هل تستطيع الوكالة الرقمية الجديدة تحقيق تحول جذري في حياة اليابانيين؟

سياسة

سلطت جائحة كورونا الضوء على الحالة التي يرثى لها لقدرات تكنولوجيا المعلومات في اليابان. وفي محاولة لمعالجة أوجه القصور في هذا المجال، أطلق رئيس الوزراء السابق سوغا يوشيهيدي الوكالة الرقمية في سبتمبر/ أيلول 2021 للإشراف على رقمنة الإجراءات الإدارية العامة. أحد الخبراء في مجال تكنولوجيا المعلومات يقوم بتحليل الأوجه التنظيمية للهئية الجديدة وينظر في استراتيجيتها الرقمية لتحسين حياة المواطنين.

بالنسبة لمجتمع متقدم تقنيًا، كانت اليابان بطيئة بشكل مؤسف في رقمنة الوظائف الإدارية الحكومية. ولتسريع العملية، أطلق رئيس الوزراء سوغا يوشيهيدي (2020-2021) الوكالة الرقمية في سبتمبر/ أيلول 2021، وكلفها بالمهمة الصعبة المتمثلة في تحطيم التعقيدات والجمود البيروقراطي الذي أعاق عملية التطور الرقمي. وبرعاية مباشرة من مجلس الوزراء، تشرف المنظمة على المهام بما في ذلك الإنفاق والتعاقدات المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات للحكومة، وتعتمد بشكل كبير على ذوي الكفاءات من القطاع الخاص لهذا الأمر. في هذه المقالة اتطرق بالفحص والتحليل لما يخص تنظيم الوكالة الجديدة واستراتيجيتها لتوحيد الإجراءات العامة على المستويين المحلي والوطني.

البطء في إدارة الأزمات

ألقت جائحة فيروس كورونا الضوء على القدرات الرقمية الهزيلة لليابان. ومع ارتفاع أعداد الحالات المصابة بالفيروس، الأمر الذي على إثره أجبر البلاد على إجراءات الإغلاق في بداية الأزمة، تسابقت الحكومات لتقديم مدفوعات نقدية للمواطنين والشركات لدرء أسوأ الآثار الاقتصادية الوشيكة. وسارت العملية التنفيذية بسلاسة في الدول التي تزخر ببنية تحتية رقمية قوية. فسنغافورة، على سبيل المثال، دفعت أموالًا إلى 90٪ من السكان في غضون خمسة أيام من تبني السياسة. وبالمقارنة، فقد استغرقت اليابان شهورًا لصرف المدفوعات من خزانة الدولة، الأمر الذي أضر بكثيرٍ من المواطنين المتأثرين بالوباء.

وبالمثل، عندما تبين أن تطبيق الهاتف الذكي التابع للحكومة الذي يتتبع ويرصد الحالات المخالطة للمصابين يعاني من ثغرات خطيرة، تُركت المشكلات دون حل لأن الموظفين كانوا يفتقرون إلى المعرفة والخبرة الكافية لمعالجة الأزمات. ومن ثم لم يكن الأمر مستغربًا أنَّ مسح الحكومات الإلكترونية الذي أجرته الأمم المتحدة في يوليو/ تموز 2020 والذي يقيس جهود البلدان لتقديم خدمات رقمية فعالة وشاملة وخاضعة للمُساءلة، قد قلص تصنيف اليابان من المرتبة العاشرة إلى الرابعة عشرة في القائمة.

رؤية اليابان الرقمية

تهدف الوكالة الرقمية إلى إنشاء مجتمع رقمي محوره الإنسان ”لا يتخلف فيه أحد“ و ”يساهم في إسعاد كل فرد من خلال السماح للمواطنين المتنوعين باختيار الخدمات الرقمية المناسبة وفقًا لاحتياجاتهم.“ وبعبارات مبسطة، يعني الأمر هذا رقمنة الخدمات الإدارية لتمكين المواطنين فقط عن طريق هواتفهم الذكية أو أي جهاز آخر من إكمال الإجراءات بسهولة عبر الإنترنت، بما في ذلك تلك المطلوبة عند نقل وتلقي الإعانات الحكومية.

يرأس رئيس الوزراء رسميًا الوكالة الرقمية، وهو أمر يهدف إلى منع الطائفية التي من شأنها أن تعيق التعاون بين الوزارات عند إنشاء الخدمات الرقمية. ومع ذلك، يشرف وزير التحول الرقمي على الوظائف الإدارية الفعلية بمساعدة كبير المسؤولين الرقميين، وهو المسؤول الثاني فعليًا في الوكالة، جنبًا إلى جنب مع نائب الوزير وأمين الشؤون البرلمانية ونائب المدير العام.

وإلى جانب هذه التعيينات ذات الطابع البيروقراطي، سيتم الاستعانة بمتخصصين من خارج الخدمة المدنية لأدوار إدارية مثل كبير المهندسين، وكبير مسؤولي التصميم، وكبير مسؤولي أمن المعلومات، ومدير المنتجات، وكبير مسؤولي التكنولوجيا. وعلاوة على ذلك، تنقسم الوكالة إلى أربع مجموعات منفصلة تشرف على جوانب مثل تنفيذ الإستراتيجية وتطوير خدمات جديدة، بهدف عام وهو تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص. وتحقيقا لهذه الغاية، فإن ثلث أطقم موظفي الوكالة البالغ عددهم 600 موظف، أي حوالي 200 شخص، قادمين من القطاع الخاص.

وقد تم إنشاء مجلس تعزيز المجتمع الرقمي بالتوازي مع الوكالة، وهو مجلس مكلف بفحص وتقييم تنفيذ التدابير التي تتخذها الإدارات الفردية. ويقوم مجلس استشاري منفصل يأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجية والتوجهات العامة لرقمنة اليابان بمناقشة العناصر المختلفة للاستراتيجية الرقمية وسيقدم تقريرًا قبل القرارات السياسة النهائية التي يتخذها مجلس الوزراء.

تطبيق الرؤية الرقمية

تسعى الوكالة الرقمية إلى تحقيق أربع مهام أساسية: رقمنة الإجراءات الإدارية العامة، وتشجيع الرقمنة بين أفراد المجتمع، وإنشاء البنية التحتية اللازمة لدعم الرقمنة في جميع الصناعات، وتحقيق مجتمع رقمي لا يتخلف فيه أحد عن الركب.

ومن الأمور الأساسية لتحقيق الهدف الأول من هذه الأهداف مسألة التوسع في استخدام بطاقات الهوية الوطنية في اليابان. وتروج الوكالة لتلك البطاقات التي تحوي رقم فردي مكون من 12 رقمًا ومخصص لكل مقيم في اليابان، كوسيلة لرقمنة الوصول إلى الخدمات الحكومية الطارئة، بما في ذلك التدابير ضد جائحة فيروس كورونا المتواصلة أثارها. كما إنها تشجع على استخدامها كأداة شاملة لاستكمال الإجراءات الإدارية ولتحسين أنظمة تبادل المعلومات للوزارات والهيئات والحكومات المحلية. فعلى سبيل المثال، تُستخدم البطاقات مع تطبيق حكومي تم إطلاقه مؤخرًا ينشئ جواز سفر رقميًا للقاح للاستخدام في أماكن مثل المطارات والمطاعم وأماكن إقامة الفعاليات المختلفة.

وتعمل البطاقات أيضًا بمثابة تعريف للإجراءات الإدارية المتعلقة بالضمان الاجتماعي والضرائب والتدابير المضادة للكوارث. ويمكن استخدام الشريحة الإلكترونية المضمنة التي تحتوي على شهادة إلكترونية تحدد هوية الفرد لاستخدام الخدمات التي تقدمها الشركات الخاصة أيضًا.

ومع ذلك، فإن المعدل المنخفض لتقديم الطلبات للحصول على الهوية الوطنية قد أعاق استخدامها على نطاق أوسع. فوفقًا لوزارة الشؤون الداخلية والاتصالات، واعتبارًا من أكتوبر/ تشرين الأول 2015، عندما بدأ تفعيل النظام، وحتى نهاية سبتمبر/ أيلول 2021، تم إصدار حوالي 48,7 مليون بطاقة، تمثل ما يزيد قليلاً عن 38٪ من السكان. وتتطلع الحكومة إلى تعزيز عملية التوزيع، بما في ذلك الخطط لمنح حاملي البطاقات نقاط مكافأة تصل قيمتها إلى 20,000 ين، بهدف إصدار بطاقات لجميع المقيمين بحلول نهاية السنة المالية 2022.

وبداية من مارس/ آذار 2021، أصبح من الممكن استخدام بطاقات الهوية الوطنية بدلاً من بطاقات التأمين الصحي في المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية الأخرى. وعلاوة على ذلك، ومن خلال التقديم عبر البوابة الإلكترونية ”Myna“ ذات الاستخدام المخصص، يمكن للمقيمين الاستمرار في استخدام بطاقاتهم دون الحاجة إلى تقديم أوراق بيروقراطية مرهقة مطلوبة عادةً عندما يتغير وضعهم الاجتماعي، مثل عند الالتحاق بعمل جديد أو عند تغيير الوظائف أو الانتقال إلى مسكن آخر وتغيير العنوان. وتجمع البطاقات أيضًا المعلومات الطبية حول الفحوصات والأدوية والنفقات الطبية، مما يسهل على الفرد والممارسين الطبيين الذين يخدمونهم الوصول إلى بياناتهم الشخصية المتعلقة بصحتهم ومتابعتها. وبالإضافة إلى ذلك، ترتبط البطاقات بنظام الضرائب الإلكترونية التابع لمصلحة الضرائب الوطنية، مما يسمح لحاملي البطاقات بإدخال التكاليف الطبية بسهولة عند تقديم الإقرارات الضريبية.

إلا أن مسألة البدء في البنية التحتية اللازمة، بما في ذلك أجهزة قراءة البطاقات أمر يمثل مشكلة تعيق عملية التنفيذ، حيث أنه اعتبارًا من أكتوبر/ تشرين الأول 2021، هناك أقل من 10٪ من المرافق الطبية قادرة على قبول بطاقات الهوية الوطنية ”ماي نمبر“.

وتسعي الاستراتيجية الموضوعة على تجهيز الهواتف الذكية بحلول أوائل عام 2023 بوظائف تسمح باستخدام بطاقات (ماي نمبر) لأغراض مثل التحقق الإلكتروني وتمكين حاملي البطاقات من التقدم عبر الإنترنت لرعاية الأطفال والخدمات البلدية الأخرى. ومن المتوقع أيضًا أن يتم دمج البطاقات مع رخص القيادة وبطاقات الإقامة بدءًا من أوائل عام 2025.

استراتيجية البيانات

ولتشجيع التحول الرقمي في الحياة اليومية، تقود الوكالة الرقمية الطريق لإنشاء أنظمة خدمات إدارية أكثر تقدمًا مع تعزيز تنسيق البيانات عبر قطاعات مثل الرعاية الصحية والتعليم والوقاية من الكوارث والتنقل والعقود والتسويات. وعلى وجه الخصوص، تخطط الحكومة لوضع اللمسات الأخيرة على التدابير التي تعزز التعاون في مجال البيانات في القطاعات شبه العامة مثل الرعاية الصحية والتعليم بحلول نهاية مارس/ آذار 2022.

وترى اليابان أن الاستخدام الواسع للبيانات هو مفتاح حل المشكلات الاجتماعية وضمان بيئة تنافسية في مجتمع رقمي. وفي صميم إستراتيجيتها للبيانات الشاملة، يتم الترويج للبيانات المفتوحة والمعلومات التي يمكن لأي شخص الوصول إليها أو استخدامها أو مشاركتها. من خلال الكشف عن البيانات العامة على نطاق واسع، وتتطلع الحكومة إلى تحسين حياة السكان وتحفيز النشاط التجاري، والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

ومن الأمور المركزية في الاستراتيجية تطوير السجلات الأساسية التي تحتوي على البيانات الاجتماعية الأساسية، بما في ذلك السكان والشركات والأراضي والمباني والاعتمادات التي تعلنها الحكومة والمنظمات. وستحتاج الوكالة الرقمية إلى توجيه الدفة من أجل إنشاء منصات وسجلات أساسية للتعاون في مجال البيانات، ولكن إذا تمكنت من النجاح في إنشاء بيئة مستدامة تتوفر فيه البيانات بسهولة بأقل تكلفة، فإن الفوائد التي ستعود على المقيمين والشركات والمجتمع بأسره ستكون هائلة.

إلا أن التحدي الأكبر سيتمثل في بناء القدر الكافي من ثقة الجمهور في سلامة وحفظ السجلات، بما في ذلك الحماية من الهجمات الإلكترونية وحماية المعلومات الشخصية.

تحسين المجتمع

تمثل الوكالة الرقمية خطوة أولى عملاقة لليابان نحو اللحاق بالدول المتقدمة الأخرى في العالم الرقمي. ومع ذلك، فهي تحتاج إلى أكثر من ميزانية ضخمة وسلطة واسعة للنجاح في تحقيق أهدافها. ويجب أن تكون هي حاملة اللواء لجميع الوزارات والهيئات، ليس فقط في تبني التقنيات الرقمية، ولكن أيضًا في التواصل مع الشخصيات الرائدة في مختلف مجالات تكنولوجيا المعلومات، وفي تحويل كيفية عمل الحكومة بطرق أساسية.

ومن المهم بنفس القدر الحاجة إلى تقديم خدمات رقمية آمنة وموثوقة للجمهور مع إبقاء الأذن مفتوحة لسماع الرأي العام لتوجيههم للمضي قدمًا. ولهذه الغاية، تعمل الوكالة على تطوير ”صندوق أفكار رقمي“، وهو عبارة عن منصة مجتمعية لالتماس الآراء والأفكار من المواطنين التي يتم مشاركتها ومناقشتها علانية. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أطلقت الوكالة نسخة مبكرة بهذا الخصوص تسمى (PoliPoli Gov).

وستمهد الوكالة الرقمية الطريق للمواطنين لإبداء آرائهم حول السياسات والخدمات التي تؤثر على حياتهم. من خلال خلق تعاون مرن ومفتوح عبر وزارات متعددة، يمكن أن تحقق أهدافها الأساسية المتمثلة في تحقيق مجتمع رقمي وتقديم خدمات حكومية مناسبة لكل مواطن.

(النص الأصلي نشر باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع من بيكساتا)

المجتمع الياباني الحكومة اليابانية التكنولوجيا