الهجرة ومستقبل اليابان

نقص الدعم التعليمي للمهاجرين الأجانب في اليابان: إهمال أم تجاهل؟

التعليم الياباني

يقال إن هناك احتمال بأن حوالي عشرة آلاف طفل من الأطفال حملة الجنسيات الأجنبية الذين يعيشون في اليابان لا يذهبون إلى المدارس، وذلك بتاريخ شهر مايو/أيار من عام 2021. وفي هذه المقالة، تقوم الأستاذة المشاركة في جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية ومديرة مركز التعايش المشترك متعدد اللغات والثقافات في نفس الجامعة بشرح وتوضيح الوضع الفعلي لتعليم الأطفال الأجانب. تستعرض الأستاذة التحديات التي يواجهها هؤلاء الأطفال في الحصول على تعليم مناسب، وتؤكد على الحاجة الماسة إلى بناء نظام تعليمي يضمن تكافؤ الفرص ويُمكِّن من تلقي التعليم بالتساوي للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو اللغوية.

مشاكل تعليمية ونفسية بين أبناء المهاجرين الأجانب في اليابان

في المسح حول ظروف التحاق الأطفال حملة الجنسيات الأجنبية بالمدارس، والذي قامت به وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا لأول مرة على مستوى البلاد (السنة المالية 2019)، اتضح في شهر سبتمبر/أيلول من عام 2019 الوضع الفعلي لاحتمال عدم التحاق حوالي عشرين ألف شخص من بين الأطفال حملة الجنسيات الأجنبية الذين يعيشون في اليابان بالمدارس. ويشير هذا إلى احتمال أن حوالي 1 من كل 5 أشخاص (18.1%) من الأطفال حملة الجنسيات الأجنبية الذين يعيشون في اليابان غير ملتحقين بالمدارس. وعند مقارنة هذا الرقم بتقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الصادر في نفس الفترة في عام 2019، سيصبح لافتا للنظر مدى خطورة ذلك. لأن هذه النسبة هي نفس النسبة تقريبا في ”مناطق أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى“ (18.8%)، والتي تعتبر أعلى نسبة للأطفال غير الملتحقين بالمدارس (التعليم الابتدائي) في العالم.

فلماذا يوجد الكثير من الأطفال حملة الجنسيات الأجنبية غير ملتحقين بالمدارس بهذا الشكل في دولة متقدمة مثل اليابان يا ترى؟ لمدة عامين من شهر أبريل/نيسان من عام 2003، تعاونت مع الحكومات المحلية والمنظمات غير الربحية لبدء مسح لأول مرة في اليابان، لفهم الوضع الفعلي لالتحاق جميع الأطفال حملة الجنسيات الأجنبية الذين يعيشون في مدينة كاني في محافظة غيفو بالمدارس، من خلال القيام بزيارات منزلية. وبالأخذ بعين الاعتبار هذه التجربة، أود بالتفكير بما ينبغي تحسينه، مع القيام بالتأكد من سبب ذلك. ويشير مصطلح ”الأطفال حملة الجنسيات الأجنبية“ في هذه المقالة إلى حملة الجنسيات الأجنبية الذين تتوافق أعمارهم مع أعمار طلاب الصف الأول من المدرسة الابتدائية وحتى طلاب الصف الثالث في المدرسة الإعدادية في اليابان (مرحلة التعليم الإلزامي).

الأجانب والحق في التعليم

س: ما هي النقاط التي يجب الانتباه إليها حول الإجراءات المتعلقة بالتحاق الأطفال الأجانب بالمدارس؟

ج: لا يوجد التزام على أولياء أمور الأطفال الأجانب بوجوب التحاقهم بالمدارس في اليابان، ولكن إذا كانوا يرغبون بالالتحاق بمدارس التعليم الإلزامي العامة، فيمكن لهم تلقي التعليم المجاني مثل الأطفال اليابانيين، بناء على الأحكام الدولية لحقوق الإنسان وغيرها.

ربما سيتفاجأ الكثير من القراء بحقيقة أنه ”لا يوجد التزام على أولياء أمور الأطفال الأجانب بالتحاق أطفالهم بالمدارس“ في اليابان. ويتعلق هذا بالمادة 26 من الدستور، والتي تنص على أحكام مهمة هي أساس لوائح التعليم في اليابان. حيث يتم تفسير عبارة ”جميع المواطنين“ في نص الفقرة الثانية من نفس المادة التي تنص على أن ”جميع المواطنين ملزمون بجعل أطفالهم يتلقون التعليم العادي وفقا لما ينص عليه القانون“، بأنهم ”حملة الجنسية اليابانية“، وبالتالي لا يتم إلزام أولياء أمور الأطفال حملة الجنسيات الأجنبية بذلك. وفي اليابان، فإن التعليم الإلزامي يعني إلزام أولياء الأمور بإرسال أطفالهم إلى المدارس، ولكن من وجهة نظر الأطفال، فإن المادة 26 ”الحق في التعليم (right to education)“ المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تعني ضمان ذلك الحق مؤسساتيا من خلال تحقيق إلزامية التعليم.

ولكن كيف هو الحال بالنسبة للمادة 30 التي تنص على واجب دفع الضرائب يا ترى؟ تمت الإشارة إلى كلمة ”مواطنين“ بكلمة ”مقيمين“، ويتم أخذ الضرائب بشكل أكيد من حملة الجنسيات الأجنبية. بعبارة أخرى، يمكن القول إنه تم سلب ”الحق في التعليم“ من الأطفال حملة الجنسيات الأجنبية، من خلال ”تفسير“ معنى المواطنة والتفريق في استخدامه.

وليس هذا فحسب، حيث تنص الفقرة الثالثة من المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن ”للوالدين حق الأولوية في اختيار نوع التعليم الذي يتلقاه أطفالهم“، وأن الحق في تلقي التعليم يجب أن يضمن أيضا الحق في اختيار التعليم. ولكن لا يُسمح في اليابان بـ ”اختيار نوع التعليم“ أيضا. حيث يوجد في اليابان أكثر من مئتي مدرسة أجنبية بدءا بالمدارس الدولية، والمدارس البرازيلية، والمدارس النيبالية، والمدارس الكورية وغيرها، ولكن لا يتم الاعتراف بمعظمها على أنها ”مدارس“. لذلك، يتم استبعاد المدارس الأجنبية من الأنظمة التي تؤثر على صحة الأطفال وحياتهم أيضا، مثل الفحوصات الطبية المدرسية. وبالتالي تم خلق مجتمع لا يمكن فيه حماية سلامة الأطفال.

وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020، حدثت عدوى جماعية بفيروس كورونا الجديد في إحدى المدارس الأجنبية. وكان ذلك خلال فترة انتشار الموجة الثالثة من العدوى، ولكن العديد من العمال الأجانب لم يكونوا في بيئة يمكنهم فيها العمل عن بعد. ونتيجة لذلك، انتقلت العدوى من أماكن العمل إلى الأطفال، وثم من الأطفال إلى المدارس، إلا أن الإدارات لم تستطع التدخل على الفور. وربما بعد هذا الدرس، أنشأت وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا لأول مرة مجلس خبراء معني بصحة الأطفال الذين يذهبون إلى المدارس الأجنبية. وعلى الرغم من أن الأشخاص ذوي العلاقة عقدوا آمالهم على هذا المجلس لأنه تم إجراء مسح حول الصحة والنظافة في المدارس الأجنبية أيضا، إلا أنه ليس من الإلزامي تعيين ممرض مدرسي أو إنشاء غرفة صحية في المدارس الأجنبية كما هو الحال في ”المدارس“ اليابانية، لذلك انتهى عمل المجلس فقط بتقديم تقرير يشير إلى وضع خطير يتمثل بعدم وجود ممرضين مدرسيين وعدم وجود غرف صحية وغير ذلك. ولا توجد مؤشرات على القيام بإصلاح الأنظمة التي تتعلق بصحة وحياة الأطفال.

من أجل أن تصبح اليابان الدولة المفضلة في جميع أنحاء العالم

في ظل عدم اقتراب نهاية فيروس كورونا الجديد، فكم هو عدد الأطفال الذين لا تتم حماية حتى صحتهم في داخل البلاد يا ترى؟ أود القيام بالتأكد من أرقام مفصلة، مع القيام بعرض نتائج أحدث مسح لوزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا.

في نهاية شهر مارس/آذار من عام 2022، أعلنت وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا عن نتائج المسح الثاني الذي حدد الوضع الفعلي لالتحاق الأطفال حملة الجنسيات الأجنبية بالمدارس. وبحسب تلك النتائج فإن نسبة الأطفال الملتحقين بـ ”مدارس“ غير معترف بها من قبل الدولة، أي مدارس أجنبية، هي 5.9%، وأن نسبة الأطفال الذين يُحتمل أن يكونوا غير ملتحقين بالمدرسة هي 9.9%. بعبارة أخرى، ليس من المبالغة القول إن صحة مجموع عدد ”(2) الملتحقين بمدارس أجنبية“ والأطفال ”غير الأطفال في (1) و(2)“ في الشكل التالي، والبالغ 21,162 شخصا، ليست محمية بموجب القانون. وتلك النسبة تعادل حوالي 1 لكل 6 أشخاص من المجموع الكلي (15.9%). وخصوصا أن عددا كبيرا من الأطفال الداخلين ضمن ”غير الأطفال في (1) و(2)“ في الشكل التالي لم يتم التأكد حتى من حالة التحاقهم بالمدرسة. فهل أنا الوحيدة التي تعتقد أنه يتم الاستخفاف بحياة الأطفال، عند القول ”لا أعرف مكان طفلي“ يا ترى؟

في نهاية شهر مارس/آذار من عام 2022، قامت وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا بنشر أحدث البيانات حول الوضع الفعلي للأطفال الملتحقين بالمدارس العامة والذين يحتاجون إلى تلقي تعليم اللغة اليابانية (العام الدراسي 2021). وبحسب تلك البيانات، تبين أن 1 من كل 20 شخصا (5.0%) لم يلتحق بمدرسة أو بعمل بعد إنهاء المدرسة الإعدادية، وأن هذا العدد يرتفع ليصل إلى حوالي 1 من كل 7 أشخاص (13.4%) بعد إنهاء المدرسة الثانوية. ولا يزال معدل التسرب من المدرسة الثانوية مرتفعا، حيث بلغ خمسة أضعاف (5.5%) نسبة تسرب جميع طلاب المدارس الثانوية (1.0%). وعلاوة على ذلك، تشير البيانات إلى أن حوالي 1 من 20 شخصا (5.1 %) من طلاب المدارس الابتدائية والإعدادية يحضرون صفوف دعم خاصة أيضا. وتعادل هذه النسبة حوالي 1.4 ضعف نسبة المدارس الابتدائية والإعدادية بأكملها (3.6%). وتشير صفوف الدعم الخاصة في اليابان إلى صفوف بأعداد قليلة تهدف إلى تقديم التعليم للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وبالتأكيد، كما هو موضح في الأسئلة والأجوبة حول شؤون التعليم في الموقع الإلكتروني لوزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا، فإن النص الذي يقول ”إذا كانوا يرغبون بالالتحاق بمدارس التعليم الإلزامي العامة، فيمكن لهم تلقي التعليم المجاني مثل الأطفال اليابانيين (...)“ هو حقيقة. ونتيجة لذلك، يمكن أن نعرف حتى من خلال الشكل أعلاه أن الكثير من الأطفال يذهبون إلى ”المدارس“ التي تعترف بها الحكومة. إلا أنه يمكن القول إن ارتفاع معدل تسرب الأطفال الذين يحتاجون إلى تلقي تعليم اللغة اليابانية، وحقيقة أنهم لا يستطيعون الالتحاق بالمسار التعليمي أو الوظيفة التي يرغبون بها، هي قضايا مقلقة للغاية في مجتمع اليوم الذي يعتبر الحق في تلقي تعليم ذي جودة عالية هو أمر مهم لتحقيق قيمة الفرد في المجتمع.

ومن أجل أن تصبح اليابان الدولة المفضلة في جميع أنحاء العالم، فمن الضروري مراجعة التدابير لإزالة العبارات التي تؤكد على الجنسية اليابانية كمعيار مطلق، والعبارات التي تشير إلى المقيمين الأجانب، ويجب ضمان ”الحق في التعليم“ للأطفال حملة الجنسيات الأجنبية أيضا. ومن الضروري أن يتوافر أيضا ”الحق في اختيار التعليم“ والذي هو أمر بديهي في الدول الأخرى. وبعبارة أخرى، فإن الاعتراف بجميع المؤسسات التعليمية كمدارس، مع حرية تلقي تعليم يحترم التنوع هو شرط أساسي. ولا يسعني إلا الاعتقاد بأن ذلك سيكون أيضا حلا للمشاكل التي يواجهها الأطفال الذين يعانون محاولين الهروب من صعوبة العيش والقمع في ”المدارس“ اليابانية، حيث يرتفع عدد الأطفال والطلاب الذين لا يذهبون إلى المدارس إلى مستوى قياسي يبلغ حوالي 200 ألف شخص (حسب مسح أجرته وزارة التعليم والثقافة والرياضة والعلوم والتكنولوجيا في عام 2020).

(النص الأصلي باللغة اليابانية، صورة العنوان: مدرسة باولو فريري المحلية التي تديرها منظمة غير ربحية من أجل الأطفال الأجانب، في تجمع هومي السكني في مدينة تويودا في محافظة أيتشي حيث يعمل البرازيليون والبيروفيون من أصل ياباني في المصانع في نفس المدينة، جيجي برس)

التعليم التعليم العالي الأجانب التعليم الياباني