه هذه المرة.

العواقب الوخيمة للانفصال عن حزب كوميتو

إذا تم إلغاء دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو وبناء على الوقت الذي سيتم فيه ذلك، فمن المحتمل أن يقوم سوغا بحل مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات عامة. وعلى أية حال، يجب إجراء انتخابات مجلس النواب في موعد أقصاه الخريف المقبل، عندما يصل أعضاء المجلس إلى نهاية فترتهم الحالية البالغة أربع سنوات. وفي الانتخابات الأخيرة، اعتمد مرشحو الحزب الليبرالي الديمقراطي في الدوائر الانتخابية ذات العضو الواحد على دعم حزب كوميتو، شريك الحزب الليبرالي في الائتلاف الحاكم. ولكن بالنظر إلى تفشي الوباء وترنّح الاقتصاد، فإن آفاق التعاون الانتخابي مع حزب كوميتو في المرة القادمة ستكون مبهمة المعالم.

وفي انتخابات مجلس النواب المقبلة، قرر حزب كوميتو تعيين نائب الرئيس سايتو تيتسو، كمرشح له في الدائرة الانتخابية الثالثة لمحافظة هيروشيما. ويمثل الدائرة حاليًا وزير العدل السابق كاواي كاتسويوكي، المتهم بشراء الأصوات والمُستقيل من الحزب الليبرالي الديمقراطي. وفي خضم ذلك، لا يخطط الحزب الليبرالي الديمقراطي لدعم مرشح حزب كوميتو سايتو، لكنه سيبحث عن مرشح جديد خاص به. وقد يكون لفشل الحزبين في التوحد خلف مرشح واحد في هذا السباق تداعيات في أماكن أخرى من البلاد.

وفضيحة وزير العدل السابق كاواي وزوجته، التي تم انتخابها لمجلس الشيوخ العام الماضي، صدمت منظمة (سوكا غاكاي) البوذية التي يشكل أعضاؤها قاعدة دعم حزب كوميتو، وأدى ذلك إلى قرار الحزب بتقديم مرشحها في دائرة كاواي. وعلى الرغم من أن الحزب الليبرالي الديمقراطي لم يختر مرشحًا بعد، لكن يبدو أنه لا يوجد مجال للحزبين للتحدث حول خلافاتهما والتوحد خلف شخص واحد هذه المرة.

وفي الاقتراع على 265 مقعدًا من مقاعد التمثيل النسبي في مجلس النواب، يحصل حزب كوميتو بصورة منتظمة على ما بين 7 ملايين إلى 8 ملايين صوت على مستوى البلاد. لكنه لا يقدم سوى عدد قليل من المرشحين في 300 دائرة انتخابية ذات العضو الواحد. وهو يؤيد في معظمها المرشحين المحليين للحزب الليبرالي الديمقراطي، الذين يعتمد الكثيرون منهم على دعم حزب كوميتو للفوز.

وإذا افترضنا أن حزب كوميتو يحصل على 8 ملايين صوت على مستوى البلاد، فإن ذلك يمثل حوالي 26,000 صوتًا في المتوسط لكل دائرة فردية. وإذا قام أنصار الحزب بتحويل دعمهم إلى مرشحي المعارضة، فإن هوامش فوز مرشحي الحزب الليبرالي الديمقراطي على منافسيهم يمكن أن تنخفض بنحو 50 ألف صوت. وإذا أخذنا عدد الأصوات التي فاز بها المشرعون من الحزب الليبرالي الديمقراطي من الدوائر ذات العضو الواحد وطرحنا منها 50,000 صوتا، سنجد أن ثلثهم فقط ما زالوا يتقدمون. بعبارة أخرى، بدون دعم حزب كوميتو، سيسقط الحزب الليبرالي الديمقراطي من رأس السلطة.

والسؤال الآن متى سيدعو رئيس الوزراء الى انتخابات عامة؟ حيث أن هناك شائعات بأنه سيفعل ذلك فورًا بعد انعقاد جلسات البرلمان في يناير/ كانون الثاني، مع التصويت في السابع من فبراير/ شباط. ولكن سيكون من الصعب النجاح في مخططه إذا استمر الوباء في الانتشار. وفي الوقت نفسه، إذا استمرت الحكومة في محاولة تعزيز الاقتصاد ومحاربة الفيروس في آن واحد، فهناك مخاوف من أن تفشل على الجبهتين.

وباختصار، تبدو إدارة سوغا صلبة من حيث التعاملات الفئوية التقليدية للحزب الليبرالي الديمقراطي، لكنها قد لا تكون قادرة على مقاومة قوة الوباء. بمعنى آخر، قد تكون في الواقع مجرد صلابة زجاجية سرعان ما تنكسر.

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2020، الترجمة من الإنكليزية. صورة الموضوع: رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدى يجيب على أسئلة المراسلين بعد اجتماع بمقر ديوان الحكومة بخصوص سبل التعامل مع فيروس كورونا في الحادي والعشرين من نوفمبر/ كانون الثاني 2020. كيودو)

سياسة خارجية الحزب الليبرالي الديمقراطي الحكومة اليابانية سياسة