فقط في اليابان.. عودة 900 سجين طوعًا بعد إطلاق سراح مشروط مقابل كلمة ”شرف“!

لايف ستايل

عندما أدى زلزال كانتو العظيم عام 1923 إلى تحويل دور العمل والمصانع في سجن يوكوهاما إلى أنقاض مشتعلة، قرر مدير السجن إطلاق سراح أكثر من 900 سجين على قيد الحياة بشرط عودتهم في غضون 24 ساعة. بينما كان قرار المدير مقامرة أو مغامرة غريبة، لكنه أصبحت فيما بعد حادثًا ملهمًا.

تسبب زلزال مفاجئ وقع في الساعة 11:58 صباحًا يوم 1 سبتمبر / أيلول1923 في انهيار السور المحيط بسجن يوكوهاما الذي يبلغ ارتفاعه 5 أمتار، والذي امتد 300 متر من الشمال إلى الجنوب و260 مترًا من الشرق إلى الغرب. انهار الجدار في لحظة وقوع زلزال كانتو العظيم، الذي خلف 105000 قتيل ومفقود.

تم تدمير الجدار المحيط ومباني الزنازين في غضون لحظات بسبب الزلزال.
تم تدمير الجدار المحيط ومباني الزنازين في غضون لحظات بسبب الزلزال.

السجناء يساعدون في إنقاذ الناجين بدلاً من الهروب!

كان السجن يضم أكثر من 1100 نزيل، وجميعهم كانوا داخل مبنى العمل شديد الحراسة، أو مجمعات الحبس الانفرادي، أو مجمعات الزنازين وقت وقوع الزلزال. تسببت سلسلة من الهزات في انهيار المباني الخشبية الواحدة تلو الأخرى. خاطر الحراس بحياتهم لفتح غرفة العمل والزنازين حتى يتمكن السجناء من الخروج إلى الفناء. ركض السجناء إلى الخارج إلى نقطة الإخلاء، وأذهلهم ما رأوه. انهار الجدار المحيط بالسجن، وكشف عن المنازل المحيطة. كان من الممكن أن يهربوا بسهولة إذا أرادوا ذلك.

صُدم مدير السجن شينا ميتشيزو لرؤية السجن مدمرًا بشكل لا يمكن التعرف عليه. وراء بقايا الجدار المحيط، كان هناك ترام خرج عن مساره، وكان يرتكز على زاوية. صلى شينا من أجل أن يكون النزلاء والموظفون بأمان، لكنه استسلم لحقيقة هروب عدد كبير من السجناء.

أماكن ثكنات الحراس. يمكن رؤية ترام خرج عن مساره من بعيد.
أماكن ثكنات الحراس. يمكن رؤية ترام خرج عن مساره من بعيد.

ومع ذلك، اندهش شينا عندما علم بعد نصف ساعة أنه لم يهرب أي سجين. على العكس تمامًا، كان العديد من السجناء يعملون معًا لإنقاذ الحراس وزملائهم السجناء المحاصرين تحت الأنقاض. أثر المشهد على شينا بشكل كبير.

في حوالي الساعة 2:00 مساءً، اشتعلت النيران في مجموعة مجاورة من المباني (سكن موظفين لشركة الكهرباء المحلية). وامتد الحريق إلى السجن، بعد أن هبت رياح عاتية في ذلك الوقت. إلا أن جميع مضخات الحريق وطفايات الحريق الموجودة في السجن دفنت تحت الأنقاض. عمل الموظفون والسجناء معًا لنقل الفراش والوثائق والإمدادات الطبية إلى الطريق، الذي كان بعيدًا حتى لا تلتهمها النيران المستعرة. غطى يوكوهاما دخان أسود، مما يشير إلى أن النيران كانت مشتعلة بشكل كبير في المناطق المحيطة. نظرًا لكونها ميناء دوليًا، فقد احتوت المنطقة على العديد من أكوام الفحم والصفوف المتتالية من خزانات الوقود المستخدمة لتزويد السفن بالوقود.

مغامرة المدير تؤتي ثمارها

وقرر شينا ممارسة سلطته بموجب قانون السجون للإفراج عن النزلاء. كان هذا ممكنًا بموجب حكم خاص من القانون تم تضمينه بهدف حماية الأرواح. بموجب هذا البند، بعد وقوع كارثة طبيعية أو شيء من هذا القبيل، إذا لم يكن هناك موقع إخلاء مناسب على أرض السجن ولم يكن من الممكن نقل السجناء إلى مكان آمن، فقد تمكن المدير من إطلاق سراح النزلاء بشرط أن يعودوا للسجن في غضون 24 ساعة. كانت اليابان على الأرجح الدولة الوحيدة التي لديها مثل هذا الحكم المستند إلى الحقوق في قوانينها. يعود تاريخ الحكم إلى القرن السابع عشر، عندما أطلق قاضي السجن إيشيد تاتيواكي، أثناء حريق ميريكي الكبير عام 1657، والذي أسفر عن مقتل 108000 شخص وتدمير قلعة إيدو، ما يقرب من 300 سجين في سجن كودينماتشو روياشيكي، الذي كان في طريق النار، وأمرهم بالتوجه إلى أسفل الوادي إلى معبد رينكيجي حتى لا يهلكوا.

في الساعة السادسة مساءً بقليل، جمع شينا جميع السجناء الذين يزيد عددهم عن 900 نزيل يمكنهم المشي. في ذلك الوقت، لقي 38 نزيلاً مصرعهم وأصيب 60، من بينهم 10 إصابات خطيرة. وهو ما دعا شينا إلى إصدار الأمر التالي:

”أنا ممتن بصدق لكم على مساعدتكم في جهود الإنقاذ وواجبات الطوارئ دون هروب واحد. لقد قررت أن أعيد ثقتكم بنا من خلال الوثوق بكم. أنتم أحرار لكن بشكل مؤقت. سيكون الكثير من الناس، بمن فيهم أفراد عائلتكم، في حالة بائسة لا توصف. أريدكم أن تتأكدوا من أن عائلاتكم في أمان، وأن تفعلوا كل ما تستطيعوا من الخير، وتعود إلى هنا بحلول هذا الوقت غدًا“.

عودة جميع السجناء!

وغادر الرجال، الذين كانوا يرتدون ملابس السجن البرتقالية الداكنة المميزة، ساحة السجن. في غضون 24 ساعة، عاد أكثر من 500 سجين. ساعد جميع السجناء تقريبًا، بمن فيهم أولئك الذين كانوا في طريق العودة من زيارة عائلاتهم، في تفريغ شحنة مساعدات بناءً على تعليمات من الحاكم، وهي مهمة قاموا بها من أجل التكفير عن جرائمهم. شاهد الناس، مندهشين وممتنين لرؤية السجناء على رصيف تعرض لأضرار جسيمة في الزلزال وهم يؤدون مثل هذه المهمة الخطيرة.

هناك قول مأثور مفاده أن الساموراي يضحون بحياتهم من أجل أولئك الذين يعرفونهم حقًا. كان شينا على دراية بالسجلات الجنائية لكل نزيل، وخلفيات تلك الجرائم، والأوضاع الأسرية للنزلاء، وسعى جاهداً لإعطاء كلمات التشجيع للنزلاء حسب الاقتضاء. تأثر السجناء بحقيقة أن شينا يعرف بالفعل أسمائهم الكاملة. شينا، الذي رأى العقاب ليس شكلاً من أشكال الانتقام، ولكن كشكل من أشكال التعليم القائم على الإنسانية والثقة، كان يحظى بتقدير كبير من قبل السجناء. كانت الرغبة في رد معروف هذا الامتنان لمدير السجن شينا هي التي جعلت السجناء يتطوعون لتفريغ شحنة المساعدات.

تم نقل ما يقرب من نصف السجناء بعد ذلك إلى سجن ناغويا بواسطة بارجة. علمًا بذلك، جاء العديد من سكان يوكوهاما إلى الرصيف، الذي كان بالقرب من السجن، لتوديع السجناء. أراد الكثير من الناس أن يشكروا السجناء على ما فعلوه من أجلهم.

السكان يشاهدون السجناء الذين يتم نقلهم على متن قوارب لنقلهم إلى البارجة يوباري.
السكان يشاهدون السجناء الذين يتم نقلهم على متن قوارب لنقلهم إلى البارجة يوباري.

تم إطلاق سراح 934 نزيلا بالضبط. بحلول موعد النقل الثاني في منتصف سبتمبر/ أيلول عاد 694 إلى السجن، وظل 240 شخصًا خارج السجن ولم يعودوا. كان شينا قلقًا من أن السجناء الباقين قد تورطوا في أعمال عنف قاتلة في بعض الأحيان ضد الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من قبل مجموعات الأمن الأهلية التي انتشرت في جميع أنحاء منطقة كانتو بعد الزلزال. ولكن ما بعث على الارتياح لشينا، عاد 176 نزيلاً إضافياً إلى السجن فيما بعد. كما علم شينا أن 64 آخرين سلموا أنفسهم في سجن آخر. لذلك تم حصر جميع السجناء.

ومع ذلك، أدى قرار الإفراج عن السجناء إلى مأساة. نظرًا لأن الراديو لم يكن مألوفًا بعد، فقد ولّد الزلزال كل أنواع الشائعات التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد. في غضون أيام، انتشرت في الصحف في كل من كانساي وتوهوكو الشائعات القائلة بأن النزلاء قد سرقوا سيفًا من أحد الحراس ليذهبوا في موجة اغتصاب ونهب. مع عدم تصحيح هذه التقارير الكاذبة مطلقًا، انتهى الأمر بالصحف التي احتوتها إلى دخول مجموعات العديد من المكتبات، وبالتالي أصبحت مقبولة كحقيقة تاريخية. في هذه الأثناء، ما حدث بالفعل - مساعدة السجناء في تفريغ البضائع - لم يتم الإبلاغ عنه مطلقًا.

التاريخ القصير للسجون في اليابان

لم تكن اليابان حتى منتصف القرن التاسع عشر قد شرعت في بناء سجون مشيدة بشكل متين لإيواء السجناء. قبل ذلك الوقت، كانت العقوبات الوحيدة التي تُنفذ هي الإعدام، النفي إلى جزيرة نائية، الطرد من مكان الإقامة، الاحتجاز في المنزل، الجلد، والوشم، مما يعني أنه لم تكن هناك حاجة لمرافق الاحتجاز. علاوة على ذلك، فإن وجود مرافق احتجاز مثل مرفق كودينماتشو كانت موجودة لإيواء الأشخاص الذين ينتظرون صدور الأحكام، مما يجعلها أحد أشكال مراكز الاحتجاز الحديثة، بدلاً من السجون للإقامة الطويلة. كانت حكومة ميجي هي التي أنشأت قوانين وسجونًا على غرار تلك الموجودة في أوروبا الغربية واستبدلت العقوبات السابقة بتلك التي تقيد الحق في الحياة والحرية والملكية. أصبحت السجون تفترض تخطيطًا مستوحى من الغرب، مع وجود دور عمل لفرض السجن مع العمل.

تم الانتهاء من سجن مياغي في عام 1879. تم تصميم الزنازين الخشبية على غرار سجن لوفين في بلجيكا. المبنى المكون من طابق واحد في الخلفية هو ورشة العمل.
تم الانتهاء من سجن مياغي في عام 1879. تم تصميم الزنازين الخشبية على غرار سجن لوفين في بلجيكا. المبنى المكون من طابق واحد في الخلفية هو ورشة العمل.

سجناء أثناء العمل في منتصف القرن الثامن عشر.
سجناء أثناء العمل في منتصف القرن الثامن عشر.

ظهر السجن مع العمل لأول مرة في منشأة إيدو في إيشيكاواجيما، التي تأسست عام 1790. وهي مؤسسة إصلاحية لإيواء المجرمين الصغار المحكوم عليهم بعمل وشوم أو الجلد بالسوط، ودربت المنشأة نزلاءها على البناء، الجص، صناعة الأحذية، والسلال، ومنحهم قروضًا لتمكينهم من الحياة بعد الإفراج عنهم.

مخاطر النقص في الاتصال 

قبل حوالي 50 عامًا، تبنت معظم السجون اليابانية سياسة تشغيل تركز على القواعد والنظام. باسم تعزيز طاعة القانون، طبقت السجون أيضًا نهجًا قائمًا على المراقبة يتطلب من النزلاء الامتثال للقواعد التفصيلية. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، أدى الانخفاض في عدد السجناء والتغيرات في خصائص النزلاء إلى تغيير كبير في بيئة السجن. والجدير بالذكر هو العدد المتزايد من المساحات التي تشبه مرافق رعاية المسنين، نتيجة لكبر سن نزلاء السجون، ووقف الأنشطة التي تهدف إلى إكساب النزلاء مهارات مهنية.

منذ 20 عامًا فقط، تم افتتاح أربعة سجون في اليابان مما أدى إلى تعزيز مشاركة القطاع الخاص. لكن السنوات الأخيرة شهدت إغلاق العديد من السجون التقليدية بسبب الانخفاض الكبير في عدد نزلاء السجون. إن التقدم في أتمتة الأمن يعني أيضًا أن الاتصال بين الحراس والسجناء أصبح أكثر تخلخلًا، مما يخلق مخاوف من أن مستوى مهارة الحراس في إصلاح النزلاء آخذ في التدهور.

تعمل السجون وفق تسلسل هرمي صارم، وتتميز بنوعين من العلاقات الشخصية: العلاقات الهرمية بين الحراس، والعلاقات بين الحراس والسجناء. عندما تصبح المنظمات أكثر صرامة، تصبح هذه العلاقات أكثر تحفظًا، حيث يصبح الامتثال للممارسات الراسخة أولوية قصوى. في هذه الأيام، لا يوجد تقريبًا للمديرين أي اتصال مع السجناء الأفراد، ولا تكاد توجد فرصة للمديرين والسجناء لمناقشة القضايا مع الحراس.

أكثر ما يخشى هو مستقبل العلاقة بين النزلاء والسجانين. إذا لم تكن هناك ثقة بين هاتين المجموعتين، فلن يكونا قادرين على التواصل بشكل جيد. من خلال الوثوق بالسجناء كما فعل شينا، أصبح السجناء يثقون أيضًا في حراسهم. هذه ليست ابتذال، بل حقيقة. وبغض النظر عن مديري السجون، الذين يتم نقلهم كثيرًا إلى مناصب في سجون أخرى، وغيرهم من كبار المسؤولين، يجب ألا ننسى أهمية الحراس، الذين يلعبون دورًا كمعلمين بالمعنى الأشمل للكلمة، من خلال ممارسة التواضع في حياتهم. التفاعل مع النزلاء والقيام بالعديد من الأعمال الصالحة لكسب ثقة النزلاء واحترامهم. وغني عن البيان أن علاقة الثقة بين هاتين المجموعتين تدعم نجاح السجن.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية، صورة العنوان: شينا ميتشيزو، إلى اليمين، سجناء على وشك نقلهم إلى سجن ناغويا. جميع الصور مقدمة من ساكاموتو توشيو)

المجتمع الياباني الحكومة اليابانية الساموراي التاريخ الياباني