هل ينجح التنين الصيني في الهروب من ركود اقتصادي ثقيل باتت بوادره تلوح في الأفق؟

اقتصاد

في سابقة فريدة من نوعها، فاز الرئيس الصيني شي جينبينغ بولاية ثالثة تاريخية على رأس الحزب الشيوعي الصيني، لكنه يواجه تحديات اقتصادية كبيرة بسبب تداعيات تطبيق سياسة ”صفر كوفيد“ فضلاً عن أزمة الديون المرتفعة الناتجة عن الاستثمار بشكل محموم. في هذا الموضوع يخبرنا الصحفي تسوتشيا هيديو بتوقعاته لمستقبل الاقتصاد الصيني مستقيا الدروس من اقتصاد الفقاعة الذي عانت منه اليابان في التسعينيات وما تلاه من كساد كبير.

في يونيو/ حزيران 2013، عندما كان نظام الرئيس شي جينبينغ لا يزال في مهده، صاغ بنك الاستثمار البريطاني باركليز كابيتال مصطلح ”Likonomics“ للإشارة إلى السياسات الاقتصادية الموجهة لإصلاح السوق والتي انتهجها رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، لكن هذا التعبير الجديد لم يكن جذاباً فلم تتداوله وسائل الإعلام ولم ينتشر كثيراً.

وأشارت التقارير إلى أن الرئيس الصيني شي سيعهد بإدارة دفة الاقتصاد إلى رئيس الوزراء الحاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد. كان رئيس الوزراء زهو رونغجي يتولى مسؤولية إدارة الشؤون الاقتصادية في عهد الرئيس جيانغ تسه مين، وكذلك كان يفعل رئيس الوزراء ون جيا باو في عهد الرئيس هو جينتاو.

ولكن بصفته الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني وزعيم المجموعة القيادية المركزية للشؤون المالية والاقتصادية داخل الحزب، حرص شي جينبينغ على تقييد حرية رئيس وزرائه (نائب زعيم المجموعة)، لا سيما وأن الرجلين كانا يقفان على طرفي نقيض فيما يتعلق بآرائهما حول السياسة الاقتصادية.

صعود وسقوط لي كه تشيانغ

في الخطاب الذي ألقاه في افتتاح منتدى دافوس الصيفي في تيانجين في سبتمبر/ أيلول 2014، دعا لي كه تشيانغ إلى الإصلاح المؤسسي لإطلاق العنان لريادة الأعمال الهائلة وفتح باب الابتكار أمام الجميع. ولإيمانه بسياسة ”الإصلاح والانفتاح“ التي انتهجها دنغ شياوبنغ، فقد كان يراهن على قوة اقتصاد السوق وحيوية القطاع الخاص.

إلا أن السياسات الاقتصادية للرئيس الصيني شي جين بينغ والتي يطلق عليها ”Xinomics“ مختلفة تمامًا. في مقال نُشر مؤخرًا في مجلة فورين أفيرز، كتبت كاي شيا، وهي أستاذة سابقة في مدرسة الحزب المركزية التابعة للحزب الشيوعي الصيني وتقيم حاليًا في الولايات المتحدة، ”عندما وصل الرئيس شي إلى السلطة، رأى أن القطاع الخاص يمثل تهديدًا له، فقام بإحياء السياسات الاقتصادية التي كانت متبعة في العصر الماوي (نسبة إلى ماو تسي تونغ)، حيث عزز دور الشركات المملوكة للدولة وأنشأ منظمات حزبية داخل القطاع الخاص ليكون دورها توجيه طريقة إدارة الأعمال. وتحت ستار محاربة الفساد وإنفاذ قانون مكافحة الاحتكار، قام بنهب الأصول من الشركات الخاصة ورجال الأعمال“. وفقًا للأستاذة كاي، المطلعة في شؤون الحزب قبل أن يتم طردها منه في أغسطس/ آب 2020، فإن Xinomics هي في الأساس مجموعة من السياسات التي تهدف إلى تعزيز سيطرة الحكومة على الاقتصاد، وبالتالي فهي تسير في عكس اتجاه الإصلاح والانفتاح.

استمر الصراع بين الرئيس شي ولي كه تشيانغ في الخفاء لعدة سنوات. في مؤتمر صحفي عقب جلسة مجلس الشعب الصيني التي عقدت في مايو/ أيار 2020، شدد لي على أن هناك 600 مليون شخص في الصين يكسبون حوالي 1000 يوان شهريًا، وقد حمل هذا التصريح سخرية ضمنية من تعهد الرئيس شي بالقضاء سريعاً على الفقر المدقع وتحقيق الرخاء. في الشهر التالي، وخلال جولة في مدينة يانتاي بمقاطعة شاندونغ عبّر لي عن تشجيعه لمجموعة من الباعة الجائلين، الذين كانوا أهدافاً لحملة قمع سابقة من قبل نظام شي، مثنياً على براعتهم خلال جائحة كوفيد-19 وشدد على أن ”اقتصاد أكشاك الشوارع“ كان مصدرًا مهمًا للوظائف وعاملاً أساسياً في الحفاظ على حيوية الاقتصاد الصيني، ولا شك أن هذه التصريحات لم تكن على هوى وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي الصيني.

في أغسطس/ آب 2022، بعد اجتماع بيداهي الصيني السنوي (أو ”القمة الصيفية“)، قام لي كه تشيانغ بزيارة شينزين، المدينة التي لعبت دورًا محوريًا في حملة دنغ شياو بينغ للإصلاح والانفتاح كأول منطقة اقتصادية خاصة في الصين. وشدد لي، وهو يضع الزهور أسفل تمثال دنغ، على أهمية الاستمرار في طريق الإصلاح قائلاً: ”إن النهر الأصفر ونهر اليانغتسي لا يتدفقان للخلف“.

بالنظر إلى الوراء، تبدو تلك الملاحظات كما لو كانت وصيته السياسية الأخيرة وشهادته للتاريخ، حيث أعلن لي اعتزاله العمل السياسي بعد إقالته فعليًا من منصبه في القيادة العليا في المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

في غضون ذلك، فاز شي بولاية ثالثة تاريخية على رأس الحزب الشيوعي الصيني في سابقة هي الأولى من نوعها كما نجح في حشد اللجنة الدائمة للمكتب السياسي بالموالين له من أهل الثقة والذين ليس من بينهم خبير اقتصادي واحد، وقد أدت تلك الأنباء إلى هبوط أسهم هونغ كونغ حيث سارع المستثمرون الأجانب إلى بيع أسهمهم الصينية.

مخاطر الاستثمار غير المحسوب

الرجل الثاني في القيادة سيكون لي تشيانغ، الذي أشرف على عملية إغلاق شنغهاي خلال جائحة كورونا، مما يشير إلى استمرار سياسة ”صفر كوفيد“ التي ينتهجها شي. لكن ما يثير القلق هو عدم الاهتمام الواضح من قبل فريق القيادة بمستقبل الاقتصاد لا سيما بعد الفشل الملحوظ الذي آلت إليه سياسات النمو الاقتصادي المدعوم بالاستثمارات المحمومة.

في عام 2004، وفي ظل نظام هو جينتاو، حققت الاستثمارات العامة والخاصة مجتمعة نسبة 40% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أن الصين لا تزال بعيدة عن تحقيق أهدافها في هذا الصدد، حيث أن الاستثمار يتجاوز باستمرار الإنفاق الاستهلاكي. وقد ذهب جزء كبير من هذه الاستثمارات إلى مشاريع البنية التحتية الكبيرة والمشاريع العقارية.

كما أن مناخ الاستثمار المحموم هذا يؤدي بشكل حتمي إلى أوجه قصور تظهر في شكل أصول غير منتجة. وخير مثال على ذلك هو شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في الصين التي تم افتتاحها منذ 15 عامًا، فهي شبكة سكك حديدية طويلة بالفعل بما يكفي لتطويق الكرة الأرضية وهو إنجاز مثير للإعجاب، لكن معظم الخطوط غير مربحة وقد بلغت ديون السكك الحديدية الصينية حاليًا 120 تريليون ين.

مسار حتمي نحو الركود

حتى مع استبعاد تأثير جائحة كوفيد-19، يظل الواقع أن النمو الاقتصادي الصيني يسير في مسار هبوطي تحت حكم شي جين بينغ، حيث ارتفعت ديون الشركات والأسر والحكومة ارتفاعاً هائلاً، وانتهى الحال بسنوات من الاستثمار المحموم إلى فقاعة عقارية ضخمة بدأت في الانهيار. ومثلما حدث في اليابان في أوائل التسعينيات، فإن انهيار أسعار العقارات سيؤدي حتماً إلى أزمة مالية ضخمة.

إن مؤشرات الخطر قد ظهرت بالفعل متمثلة في الحالة الحرجة التي وصلت إليها الصين واضطرار الحكومة المحلية إلى اتباع آلية التمويل التي تعرف باسم ((LGFV، وهي عبارة عن شركات وكيانات استثمارية تبيع السندات في أسواق السندات لتمويل التطوير العقاري ومشاريع البنية التحتية المحلية الأخرى.

لقد كانت الحكومات المحلية جهات رئيسية فاعلة في نمو فقاعة الاستثمار في الصين، حيث خططت لمشروعات البنية التحتية الطموحة ومشاريع التنمية التي مولتها جزئيًا عن طريق بيع حقوق المستخدم للأراضي المملوكة للدولة. كما أنشأت الحكومات المحلية كيانات التمويل المسماة LBFVs، والتي استثمرت الأموال التي تم جمعها من إصدارات السندات والقروض المصرفية، وبالتالي أصبح من السهل تجنب القيود القانونية المفروضة على الحكومات المحلية نفسها.

يوجد لدى الصين حاليًا حوالي 10 آلاف كيان تمويلي (LBFV) على مستوى المقاطعات والمحافظات، وتبلغ قيمة الديون التي تتحملها هذه الكيانات مجتمعةً أكثر من 1 كوادريليون ين. ومع تراجع سوق العقارات، يحذر المحللون من أن تخلف هذه الكيانات التمويلية (LBFV)عن السداد صار أمراً وشيكاً.

لطالما كان الاستثمار في البنية التحتية المحلية هو الأداة المفضلة لتحفيز الاقتصاد الصيني المتعثر نتيجة الإغلاق المفروض بسبب كورونا. فما الذي سيحدث عندما تفقد هذه الأداة فاعليتها؟ إن رأس المال يهرب بالفعل من الصين خوفاً من صعود تيار ”Xinomics“. بالنظر إلى المستقبل البعيد، لا شك أن تقلص عدد السكان وشيخوختهم سيؤديان إلى كبح النمو على المدى الطويل.

في عام 2010، توقع العديد من المحللين أن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة وتصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2020، لكنهم الآن يتساءلون عما إذا كانت الصين قادرة على تحقيق هذا الهدف بحلول نهاية هذا العقد أو حتى في أي وقت آخر.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: من اليمين، شي جين بينغ الرئيس الصيني والأمين العام للجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني، ورئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ، ووانغ يانغ رئيس اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، في قاعة الشعب الكبرى في بكين بعد الحفل الختامي للمؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2022. وكالة أنباء كيودو)

الصين العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات الصينية اليابانية