هل تؤثر معركة الصين ضد فيروس كورونا على مكانتها كثاني أكبر اقتصاد في العالم؟

سياسة

بعد عقود من العزلة الاقتصادية، نجحت سياسة ”الانفتاح الاقتصادي“ التي اتبعتها الصين منذ عام 1978، في جعلها تحقق متوسط نمو سنوي بلغ 9.9% على مدار الثلاثين عامًا التي تلت لتصبح بذلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم. لكن هذا الزخم تعثّر في الآونة الأخيرة. فما هي آفاق الاقتصاد الصيني في المستقبل؟ وكيف سيؤثر هذا على اليابان وسائر دول العالم؟

عودة إلى معدلات النمو المرتفعة في 2021

سجلت الصين نمواً في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي السنوي بنسبة 8.1% في عام 2021، وهو من أعلى المعدلات في العالم. بالنسبة لمعظم البلدان يعد هذا إنجازا تُحسد عليه. لكن بالنسبة للصين، لم تكن هذه العودة إلى النمو المرتفع سوى مجرد نتيجة منطقية للانتعاش من النمو الحقيقي الضئيل الذي وصل إلى 2.2% في عام 2020. وهذا ليس مفاجئًا بالنظر إلى عمليات الإغلاق والقيود واسعة النطاق المفروضة على حركة المواطنين التي تم إجراؤها لمنع انتشار فبروس كوفيد-19 في ذلك العام، ومع ذلك، فإن معدل النمو السنوي لفترة العامين 2020-2021 لم يتجاوز 5.1%، أي أقل من 6.0% المسجلة في عام 2019. في ذلك الوقت، كانت هذه أدنى علامة مسجلة منذ ما يقرب من عقدين.

علاوة على ذلك، مقارنة بالفترات نفسها من عام 2020، سجلت الصين معدلات نمو سنوية بلغت 18.3% و 7.9% في الربعين الأولين من عام 2021 على التوالي، ولكنها سجلت 4.9% فقط في الربع الثالث و 4.0% في الربع الرابع. لم يكن السبب وراء نمط ”البداية القوية والنهاية الضعيفة“ للنمو هو تأثير الانتعاش فحسب، بل يرجع أيضًا في جزء منه إلى خيارات الإدارة المالية والاقتصادية التي اتخذتها الحكومة الصينية. بحلول نهاية العام، تحولت الحكومة إلى التأكيد على أهمية دعم الاقتصاد بقوة أكبر.

البنية التحتية والدعم المالي الحكومي

بالنظر إلى مؤشرات الطلب، كان السبب الرئيسي لنمط النمو في عام 2021 هو الانخفاض السريع في الاستثمار في الأصول الثابتة. كانت تقديرات النمو الحقيقي في الاستثمار في الأصول الثابتة في الصين سالب 7% على أساس سنوي للربع الثالث من عام 2021، وسالب 9% خلال الربع الرابع (انظر الشكل).

بعد التعافي خلال عام 2020، كان هناك تراجع ملحوظ في الاستثمار في البنية التحتية في أواخر عام 2021 وكان ضعف التحفيز المالي عبر النظام البيئي الصيني المعقد لمنصات التمويل العام سبباً رئيسيًا لهذا الركود. في الصين، لا يأتي التحفيز المالي من الميزانية الحكومية العامة فحسب، بل يأتي أيضاً من صناديق الضمان الاجتماعي وميزانيات إدارة رأس المال المملوكة للدولة، والإنفاق على البنية التحتية من خلال منصات تمويل الحكومة المحلية، والتمويل من الحسابات الخاصة المخصصة للبناء وغيرها من المشاريع التي تنظمها الحكومة. باجتماع كل مصادر التمويل هذه، يبدو أن إجمالي العجز في الإنفاق قد تقلص من 17.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 إلى 16.5% في عام 2021.

كما انخفض الإصدار الجديد للسندات الخاصة من قبل الحكومات المحلية، والتي تسهل بشكل أساسي عمليات إنشاء البنية التحتية، بنسبة 0.5% في عام 2021. وتأخر إنشاء البنية التحتية لأن إصدار السندات في عام 2021 لم يتم حتى النصف الثاني من العام كجزء من الجهود المبذولة لتقليص ديون الحكومة المحلية. إلا أن هذا يخلق المزيد من الضغوط الخافضة على الاقتصاد.

قيود التدفق النقدي تدفع سوق العقارات إلى الركود

كما انخفض الاستثمار العقاري بشكل حاد في النصف الثاني من عام 2021، مسجلاً ما يقدر بنحو 7% على أساس سنوي للربع الثالث من حيث القيمة الحقيقية، وسالب 9% للربع الرابع. فقامت الحكومة بتطبيق لوائح إقراض صارمة لتهدئة سوق العقارات المتضخم في عام 2021 بهدف كبح المضاربة على وجه الخصوص. إيماناً منها بأهمية تعزيز التوجه بأن الإسكان يجب أن يكون للعيش وليس للاستثمار، قامت الحكومة بإدخال سياسة ”الخطوط الحمراء الثلاثة“ في أغسطس/ آب 2020 وتهدف هذه السياسة إلى وضع حد أقصى لنسب المسؤولية عن الأصول، وصافي المديونية، والنقد على الديون قصيرة الأجل. ثم عززت هذه السياسة في يناير/ كانون الثاني 2021 بوضع حد أقصى للنسبة المئوية لإجمالي القروض التي يمكن أن تقدمها البنوك لقطاع العقارات. ومع ذلك، كان الضغط الناتج على التدفق النقدي للمطورين جنبًا إلى جنب مع انخفاض الاستثمار العقاري عاملاً محفزًا في أزمة التخلف عن سداد الديون التي واجهتها مجموعة إيفرغراند خلال العام. يشير هذا إلى أن الحكومة الصينية ملتزمة بإعطاء الأولوية لاستقرار الإنفاق الاستهلاكي وتقليل المخاطر المالية المستقبلية على حساب النمو الاقتصادي قصير الأجل.

اتبع الإنفاق الاستهلاكي أيضًا النمط الهابط في عام 2021 رغم كون الأسباب أكثر تعقيدًا. بالإضافة إلى تأثير الانتعاش الذي أدى إلى ارتفاع الإنفاق في أوائل عام 2021، يمكن أن يُعزى النمو الضعيف في النصف الثاني إلى التضخم الذي يحد من نمو دخل الأسرة الحقيقي، وانخفاض إنتاج وبيع السيارات بسبب نقص أشباه الموصلات، وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي على النقل والترفيه بسبب القيود الحكومية المتعلقة بالوباء. إذن فقد كان التباطؤ الاقتصادي هو الضريبة التي دفعتها الحكومة الصينية لمنع انتشار كوفيد-19.

وفي النهاية اتبعت الصادرات أيضًا نفس النمط الهابط، فبينما استمرت الصادرات الصينية في التوسع بنسبة 10% سنويًا في النصف الثاني من عام 2021، أدى التباطؤ في الطلب المحلي الذي ذكرناه آنفاً إلى ركود نمو الواردات بشكل أساسي في النصف الثاني من العام. لذا فإن مساهمة صافي الصادرات في نمو الصين تعد أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى.

الأولوية ”لاستقرار“ النمو على حساب الإصلاح الاقتصادي

بالنظر إلى الخيارات التي اتخذتها بكين لمحاربة كوفيد -19 وخيارات الإدارة الاقتصادية والمالية، وتأثير هذه الخيارات على النشاط الاقتصادي في النصف الثاني من عام 2021، من الممكن تفسير ذلك على أن الصين تعطي الأولوية للإصلاح على حساب اعتبارات النمو الاقتصادي قصير الأجل. إلا أن الخطاب الصادر عن مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي الذي عقد في ديسمبر/ كانون الأول 2021، رغم تركيزه الواضح على ”استقرار“ النمو الاقتصادي، يحمل دلالات مختلفة. سيقوم المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني في دورته العشرين المزمع عقدها في الربع الأخير من عام 2022، بتقرير القيادة العليا للحزب الشيوعي الصيني والصين، ويعد التركيز على استقرار النمو الاقتصادي أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لشي جين بينغ لضمان فترة ثالثة كأمين عام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. لذلك تضمن الإعلان الرسمي عن نتائج مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي CEWC تأكيداً على الثبات، لا سيما مع ظهور الحرف الصيني الذي يعني الاستقرار 25 مرة.

إن الحفاظ على استقرار النمو الاقتصادي عند مستوى عالٍ وفقاً لتصور الحزب الشيوعي الصيني يتطلب اعتماد ”سياسة مالية صارمة“ في عام 2022. وقد أكدت الإعلانات الصادرة عن مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي CEWC على ”الإنفاق المالي باعتدال“ لعام 2021، ولكن بالنسبة لعام 2022 فقد قام مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي CEWC بإلغاء مفهوم ”الاعتدال“ وأضاف الهدف إلى ” تسريع الإنفاق“. بينما انخفضت نسبة عجز الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، فمن المرجح أن عام 2022 لن يشهد انخفاضاً آخر. على سبيل المثال، ستشجع الحكومة إصدار سندات حكومية محلية خاصة للبنية التحتية لدعم الاقتصاد على مدار العام بدلاً من النصف الثاني فقط.

لا يتصور مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي CEWC أن تكون السياسة النقدية صارمة مثل السياسة المالية، وستكون تخفيضات أسعار الفائدة متواضعة بسبب ضغوط التضخم المستمرة والمخاوف من المضاربة العقارية. ومع ذلك، ستظل بكين بحاجة إلى أن تكون ”مرنة“ في سياستها النقدية من أجل ”الحفاظ على سيولة كافية“. على سبيل المثال، تخطط الحكومة لدعم تمويل الشركات عن طريق خفض نسبة الاحتياطي النقدي للبنوك. كما أشارت الحكومة إلى نيتها لخفض أسعار الفائدة بشكل أكبر إذا استمر التباطؤ الاقتصادي.

تحقيق ”الرخاء المشترك“

تتطلع الحكومة الصينية أيضًا إلى تهدئة المخاوف والارتباك بشأن أولوياتها التي أثارتها أفعالها في عام 2021، ولعل أحد المجالات التي سعت إلى توضيحها يتعلق بأجندة شي جين بينغ ”للازدهار المشترك“ التي تركز ظاهريًا على إعادة توزيع أكثر إنصافًا للثروة الاقتصادية المتنامية في الصين، إلا أن مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي CEWC أوضح أن ”الرخاء المشترك“ سيتم تنفيذه من خلال عملية مُحكمة طويلة الأمد. بشكل أساسي، تؤكد الحكومة على مفهوم النمو أولاً، ثم التوزيع لاحقًا.

كما تم توضيح سياسات تحول الطاقة في الصين حيث أعلنت الحكومة الشعبية المركزية الصينية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 عن خطط لخفض انبعاثات الكربون بشكل مطرد بعد أن بلغت ذروتها في عام 2030 بهدف تحقيق ”حياد الكربون“ بحلول عام 2060. ومع ذلك، أشار مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي CEWC بعد شهر واحد إلى أنه ”من المستحيل تحقيق كل شيء دفعة واحدة“ واستبعد تنفيذ السياسات الجذرية المتعلقة بتحول الطاقة. كما حذرت الحكومة من نقص الطاقة الذي حدث في بعض المناطق في خريف 2021 بسبب انخفاض توليد الطاقة من الرياح والطاقة الكهرومائية بسبب عوامل الطقس. ومنذ ذلك الحين، أصبح استقرار تزويد الطاقة أولوية تسبق تقليل استخدام الفحم.

كما تم إلى حد ما تخفيف القيود المفروضة على إقراض مطوري العقارات بعد التنفيذ الأولي لسياسة ”الخطوط الحمراء الثلاثة“. منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تم استئناف عمليات الإنقاذ المالي من خلال الشركات والمؤسسات المالية المملوكة للدولة لضمان ألا يؤدي المزيد من إخفاقات المطورين إلى أزمات مالية أو الإضرار بمشتري المنازل وموردي العقارات. من الواضح أن الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أكثر أهمية بالنسبة لبكين من تعزيز مبادئ السوق الخاصة بالمسؤولية الفردية عن المخاطرة.

الصين مفتاح الاستقرار الاقتصادي العالمي

من المتوقع أن يكون معدل النمو في الصين حوالي 5% في عام 2022. ويعني اعتماد اليابان الاقتصادي على السوق الصينية أن استمرار النمو الاقتصادي الصيني القوي أمر مهم، لكن الصين، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تعتبر أيضًا عاملاً حاسمًا لحدوث انتعاش اقتصادي عالمي بعد كوفيد-19. من ناحية أخرى، إذا تم تأجيل الإصلاحات الاقتصادية بسبب تركيز بكين على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فهناك مخاوف متزايدة من أن الصين ستعاني حتماً من نكسات اقتصادية أكبر في المستقبل.

تدرك الحكومة الصينية الحاجة إلى تحقيق التوازن بين النمو المستدام والتنمية عالية الجودة على المدى الطويل. كما تؤكد بكين على أنها ستوفر الدعم المالي للمجالات التي يمكنها أن تساعد على تخفيف الاختلالات الهيكلية. على وجه الخصوص، تتطلع إلى دعم تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة والصناعات عالية التقنية، وإنشاء بنية تحتية جديدة مثل شبكات الجيل الخامس 5G والحوسبة السحابية، ومصادر جديدة للطاقة.

لكن تظل المخاوف قائمة. كانت هناك بالفعل تأخيرات في تعديل الهيكل المالي الذي يعتمد بشدة على الدخل المكتسب من عمليات نقل حقوق استخدام الأراضي. كانت الحكومة قد خططت لإدخال ”ضريبة على العقارات“ معادلة لضريبة الممتلكات، ولكن قد يكون هذا إجراءً أقل طموحًا نظرًا للتركيز على استقرار النمو. لا تزال الحكومة تقدم ”ضمانات ضمنية“ لشركاتها المملوكة للدولة، في حين أن الاعتبارات ”غير التجارية“، بما في ذلك تلك المرتبطة بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، لا تزال تعيق تحقيق عمليات السوق العادلة والشفافة. بعد أن يتم ترسيخ القيادة على مدى السنوات الخمس المقبلة في الدورة العشرين للمؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني، لو حدث تحول إلى التأكيد على الإصلاح سيكون هذا أمراً ذا أهمية اقتصادية حاسمة لاقتصاد اليابان وجميع دول العالم.

معضلة الصين ”صفر كوفيد-19“

بالإضافة إلى معضلة استقرار الإصلاح والنمو، لا تزال معضلة كوفيد-19 تؤثر على الصين. ينتشر متحور أوميكرون شديد العدوى بشكل متقطع في الصين، وبينما هو أقل خطورة من المتحورات السابقة، لا يزال الجدل في الصين حول ما إذا كان يجب التحول إلى إعطاء الأولوية للاقتصاد أو الاستمرار في سياسة القضاء على كوفيد-19 ”صفر كوفيد-19“. تعد الموازنة بين منع انتشار كوفيد-19 والنمو الاقتصادي مهمة صعبة لأي بلد، ولكن نظرًا لأن الصين لديها اقتصاد كبير يقع في قلب سلاسل التوريد العالمية، فإن النهج الذي ستتبعه بكين للقضاء على فيروس كوفيد-19 سيكون له أيضًا تأثير كبير على الاقتصاد العالمي.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 17 فبراير/ شباط 2022، الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: مبنى عملاق التطوير العقاري الصيني مجموعة إيفرغراند في شنغهاي. وكالة أخبار أفلو/جيجي برس).

الاقتصاد العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات اليابانية الصينية