الأسباب الكامنة وراء قرار رئيس الوزراء الياباني الانسحاب من السلطة

سياسة

أعلن رئيس الوزراء الياباني سوغا يوشيهيدي على نحو مفاجئ نهاية إدارته عبر الإشارة إلى أنه لن يترشح لانتخابات رئاسة حزبه الليبرالي الديمقراطي المقررة في 29 سبتمبر/أيلول. وفي هذه المقالة يسلط صحفي مخضرم الضوء على العوامل الكامنة وراء هذا الاضطراب في السياسة اليابانية.

سوغا يدرس فرصه

قبيل ظهيرة يوم 3 سبتمبر/أيلول عام 2021 ضجت قنوات التلفاز بعناوين عاجلة تفيد بأن ’’رئيس الوزراء لن يترشح في انتخابات رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي‘‘. يتحتم علي القول إنه لم يكن من المستغرب بالنسبة لي هذا الإعلان المفاجئ من قبل سوغا يوشيهيدي بأنه لن يسعى لإعادة انتخابه كرئيس للحزب الليبرالي الديمقراطي، وبالتالي البقاء كرئيس للوزراء باعتباره زعيم الحزب الرئيسي في الائتلاف الحاكم. بل في الواقع كانت ستنتابني الدهشة أكثر لرؤية نبأ عاجل يفيد بأن سوغا حشد دعم كبار مسؤولي حزبه والمجلس العام للاستمرار في رئاسة الحزب ورئاسة الوزراء خلال الانتخابات على زعامة الحزب المقرر إجراؤها في 29 سبتمبر/أيلول.

أبدى كيشيدا فوميئو -الرئيس السابق لمجلس أبحاث السياسة القوي في الحزب الليبرالي الديمقراطي- استعداده للتنافس في انتخابات رئاسة الحزب بمجرد الإعلان عن موعد إجرائها في 26 أغسطس/آب. كان كيشيدا يُنتقد في الماضي بأنه يفتقر إلى السلطة والقرار، ولكن في مؤتمره الصحفي في ذلك اليوم أظهر قوة جديدة عبر توجيه انتقادات مباشرة لإدارة سوغا. فقد قال ’’من المفترض أن يكون الحزب الليبرالي الديمقراطي حزبا يضع الناس أولا، لكن أصواتهم لا تصل إلينا اليوم. إن الديمقراطية اليابانية تواجه أزمة‘‘.

مما تجدر الإشارة إليه على نحو خاص هو اقتراحه إصلاح الحزب الليبرالي الديمقراطي ذاته. وبتعهده بتحديد فترة المسؤولين التنفيذيين في الحزب وتقييدها بثلاث فترات متتالية كل منها لمدة عام واحد، كان يأخذ موقفا معارضا لنيكاي توشيهيرو صانع الملوك في الحزب وهو مستمر في منصبه منذ 5 سنوات متتالية، وهو رقم قياسي على الإطلاق بالنسبة لأمين عام للحزب الليبرالي الديمقراطي.

بادر سوغا الذي وصل إلى السلطة بدعم من نيكاي بالرد بسرعة. ففي 30 أغسطس/آب دعا نيكاي إلى الكانتي (مبنى رئاسة الوزراء)، حيث أبلغه بخطته الجديدة لإعادة تشكيل مجلس الوزراء وقائمة تنفيذي الحزب الليبرالي الديمقراطي قبل انتخابات رئاسة الحزب. كانت هذه الإستراتيجية -التي من شأنها عزل نيكاي من منصبه- متوافقة مع رغبات مجموعة ’’3A‘‘ المناهضة لنيكاي والتي تضم رئيس الوزراء السابق آبي شينزو ونائب رئيس الوزراء الحالي ووزير المالية آسو تارو ورئيس لجنة الضرائب بالحزب الليبرالي الديمقراطي أماري أكيرا، وكانت هذه المجموعة تسعى إلى تمهيد الطريق لإعادة انتخاب سوغا.

تفيد تقارير بأن نيكاي رد قائلا يستطيع سوغا القيام بما يراه مناسبا. ولكن من الصعب تصديق أن لاعبا سياسيا بدهاء نيكاي سوف يبتعد عن منصبه القوي عن طيب خاطر. لقد كان أحد المحركين الأساسيين وراء الكواليس في إدخال سوغا إلى مبنى الكانتي في المقام الأول، وكان من أوائل الذين أعلنوا دعمهم لرئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الحالي قبل انتخابات رئاسة الحزب المرتقبة. قد يكون من المنطقي اتخاذ خطوة لإخراج نيكاي من منصبه بعد الانتخابات، ولكن يبدو أن سوغا يقوم بالأشياء بترتيب خاطئ هنا.

لم تتوقف قرارات رئيس الوزراء التي يتعذر تفسيرها عند هذا الحد. بدأ بعد ذلك يميل إلى خطة لحل مجلس النواب خلال فترة زمنية قصيرة تمتد بين نهاية حالة طوارئ كوفيد-19 في 12 سبتمبر/أيلول وانتخابات رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي في 17 سبتمبر/أيلول، وهو ما سيقود إلى انتخابات عامة في 17 أكتوبر/تشرين الأول. سيؤدي هذا تلقائيا إلى تأجيل التصويت على زعامة الحزب الليبرالي الديمقراطي. وبالنظر إلى حالة التشظي التي تشهدها المعارضة، فقد يكون قد توصل إلى أنه إذا كان بإمكانه الحفاظ على قبضة حكومته على السلطة حتى مع فقدان بعض المقاعد في البرلمان، فإن ذلك سيساعده في مسعاه للبقاء رئيسا للحزب.

خسارة موجعة في يوكوهاما

كان العالم السياسي في هذه المرحلة منزعجا من رئيس الوزراء الذي بدا وكأنه قد جن جنونه بهذه التحركات غير المستحبة، والتي بدت جميعها تهدف إلى إبقائه في منصبه. ولكن حتى آبي شينزو -وهو شخصية رئيسية في حلف سوغا- عارض مخططاته. وبحلول 1 سبتمبر/أيلول عندما كانت الصحف تتحدث عن أن سوغا يفكر في حل البرلمان، كان رئيس الوزراء قد تراجع بالفعل عن خطته قائلا ’’نظرا للحالة الصعبة الناجمة عن فيروس كورونا والتي لا زلنا نواجهها، هذا ليس الوقت المناسب لحل البرلمان وإجراء الانتخابات‘‘.

كانت هذه هي اللحظة التي بدأت فيها سلطة سوغا كرئيس للوزراء بالتسرب من بين أصابعه. وبينما كان لا يزال يمتلك سلطة القيام بتعيينات في مكاتب الحزب، كان هذا بالاسم فقط. جاء مقترح سوغا بتغيير القيادات التنفيذية في الحزب كحزمة واحدة مع الانتخابات العامة التي كان ينوي الدعوة إليها، والآن بعد أن أصبح غير قادر على إجراء تلك الأخيرة، تضاءلت فرصته في تنفيذ الجزء الأول من الحزمة. لقد انتهت اللعبة بالنسبة له.

إن دعم مناورات سوغا الاستثنائية خلال هذه الفترة كان له تداعيات على انتخابات عمدة يوكوهاما في 22 أغسطس/آب. فقد تخلى أوكونوغي هاتشيرو من الحزب الليبرالي الديمقراطي عن مقعده في مجلس النواب ومناصبه في حكومة سوغا، بما في ذلك منصب رئيس اللجنة القومية للسلامة العامة، من أجل الترشح لذلك المنصب. ما زاد الطين بلة بالنسبة لرئيس الوزراء المؤيد لمقترح يهدف لجذب مشغلين أجانب لتشييد ’’منتجع متكامل‘‘ يتضمن كازينو في المدينة، هو إعلان أوكونوغي معارضته لخطة المنتجع المتكامل. سعت العمدة الحالية ليوكوهاما هاياشي فوميكو إلى ضمان فترة رابعة في المنصب بالتعهد بمواصلة الجهود لإنشاء كازينو في المدينة. كانت إحدى النتائج انقساما حادا حول قضية الكازينو بين أعضاء الحزب الليبرالي الديمقراطي في مجلس بلدية يوكوهاما، وهي الهيئة التي بدأ سوغا منها مشواره السياسي في عام 1987.

من المؤكد أن رئيس الوزراء شعر بألم الانتكاسة التي أصابت مخطط تشييد المنتجع المتكامل، ولكن الأمر الأكثر إيلاما هو خسارة منصب العمدة لصالح ياماناكا تاكيهارو المدعوم من المعارضة. حدث ذلك على الرغم من جهود سوغا الكبيرة لتعزيز حظوظ أوكونوغي في الانتخابات. فقد أجرى رئيس الوزراء مكالمات هاتفية شخصية مع مديرين تنفيذيين في شركات المدينة وأرسل رسائل تحث آخرين على تقديم دعمهم، ما أظهر مستوى غير مسبوق من انخراط زعيم للبلاد في انتخابات محلية. وعبر القيام بذلك، حوّل التنافس على منصب العمدة إلى نوع من الاستفتاء على إدارته للبلاد، وهو حكم جاء بقسوة عندما انتقد الوافد السياسي الجديد ياماناكا الحكومة بسبب القصور في سياساتها لمكافحة كوفيد-19 والتغلب على أوكونوغي الذي حلّ ثانيا بفارق يتجاوز 180 ألف صوت.

لا يزال صدى صدمة هزيمة يوكوهاما يتردد في أرجاء العالم السياسي. ففي 2 سبتمبر/أيلول قام دوي ريوسوكي الأمين العام لفرع الحزب الليبرالي الديمقراطي في كاناغاوا، بإعلان لم يكن من الممكن تصوره في الماضي بأن أعضاء الحزب المحليين لن يدفعوا قدما من أجل إعادة انتخاب سوغا في انتخابات رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي المرتقبة.

من المستغرب تماما التصرفات الخرقاء لسوغا حيال هذا الوضع برمته بالنظر إلى سمعته باعتباره خبيرا في المناورات السياسية وراء الكواليس. بالتأكيد يفقد السياسيون توازنهم عند تعرضهم لظروف يائسة تشكل خطرا عليهم بفقدان مناصبهم. لكن في حالة رئيس الوزراء هناك قضية هيكلية أكثر جوهرية في العمل تتمثل في عدم وجود مستشار إعلامي موهوب لتعديل طريقة إبراز صورته للشعب. حظي رئيس الوزراء السابق آبي أثناء إدارته الثانية بدعم إيماي تاكايا المسؤول السابق في وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، كما أنه في حالة كويزومي جونئيتشيرو الذي شغل منصب رئيس الوزراء فترة طويلة، لعب إيجيما إيساؤ دورا مماثلا. قاد هذان الرجلان طاقم السكرتارية في مبنى الكانتي لإعطاء صور عامة مفيدة لرئيس الوزراء، من الصورة الكبيرة إلى التفاصيل الدقيقة.

الأخطار الناجمة عن نهج الرجل الواحد

لكن سوغا لم يحظَ بمثل هذا الدعم. نيتّا شوبون استُقدم من مكتب سوغا في مجلس النواب ليعمل سكرتيرا لرئيس الوزراء للشؤون السياسية، ولكنه مساعد من النوع الذي يفعل ما يُقال له فقط. ويتولى بشكل رئيسي العناية بالمواعيد اليومية لسوغا وقد أُرسل إلى يوكوهاما لتوزيع منشورات قبيل انتخابات عمدة المدينة الأخيرة. هناك سكرتير آخر بقدرات أكبر هو تيراؤكا ميتسوهيرو من وزارة المالية وقد عمل سكرتيرا سياسيا لبعض الوقت، لكنه لم يتمكن أبدا من ممارسة نفوذ بالقدر الكافي أو بناء ثقة عميقة كافية مع رئيس الوزراء لمنحه أي قدر من السيطرة على كيفية رسم صورة سوغا بالأقوال أو الأفعال.

بنى آخرون مثل إيزومي هيروتو (من وزارة الأراضي والبنية التحتية والنقل) وسوغيتا كازوهيرو (وكالة الشرطة الوطنية) سمعتهم كمقربين موثوقين من سوغا داخل منظمة الكانتي، ولكن خدماتهم ميزتهم كمساعدين مخلصين يتبعون الأوامر، ولم يرقوا أيضا لأن يكونوا مستشارين إعلاميين.

يجدر بنا أن نتذكر أن سوغا هو ذلك النوع من السياسيين الذين يعتمدون على أنفسهم طوال مسيرتهم، فقد شق طريقه بنفسه منذ الأيام الأولى في مجلس بلدية يوكوهاما. وهو ليس ذلك النوع من الأشخاص الذين يمكنهم إدارة مؤسسة أكبر بطريقة منهجية وبدون تدخل مباشر. استفاد سوغا جيدا من هذا النهج أثناء السنوات التي قضاها في منصب وزير شؤون مجلس الوزراء لآبي، ولكن الآن بعد أن أصبح هو نفسه رئيسا للوزراء لم يعد ذلك النهج ينفع معه. فأفعاله الآن باعتباره قائدا للأمة بأكملها تمس كل جانب من جوانب الحياة في البلاد وكلماته مطروحة على طاولة مؤرخي المستقبل لدراستها.

بدا قصور هذا النهج الذي يركز على الفرد الواحد واضحا وضوح الشمس في تعليقاته على نهاية عمليات إجلاء المواطنين اليابانيين من أفغانستان. في ظهور إعلامي في 1 سبتمبر/أيلول عندما سأله أحد الصحفيين إن كان تعامل الحكومة مناسبا أجاب ’’الهدف الأول لهذه العملية هو تأمين سلامة المواطنين اليابانيين. وبهذا المعنى أشعر أنها سارت على ما يرام‘‘. جاء هذا الرد على الرغم من حقيقة أن قوات الدفاع الذاتي لم تتمكن إلا من إخراج ياباني واحد فقط، وكان الفشل حليف الخطة الأصلية التي تضمنت إنقاذ عدة مئات من الأشخاص بمن فيهم الأفغان الذين ساعدوا اليابانيين في عملياتهم في أفغانستان وأفراد أسرهم. كان يتوجب على رئيس وزراء اليابان في ذلك الموقف أن يعد بعدم التخلي عن أي شخص ساعد اليابان.

لعل تركيز سوغا كان مشتتا بسبب مخاوفه حيال انتخابات رئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي المقبلة، لكن رده لا يزال بعيدا عن ذلك النوع من التعليق الذي يجب أن نسمعه من زعيم دولة كبرى في لحظة حرجة. للأسف، جزء من المسؤولية عن هذا الأمر يقع على عاتق الطاقم من حوله.

كيفية المغادرة

في 3 سبتمبر/أيلول عندما أعلن رئيس الوزراء سوغا أنه لن يترشح لإعادة انتخابه كرئيس للحزب الليبرالي الديمقراطي، كانت دورة الألعاب البارالمبية طوكيو 2020 لا تزال مستمرة. يعود السبب جزئيا في عقد هذه الفعالية الرياضية الدولية من الأساس إلى تصميم سوغا المتعنت على المضي قدما في استضافتها حتى ولو كان على حساب الجدل المثير للانقسام في المجتمع الياباني بشأن إن كان إجراء الألعاب في ظل جائحة فكرة جيدة. ولكن الآن، التوقيت الأخرق الذي اختاره أوصله إلى هذا المأزق، حيث إنه لم يفكر على الإطلاق في إمكانية الانتظار بضعة أيام أخرى حتى انتهاء حفل اختتام الألعاب.

في نهاية المطاف أحدثت قرارات سوغا فراغا لمدة شهر في السلطة السياسية اليابانية. يجري التصويت لاختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي الديمقراطي في 29 سبتمبر/أيلول، ما يعني أنه حتى إذا تم اختيار الفائز بسرعة ليكون رئيس الوزراء المقبل فلا يزال لدينا ما يقرب من شهر قبل تشكيل الحكومة التالية ومباشرة أعمالها. لو كان سوغا أكثر وعيا بواجباته كقائد لحكومة البلاد، لكان قد طلب من حزبه تقديم موعد انتخابات رئاسة الحزب بمجرد أن أشار إلى أنه لن يشارك فيها وذلك من أجل تقصير هذا الفراغ قدر الإمكان. ولكن بدلا من ذلك تولدت لدينا مشكلة أساسية: هل يمكن الاعتماد على إدارة سوغا العاجزة للتعامل بشكل مسؤول مع كارثة كبرى أو حالة طوارئ عسكرية إذا حدثت خلال هذه الفترة؟

في غضون ما يربو بقليل عن عام واحد، رأينا كيف أن جائحة كوفيد-19 تسهم في سقوط إدارتين متتاليتين، إدارة آبي شينزو والآن سوغا يوشيهيدي. ينبغي ألا نغفل أيضا أن هذا تضمن إخفاق رئيسي إدارتين متتاليتين في تنحيهما بطريقة تليق بهما باعتبارهما كانا يشغلان منصب أعلى سلطة في البلاد.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: في 3 سبتمبر/أيلول عام 2021، رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدي يمشي مبتعدا بعد أن أوضح في مؤتمر صحفي أنه لن يسعى للترشح مجددا لرئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي في الانتخابات المقرر إجراؤها في نهاية الشهر، معلنا بذلك عن نهاية إدارته بصورة فعلية. حقوق الصورة جيجي برس).

الحزب الليبرالي الديمقراطي الحزب الحاكم الحكومة اليابانية