هل بات من الصعب على اليابان الاستمرار في سياساتها الرامية إلى إرضاء الولايات المتحدة والصين

سياسة

لقد أوضحت إدارة بايدن الجديدة أنها ستتبنّى سياسة الرئيس السابق ترامب المتشددة تجاه الصين وأن لليابان دورًا رئيسيًا تلعبه في هذه الاستراتيجية. يحذّر الكاتب من أن اليابان لم يعد بإمكانها البقاء على الحياد ويدعو طوكيو إلى تحمل مسؤولية وعواقب التعاون مع واشنطن في مسائل الأمن الاقتصادي والدفاع الإقليمي.

خلال الأشهر الأربعة الأولى لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تولت إدارته الإشراف الكامل على حملة التطعيم الضخمة ضد فيروس كورونا وتعبئة الأموال الحكومية لإعادة بناء وإنعاش الاقتصاد الأمريكي. لكن حتى وسط هذه التحديات الداخلية، كانت إدارته نشطة بشكل ملحوظ على الجبهة الدبلوماسية وكان هذا النشاط موجهًا جزئيًا لدعم التحالفات والأطر متعددة الأطراف التي تضررت كثيراً بسبب الدبلوماسية التي تتحدى القواعد التي اتبعها الرئيس السابق دونالد ترامب. لكنها استهدفت أيضًا التحدي الذي تمثله الأنظمة الاستبدادية القمعية بشكل عام والصين بشكل خاص.

مواجهة التحديات الصينية

على الرغم من انتقاداته لدبلوماسية ترامب، أظهر بايدن حتى الآن نية واضحة ليس فقط للحفاظ على سياسة إدارة ترامب تجاه الصين، بل أيضًا مضاعفتها مما دفع بكين إلى صدارة الأجندة الاستراتيجية العالمية لأمريكا.

كان التحول في سياسة الصين قد بدأ بالفعل قرب نهاية رئاسة باراك أوباما، حيث بدأ صانعو السياسة، الذين أدركوا حدود سياسة ”المشاركة“ طويلة الأمد لواشنطن، في اختيار ردود أكثر صرامة على الهجمات الإلكترونية الصينية والنشاط العسكري في بحر الصين الجنوبي. لكن إدارة دونالد ترامب هي التي أعطت الأولوية للصين باعتبارها محورًا لاستراتيجية الولايات المتحدة العالمية. لقد أوضحت استراتيجية الأمن القومي التي تم تبنيها في عام 2017، والتي تردد صداها في البيانات اللاحقة حول المحيطين الهندي والهادئ، بوضوح تصور واشنطن لصعود الصين باعتبارها مسألة ذات اهتمام عالمي وإقليمي على حد سواء.

إنها وجهة نظر عالمية يشاركها كبار المسؤولين والمستشارين في إدارة بايدن، إذ يرون أن مشكلة القوة المتنامية للصين لا تمثل مجرد تهديد لتفوق الولايات المتحدة، بل إن التهديد الحقيقي يكمن في قدرتها على تغيير موازين القوى الإقليمية بالقوة وإعادة تشكيل النظام الدولي.

لقد حددت إدارة بايدن وجهات نظرها بشأن الصين في الدليل الاستراتيجي للأمن القومي المؤقت الذي أصدرته في 3 مارس/ آذار في خطوة غير عادية لتحديد أولوياتها الأمنية في أسرع وقت ممكن. وصفت الوثيقة الصين بأنها ”المنافس الوحيد الذي يحتمل أن يكون قادرًا على الجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتشكيل تحد مستمر لنظام دولي مستقر ومفتوح“، وتحذّر الوثيقة من التحديات التي تفرضها القوى المناهضة للديمقراطية التي ”تستخدم التضليل وسوء تفسير المعلومات وتسليح الفساد لاستغلال نقاط الضعف المتصورة وزرع الانقسام داخل الدول الحرة وفيما بينها، والعمل على تفتيت القواعد الدولية القائمة وتعزيز قيام نماذج بديلة للحكم الاستبدادي“، كما أكدت عزمها على ”الانتصار في المنافسة الاستراتيجية مع الصين أو أي دولة أخرى“ و ”قيادة والحفاظ على نظام دولي مستقر ومنفتح“.

تختلف السياسة الخارجية لبايدن عن سياسة ترامب في تركيزها على الديمقراطية مقابل الحكم الاستبدادي، وهو موضوع يظهر مرارًا وتكرارًا في خطابات الرئيس. كما شدد بايدن أيضًا على نهج تعاوني، منتقدًا موقف ترامب ”إما طريقتي أو الطريق السريع“ تجاه أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها، ولكن من حيث تعاطيهم مع الملف الصيني، فإن أوجه التشابه تفوق الاختلافات.

ورث بايدن أيضًا تأكيد سلفه على تدابير الأمن الاقتصادي، لا سيما تلك التي تهدف إلى الحفاظ على الهيمنة الأمريكية فيما يتعلق بالتكنولوجيات الحرجة أو الحساسة. حددت إدارة ترامب الاتجاه مع قانون إصلاح مراقبة الصادرات لعام 2018 وقانون تحديث مراجعة مخاطر الاستثمار الأجنبي. أوضح المسؤولون في إدارة بايدن أن الحكومة ستستمر في الاستفادة من هذه الأدوات لحماية التكنولوجيا الأمريكية وحماية البنية التحتية الأمنية للبلاد. ووسط التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، أظهرت واشنطن ميلًا متزايدًا لمعاملة التجارة والتكنولوجيا باعتبارهما جوانب أساسية للأمن القومي، ويستمر هذا النهج في ظل إدارة بايدن. في الوقت نفسه، أدت جائحة فيروس كورونا إلى زيادة وعي واشنطن بالحاجة إلى تنويع سلاسل التوريد الأمريكية وإعادة تشكيلها، من وجهة نظر الأمن وكذلك التنشيط الاقتصادي. لطالما كان الكونجرس داعمًا للتدابير الموجهة إلى تعزيز مثل هذا التحول.

من المرجح أن تكتسب استراتيجية الصين المشتركة بين الوكالات التي طورتها إدارة ترامب زخمًا في عهد بايدن. في الوقت الحالي، لا يوجد صانعو سياسة رفيعو المستوى في واشنطن يطرحون قضية التقارب، كما فعل وزير الخزانة السابق ستيفن منوشين في ظل إدارة ترامب، لكن من المؤكد أن بايدن يعلق الأمل على التعاون مع بكين بشأن قضية تغير المناخ، كما حذر قطاع الصناعة الأمريكي من أن الانفصال الكامل قد يؤدي إلى خسارة الوظائف الأمريكية. لكن هذه العوامل المخففة غير كافية لتغيير مسار العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.

دور اليابان المحوري

على الرغم من استمرار جائحة فيروس كورونا، تحركت إدارة بايدن التي تم تنصيبها حديثًا بسرعة لتنشيط الدبلوماسية الأمريكية من خلال مجموعة من الاجتماعات الافتراضية والشخصية، وكان التركيز الأكبر لهذا النشاط منصباً على الصين. برز النقد الموجه إلى الصين في بيان 5 مايو/ أذار الصادر في اجتماع وزراء الخارجية والتنمية لمجموعة الدول الصناعية السبع في لندن. تشير هذه النتيجة، إلى جانب قرار الاتحاد الأوروبي بمعاقبة الصين على انتهاكات حقوق الإنسان، إلى أن الدبلوماسية القائمة على القيم التي تتبعها إدارة بايدن تتلاءم جيدًا مع استراتيجية الصين الحالية.

لقد سبق انعقاد مؤتمر مجموعة الدول الصناعية السبع G7 عدة اجتماعات أصغر بين الولايات المتحدة والشركاء الرئيسيين والحلفاء في المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك قمة المجموعة الرباعية الافتراضية في 12 مارس/ آذار (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، واجتماع 16 مارس/ آذار الثنائي ”2+2“ لوزراء خارجية ودفاع اليابان والولايات المتحدة، واجتماع 18 مارس/ آذار 2+2 بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وقد شاركت اليابان في معظم هذه الاجتماعات. فيما يتعلق بالصين، تدرك واشنطن أن لليابان دورًا حاسمًا تلعبه في أي رد فعل سياسي يتطلب تنسيقًا دوليًا. كما تعلم أن دولًا أخرى في آسيا وأوروبا تعاني من نفس معضلة اليابان المتمثلة في الاعتماد استراتيجياً على الولايات المتحدة وفي نفس الوقت الاعتماد اقتصاديًا على الصين، وبالتالي فإن تلك الدول تراقب لترى كيف ستستجيب طوكيو لدعوات واشنطن إلى تعاون استراتيجي أوثق.

لم يكن من قبيل المصادفة أن يتم اختيار رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدي كأول زعيم أجنبي يلتقي مباشرة مع بايدن، أو أن القمة عقدت بعد أسابيع قليلة فقط من الاجتماعات الأمريكية الصينية التي اتسمت بالضغائن والأحقاد في أنكوراج بولاية ألاسكا. لقد فهم بايدن وفريقه للسياسة الخارجية تمامًا التأثير الدولي الذي سيحدثه إعلان اليابان دعمها بشكل واضح. تم التخطيط بعناية للقمة اليابانية الأمريكية التي عقدت في الفترة من 15 إلى 16 أبريل/ نيسان لتكون تتويجًا للمرحلة الأولى من دبلوماسية بايدن التي تركز بشكل أساسي على الصين.

وكما هو متوقع، جاء البيان المشترك لقادة اليابان والولايات المتحدة الصادر في 16 أبريل/ نيسان متسقاً مع بيان اجتماع الوزراء2+2 في مارس/ أذار ليؤكد على التزام البلدين بتعميق التعاون الدفاعي، لكن بنود الاتفاقية التي جذبت الانتباه الأكبر كانت تلك المتعلقة بتايوان وحقوق الإنسان والأمن الاقتصادي.

فيما يتعلق بالبند الأول، قيل الكثير عن الإشارة إلى ”السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان“، وهي أول إشارة من هذا القبيل خلال أكثر من نصف قرن من البيانات المشتركة بين قادة اليابان والولايات المتحدة. إن إدراج هذا العنصر يمثل بلا شك اعترافًا جديدًا باهتمام التحالف باستقرار تايوان وما يمثله السلام والاستقرار عبر المضيق من أهمية حاسمة بالنسبة لأمن اليابان.

ومع ذلك، فإن بيان القادة في أبريل/نيسان 2021 لا يحتوي على أي شيء يغير بشكل أساسي علاقات طوكيو الأساسية مع بكين وتايبيه أو يتعارض معها، على النحو المنصوص عليه في البيان المشترك بين اليابان والصين لعام 1972 والوثائق الأخرى. كما أنه لا يشير إلى تغير في موقف الحكومة اليابانية بشأن القضايا التاريخية الخلافية.

فيما يتعلق بالسياسة الأمنية، أكد البيان المشترك الصادر في أبريل/نيسان على الأهمية التي توليها كل من طوكيو وواشنطن لمضيق تايوان، وأشار إلى أنهما تستكشفان إمكانيات التعاون. على عكس الإشارة إلى تايوان في بيان القادة لعام 1969، الذي استند إلى مخاوف بشأن احتمال حدوث طوارئ افتراضية عبر المضيق بعد عودة أوكيناوا إلى السيادة اليابانية، فإن تصريح إبريل/نيسان 2021 لا يرسي أساساً جديداً للعمل العسكري بين اليابان والولايات المتحدة. لقد نجحت واشنطن في إقناع طوكيو بالحاجة الملحة لتعزيز الردع، وقد استجابت الحكومة اليابانية بأكبر قدر ممكن من الإيجابية في سياق البيانات الرسمية. ولكن هذا يجب أن يشكل في أفضل الأحوال مقدمة لأي خطوات ملموسة من جانب اليابان أو من جانب التحالف بين اليابان والولايات المتحدة لتعزيز القدرات الدفاعية مع وضع تايوان في الاعتبار.

كما ذكرنا أعلاه، أسفرت قمة أبريل/ نيسان أيضًا عن اتفاق هام حول قضايا حقوق الإنسان والأمن الاقتصادي فيما يتعلق بالصين. أما فيما يتعلق بالبند الثاني على وجه الخصوص، فقد تجاوز الاتفاق بشكل كبير ذلك الذي تم التعبير عنه في اجتماع 2 + 2 في مارس/ أذار. وأشار البيان المشترك الصادر في 16 أبريل/ نيسان إلى أن الصين تمارس الإكراه الاقتصادي والممارسات التجارية غير العادلة والإعانات الصناعية. بالإضافة إلى ذلك، حددت صحيفة وقائع مرتبطة بشراكة القدرة التنافسية والمرونة بين اليابان والولايات المتحدة التي تم تشكيلها حديثاً مجالات عديدة للتعاون، بما في ذلك تطوير شبكات اتصالات آمنة ومفتوحة للجيل القادم، وتطوير المعايير العالمية، ورعاية وحماية سلاسل الإمداد الآمنة لأشباه الموصلات وغيرها من التكنولوجيا الحساسة، والبحث في مجال الحوسبة الكمية والسلامة البحثية، واستخدام التكنولوجيا المتقدمة لمواجهة التهديدات العالمية مثل الأمراض المعدية وتغير المناخ. باختصار، يبدو أن الشراكة تغطي تقريبًا كل المجالات الرئيسية للأمن الاقتصادي التي تم تحديدها في السنوات الأخيرة.

بالطبع، يبقى أن نرى ما إذا كان بوسع الحكومة اليابانية استمالة تعاون الصناعة والأوساط الأكاديمية بنجاح في مبادرات السياسة هذه. ومع ذلك، فإن بيان أبريل/ نيسان المشترك يفتح آفاقًا جديدة من خلال معالجة الأمن الاقتصادي بشكل مباشر وتثبيته كمحور رئيسي للتحالف الياباني الأمريكي، إلى جانب المزيد من المخاوف الأمنية التقليدية.

حان الوقت لاتخاذ موقف حاسم

على مدى السنوات الأربع الماضية حتى الآن، كانت اليابان تسير على حبل مشدود في محاولة لتقوية تحالفها الأمني مع الولايات المتحدة بينما تعمل في الوقت نفسه على إصلاح العلاقات مع الصين. في زيارته إلى بكين عام 2018، دعا رئيس الوزراء آنذاك شينزو آبي إلى علاقات متجذرة في التعاون والثقة المتبادلة بدلاً من الحقد والتنافس. لكننا تجاوزنا النقطة حيث يمكن لليابان أن تعزز علاقاتها مع واشنطن وبكين في وقت واحد. مع قمة أبريل/ نيسان 2021، عادت الدبلوماسية اليابانية إلى وضعها الطبيعي بوضع الحلف في المرتبة الأولى تليه في المرتبة الثانية العلاقات مع الصين.

تواجه اليابان، بصفتها لاعبًا سياسيًا رئيسيًا في المنطقة، مهمة تحديد كيفية المضي قدمًا في الاستجابة لسياسات بكين، وهي حكومة لا تحترم كثيراً القواعد والمعايير والقيم الدولية. إن استعادة السيطرة على المبادرة تتطلب العزم والالتزام على عدة جبهات.

أولاً، يجب أن نسأل أنفسنا عن نوع النظام العالمي والدولي الذي نتخيله بينما نتبع سياسات لتعزيز مصالحنا الوطنية من خلال التنمية الاقتصادية والتكنولوجية. قد لا يكون التوفيق بين هذين الاعتبارين سهلاً، لكن لا يمكننا تجاهل أي منهما. وإلى أن يتحقق هذا، يجب أن تظل الحكومة والقطاع الخاص على اطلاع دائم بمسائل الأمن الاقتصادي. أما على الساحة السياسية فيجب أن يرتكز النقاش السياسي على تقدير واضح للظروف الدولية القاسية التي أوجدتها حالة التنافس بين الولايات المتحدة والصين.

ثانيًا، عند التنسيق مع الولايات المتحدة والشركاء ذوي التفكير المماثل، يجب أن نكون مستعدين لتلقي ضربات اقتصادية انتقامية ومواجهة أنواع أخرى من السلوك القسري من قبل بكين. عندما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على انتهاكات حقوق الإنسان في الصين استهدفها بعناية بهدف تجنب تصعيد العقوبات المضادة، لكن رغم ذلك كان رد فعل الصين سريعًا وحادًا. لا ينبغي أن نتخيل أنه يمكننا بطريقة ما الهروب من رد فعل عنيف من بكين من خلال التوفيق بين الكلمات أو التنميط. بدلاً من ذلك، يجب أن ندرك الحاجة إلى التعاون الوثيق مع الشركاء من أجل تقليل تأثير الانتقام الصيني.

أخيرًا وليس آخرًا، تحتاج الحكومة اليابانية إلى الاعتراف بتايوان كلاعب مهم في المنطقة وإعادة التفكير في استراتيجيتها وفقًا لذلك. لسنوات كانت طوكيو تتعمد الرجوع للصفوف الخلفية وعدم الظهور في أي تفاعل رسمي مع تايبيه خوفًا من الإساءة إلى بكين. في الواقع فرضت اليابان على نفسها قيوداً مفرطة أصبحت تعيق حتى إمكانية مناقشة الموضوع بشكل مدروس. في غضون ذلك، احتلت تايوان مكانتها العالمية كمجتمع ديمقراطي مزدهر واقتصاد ديناميكي يضم بعضًا من أفضل شركات صناعة الرقائق في العالم. اليوم، لا يمكن لأي نقاش مثمر حول مستقبل شرق آسيا أن يتجاهل وجود تايوان، وقد حان الوقت لكي تعترف الحكومة اليابانية بذلك.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: وزراء الخارجية والتنمية في الدول السبع الكبرى خلال مؤتمرهم في لندن في 4 مايو/ أيار 2021، حيث كانت الصين أحد مواضيع النقاش الرئيسية. وزارة الشؤون الخارجية/ جيجي برس)

العلاقات الدولية العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات الصينية اليابانية