هل أصبح الجيش الصيني قوة ضاربة تحسب لها الولايات المتحدة ألف حساب؟

سياسة

بعد أن سنّت قانون خفر السواحل الجديد، زادت الصين من توغلاتها في المنطقة الخاضعة لسيطرة اليابان والمحيطة بجزر سينكاكو، فهل ستتطور حدة التوترات الصينية الأمريكية لتصل إلى مواجهة شاملة أم غزو صيني لتايوان؟ يشاركنا مياموتو يوجي، السفير الياباني السابق لدى بكين، آراءه حول سلوك الصين.

مياموتو يوجي MIYAMOTO Yūji

رئيس معهد مياموتو للبحوث الآسيوية، ولد عام 1946. تخرج من كلية الحقوق، جامعة كيوتو. انضم إلى وزارة الخارجية في عام 1969. وشملت مناصبه الدبلوماسية العمل كقنصل عام في أتلانتا وسفيرًا لدى ميانمار. كما كان سفيرا لدى الصين من عام 2006 إلى عام 2010. بعد التقاعد، شغل منصب نائب رئيس مركز الصداقة اليابانية الصينية ورئيس جمعية العلاقات اليابانية الصينية. لديه العديد من المؤلفات.

الصين تسعى للسيطرة على جزر سينكاكو

منذ أن سنّت الحكومة الصينية قانون البحار الإقليمية في عام 1992، أصبحت المياه حول جزر سينكاكو ”بحرًا من المواجهات“. ففي حين أن موقف طوكيو هو أن الحكومة اليابانية قد ضمت جزر سينكاكو إلى محافظة أوكيناوا وأراضي اليابان في عام 1895، جاء التشريع الصيني لعام 1992 لينص على أن دياويو داو (الاسم الصيني لأوتسوريشيما) والجزر المحيطة في سلسلة جزر سينكاكو تشكل أراض صينية.

ثم تدهور الوضع أكثر في أبريل/ نيسان 2012 عندما أعلنت حكومة العاصمة طوكيو بقيادة الحاكم إيشيهارا شنتارو، أنها ستشتري جزيرة أووتسوري وجزيرتين أخريين في السلسلة من مالكها الخاص، مما أجبر الحكومة الوطنية على استباق إيشيهارا من خلال شراء سندات ملكية أراضي الجزر الثلاث لنفسها.

يصف مياموتو يوجي، سفير اليابان السابق في بكين، كيف أشارت مقالة على الإنترنت نشرتها صحيفة الشعب اليومية People’s Daily في مايو/ أيار 2012 إلى زيادة الوعي الصيني بضرورة تنفيذ الصين سريعًا لاستراتيجية بحرية للاعتراض على سيطرة اليابان. في ذلك الوقت، يقول السفير “افتقرت الصين رسميًا إلى مثل هذه الاستراتيجية، وكانت المسؤولية عن ممارسة سلطات إنفاذ القانون البحري موزعة بين المنظمات المكلفة بواجبات مختلفة مثل السلامة العامة وصيد الأسماك والجمارك. تم توحيد هذه المنظمات في وقت لاحق تحت قيادة خفر السواحل الصيني، والتي انضوت بدورها لاحقاً تحت مظلة جيش التحرير الشعبي. إن إصدار الحكومة الصينية لقانون الشرطة البحرية في وقت سابق من هذا العام، والذي يهدف إلى الإشراف على عمليات خفر السواحل الصيني، يمثل تتويجًا لعملية تشكيل هذه الاستراتيجية”.

يوضح السفير مياموتو أن الهدف الأساسي للصين هو تقويض السيطرة الفعالة لليابان على جزر سينكاكو، التي تعتبرها ملكًا لها، من خلال تغيير الحقائق على الأرض وإثبات أن الصين هي التي تمارس سيطرة فعالة. في رأيه، هذا يفسر اتخاذ سفن خفر السواحل الصينية إجراءات صارمة ضد عمل السفن اليابانية التي تصطاد في المياه المحيطة بالجزر.

علاوة على ذلك، يقول إن ”الصين لها اليد العليا في الوقت الحالي، بينما اليابان في الخلف. من خلال تعزيز خفر السواحل، تتطلع الصين إلى تغيير الوضع الراهن من جانب واحد بالقوة لجعل اليابان تدرك الواقع المتغير على الأرض، لكن هذا محظور بموجب القانون الدولي، وهو أيضًا انتهاك لميثاق الأمم المتحدة ومتطلباته بأن يقوم الأعضاء بحل نزاعاتهم سلمياً، لذا كان من الطبيعي أن تشعر اليابان بالقلق إزاء سن بكين لقانون الشرطة البحرية“.

انتهاك للقانون الدولي

ومع ذلك، يعترف مياموتو: ”في حين أن التشريع يتعارض مع التوقعات الدولية، إلا أنه يصعب القول بشكل قاطع أنه انتهاك للقانون الدولي“ وأشار إلى أن خفر السواحل الأمريكي يمتلك أيضًا أسلحة ثقيلة، وقال إن ”الإذن باستخدام الأسلحة في قانون الشرطة البحرية الصيني لا يعني تلقائيًا أن التشريع يتعارض مع القانون الدولي“. كما أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار أو UNCLOS التي تفرض قيودًا على أنواع العمليات التي يمكن أن تقوم بها السفن العسكرية في المياه الإقليمية للدول الأخرى، تسمح للدول باتخاذ تدابير تنفيذية ضد السفن الحربية الأجنبية في مياهها الإقليمية.

يقول مياموتو إن المشكلة تكمن في أن التشريع الجديد يوسع هذه القدرة لتشمل ”المياه الخاضعة للسلطة القضائية الصينية“ الأوسع نطاقاً، مع عدم تحديد حدود واضحة لتلك المياه. بالطبع يجب على اليابان أن تنتقد الصين وغموضها بشأن هذه النقطة، لكن الصين لها تفسيراتها القانونية الخاصة بها ولم تشرع في انتهاك القانون الدولي عن عمد. علاوة على ذلك، فإن آليات تقرير صحة مطالب أحد الطرفين ضعيفة للغاية في الممارسة الدبلوماسية الدولية، والواقع هو أنه غالبًا ما تتم تسوية القانون العرفي من خلال الإجراءات المادية التي تتخذها الأطراف المتنازعة”.

ويحذر السفير من أن ”قضية القانون الدولي حساسة للغاية، ولا يتفق الرأي الياباني دائمًا مع التفاهمات السياسية الدولية. ومع ذلك، إذا لم تؤكد اليابان ادعاءاتها فإنها ستضع نفسها في موقف سيئ. لهذا السبب يجب على اليابان التحدث بوضوح والتصرف ردًا على تحركات الصين“.

لا استسلام للقوة الصينية

يقدم السفير مياموتو نصائح واضحة حول التعامل مع مشكلة جزر سينكاكو في المستقبل.

إذا طلبنا إجراء مناقشات مباشرة مع بكين بشأن هذا الأمر، فمن المحتمل أن يستنتج الجمهور الصيني خطأً أن حكومته كانت محقة في مقاومة اليابان بشأن جزر سينكاكو. لذا بدلاً من ذلك يجب علينا أولاً تعزيز خفر السواحل الياباني، وتعزيز التنسيق بين قوات الدفاع الذاتي البحرية وخفر السواحل الياباني (JCG)، والبدء في إجراء التدريبات استعدادًا لأسوأ السيناريوهات التي قد نحتاج فيها إلى تطبيق المعاهدة الأمنية مع الولايات المتحدة. هنا فقط، وبعد أن تؤكد اليابان على التزامها الراسخ بالدفاع عن جزر سينكاكو كجزء لا يتجزأ من أراضيها، ينبغي أن تبدأ الحكومة المناقشات. في جميع الأحوال تريد كل الدول، بما في ذلك الصين، تجنب حل مشاكلها باستخدام القوة العسكرية”.

يحذر مياموتو من أن اليابان يجب ألا ترسل رسالة مفادها أن القوة العسكرية الهائلة للصين نجحت في إسكاتها، وفي نفس الوقت فإن رفض اليابان التحدث مع الصين بشأن هذه القضية مع استمرار جيش التحرير الشعبي الصيني في بناء قوته العسكرية ليس أمراً جيدًا أيضًا. يجب أن تضمن طوكيو احتفاظها بقنوات اتصال قوية مع الصين تسمح لها بالتحدث من منطلق قوة، لكن إلى الدرجة التي لا تقوض المصالح الأمنية الأمريكية اليابانية. يجب أيضًا تعزيز العلاقات الاقتصادية الصينية اليابانية، إذ ينبغي أن تستفيد اليابان إلى أقصى حد من السوق الصينية لتنشيط اقتصادها”.

المواجهة الشاملة التي لا يريدها أحد

يبدو أن المشاورات الأخيرة رفيعة المستوى التي أُجريت في منتصف مارس/ آذار في ألاسكا تظهر كم التعارض الذي تنطوي عليه العلاقة بين الصين وأمريكا، فهل استقرت الدولتان على اللجوء إلى المواجهة الشاملة؟ مياموتو لا يدعم وجهة النظر هذه.

لقد تحول موقف الولايات المتحدة إلى المواجهة مع الصين بعد استشارة حلفائها والاستماع إليهم. تعمل الولايات المتحدة على جذب طوكيو وجعلها تتخذ نفس موقفها بسبب الأهمية التي توليها اليابان لمشكلة جزر سينكاكو وبسبب التعاون العسكري القوي بين اليابان والولايات المتحدة. الصين فاقدة لتوازنها وتحاول ترسيخ قاعدة الدعم العالمية الخاصة بها كما يتضح من رحلات وزير الخارجية وانغ يي إلى الشرق الأوسط. وإذا استمرت هذه المواقف، فسوف تدخل الجغرافيا السياسية في حقبة تشبه حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

”لا شك أن الحرب الباردة بين الصين وأمريكا ليست في مصلحة أي من الطرفين. أعتقد أن الرئيس جو بايدن يتفهم ذلك. وبالنظر إلى التأثير الكبير الذي قد تحدثه على الاقتصاد الأمريكي، فلا توجد رغبة حقيقية في الانفصال بشكل كامل عن الاقتصاد الصيني“.

غزو صيني لتايوان

تجلّت المخاوف المتزايدة من اندلاع أزمة عسكرية بسبب تايوان مؤخرًا من خلال التعليقات التي أدلى بها القائد الأعلى للقيادة الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ والهندي. حيث أشار الأدميرال فيليب إس ديفيدسون في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ إلى إمكانية غزو الصين لتايوان ”في السنوات الست المقبلة“.

رغم أن أصبحت للصين مؤخرًا اليد العليا في مضيق تايوان، إلا أن السفير مياموتو يعتقد أن إقدام الصين على اتخاذ إجراء عسكري ضد تايوان ليس أمراً سهلاً بسبب التأثير العالمي السلبي الكبير الذي قد يتركه هذا على سمعة الصين الدولية واقتصادها.

يقول: ”بينما لعب الأسطول السابع للبحرية الأمريكية دورًا أمنيًا مهمًا في غرب المحيط الهادئ والمحيط الهندي، فإن التوازن العسكري الإقليمي يتطور لصالح الصين. إن تحديث الجيش الصيني جعل من الصعب على الأسطول السابع تنفيذ عمليات حول تايوان، مما يعني أننا بحاجة الآن إلى النظر في التوازن العسكري بين الولايات المتحدة والصين عبر المضايق مع ترك الأسطول السابع خارج الصورة“.

يقول مياموتو، متأملًا في المحاولات التقدمية لإدارة دونالد ترامب لتعزيز العلاقات الأمريكية مع تايوان: ”لا يمكن لبكين أن تقف مكتوفة الأيدي وهذا يفسر سبب التهديد بغزو عسكري محتمل لتايوان وتصعيد كثافة التدريبات العسكرية في مضيق تايوان، بما في ذلك إرسال جيش التحرير الشعبي الصيني عبر خط الوسط بين تايوان والصين، وبالتالي فقد جاءت تعليقات المسؤولين العسكريين الأمريكيين التي تناولت الأعمال العسكرية الصينية العدائية المحتملة رداً على تلك التحركات.

رئيسة تايوان تساي إنغ ون (يمين) ووزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية أليكس أزار (يسار) يجتمعان في تايبيه في 10 أغسطس/ آب 2020. كان أزار هو المسؤول الحكومي الأعلى مرتبة الذي زار تايوان بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وتايوان عام 1979. (جيجي، إهداء من مكتب الرئيس، جمهورية الصين).
رئيسة تايوان تساي إنغ ون (يمين) ووزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية أليكس أزار (يسار) يجتمعان في تايبيه في 10 أغسطس/ آب 2020. كان أزار هو المسؤول الحكومي الأعلى مرتبة الذي زار تايوان بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وتايوان عام 1979. (جيجي، إهداء من مكتب الرئيس، جمهورية الصين).

بينما يشير مياموتو إلى أن بعض المراقبين يعتقدون أن ”شي جين بينغ قد يرغب في دخول التاريخ من خلال توحيد تايوان مع البر الرئيسي“، إلا أنه يعتقد أن الإدارة الحالية في بكين سيكون من العسير عليها أن تشرح للشعب الحاجة الملحة لتعبئة جيش التحرير الشعبي. وبالتالي فإن بكين لن تفكر في غزو تايوان إلا إذا بدا استقلال تايوان أمراً وشيكًا، لكن تساي إنغ ون تفهم هذا جيدًا ولن تتجاوز ذلك الخط”.

ويستطرد قائلاً: ”تايوان منتج عالمي رئيسي لأشباه الموصلات، والهجوم الصيني على تايوان سيؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم العالمية وخلق فوضى في الاقتصاد العالمي. سيؤثر هذا بشكل كبير على اقتصاد الصين وقد يقود الشعب الصيني إلى انتقاد شي والتساؤل “لماذا الهجوم على تايوان الآن”؟ بالنسبة للمواطن الصيني العادي، تعد الرفاهية اليومية هي الأولوية القصوى، أما قضية تايوان فلا تشغل باله كثيراً“.

في إشارة إلى التعليقات الأخيرة التي أدلى بها القائد الأعلى للقيادة الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ والهندي الأدميرال ديفيدسون، يقول مياموتو إن ”الإشارة إلى ست سنوات لها مغزى كبير، فمن المحتمل أن تفكر الولايات المتحدة في استغلال ذلك الوقت لتحقيق التوازن العسكري عبر مضيق تايوان - وهناك احتمال كبير بأن تطلب واشنطن مطالب عسكرية إضافية من طوكيو“.

هل يمكن للعالم أن يتعايش مع الصين؟

لقد اتسع نطاق الحصار الاستراتيجي للصين مؤخرًا حيث تفكر الولايات المتحدة وأوروبا في فرض عقوبات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها الصين ضد الإيغور في مقاطعة شينجيانغ. أسأل سعادة السفير ما إذا كان العالم يمكنه أن يتعايش مع الصين.

”شدد شي جين بينغ مرارًا وتكرارًا على أن الصين داعمة، وليست منافسة، للنظام الدولي الحالي. كما قال إن الصين ستلتزم بالقانون الدولي المتجسد في روح ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. بدأت جمهورية الصين الشعبية إصلاحًا جذريًا لنظام حكمت فيه السلالات الإمبراطورية لآلاف السنين، وكافح قادتها باستمرار لتحسين الحكم في الصين. القضية هي كيف يمكن للعالم أن يوجه الصين نحو إنشاء مشترك لنظام دولي جديد. وهذا يتطلب أن نتعامل مع الصين بما يتماشى مع قوتها الصاعدة داخل النظام الدولي“.

كما يعارض السفير الرأي القائل بأن التعايش مع الصين المختلفة جوهريًا أمر مستحيل، لذلك يجب علينا مقاومة الصين وإسقاط الحزب الشيوعي الصيني. ويشير إلى أنه ”إلى الدرجة التي نتبع فيها هذا المنطق، سوف تولد مقاومة صينية يائسة بشكل متزايد وسيؤدي هذا إلى تفاقم كراهية الصين الحالية للمجتمع الدولي. أريد أن أتجنب مستقبلاً يتعين فيه على أحفادنا التعامل مع هذا النوع من الصين.

في النهاية، يعتقد مياموتو أنه من الأفضل ”مواجهة الصين ومناقشتها مباشرة بعد دمجها في النظام الحالي وتوجيه جهودنا نحو تحقيق واقع جديد مستقر مع الصين“. كما يعتقد أن ”لليابان، بشكل خاص، دور مهم في تشجيع الصين على المضي قدماً في هذا الاتجاه“.

بينما يقول السفير مياموتو إن ”اليابان بحاجة إلى التعبير عن موقفها بوضوح وبشكل مباشر“ إذا فعلت الصين شيئًا غير مناسب، فإنه يعتقد أيضًا أن اليابان يجب أن تكون حريصة في مسألة فرض رأيها على الصين. لا يسعنا إلا أن نأمل أن تستجيب الصين لنداءاتنا. ففي النهاية ما تفعله الصين هو أمر يقرره الشعب الصيني، لذا يجب على اليابان تجنب اتخاذ إجراءات من شأنها إثارة عداء الشعب الصيني واستفزاز مشاعره، وبالتالي إثارة رد فعل عنيف من قبل الحكومة الصينية”.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: نائب الرئيس حينها بايدن والرئيس شي جين بينغ يتشاركان نخبًا في واشنطن العاصمة في 25 سبتمبر/ أيلول 2015. جيجي/ فرانس برس)

الصين العلاقات الدولية العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات الصينية اليابانية