2023 عام استثنائي.. اليابان تشكل تحالفات عالمية جديدة وتطور ترسانتها المسلحة وقدراتها الهجومية لإعادة توازن القوى في منطقة شرق آسيا

سياسة

يتابع العالم بكثير من القلق الإجراءات الصينية والروسية الأخيرة التي تعتبر تحديًا صارخاً للنظام الدولي، لذلك كان على رئيس الوزراء كيشيدا فوميئو أن يبدأ جدول أعماله الدبلوماسي في 2023 بداية قوية وأن يسجل موقفاً حاسماً من الأحداث الجارية، فقام خلال شهر يناير بزيارة شركاء وحلفاء مهمين في أوروبا وأمريكا الشمالية لتكوين تحالفات جديدة، كما اختتم قمة تاريخية استثنائية في واشنطن بين الولايات المتحدة واليابان.

في ديسمبر/ كانون الأول 2022، وافق مجلس الوزراء برئاسة كيشيدا فوميئو على إجراء مراجعات لثلاث وثائق أمنية يابانية رئيسية وأعلن أن قوات الدفاع الذاتي سوف تمتلك ”قدرات الهجوم المضاد“. بعد أقل من شهر، قام كيشيدا بزيارة العاصمة واشنطن للقاء الرئيس جو بايدن. وفي البيان المشترك الذي أعقب الاجتماع أشاد الرئيس بايدن بقيادة اليابان الجريئة وتوجهها إلى تعزيز قدرات البلاد الدفاعية، كما أشار إلى التزام الطرفين بتطوير العلاقات الأمريكية اليابانية لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.

لا شك أن هذه مؤشرات إيجابية تبشّر بقيام تحالف أقوى بكثير وتمثل بداية ممتازة لبرنامج رئيس الوزراء كيشيدا لعام 2023. لكن من أجل تحقيق هذه الطموحات ينبغي توضيح العديد من قضايا التنسيق العسكري طويل الأمد بين الولايات المتحدة واليابان. وهناك تحديات أخرى تتمثل في تعزيز التعاون الأمني متعدد المستويات مع دول أخرى غير الولايات المتحدة وتفعيل قدرات الهجوم المضاد اليابانية.

الخطر القادم من الصين

أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت إدارة كيشيدا شديدة الحرص على تقوية التحالف بعد مراجعة الوثائق الأمنية اليابانية هو القلق المتزايد بشأن ”الخطر القادم من الصين في 2027“، فاليابان تأخذ على محمل الجد وجهة النظر التي تقول بأن الصين سوف تشن هجوماً على تايوان في عام 2027 تزامناً مع احتفال بكين بالذكرى المئوية لتأسيس جيش التحرير الشعبي. ولعل ما يعزز هذه الفكرة هو تزامن هذا الإطار الزمني مع انتهاء فترة ولاية شي جينبينغ الثالثة غير المسبوقة كزعيم أوحد للصين، فلا شك أن ضم تايوان سيضمن للزعيم الصيني فترة رابعة إذا رغب في ذلك.

في عام 2022، كان رد رئيس الوزراء كيشيدا قوياً على الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط، حيث أدان كيشيدا استيلاء موسكو من جانب واحد على أراضٍ أوكرانية، وأعلن عن فرض عقوبات قوية على روسيا وتقديم الدعم لأوكرانيا خلال قمة مجموعة دول السبع G7 التي عقدت في يونيو/ حزيران في ألمانيا. كما أكد رئيس الوزراء أن ”ما يحدث اليوم في أوكرانيا قد يحدث غداً في شرق آسيا“ وربط عدم الاستقرار في أوروبا بالوضع في شرق آسيا، لا سيما الإجراءات التي تتخذها الصين لفرض سيطرتها على جزر سينكاكو وتايوان. وعندما زار بايدن اليابان في مايو/ أيار من العام الماضي، كرر رئيس الوزراء كيشيدا التزامه بتعزيز القدرات الدفاعية لليابان وتعهد بضخ زيادة كبيرة في ميزانية الدفاع اليابانية لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.

وفي 16 ديسمبر/ كانون الأول، وافق مجلس الوزراء على الوثائق الثلاث المذكورة أعلاه: استراتيجية الأمن القومي الجديدة لليابان، وأول استراتيجية دفاع وطني على الإطلاق، وبرنامج بناء القدرة الدفاعية للأعوام 2023-2027. كما أعلنت الحكومة أنها ستزيد الإنفاق المتعلق بالأمن إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027. مع وضع ”الخطر القادم من الصين في 2027“ في الاعتبار، أعلنت الحكومة أيضًا أنها ستعمل على سد الثغرات ونقاط الضعف الحالية في ترسانتها من الصواريخ التي يتم إطلاقها من مسافات بعيدة (stand-off missiles)، من خلال تسريع عملية شراء صواريخ كروز أمريكية الصنع من طراز توماهوك.

التكيف من أجل البقاء

إن استخدام مصطلح ”تحديث“ في البيان المشترك الأخير الذي أعقب القمة الأخيرة بين بايدن وكيشيدا، بدلاً من مصطلح ”تعزيز“ التقليدي الذي جرت العادة على استخدامه، له دلالة هامة. ففي إطار التحالف بين الولايات المتحدة واليابان، كانت اليابان دوماً حريصةً على أداء دور ”الدرع“ المنوط بها على أكمل وجه، بمعنى أنها تركز حصريًا على الدفاع عن نفسها وتترك للولايات المتحدة مهمة إنزال القوات في الأراضي الأجنبية باعتبار أمريكا هي ”الرمح“ في هذا التحالف. لكن الإعلان عن أن طوكيو ستطور قدراتها الهجومية المضادة التي تمكنها من ضرب قواعد العدو العسكرية، يعني أن اليابان ستشترك مع أمريكا الآن في لعب دور ”الرمح“. يتزامن هذا كله مع قيام الصين بتطوير جيشها على نطاق واسع وزيادة وتيرة التجارب الصاروخية والأنشطة المتعلقة بالأسلحة النووية التي تجريها كوريا الشمالية، لتدرك كل من طوكيو وواشنطن الحاجة إلى التكيف و”تحديث“ تقسيم الأدوار داخل الحلف بحيث لا تظل اليابان معتمدة كلياً على الولايات المتحدة في القوة الهجومية.

قد يمثل قرار طوكيو بتطوير قدرتها على الهجوم المضاد، حتى ولو على نطاق محدود، مرحلة فاصلة في سياسة اليابان الأمنية في فترة ما بعد الحرب. ففي خطاب ألقاه مؤخرًا في جامعة جون هوبكنز، صرّح رئيس الوزراء كيشيدا باعتقاده أن ”هذا القرار يمثل أحد أهم العلامات الفارقة تاريخيًا على طريق تعزيز التحالف، وهو طريق طويل بدأ بإبرام رئيس الوزراء يوشيدا لمعاهدة الأمن اليابانية الأمريكية، وقيام رئيس الوزراء كيشي نوبوسوكي بمراجعة المعاهدة، ثم تشريع السلام والأمن الذي أقرّه رئيس الوزراء شينزو آبي. ولقد رحبت إدارة بايدن بشدة بهذا التحول في السياسة الأمنية لليابان لأنه يعبر عن مزيد من التقارب في وجهات النظر بين طوكيو وواشنطن فيما يتعلق بمفهوم الأخيرة عن “الردع المتكامل”، ويؤكد هذا المفهوم، الذي تم تحديده في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي ووثائق استراتيجية الدفاع القومي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على ضرورة تكامل جميع مجالات القتال لتعزيز قوة الردع ويتصور دورًا أكبر للحلفاء والشركاء لدعم الجهود الأمريكية.

تعاون أمني على عدة أصعدة

لا شك أن حصول اليابان على عضوية غير دائمة لمدة عامين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مع توليها أيضاً منصب الرئيس في يناير/ كانون الثاني، كان قوة دافعة للجهود الدبلوماسية لرئيس الوزراء كيشيدا خلال عام 2023. نظرًا لأن اليابان ستترأس أيضًا مجموعة السبع وسوف تستضيف قمة مجموعة السبع المزمع عقدها في مايو/ أيار في مدينة هيروشيما، مسقط رأس كيشيدا، فإن زيارات رئيس الوزراء إلى كندا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا قبل أن يتوجه إلى الولايات المتحدة قد أكدت على الأولويات التي على جدول أعمال اليابان.

في فرنسا، تعهد كيشيدا والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية من خلال استمرار التعاون الأمني والتدريب العسكري المشترك، واتفقا على عقد اجتماع ”2-plus-2“ بين وزيري الخارجية والدفاع لكلا البلدين في النصف الأول من عام 2023. أما في إيطاليا، فقد وافق رئيس الوزراء على الارتقاء بالعلاقات الإيطالية اليابانية إلى مستوى ”الشراكة الاستراتيجية“ وكذلك تنسيق محادثات ”2-plus-2“. وتأتي هذه الاتفاقية كامتداد طبيعي لمشروع تطوير مشترك بين هذه الدول الثلاث (اليابان -المملكة المتحدة -إيطاليا) لتصنيع مقاتلة من الجيل الجديد. تلا ذلك قيام رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ورئيس الوزراء الياباني كيشيدا بالتوقيع على اتفاق الوصول المتبادل بين اليابان والمملكة المتحدة في 11 يناير/ كانون الثاني لتسهيل التدريب المشترك والزيارات العسكرية.

وينبغي هنا الإشارة إلى العلاقات المتميزة بين المملكة المتحدة واليابان والتي تعززت بشكل كبير خلال فترة رئيس الوزراء الراحل آبي. حيث تطورت العلاقات بين الدولتين إلى ما يشبه التحالف، وفي سبتمبر/ أيلول 2021 وصلت حاملة الطائرات الأكثر تقدمًا التابعة لسلاح البحرية الملكية البريطانية ميناء يوكوسوكا لإجراء تدريبات مشتركة مع البحرية اليابانية تتركز على التهديدات الصينية. ويعد اتفاق الوصول المتبادل بين اليابان والمملكة المتحدة RAA ثاني اتفاق تبرمه اليابان بعد الاتفاق الذي أبرمته مع أستراليا، التي تعد أيضاً دولة شبه حليفة.

لم يُنظر إلى الغزو الروسي لأوكرانيا باعتباره تهديداً مباشراً لأوروبا فحسب، بل أثار أيضًا مخاوف من قيام الصين وروسيا بالتعاون سوياً لتقويض النظام الدولي. وباعتبار اليابان الدولة الآسيوية الوحيدة العضو في مجموعة السبع، فإن التحذيرات التي أصدرتها من أن ما يحدث في أوكرانيا هو نموذج لما سيحدث في آسيا، كان لها وزن كبير. سيستمر التحالف بين الولايات المتحدة واليابان في العمل كمحور مركزي لردع أي مغامرة عسكرية من قبل بكين، ولكن من المهم للغاية أيضًا بالنسبة لطوكيو أن تسعى إلى تعاون أمني متعدد المستويات من خلال تعميق شبكات الشراكة مع الدول ذات التوجهات المماثلة والدول شبه الحليفة التي تتبنى نفس القيم والأيدولوجيات. لذلك، فإن قيام اليابان بالتنسيق مع دول في أوروبا بالإضافة إلى كندا وأستراليا هو أمر شديد الأهمية.

سباق مع الزمن

إن خطط إدارة كيشيدا لتطوير قدرات الهجوم المضاد اليابانية وزيادة الإنفاق المتعلق بالأمن إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي تمثل تحولًا كبيرًا في السياسة الأمنية لم يكن من الممكن تخيله قبل خمس سنوات، لكن لم يتم إنجاز أي شيء على أرض الواقع حتى الآن. بما أن ميزانية الدفاع الجديدة ستتم مناقشتها خلال جلسة البرلمان الحالي، يجب على رئيس الوزراء أن يعمل على كسب دعم الرأي العام.

نظرًا لأن الصواريخ المطورة محليًا لن تكون جاهزة بحلول عام 2027، اتخذت الحكومة اليابانية قرارًا بشراء صواريخ توماهوك كروز لسد الثغرات ونقاط الضعف الحالية في قدرات المواجهة اليابانية. ومع ذلك، حتى إذا أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لإتمام عملية الشراء، فستظل طوكيو بحاجة إلى تحديد مكان وزمان وكيفية نشر هذه الصواريخ. لتعزيز الردع، سيتعين على طوكيو تسريع خططها لتجهيز منصات الإطلاق المتعدد بصواريخ يتم إطلاقها من مسافات بعيدة (stand-off missiles)، بما في ذلك المدمرات والغواصات والطائرات المقاتلة المجهزة بنظام الدرع القتالي (أيغيس) وهذا قد يستغرق بعض الوقت، كما ستحتاج طوكيو أيضًا إلى دمج وظائف الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع التابعة للجيش الأمريكي مع وظائف قوات الدفاع الذاتي لتحديد الهدف والاختيار والتوجيه من أجل ضمان فاعلية قدرات الهجوم المضاد اليابانية.

علاوة على ذلك، يجب على اليابان التنسيق مع الولايات المتحدة للدفاع عن الجزر المحيطة باليابان (بما في ذلك جزر سينكاكو) وكذلك التنسيق مع السلطات التايوانية لإجلاء المواطنين اليابانيين بأمان حال حدوث طوارئ أمنية في تايوان. إنه سباق مع الزمن لتفادي ”الخطر القادم من الصين في 2027“ والمتعلق بتايوان، لذا ينبغي على اليابان البدء بسرعة وكفاءة في عمليات الإعداد والتجهيز لضمان جاهزية البلاد بحلول عام 2027.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: رئيس الوزراء كيشيدا فوميئو، إلى اليسار، والرئيس الأمريكي جو بايدن يتصافحان خلال مؤتمر القمة بين القيادتين الأمريكية واليابانية الذي عقد في البيت الأبيض في 17 يناير/ كانون الثاني 2023، أفلو/ جيجي).

العلاقات الدولية العلاقات اليابانية الأمريكية الحكومة اليابانية