إعادة التفكير في أهمية تمويل الفنون في عصر الكورونا

ثقافة

تسببت جائحة كورونا في أما تأجيل أو إلغاء غالبية العروض الثقافية والمسرحيات والحفلات الموسيقية، وحتى تلك التي لم يتم إلغاؤها واجهت الكثير من القيود على الحضور الجماهيري، مما تسبب في معاناة العاملين في هذا القطاع. في هذا المقال نوضح أشكال الدعم التي تم توفيرها للأنشطة الفنية والثقافية أثناء الوباء، وما هي الاستنتاجات التي يمكننا استخلاصها حول قضايا السياسة الثقافية والعلاقة بين الفنون والمجتمع؟

توفر اليابان العديد من أنواع الدعم للأنشطة الثقافية والفنية التي تأثرت بشدة بسبب تفشي وباء كورونا. وجدير بالذكر أن هذا الدعم لا يقتصر على المساعدات المادية من الحكومة الوطنية والهيئات المحلية، بل ويشمل أيضًا التبرعات من الشركات الخاصة والأفراد. كما أدى الوباء إلى زيادة النشاط المستقل من قبل العاملين في مجال الفنون والثقافة، بالإضافة إلى زيادة في مبادرات التواصل المختلفة لتبادل الأفكار والخبرات.

في أواخر أبريل/ نيسان 2021، أعلنت وكالة الشؤون الثقافية عن تفاصيل برنامجها الجديد لدعم الفنون من أجل المستقبل. ولأن السنة المالية 2021 كانت قد بدأت بالفعل، فقد تم تمويل مشروع الفنون من أجل المستقبل من الميزانية التكميلية الثالثة للحكومة، والتي تمت الموافقة عليها في السنة المالية 2020، والتي تغطي الفترة حتى مارس/ آذار 2021. مع بدء إجازة الأسبوع الذهبي في اليابان ”امتداد العطلات الوطنية من أواخر أبريل/ نيسان إلى أوائل مايو/ أيار من كل عام“ من المعتاد أن تشهد الأنشطة الثقافية إقبالاً جماهيرياً كبيراً، ولكن هذا العام بسبب ما فرضته الحكومة من قيود على الحضور الجماهيري خلال حالة الطوارئ، قامت العديد من القطاعات الفنية والثقافية والترفيهية بالتقدم بطلب للحصول على الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة.

المنح المباشرة

إن مبلغ 50.9 مليار ين المدرج في برنامج وكالة الشؤون الثقافية لدعم استمرار المساعي الفنية والثقافية هو حجر الزاوية في حزمة المساعدات الشاملة الطارئة لأنشطة الفن الثقافي المدرجة في الميزانية التكميلية الثانية للحكومة المالية لعام 2020، وتعادل حوالي 50٪ من الميزانية السنوية للوكالة. بالإضافة إلى هذا المبلغ الضخم، يتميز برنامج الدعم بأنه يمول بشكل مباشر الفنانين والمديرين والفنيين المستقلين الذين لا ينتمون إلى مجموعات فنية أو ثقافية. في السابق، باستثناء مخطط التدريب الخارجي لوكالة الشؤون الثقافية للفنانين الصاعدين، لم تسمح برامج المنح التي قدمتها الوكالة للأفراد بالتقدم للحصول على منح مباشرة، وبدلاً من ذلك كانت تقدم المنح للمؤسسات فقط وليس للأفراد. جاء قرار الوكالة بتقديم الدعم المباشر للفنانين والعاملين المستقلين في اليابان، والذين لا يعرف عددهم على وجه التحديد، استجابة لصرخات هؤلاء الفنانين، الأمر الذي جعل السلطات ترى أن المساعدة المالية العاجلة أمر ضروري.

في مواجهة الوضع الحالي للمشهد الفني في اليابان، والذي يدعمه عمل العديد من الفنانين المستقلين وموظفي الدعم، فإن قرار الحكومة بالاتصال بالفنانين الفرديين ومحاولة تلبية الاحتياجات الفردية أمر مهم من حيث النظرة المستقبلية للسياسة الثقافية اليابانية. إذا تم تطبيق هذه المبادرة بشكل صحيح، فسوف تلبي متطلبات الفنانين، مما يعمل على الحفاظ على سلامة المناخ الثقافي، ولكن إذا تم إساءة استخدامها، فقد ينتهي بها الأمر إلى خلق شكل جديد من أشكال الرقابة. أعتقد أن هناك حاجة لمزيد من التدقيق في العلاقة بين الفنون والثقافة والقطاع العام.

الدور الحكومي

عندما بدأت وكالة الشؤون الثقافية في قبول طلبات الحصول على المنح لضمان استمرار الأنشطة الثقافية والفنية، أدى تعقيد المخطط وافتقار المتقدمين إلى الخبرة في التقدم للحصول على هذه المنح إلى حدوث العديد من الصدامات بين المتقدمين ومديري المنح، مما تسبب في شعور بعض المتقدمين بالإحباط وعدم الرضا. في الوقت نفسه، تمكن العديد من الأشخاص من الحصول على المساعدة دون صعوبة، وفي منطقة كانساي التي أقيم فيها، تمكن المخطط من إحياء العديد من المعارض والعروض الجذابة والإبداعية، وإن كانت صغيرة الحجم. غالبًا ما تجعلك هذه الأحداث تقدر مدى إصرار الفنانين على الاستمرار في إنشاء وعرض فنهم في ظل هذه الظروف الصعبة.

سأقدم ملخصًا لتفاصيل وميزانيات خطط الدعم الرئيسية المقدمة من قبل وكالة الشؤون الثقافية خلال جائحة كوفيد-19، بما في ذلك المنح المقدمة لضمان استمرار الأنشطة الثقافية والفنية.

منحة وكالة الشؤون الثقافية المقدمة لمساعدة الأنشطة الفنية والثقافية خلال جائحة كورونا.

الميزانية التكميلية الأولى: 6.1 مليار ين

  • مشروع دعم إجراءات منع انتشار فيروس كورونا في المؤسسات الثقافية: 2.1 مليار ين.
  • مشروع جابان لايف ييل ”منحة إبداعية فنية وثقافية استراتيجية للعام المالي 2020“: 1.3 مليار ين. ”تم توفير التمويل لأكثر من 500 حدث مباشر تم تنظيمه في جميع أنحاء البلاد ، بعضه عبر الإنترنت“.

الميزانية التكميلية الثانية: 56 مليار ين

  • منحة ضمان استمرار الأنشطة الثقافية والفنية: 50.9 مليار ين. ”توفر الدعم للفنانين المستقلين والمجموعات الثقافية والفنية الصغيرة للحصول على ما يصل إلى 200 ألف ين أو 1.5 مليون ين، على حسب طبيعة النشاط“.
  • مخطط تعزيز ربحية الأنشطة الثقافية والفنية: 5 مليارات ين. ”تهدف هذه المنحة بشكل أساسي إلى مساعدة المجموعات الثقافية والفنية على نطاق واسع، ودعم تطوير أسواق جديدة وإصلاح هيكلي لعالم ما بعد الكورونا“.

الميزانية التكميلية الثالثة: 40.9 مليار ين

  • مشروع الفنون من أجل المستقبل: مخطط لدعم الأنشطة الثقافية والفنية التي تهدف إلى التغلب على جائحة كوفد-19: 25 مليار ين. ”يهدف هذا المخطط إلى مساعدة المنظمات الثقافية والفنية والأشخاص الذين ينشئون ويديرون مؤسسات ثقافية في اليابان، ويتضمن منح الدعم ومنح تعويض إلغاء الفعاليات. والأولى هي منحة نشطة تدعم الابتكار فيما يتعلق بالأنشطة الثقافية والفنية الجديدة وتعتمد على فرضية وجود دخل من إيرادات التذاكر وما إلى ذلك، لابتكار أنشطة ثقافية وفنية جديدة ودعم الجهود المبذولة لتعزيز الاستدامة“.
  • قافلة الفن: مخطط يركز على الأنشطة الفنية والثقافية عالية الجودة: 7 مليار ين. ”يوفر الدعم لفنون الأداء واسعة النطاق وعالية الجودة التي تنتجها الهيئات الإدارية الفنية، فضلاً عن الأنشطة التي تم تحقيقها من خلال الشراكات مع المنظمات المجتمعية الثقافية والفنية“.

تدابير لمنع انتقال فيروس كوفيد في المؤسسات الثقافية وتهيئة بيئة مواتية للأنشطة الثقافية والفنية: ٥ مليارات ين. بعض الفنانين استفادوا أيضاً من منح دعم توطين المحتوى الياباني وتوزيعه للترفيه الحي ”87.8 مليار ين“، أو منحة استمرار العمل ”5.7 تريليون“، أو إعانة تعديل التوظيف التي تقدمها وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية ” 2.2 تريليون“.

وعلى سبيل المقارنة، استجابةً للوباء أنشأت الحكومة الألمانية صندوقًا ثقافيًا بقيمة 1.2 مليار دولار، بينما ساهمت حكومة المملكة المتحدة بمبلغ 2.1 مليار دولار لدعم المسرح وأماكن الموسيقى الحية. إن مجرد مقارنة المبالغ المخصصة لخطط الدعم التي تركز على الفن قد يشير إلى أن اليابان قد أنفقت القليل جدًا على الفنون مقارنة بأوروبا. ومع ذلك، فإذا وضعنا في الاعتبار أن اليابان هي واحدة من أكثر الدول الصناعية مديونية، فإن الحكومة تستحق التقدير لتقديمها مستوى غير مسبوق من الدعم للفنون والثقافة في ميزانيتها التكميلية.

الثقافة من أجل الديمقراطية

الكلمة التي ألقتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في 9 مايو/ أيار 2020 كان لها صدى واسع في المجال الثقافي الياباني. فقد أعلنت ميركل أن بقاء بيئة ثقافية متنوعة يمثل الأولوية القصوى لحكومتها، وأعلنت عن سياسة تعوض بموجبها الخسائر التي تكبدتها المؤسسات الفنية والثقافية نتيجة لإلغاء الفعاليات، فضلاً عن دعم الفنانين المستقلين بالنفقات المستمرة، بما في ذلك تكاليف مكان العمل أو الإيجار. بررت ميركل الحزمة بإبداء آرائها حول أهمية الفن للمجتمع.

يجب أن يكون هذا البيان الصادر عن قائدة البلاد حول كيفية رؤيتها للفن مشجعًا للغاية للفنانين والشركات وكذلك للعاملين في هذا المجال في ألمانيا. ومن الجدير بالإشادة أن الحكومة الألمانية قدمت الدعم للفنانين المقيمين في ألمانيا بغض النظر عن جنسيتهم، فقد صرحت لي فنانة صديقة مقيمة في ألمانيا إن مبلغ 9000 يورو تم إيداعه في حسابها المصرفي في اليوم التالي لتقديمها طلبًا للمساعدة.

في نفس الوقت الذي القت في ميركل خطابها هذا، نشرت دير تاجشبيجل مقابلة مع المفوضة الفيدرالية الألمانية للثقافة والإعلام، مونيكا جروترز بعنوان ”الثقافة أساس الديمقراطية“ تقول جروترز في المقابلة: منذ عام 1945 سلكت المانيا طريقا صعباً، ودائماً ما عبرت عن احترامها للديمقراطية والتأكيد عليها في دستورها. وخلف كل ذلك كان هناك قناعة بأن الفنانين هم أساس الحركة الثقافية، من خلال التشكيك في كل شيء، والإبداع والتجريب، وكشف التناقضات، وتنشيط الخطاب العام وحماية الديمقراطية من اللامبالاة السياسية والميول الشمولية.

لقد جعلني التعرف على الوضع الألماني أشعر أنه على الرغم من المواقف السياسية الموجودة في هذه التصريحات، هناك اختلافات جوهرية بين اليابان وأوروبا في منظور السياسة الثقافية، متجذرة في الاختلافات الأيديولوجية ووجهات النظر حول دور الفن في تنمية المجتمع وعلى أهمية المجتمع للفن. على سبيل المثال، يعتقد الكثيرون في اليابان أن الفن ”لا علاقة له بالأفراد“، وأن الفنانين مجرد أشخاص منغمسون في اهتماماتهم الخاصة. هذا الموقف سائد أيضًا داخل الحكومة. وهذا هو بالضبط سبب اختزال هذه القضية في كثير من الأحيان إلى مسألة الاعتماد على الذات، مع انتقادات كبيرة موجهة نحو استخدام أموال دافعي الضرائب لدعم الفنون والثقافة. المشكلة الأكبر هي أن بعض الفنانين يشاركون هذا الرأي.

اعتمادًا على الطريقة التي تنظر إليها، قد تكون هناك جوانب إيجابية للنهج الياباني، حيث لا يفرض قيودًا على الفنان. فإذا بدأ جميع الفنانين في الاعتقاد بأنهم يعملون لصالح الديمقراطية، فستكون هذه نهاية الأعمال الفنية المثيرة للاهتمام. فهناك منشئو المحتوى الذين التزموا بالحفاظ على استقلاليتهم، وحاولوا الاستفادة القصوى من هذا الموقف الصعب، مما دفعهم إلى تجربة أشياء جديدة. لم يتأثر تفاني العديد من الفنانين في مساعيهم الإبداعية بالوباء. على أية حال، كان عام 2020 فرصة للنظر في العلاقة بين الفن والثقافة في اليابان، والتركيز على الطبيعة الجوهرية لهذا العالم. ومع ذلك، فمع عدم وجود فرصة لمواصلة هذا النقاش، يبدو أن هذه التجربة ستُنسى ببساطة. في ظل عدم وجود تحليل ونقاش أعمق حول هذه الأسئلة الأساسية، لا أعتقد أنه من الممكن التأكيد بشكل صحيح على ضرورة أو أهمية الفنون من حيث علاقتها بالصناعة أو الاقتصاد.

فشل الحكومة في التواصل مع الجمهور

إن الاستماع إلى التطورات في الخارج يمكن أن يؤدي إلى تحيز سلبي ويجعل المرء متشائما بشأن الأوضاع في اليابان. ومع ذلك، فمن منظور عام، تقارن اليابان بشكل محترم مع نظيراتها في الخارج من حيث الدعم المقدم للفنانين. بالإضافة إلى الدعم المالي للعاملين لحسابهم الخاص والمنظمات والمجموعات، كما تم تقديم الدعم بعدة طرق أخرى، مع الحرص على إنشاء العديد من خطوط المساعدة والعديد من الجلسات الإعلامية وجلسات الدراسة. إذا كان هناك أي شيء، فإن المشكلة تتعلق بنهج الحكومة في الإعلان عن السياسة وتقديم المعلومات. أعتقد أن المزيد من الناس كانوا سيشعرون بالسعادة إذا فهموا المخطط بالكامل وكان لديهم أهداف وخلفية واضحة لهذه السياسة.

لا يزال قطاع الثقافة والفنون يمر بأوقات عصيبة. فبعد عمليات التأجيل والإلغاء المتكررة، سيتخلى بعض الفنانين عن حرفتهم، ولن يعودوا قادرين على تغطية نفقاتهم. سيصبح الآخرون محبطين ومكتئبين من خلال تصنيفهم على أنهم ”أناس غير ضروريين“. آمل أن ننتهز جميعًا الفرصة للنظر في العلاقة بين المجتمع والفن حتى نتمكن من تطبيق الدروس المستفادة حول دعم الفنون والثقافة أثناء الوباء في مساعينا المستقبلية. .

(النص الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: العرض المسرحي الأول للمسرح الوطني الياباني الجديد، الذي أقيم في 12 مايو/ أيار 2021، بعد رفع الحظر على العروض المقدمة للجمهور. جيجي برس)

الفن الفن المعاصر الثقافة الشعبية الثقافة التقليدية