جرس إنذار.. هل يمكننا التصدي لعنف الأشخاص الذين ليس لديهم ما يخسرونه؟

مجتمع

تشهد اليابان ارتفاعًا في عدد الجرائم المروعة التي يرتكبها أشخاص، يبدو أنهم ليس لديهم ”ما يخسرونه“ لا روابط أسرية قوية أو وظيفة مستقرة. إن اليأس الناجم عن عدم القدرة على الحصول على عمل مجزي أو إقامة علاقات دائمة يؤثر على المزيد والمزيد من الناس في اليابان. يناقش عالم الاجتماع يامادا ماساهيرو، الذي يركز بحثه على الفجوات في المجتمع الياباني تلك المشكلة التي تعصف باليابان.

يامادا ماساهيرو YAMADA Masahiro

وُلِد الأستاذ يامادا ماساهيرو عام 1957 في طوكيو. وقد حصل على درجة الدكتوراة في مركز أبحاث علم الاجتماع بجامعة طوكيو عام 1986. ويعمل كأستاذ في كلية الآداب بجامعة تشوؤو منذ شهر أبريل/ نيسان عام 2008. وهو متخصص في كل من علم الاجتماع الأسري، علم اجتماع العواطف، نظرية الأجناس. من مؤلفاته ”زمن الأعزب العالة“ (دار نشر تشيكوما شينشو، 1999)، ”مصير فجوة أخرى في انخفاض الخصوبة في المجتمع الياباني“ (دار نشر إيوانامي شوتن، 2007)، ”العزاب غير القادرين على الزواج“ (دار نشر صحيفة أساهي، 2016) وغيرها.

تصاعد الاغتراب

المحاور: منذ ثمانية عشر عامًا، في كتابك Kibō kakusa shakai ”مجتمع مع التفاوت في الآمال“، توقعت أنه إذا استمرت الفجوات الاجتماعية في الاتساع، فإن الأشخاص الذين شعروا بالرفض من قبل المجتمع سيلجأون إلى العنف. كيف ترى الموجة الأخيرة من جرائم العنف التي ارتكبها أشخاص يبدو أنهم ينطبق عليهم هذا الوصف؟

يامادا ماساهيرو: يعتمد المجتمع الياباني على العائلات ومجتمعات الشركات. يتم تشكيل هوية الفرد بناءً على القبول من العائلة وزملاء العمل. ياماغامي تيتسويا، المشتبه به في اغتيال رئيس الوزراء الياباني الأسبق شينزو آبي، كان لديه عائلة متمثلة في والدته، لكنها كانت منشغلة حتى النخاع بالدين الذي اعتنقته، وفي الواقع، فقد تم لفظه والتخلي عنه من قبل عائلته وزملائه. أعتقد أننا نشهد زيادة في الجرائم التي يرتكبها هؤلاء الأشخاص الذين لا أمل لهم في الحاضر أو المستقبل.

المحاور: هل تعتقد أن التغييرات الاجتماعية تشكل خلفية الحادث؟

يامادا: حتى عام 1990 تقريبًا، سمح النمو الاقتصادي لليابان للناس بالاعتقاد بأنه من الممكن التغلب على أي تفاوت اجتماعي موجود. يتمتع معظم الرجال بدخل ثابت، وكانت النساء قادرات على الزواج من مثل هؤلاء الرجال وتكوين أسرة. على الرغم من الفجوات الاجتماعية، يمكن للناس أن يأملوا في بناء حياة مزدهرة من خلال جهودهم الخاصة. ولكن منذ ذلك الحين، خلقت إعادة الهيكلة الاقتصادية كتلة من العمال غير الدائمين، مما أدى إلى تفاوت في أوضاع التوظيف. وقد أدى اتساع الفجوة المصاحبة في ثروة الأسرة والتعليم إلى زيادة الاستقطاب الاجتماعي. كثير من الناس الذين ينتهي بهم الأمر في وظائف غير دائمة لا يتوقعون تحقيق حياة مزدهرة ومستقرة وغير قادرين على الزواج. بمعنى أخر، ليس لديهم أمل في المستقبل.

في البداية، كان الشباب هم الذين تأثروا بشكل كبير، ولكن مع مرور الوقت انتشر التفاوت إلى من هم في منتصف العمر وكبار السن. بشكل أكثر شمولية، يظهر الأشخاص الذين انزلقوا من خلال هياكل الأسرة أو العمل التقليدية، والمجتمع اليوم لا يوفر لهم أي آفاق مستقبلية: فقط اليأس. لقد أصبح مجتمعًا يتم فيه التخلي عن نسبة معينة من الناس وتركهم ورائه.

المحاور: يستخدم الأشخاص الذين ليس لديهم ما يخسرونه استراتيجيات جريئة بشكل متزايد في الجرائم التي يرتكبونها. ما هو السبب وراء ذلك في اعتقادك؟

يامادا: يتم تشكيل هويات العديد من الأشخاص من خلال أسرهم وعملهم. تكمن أهمية العمل أو الزواج في الزملاء أو الأسرة التي يكونونها، والتي بدورها تربطهم بالمجتمع. أعتقد أن إضعاف القوة الشاملة التي يوفرها هذان العاملان يكمن وراء سلسلة حوادث العنف الأخيرة.

ومن الأمثلة على ذلك الجريمة التي وقعت في يناير/ كانون الثاني 2022 لرجل في محافظة سايتاما قتل طبيبًا بعد أن رفض محاولة إنعاش والدته المتوفاة. كان المشتبه به يرعى والدته في المنزل، ويعيش على معاشها التقاعدي، ولكن على الأقل كانت والدته مع شخص يعتني بها وتعتني به. عندما توفت لم يبق له أحد. ثم أصبح الطبيب هدفاً لغضبه.

ولكن على الرغم من وجود طبقة في المجتمع الآن من الأشخاص اليائسين، فإن هذا لا يشعل شرارة الجريمة بشكل مباشر. هناك خطوة أخرى تدفع الناس إلى ارتكاب أعمال عنف. لا يلجأ الناس إلى الجريمة إذا كان لديهم شكل بديل من الاندماج الاجتماعي. في حالة كاتو توموهيرو، الذي أُعدم في يوليو/ تموز من هذا العام، بعد أن أدين بقتل سبعة أشخاص في عملية دعس جماعي بمنطقة أكيهابارا لبيع الإلكترونيات في طوكيو عام 2008. لم يكتف كاتو بدعس الناس، بل خرج من الشاحنة وطعن عدة أشخاص بشكل عشوائي، فقد تخلى عنه عمله وعائلته وهرب إلى عالم من لوحات الرسائل عبر الإنترنت. أصبح تدمير مكانه في العالم حافزًا لأفعاله.

محاصرون بالمسؤولية الفردية

المحاور: في الماضي، كان الانتحار يميل إلى أن يكون المسار الأكثر تطرفًا من قبل الأشخاص الذين شعروا بالغربة وبأنهم منبوذين والافتقار للأمل. ومع ذلك، فقد شهدنا مؤخرًا زيادة في الحالات التي يشعر فيها الناس بما أنهم سيموتون، فقد يصطحبون آخرين معهم أيضًا. ما سبب هذا التحول؟

يامادا: عالميا، لا يزال معدل الانتحار مرتفعا في اليابان، في حين أن المذابح العشوائية نادرة مقارنة بالدول الأخرى. هناك شعور باقٍ بأن المرء يجب ألا يكون مصدر إزعاج للمجتمع. عندما يستهدف الناس الآخرين، يكون ذلك لأنهم شعروا بالرفض من قبل المجتمع. أشعر أنه مرتبط أيضًا بالإصرار المتزايد على المسؤولية الفردية.

صرحت رئيسة الوزراء البريطانية الشهيرة مارغريت تاتشر ذات مرة أنه ”لا يوجد شيء اسمه المجتمع“، وأدانت مفهوم دولة الرفاهية وشددت على الحاجة إلى المسؤولية الشخصية للأفراد. في الأساس، كانت تقول إنه لا يوجد كيان يمكن أن يتوقع البريطانيون اللجوء إليه للحصول على المساعدة. تبع ذلك انتشار الليبرالية الجديدة وعقيدة المسؤولية الفردية.

لا يقدم المجتمع أي مساعدة لأولئك الذين ييأسون من الواقع، وشعورهم بالتخلي عنهم والرفض يدفعهم إلى توجيه عدوانهم نحو الغرباء بشكل عشوائي وفوضوي. هم لا يحاولون تغيير المجتمع أو التمرد عليه، كما قد نراه في الحركات العمالية أو الطلابية. هم ببساطة يرغبون في الانتقام من المجتمع، واصطحاب الأشخاص الذين تبدوا عليهم مظاهر السعادة في طريقهم نحو صب جام غضبهم على المجتمع.

المحاور: هناك وجهة نظر منتشرة حول المسؤولية الفردية ترفض فكرة أن الناس يعانون بسبب التفاوت الاجتماعي على أساس أنهم لا يحصدون إلا ما زرعوه بأنفسهم. هل لهذه الطريقة في التفكير تأثير في سلسلة الحوادث الأخيرة؟

يامادا: يقول العديد من الأشخاص الذين تأثروا بعمليات القتل العشوائي إنهم يتمنون لو مات القاتل وحده. هذا منظور معقول لشخص لديه شعور بالأمل في عالمه. لكن بالنسبة للرفض الاجتماعي، لم يعودوا يشعرون بأنهم أعضاء في المجتمع، وليس لديهم وعي بأنهم مصدر إزعاج. وبالتالي، إذا أصبحت هذه المسؤولية الشخصية الفردية هي الشرط الأساسي في المجتمع، فنحن على يقين من رؤية المزيد من مثل هذه الحوادث.

كما يمكننا أن نرى في المجتمع الأمريكي، فإن مجرد الإصرار على المسؤولية الشخصية لا يكفي للقضاء على مثل هذه الجرائم. الطريقة الأكثر فعالية لمعالجة محنة الأشخاص الذين فقدوا الأمل في ظروفهم هي من خلال الأساليب التقليدية، مع السياسات العامة والدعم الاجتماعي لتمكينهم من الاستمتاع بعلاقات مع الزملاء والعائلة والأصدقاء.

السؤال هو كيف نخلق مثل هذه البيئة، التي تقودنا إلى العالم الافتراضي. أعتقد أن اليابان لديها نوادي الباتشينكو والتي ساعدت على انخفاض معدل أعمال العنف اليائسة، لأن نوادي الباتشينكو توفر ملاذًا ومكانًا للهروب للأشخاص الذين يفشلون في الحصول على القبول في مكان العمل. لعب الباتشينكو، طالما أنه ليس إدمانًا، ووجود الأشكال الأخرى من المقامرة، مثل سباق الدراجات وسباق الخيل، ساعدت على تقليل معدل الجرائم في المجتمع الياباني. ومع ظهور ألعاب الإنترنت فقد حلت محلها في الوقت الحالي. يساعد اكتساب القبول الزائف في العالم الافتراضي على منع الناس من الوقوع في كفرائس سهلة في براثن اليأس.

الحاجة لتكوين صداقات

المحاور: مع استمرار التصدع في المجتمع المتباين في التعمق، ما هي الوسائل التي نملكها لإنقاذ أولئك المستبعدين من المجتمع؟ هل لديك أي أفكار للمساعدة في صياغة سياسات عامة ملموسة؟

يامادا: في العالم الحقيقي، أعتقد أن الطريقة الوحيدة هي دعم زيادة الروابط الصغيرة بين الناس. أنا شخصيًا أعمل كمدير للمركز الإقليمي لدعم الزواج، وقد قمت بالترويج لمشاريع دعم الزواج في جميع أنحاء اليابان لأكثر من 10 سنوات. لكن هذا الإجراء لا يهدف فقط إلى معالجة قضية انخفاض معدل المواليد في البلاد. بل يهدف أيضًا إلى تحرير الأشخاص المعزولين وخلق روابط بينهم وبين الناس. نحن بحاجة إلى استخدام أساليب ليس فقط لتشجيع الناس على تكوين أسرة، ولكن أيضًا لمنع العزاب من عزل أنفسهم. لا يلزم أن يكون التوفيق بين الأشخاص بالمعنى التقليدي للكلمة المتمثل في الزواج، ولكن يمكن أيضًا أن يكون نشاطًا لدعم تكوين الصداقات، على أي حال، نحتاج إلى إنشاء أماكن يشعر فيها الأشخاص الوحيدون بأنهم ينتمون إليه.

سيكون من الأفضل إحياء مجتمع حيث يتمكن فيه الناس من رعاية الأشخاص المهمين بالنسبة لهم، ومجتمع يقدر فيه الناس الآخرين ويقدرون أنفسهم أيضًا. عيّنت الحكومة اليابانية وزيراً مسؤولاً عن قضايا الوحدة والعزلة. على الرغم من وجود القليل من المعلومات عن الأنشطة الفعلية للتعامل مع تلك القضية، ربما يتعين على الحكومة أيضًا إنشاء منصب ”الوزير المسؤول عن تكوين الصداقات“.

عندما أؤكد على ضرورة مشاركة الحكومات الوطنية والمحلية في أنشطة التوفيق بين الناس، غالبًا ما أتلقى تعليقات سلبية من الأشخاص الذين يعتقدون أنه من الخطأ أن تشارك الحكومة في مثل هذه الأمور الشخصية. ينبع هذا بالتأكيد من عقيدة المسؤولية الفردية. إنه مثل القول إن الأشخاص الوحيدين يعيشون بهذه الطريقة من خلال الاختيار ويجب تركهم وشأنهم، ولكن الإهمال هو ما أدى إلى ظهور المشكلات الأخيرة.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: ياماغامي تيتسويا، المشتبه به في حادث اغتيال رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي، وهو يغادر مركز شرطة نارا نيشي في 10 يوليو/ تموز 2022. حقوق الصورة لوكالة كيودو)

هيكيكوموري الجريمة الشباب الياباني