هل وقعت اليابان في معركة المناخ التي تلوح في الأفق بين الولايات المتحدة والصين؟

سياسة

رحب الحلفاء بتعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بتصحيح مسار العلاقات المتعددة الأطراف المتوترة على الرغم من إشارته إلى أنها لن تعود كسابق عهدها. مع وضع قضية التغيرات المناخية في أولويات الصراع بين الولايات المتحدة والصين من أجل الهيمنة، حيث تتطلع إدارة بايدن إلى إنشاء أُطر تعاونية جديدة للوصول إلى أهداف لإزالة انبعاثات الكربون.

اليوم الأول في السياسة المناخية الجديدة

منذ تنصيبه كرئيسٍ للولايات المتحدة في العشرين من يناير/ كانون الثاني، لم يهدر جو بايدن الكثير من الوقت في تفعيل أجندته في محاولة لاستعادة ما يسميه ”القيادة الأمريكية“. وهذا يشمل أخذ زمام المبادرة في معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال تعزيز سياسات مناخية جريئة. بيد أن مواجهته مع النفوذ الصيني المتزايد، جعلته يشير إلى نيته التخلي عن مناهج السياسة الخارجية التقليدية لصالح بناء أطر جديدة للتعاون مع اليابان وحلفاء آخرين.

وكان من أوائل الأدوار التي قام بها بايدن كرئيس هو الانضمام إلى اتفاقية باريس الهادفة لمكافحة التغيرات المناخية، والتي تدعو الدول إلى الالتزام بخفض معدلات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغيرها من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري. وهذه الخطوة، التي تعد عكس قرار سلفه دونالد ترامب في عام 2017 بالانسحاب من الاتفاقية، هي جوهر هدف الرئيس المتمثل في تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

وقد كشفت إدارة بايدن النقاب عن خطتها المناخية، التي أُطلق عليها اسم “Green New Deal” أو ”الاتفاقية البيئية الجديدة“، والتي تهدف إلى إزالة الكربون من الاقتصاد الأمريكي. والخطة تهدف إلى توفير 2 تريليون دولار للإنفاق على البنية التحتية على مدى السنوات الأربع المقبلة وتخصيص 400 مليار دولار للاستثمارات في أبحاث الطاقة النظيفة والابتكارات على مدى العقد المقبل، مع توفير عشرة ملايين وظيفة جديدة من المتوقع أن يتم خلقها في قطاع الطاقة النظيفة. وإظهارًا للرغبة الحثيثة في القيادة فيما يتعلق بقضية المناخ، اقترح بايدن أيضًا تدابير مثل فرض ضريبة حدودية على الكربون على واردات معينة للضغط على الدول التي تتخلف عن التزاماتها بالخفض.

ولقد استعان بايدن بعدد من المتخصصين ذوي الخبرة في المناخ المعروفين برغبتهم في المساعدة على تحقيق خطته البيئية، من ضمنهم وزير الخارجية الأسبق جون كيري، الذي انضم إلى الإدارة كمبعوث رئاسي خاص بشؤون المناخ في مجلس الأمن القومي. كما يتطلع الرئيس إلى تعزيز التعاون الدولي في معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري، لا سيما بين أكبر البلدان المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ومن المتوقع أن تكون الصين واليابان حاضرتين عندما يستضيف بايدن قادة العالم في قمة المناخ في الثاني والعشرين من أبريل/ نيسان، وهو حدث يهدف إلى بدء العمل على إنشاء إطار للحد من الانبعاثات ومعالجة تغير المناخ قبل مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي 2021 المعروف باسم (COP 26) (مؤتمر الدول الأطراف) الذي سيعقد في نوفمبر/ تشرين الثاني ببريطانيا.

التركيز على الصين

إلى جانب الأهداف المحلية المتمثلة في خلق زيادة لفرص العمل وإعادة بناء قطاع التصنيع، تهدف خطة المناخ لإدارة بايدن إلى الحد من نفوذ الصين من خلال إجبارها على العمل بشكل متعدد الأطراف. وقد عبّر بايدن عن أفكاره في مقال خاص بالشؤون الخارجية لعام 2020 بعنوان ”لماذا يجب أن تقود أمريكا مرة أخرى“، والذي ذكر فيه أن المصلحة المشتركة في معالجة قضية تغير المناخ توفر للولايات المتحدة فرصة للتعاون مع بكين حتى في الوقت الذي تواجه فيه الصين بشأن قضايا أخرى.

وقد أكد بايدن بشدة في المقال أن الولايات المتحدة بحاجة إلى قيادة زمام المبادرة في الابتكار، معلنًا أنه ”لا يوجد سبب“ يجعل أمريكا تتخلف عن الصين في مجالات مثل الطاقة النظيفة، الحوسبة الكمومية، الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الجيل الخامس. كما طالب بتصحيح مسارات دعم بكين لمشاريع الطاقة ”غير النظيفة“ مثل دعم صادرات الفحم من خلال مبادرة الحزام والطريق.

وأعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، إدراكًا منه لدور بلاده كأكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، في سبتمبر/ أيلول الماضي بأن الصين تهدف إلى أن تكون متعادلة من حيث الأثر الكربوني بحلول عام 2060. وتستثمر الصين بالفعل بشكل كبير في البحث والتطوير للتقنيات المتطورة في مجالات توليد الطاقة والسيارات الكهربائية، وهي استراتيجية تراهن على توسيع نفوذها العالمي.

ويرى الموقف الدبلوماسي في اليابان بشأن هدف الولايات المتحدة لإزالة معدلات انبعاثات الكربون أن إدارة بايدن تتطلع إلى الشراكة مع حلفاء الاتحاد الأوروبي لتشكيل لوائح ومعايير المناخ في محاولة لدرء النفوذ العالمي المتزايد للصين. ولم يغب مشهد تداعيات تجديد دماء التحالف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على القادة في بكين. وهو الأمر الذي اعتُبر بمثابة انتقاد في واشنطن إلى حد كبير، حيث تحدث الرئيس الصيني شي في المنتدى الاقتصادي العالمي لشهر يناير/ كانون الثاني في دافوس، ضد بدء ”حرب باردة جديدة“، محذرًا من أن تهديد وترهيب البلدان الأخرى ”سيدفع العالم إلى الانقسام وحتى إلى المواجهة.“

أهداف اليابان صوب قضية المناخ

قد تجد اليابان نفسها عالقة وسط توجهات الولايات المتحدة نحو الطاقة النظيفة، وهي خطوة تطرح تحديات تتجاوز احتمالية الخلاف الدبلوماسي مع الصين. حيث أدى الانهيار في محطة فوكوشيما دايئتشي إلى إعاقة قدرة اليابان على توليد الطاقة النووية، وبعد عقد من الزمان، لم يتم إعادة تشغيل سوى عدد قليل من المفاعلات. ومن أجل تلبية متطلبات الطاقة، كان على المرافق الخدمية الاعتماد على الوقود الأحفوري، حيث يتم تشغيل محطات الطاقة الحرارية الآن باستخدام الفحم والغاز الطبيعي لتوليد 85,5٪ من الكهرباء في البلاد. وإذا تعرضت اليابان لضغوط لاتباع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن قضايا المناخ، فسيتعين عليها تجديد هيكلها الصناعي لتلبية المعايير الأكثر صرامة حتى في الوقت الذي تواجه فيه خيارات محدودة لتوليد الطاقة النظيفة.

وقد منعت الرغبة في تجنب مثل هذا السيناريو القادة اليابانيين من الالتزام بخفض الانبعاثات. إلا أن الأمر تغير في السادس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عندما حدد رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدى رسميًا هدف الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050. وبمجرد أن تحدد السباق الرئاسي الأمريكي، كشف سوغا في ديسمبر/ كانون الأول عن ”استراتيجية النمو البيئي“ لليابان التي تحدد دعم الدولة في 14 مجالًا، بما في ذلك استبدال السيارات التي تعمل بالبنزين بمركبات كهربائية وتطوير محطات توليد الرياح البحرية. الأمر الذي اعتُبر في النهاية على أنه مجرد استجابة يابانية لمعايير دولية جديدة نتجت عن ظهور الإدارة الأمريكية الجديدة. ويشير توقيت الإعلان، الذي أتي قبل أيام فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إلى أن سوغا كان يضع رهانه لصالح بايدن، الذي شن حملة مكثفة على السياسات البيئية، وقد صدق حدسه، لكنه يريد أن يكون على يقين قبل الالتزام بإزالة الكربون. وهو الأمر الذي أشار إليه مسؤول في وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، بأن رئيس الوزراء فيما يبدو سيُرجئ تعهده بصافي الصفر لأطول فترة ممكنة.

ويراقب مسؤولو المرافق العامة اليابانية بحذر الدور الذي تقوم به إدارة بايدن أثناء توضيح تفاصيل سياسات الطاقة النظيفة. حيث أثارت انتقادات مبعوث المناخ الأمريكي جون كيري وآخرين للبلدان التي تواصل تمويل محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم وتدعم المرافق الحالية قلقًا في قطاع الطاقة في اليابان، الأمر الذي يدرك معه مشغلو المرافق الخدمية أنهم لا يمكنهم الاستمرار في الاعتماد على الوقود الأحفوري والبقاء بعيدًا عن مرمى النيران.

وستؤثر السياسات البيئية بدورها بشكل كبير على الدبلوماسية الاقتصادية اليابانية الأمريكية المستقبلية، حيث أشار المسؤولون في وزارة الخارجية إلى أنهم يتوقعون اتخاذ خطوات لوضع الاستراتيجيات المناخية، وتطوير التقنيات مثل المركبات الكهربائية، وتعزيز سلاسل التوريد لتصبح مجالات أساسية.

السباق لإعادة تشكيل توجهات الصناعة

من شأن عقد قمة وجهاً لوجه بين سوغا وبايدن أن تكون حاسمة في تحديد علاقة اليابان بالولايات المتحدة المستقبلية. حيث أكد الزعيمان في مكالمة هاتفية في أواخر يناير/ كانون الثاني 2021 التزامهما بالاجتماع شخصيًا في قمة بايدن للمناخ في الثاني والعشرين من أبريل/ نيسان، وتعهدا بالعمل معًا للسيطرة على جائحة فيروس كورونا. وبحسب مسؤول بوزارة الخارجية، ستركز المحادثات بين الزعيمين على التوصل إلى اتفاق بشأن مساهمة اليابان في الإجراءات المضادة للاحتباس الحراري العالمي، بما في ذلك حجم الاستثمار الياباني والتعاون التقني.

وقد أخبرني أحد مسؤولي الحكومة أنه بالإضافة إلى قمة سوغا وبايدن، ستضغط اليابان لعقد أول اجتماع ثلاثي لوزراء التجارة في المنتدى الاقتصادي العالمي في سنغافورة في الصيف المقبل. ولقد بدأت الاجتماعات في ديسمبر/ كانون الأول 2017 في ظل إدارة ترامب، حيث توسطت اليابان في العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التي غالبًا ما تكون مثيرة للجدل. وحتى الآن، كان الأمر بمثابة ملتقى لحث الدول الأخرى، وخاصة الصين، على حماية حقوق الملكية الفكرية واعتماد تدابير تجارية شفافة. لكن وفقًا لمسؤولٍ رفيع المستوى في وزارة التجارة والصناعة، ستوسع إدارة بايدن التركيز ليشمل التعاون في السياسات المناخية، لا سيما فيما يتعلق بالإجراءات التي اعتمدتها الصين.

وسوف يتطلع سوغا إلى حماية الصناعة اليابانية، التي كانت بطيئة في التكيف مع التركيز المتزايد على معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري. وعلى الرغم من بروز اليابان كشريك رائد في مجال البحث والتطوير لبطاريات السيارات الكهربائية ومعدات التصنيع الموفرة للطاقة، إلا أن إنتاج واستيعاب المركبات الكهربائية اليابانية قد تأخر بشكل ملحوظ. وإذا شرعت الصين والولايات المتحدة وأوروبا في انتقالها إلى الطاقة النظيفة بأقصى سرعة، فمن المتوقع أن تلعب المركبات الكهربائية دورًا أساسيًا في التحكم في نسبة الانبعاثات والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة. وهذا من شأنه أن يوجه ضربة قوية لشركات صناعة السيارات اليابانية، والتي ركزت حتى الآن بشدة على تطوير المركبات الهجينة.

وتحرز الصناعات التي تسيطر عليها الدولة في الصين خطوات كبيرة مع المركبات الكهربائية وغيرها من التقنيات الصديقة للبيئة، لكن مسؤولًا حكوميًا يابانيًا تحدثت معه وصف فكرة لجوء اليابان إلى النموذج الصيني لتعويض الخسائر على أنها ”غير واردة“، لكنه أقر بأنه في ظل الوضع الراهن، فإن فرصة اليابان ضئيلة في جعل معدلات انبعاثاتها تتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي الصارمة، نظرًا لعدم تنوع مصادر طاقتها الحالية. وهذا يخلق معضلة خطيرة لإدارة سوغا. ولتجنب التخلف عن الركب في قضية المناخ، فيجب إيصال موقف اليابان بوضوح إلى إدارة بايدن، التي تميل نحو الاتحاد الأوروبي، وتسعى بنشاط للتعاون في صياغة السياسات والأهداف.

العمل سويًا

ستراقب اليابان عن كثب لمعرفة إلى أي مدى سيغير بايدن مساره في التجارة. حيث جعلت النبرة الانعزالية لأمريكا في السنوات الأربع الماضية الكثيرين في الولايات المتحدة متشككين في اتفاقيات التجارة الحرة متعددة الأطراف، والبيت الأبيض الآن في عهد بايدن يقطع الطريق ليعكس دفة هذا الاتجاه. وإن الفشل في تغيير المسار من شأنه أن ينذر بالسوء على اليابان، التي ترى أن تحرير التجارة أمر حيوي لمستقبلها الاقتصادي.

وحتى الآن، لم يشر بايدن إلى استعداده لبدء الأعمال التجارية. وأعرب العديد من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية عن خيبة أمل طوكيو بسبب تعثر مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاقية التجارة اليابانية الأمريكية في عام 2020. وبالمثل، أشاروا إلى أنه تم إحراز تقدم ضئيل في جعل الولايات المتحدة تنضم مجددًا إلى اتفاقية شراكة عبر المحيط الهادئ، التي كانت قد انسحبت منها في عام 2017 تحت إدارة ترامب. ويزعم تشاد باون، أحد كبار الباحثين في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، بأن بايدن سيواصل إعطاء التجارة أولوية ثانوية لأنه يركز على القضايا المحلية الأكثر إلحاحًا مثل التعامل مع مشكلة عدم المساواة الاجتماعية، وتنمية الصناعات الجديدة، وخلق فرص العمل.

إلا أنه في ظل مواجهة تحديات مثل تغير المناخ والوباء العالمي، فهناك إلحاح متزايد في دوائر معينة لإعادة الولايات المتحدة إلى النهج المتعدد الأطراف في أسرع وقت ممكن. وانضم باون إلى مجموعة من ستة علماء من معاهد في اليابان والولايات المتحدة وأوروبا في إعداد تقرير يدعو الحلفاء إلى إشراك بايدن أملا في عرضه في الاجتماع الثلاثي لوزراء التجارة الحافل بتاريخ يجمع بين الدول ذات التفكير المماثل، ويعد نموذجًا لتعزيز التعاون.

وقد ذكر أحد مسؤولي وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، والذي كان مشاركًا في الجولة الأولى من الاجتماعات الثلاثية في عام 2017، بأن الأمر كان هامًا في إقناع الولايات المتحدة، والتي كانت قد بدأت في ذلك الوقت في رفع التعريفة الجمركية عن حلفائها، بالاعتراف بأهمية التعاون مع اليابان وأوروبا لكبح جماح الصين. وبالنسبة لليابان، فإن عقد الاجتماعات كما في المنتديات الحاسمة من شأنه أن يعمل على إشراك إدارة بايدن في مجموعة من القضايا سواء كانت تجارية أو فيما يتعلق بالسياسة المناخية.

(النص الأصلي نًشر باللغة اليابانية، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء أحد الخطابات التي توضح أوجه سياسته الخارجية. رويترز/كيودو.)

العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات اليابانية الصينية الحكومة اليابانية