قوات الدفاع الذاتي اليابانية.. التجنيد والجنس من منظور مجندات يابانيات
مجتمع- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
في الولايات المتحدة التي تم إلغاء التجنيد الإجباري فيها في عام 1973، احتلت الدعوى لانخراط النساء في الجيش بشكل متساوٍ مع الرجال حجر الزاوية في الحركة النسوية، وبشكل رئيسي منظمة NOW (National Organization for Women) أكبر منظمة نسوية في الولايات المتحدة. وكانت حرب الخليج في التسعينيات من القرن الماضي فرصة كبيرة لمشاركة المرأة، وتم إرسال أربعين ألف جندي. وحقق فيلم هوليوود ”جي آي جين“ الذي تم إنتاجه في عام 1997 نجاحا كبيرا كقصة ناجحة ”تصور المساواة إلى أقصى حد بين الجنسين“، حيث ترفض البطلة، التي كانت أول امرأة تلتحق بوحدة النخبة بالبحرية الأمريكية، المعاملة الخاصة، وتتحدى التدريبات المكثفة.
وتقول السيدة ساتو، التي كانت طالبة دراسات عليا في وقت عرض الفلم، إنها شعرت بالغرابة تجاه مثل هذا التوجه في الولايات المتحدة. ”لقد تساءلت هل تعني المساواة بين الجنسين أننا نهدف إلى التوافق مع منطق ومعايير المجتمع الذكوري؟ هل هذا ما تعنيه النسوية؟“
وأصبح هذا الشعور الغريب أحد دوافع اهتمامها بالجيش والحرب وقضايا الجنس البشري، وجعلت من المجندات في قوات الدفاع الذاتي اليابانية التي تعتبر ”المؤسسة العسكرية“ في اليابان موضوعا لبحثها في رسالة الدكتوراه. ”ما هي دوافع النساء للالتحاق بالجيش، وما هي تجاربهن؟ أعتقد أنه لا ينبغي لنا مجرد اعتبارهن أشخاصا غرباء. إن هناك العديد من المشاكل الحقيقية التي تفوتنا عندما نعتقد أنهن أشخاص في عالم بعيد منفصل عن عالمنا. وكلما قمت بالاستماع لهن، اصبح هذا الشعور أقوى لدي“.
وكانت نتيجة ذلك قيامها بنشر كتاب ”المؤسسات العسكرية والجنس البشري: المجندات في قوات الدفاع الذاتي اليابانية“ في عام 2004.
شعور قوي بالحذر تجاه قوات الدفاع الذاتي
تسترجع السيدة ساتو الماضي قائلة ”تم التحذير من طرح قوات الدفاع الذاتي كموضوع بحثي بين النسويات اليابانيات، وكانت هناك معارضة شديدة للقيام بذلك“. وتقول ”كانت هناك أصوات تعبر عن أسفها لصدور مثل هذا البحث. ويعود ذلك إلى القلق من أن تؤدي المقارنة مع القوات المسلحة لدول أخرى إلى إضفاء الشرعية على الوجود الغامض لقوات الدفاع الذاتي كقوة عسكرية. وأعتقد أنه كان يُنظر إلي على أني باحثة شابة متواطئة في عسكرة اليابان دون أن أدرك ذلك“.
وما شجع السيدة ساتو، التي كانت تشعر بالعزلة، كان مقالا بقلم عالمة السياسة الدولية النسوية الأمريكية سينثيا إنلو. حيث أشارت إلى أنه من أجل دراسة آثار النظام الأبوي في الجيش وعملية العسكرة ونزع السلاح، من المهم للباحثين أن يراقبوا عن كثب المشاكل التي تواجهها النساء في الجيش.
”في الولايات المتحدة، كانت هناك فكرة مفادها أن المشاركة في الجيش ستؤدي إلى تعزيز مكانة الأشخاص الضعفاء كالنساء اجتماعيا. وفي اليابان، يعتبر إدراك المواطنين تجاه قوات الدفاع الذاتي غامضا، ولا يُعتقد أن الالتحاق بالجيش والوفاء بالواجبات العسكرية مرتبطان ارتباطا مباشرا بأن تصبح ”مواطنا يابانيا من الدرجة الأولى“، لهذا السبب يمكن أن يكون ذلك مثالا تظهر فيه ”النوايا الحقيقية“ للجيش بشكل أكثر وضوحا عند إشراك النساء فيه“.
وفي كتابها ”معضلة المجندات“ الذي صدر بعد مرور سبعة عشر عاما على كتابها الأول، قامت بإجراء تحقيق حول قوات الدفاع الذاتي اليابانية من منظور جديد في ضوء التغيرات في الوضع العسكري العالمي.
”بعد نهاية الحرب الباردة، تحول دور الجيش من القتال الحربي إلى حفظ السلام والأنشطة الإنسانية. وبدلا من النظر إلى قوات الدفاع الذاتي، التي كانت مسؤولة عن عمليات غير قتالية مثل الإغاثة في حالات الكوارث بموجب المادة التاسعة من الدستور، على أنها ”قوات ذات مهام خاصة“، قد يتم اعتبارها رائدة في نوع جديد من أنواع الجيوش. وبعد الحصول على دافع قوي من مقالات الباحثين في اليابان في الخارج، أصبحت أفكر بذلك تدريجيا“.
سد النقص في الموارد البشرية
بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت المؤسسة العسكرية اليابانية الجديدة، التي تخلت عن الحرب وفقا للمادة التاسعة من الدستور، كقوات احتياطية للشرطة الوطنية في عام 1950، وبعد توليها مهام قوات حفظ الأمن، تمت إعادة هيكلتها لتصبح قوات الدفاع الذاتي في عام 1954. وعلى الرغم من أن توظيف النساء اقتصر على أعمال التمريض، إلا أنه تم إلحاقهن بها منذ البداية.
ووفقا للسيدة ساتو فإن وجود المجندات من خمسينيات إلى النصف الأول من ستينيات القرن الماضي ساهم في التمييز بين قوات الدفاع الذاتي وبين قوات الجيش القديم، وأعطاها طابعا بأنها مؤسسة مختلفة.
”منذ البداية، كانت هناك فكرة استخدام النساء لإضعاف الطابع العسكري، حيث كان من الضروري تلطيف صورة قوات الدفاع الذاتي من أجل الاندماج مع المجتمع المدني، دون جعل الناس يشعرون بأنها ”قوة عسكرية“.
وفي عام 1967، وسعت قوات الدفاع الذاتي البرية نطاق توظيف النساء في المناصب العامة (موارد بشرية، شؤون عامة، إمداد، محاسبة، اتصالات.. إلخ)، ويعود ذلك إلى نقص الموارد البشرية للرجال. وخلال فترة النمو الاقتصادي المرتفع، كانت ظروف توظيف الشباب جيدة، لذلك كان توظيف الأفراد في قوات الدفاع الذاتي صعبا للغاية، ولم يكن هناك خيار سوى الاعتماد على النساء كموارد بشرية جديدة.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي، بدأت المجندات بالظهور بشكل متكرر على الملصقات التي تطلب الالتحاق بقوات الدفاع الذاتي، مما خلق صورة لطيفة ومألوفة عنها.
وبالإضافة إلى النقص في الموارد البشرية للرجال، فإن فتح الباب أمام النساء كان يسير قدما بالتوازي مع التوجهات الدولية. وفي عام 1979، اعتمدت الأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وصادقت عليها اليابان في عام 1985. وفي العام التالي، تم تنفيذ قانون تكافؤ فرص العمل بين الجنسين، مما أعطى دافعا لتوسيع نطاق عمل المجندات في قوات الدفاع الذاتي. وكان قبول النساء في كلية الدفاع الوطني في عام 1992، وفتح الباب أمامهن للمناصب التنفيذية العليا، نقطة تحول رئيسية.
وفي عام 1993، تم فتح جميع المجالات المهنية للنساء. ويعود ذلك في هذه المرة أيضا إلى مواجهة النقص في أعداد ، في ظل سوق العمل المزدهر في اقتصاد الفقاعة في أواخر الثمانينيات. ولكن تم فرض قيود على العمل في الغواصات والطائرات المقاتلة وغيرها من أجل ”حماية الأمومة“ وغيرها من الأسباب الأخرى.
ومع توسع مجالات العمل، تم استخدام المجندات في قوات الدفاع الذاتي كـ ”فتيات دعاية“. وفي التسعينيات، وتحت اسم ”عملية النبيذ الأحمر“، تم تشجيع المجندات بشكل نشط على المشاركة في مسابقات ملكة الجمال المحلية. والفتاة التي فازت بلقب ”ملكة الجمال“ ظهرت على نطاق واسع كعارضة في المجلات، ولعبت دور مروِّج إعلاني لقوات الدفاع الذاتي.
إستراتيجية ”غسل وصمة العار“
دعا ”قرار مجلس الأمن رقم 1325“ الذي تبنته الأمم المتحدة في عام 2000، إلى مشاركة المرأة وإدخال مفهوم الجنس البشري في جميع أنشطة السلام والأمن. وفي عام 2002، ضمت قوات الدفاع الذاتي اليابانية، التي شاركت في قوات حفظ السلام الأممية لدعم السلام في تيمور الشرقية، مجندة لأول مرة، ومنذ ذلك الحين أصبح من المعتاد أن تشارك المجندات في مهام عمليات حفظ السلام الدولية. وخلال وجود قوات الدفاع الذاتي في العراق أيضا خلال الفترة من عام 2003 وحتى عام 2009، كانت هناك مجندات مسؤولات عن الاتصال والإمداد والتمريض. وتشير السيدة ساتو إلى أن مظهر المجندات وهن يتفاعلن مع سكان تلك المناطق ساهم في تفادي الانتقادات والشكوك حول إرسالهن إلى ”مناطق القتال“.
ومنذ عام 2015، تم إحراز مزيد من التقدم في إدماج المرأة في مختلف المجالات، من خلال ”قانون تعزيز مشاركة المرأة وتقدمها“ الذي أصدره رئيس الوزراء آنذاك شينزو آبي. وفي عام 2015، أعلنت قوة الدفاع الذاتي الجوية فتح الباب لقيادة النساء للطائرات المقاتلة. وفي عام 2017، أعلنت قوات الدفاع الذاتي البرية فتح الباب لالتحاق النساء بوحدات المشاة والدبابات. وفي عام 2018، أعلنت قوات الدفاع الذاتي البحرية فتح الباب لالتحاق النساء بالعمل في الغواصات. وبالإضافة إلى ذلك، وكتدابير لتحقيق التوازن بين العمل والحياة، تم إنشاء مراكز لرعاية الأطفال داخل المكاتب الحكومية، وإصلاح نظام الموظف البديل خلال إجازة الأمومة.
”لقد كان رئيس الوزراء شينزو أبي حساسا للتوجهات السائدة في المجتمع الدولي، وكان متحمسا لمشاركة المرأة في عمليات حفظ السلام كجزء من سياساته لتعزيز المشاركة النشطة للمرأة. وأعتقد أن ذلك يعود إلى التعامل مع قضية نساء المتعة والتأخر في المساواة بين الجنسين. لأنه في كل مرة يتم فيها الإعلان عن مؤشر الفجوة بين الجنسين، يكون مؤشر اليابان هو الأدنى بين البلدان المتقدمة. وكانت أيضا استراتيجية دولية لغسل وصمة العار، وربما ساعد ذلك في استعادة صورته كمراجع تاريخي متشدد“.
وبتاريخ نهاية شهر مارس/آذار من عام 2022، كانت تعمل ما يقرب من عشرين ألف مجندة في قوات الدفاع الذاتي، أو حوالي 8% من العدد الإجمالي. ونظرا لأن هذه النسبة مازالت منخفضة مقارنة بنسبة النساء في الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (متوسط عام 2019 = 12%)، فقد حددت وزارة الدفاع هدفا بجعل هذه النسبة أكثر من 12% بحلول عام 2030.
”أريد أن أكون واحة قلوب المجندين“
لم يكن هناك في اليابان حركة نسوية تشجع على تجنيد النساء. فما هو الدافع وراء التحاقهن بقوات الدفاع الذاتي يا ترى؟
”بما أنهن موظفات حكوميات، فإن الرجال والنساء يتقاضون نفس الأجر طالما أنهم في نفس الرتبة. وقبل كل شيء، فإن الدافع الاقتصادي للحصول على وظيفة مستقرة كبير. وبالإضافة إلى ذلك، هناك أيضا توقعات بأن يتم تقييمهن بناء على قدراتهن أكثر من الشركات الخاصة، وأن يكن قادرات على الحصول على تجارب محفزة. فبعد زلزال هانشين أواجي الكبير في عام 1995، وزلزال شرق اليابان الكبير في عام 2011، كان هناك عدد ليس بالقليل من النساء اللواتي التحقن بقوات الدفاع اليابانية لأنهن أَرَدْنَ العمل في الإغاثة عند وقوع الكوارث“.
ولكن حتى في أماكن العمل المتقدمة حيث جميع المهن مفتوحة للمرأة، قد يختلف النظام والواقع. وفي مقابلة تلفزيونية قالت مجندة تم إرسالها إلى العراق في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2004 ”أريد أن أكون واحة قلوب المجندين المتعبة“.
وقد تبدو الكلمات مفاجئة، ولكن السيدة ساتو تقول: إنها تصريحات نموذجية أدلت بها امرأة تكيفت مع قوات الدفاع الذاتي. وتضيف قائلة ”على غرار الشركات الخاصة، نحن بحاجة إلى إستراتيجية للعيش بشكل مريح في مجتمع يسيطر عليه الذكور دون صراع. ولكن المشكلة هي أنه من السهل استقطاب النساء في المنظمات التي يهيمن عليها الرجال. وحتى في قوات الدفاع الذاتي، فهناك نساء يضعن الاعتبارات الأنثوية في المقدمة، ونساء متميزات يعتقدن أن أؤلئك النساء ”من الدرجة الثانية“، وأنهن ”استثناءات“ قادرات على أن يكُنَّ كالرجال. وهذه التقسيمات تجعل من الصعب العمل معا لتحسين مكان العمل“.
ويُعتبر التحرش الجنسي أيضا مشكلة خطيرة، ولكن السيدة ساتو تشير إلى أن ”هناك عقبة كبيرة أمام المجندات، اللواتي من المفترض أن يقمن بحماية الناس وحماية الدولة للتصريح بأنهن ضحايا ضعيفات” في حالة تعرضهن للتحرش الجنسي. وتضيف قائلة ”من الصعب رفع الصوت والتصريح بما حدث في حالة وقوعه، ويكون الأسهل في تلك الحالة السكوت عن الأمر وكتمانه. كما الجنسي في جيوش الدول الأخرى“.
إلى أين تتجه قوات الدفاع الذاتي؟
وتقول السيدة ساتو التي أجرت مقابلات متكررة مع أفراد قوات الدفاع الذاتي، بمن فيهم رجال، تقول إنها شعرت في كثير من الأحيان بوجود ”عقلية الضحية“ لديهم.
”وعلى عكس الجيوش في الدول الأخرى، فإنه يتم وضع قوات الدفاع الذاتي اليابانية في وضع رمادي، ربما يصعب على الشعب تفهم واجباتهم بشكل خاص. وهناك العديد من الأفراد الذين يشعرون بأن جهودهم اليومية لا تؤخذ على محمل الجد ولا يلتفت إليها أحد، وأن الفضائح فقط هي التي تجذب الانتباه، ويتم معاقبتهم عليها“.
وبناء على عقلية الضحية هذه، تقول السيدة ساتو ”عندما أصبح التحرش الجنسي الداخلي مشكلة، كان هناك تصريحات من مجندات في قوات الدفاع الذاتي تقول: على الرغم من أن هذه الأشياء تحدث غالبا في مكان آخر أيضا، إلا أنه يتم المعاقبة عليها لأنها تحدث في قوات الدفاع الذاتي.. أليس كذلك؟“.
”وقد أدى النظر إلى قوات الدفاع الذاتي على أنها قوات غريبة أو ليست جزءا من المجتمع وتوجيه سهام النقد إليها، وهي وجهة النظر التي يتبناها اليساريين والنسويات، إلى توسيع الفجوة بينها وبين المجتمع المدني في اليابان. ومع امتلاك وجهة نظر نقدية، يجب التفكير أيضا في الحفاظ على الروابط الخارجية، وتغيير وعي قوات الدفاع الذاتي وأفرادها“.
وتلفت السيدة ساتو الانتباه إلى حادثة قيام غونوي رينا المجندة السابقة في قوات الدفاع الذاتي، بادعائها التعرض للاعتداء الجنسي أثناء عملها في قوات الدفاع الذاتي البرية مع قيامها بالكشف عن اسمها الحقيقي، وتقول ”بدأت المجندات السابقات في قوات الدفاع الذاتي اللواتي قدمن استقالتهن بعد تعرضهن لنفس الضرر، والمجندات اللواتي مازلن في مناصبهن بالتعبير عن دعمهن لها. وهذا تحرك غير مسبوق، وتغير كبير حدث بفضل حركة ”أنا أيضا (Me Too)“ التي انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي والتي عرضت شهادات نساء من مختلف العالم تعرضن للتحرش مع استخدام هذا الهاشتاغ“.
ومن ناحية أخرى، هناك دلائل على أن التحركات لتعديل الدستور، بما في ذلك المادة التاسعة، سوف تتسارع بعد غزو أوكرانيا.
”عندما يحتل الرأي العام الذي يطالب بإدراج قوات الدفاع الذاتي في الدستور الأغلبية، سيكون من الضروري أن نراقب عن كثب كيف سيتغير وعي أفراد هذه القوات الذين شعروا بالقمع لسنوات عديدة. كما أن التفكير النقدي من منظور الجنس البشري لايزال غير كافٍ. وآمل أن تستمر الأبحاث التي تظهر الصورة الحقيقية لأفراد قوات الدفاع الذاتي في المستقبل“
(النص الأصلي باللغة اليابانية، صورة العنوان الرئيسي: الملازمة ماتسوشيما ميسا التي أصبحت أول قائدة لطائرة مقاتلة في قوات الدفاع الذاتي الجوية، جيجي برس 8/2018، قاعدة نيوتابارو لقوات الدفاع الذاتي الجوية في محافظة ميازاكي، وكالة كيودو)