استراتيجية الجنوب العالمي للهند وتعامل اليابان معها

سياسة

يهيمن في الآونة الأخيرة موضوع الجنوب العالمي على الخطاب الدبلوماسي للهند، وقد تماهت الحكومة اليابانية مع هذا الطرح. في هذه المقالة يسلط خبير السياسة الخارجية تاماري كازوتوشي الضوء على دوافع كلا البلدين وحدود شراكتهما الآخذة في التطور.

شاركت الهند في قمة مجموعة السبعة في هيروشيما (19-21 مايو/أيار) بصفة ضيف تلبية لدعوة من اليابان الدولة المستضيفة للقمة. ودأبت نيودلهي التي تترأس مجموعة العشرين هذا العام على الترويج لمسألة الجنوب العالمي، وقد أدرج هذا الموقف في جدول أعمال قمة مجموعة السبع بدعم من طوكيو.

وفيما يلي أقدّم نظرة عامة وتحليلا لاستراتيجية الهند الجديدة تجاه الجنوب العالمي واستجابة الحكومة اليابانية.

التسلسل الزمني لأجندة الهند تجاه الجنوب العالمي

2022 ديسمبر/كانون الأول الهند تتسلم رئاسة مجموعة العشرين وتؤكد على دور الجنوب العالمي
2023 يناير/كانون الثاني اليابان تتولى رئاسة مجموعة السبع
الهند تستضيف قمة صوت الجنوب العالمي
مارس/آذار اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في نيودلهي
رئيس الوزراء كيشيدا يزور الهند، ثم يسافر إلى أوكرانيا عبر بولندا
أبريل/نيسان اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في كارويزاوا
مايو/أيار انطلاق مجموعة السبع في هيروشيما
سبتمبر/أيلول قمة مجموعة العشرين في نيودلهي

تركيز جديد على الجنوب العالمي

في 1 ديسمبر/كانون الأول 2022 ومع تولي الهند رئاسة مجموعة العشرين، أصدر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بيانا تعهد فيه بمعالجة مشاكل العالم من خلال التشاور والتعاون ليس مع شركاء الهند في مجموعة العشرين فحسب، وإنما أيضا مع الجنوب العالمي الأوسع. وفي حين أن استخدام مصطلح الجنوب العالمي قد توسع في السنوات الأخيرة، كانت هذه هي المرة الأولى التي تتبناه الحكومة الهندية بفعالية. وفي الشهر التالي عقدت نيودلهي مؤتمرا دوليا عبر الإنترنت أطلق عليه اسم قمة صوت الجنوب العالمي، شارك فيه 124 دولة من خارج مجموعة العشرين بهدف تبادل وجهات النظر قبل قمة قادة مجموعة العشرين التي استضافتها نيودلهي أيضا. وجاء في الكلمة الافتتاحية لرئيس الوزراء مودي ما يلي:

”لقد طوينا صفحة عام قاسٍ آخر شهد حروبا وصراعا وإرهابا وتوترات جيوسياسية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة والوقود وإلى كوارث طبيعية ناجمة عن التغير المناخي وإلى تداعيات اقتصادية ناجمة عن جائحة كوفيد-19 لا زالت مستمرة. من الواضح أن العالم في حالة أزمة. ومن الصعب التكهن بمدى استمرار حالة عدم الاستقرار تلك. . . .“

”نحن – دول الجنوب العالمي – لنا الحصة الأكبر في المستقبل. يعيش ثلاثة أرباع البشر في دولنا. يجب أن يكون لدينا صوت موازٍ. ونظرا لأن نموذج الحوكمة العالمية المستمر منذ ثمانية عقود يتغير ببطء، يجب أن نحاول تشكيل النظام الناشئ“.

وباختصار، في وقت يشهد العالم فيه عدم استقرار بسبب الحروب والكوارث الطبيعية والجائحة وارتفاع تكلفة الموارد، تدعو حكومة الهند إلى إنشاء نظام عالمي جديد يضخم صوت البلدان الأكثر تأثرا بهذه المشاكل، وهي دول الجنوب العالمي.

ولطالما طالبت البلدان النامية والناشئة بنفوذ أكبر في الشؤون العالمية. لكن قمة صوت الجنوب العالمي كانت مهمة من حيث إنها تجاوزت مرحلة متلبسة من ”تبادل وجهات النظر“ وسعت إلى إرساء أسس التعاون في مجالات مثل التكنولوجيا والاستجابة للكوارث والتعليم.

الجنوب العالمي ليس مجموعة متماسكة من الدول، ناهيك أن يكون مجموعة منظمة تقودها الهند. في الواقع، إنه لا يعدو أن يكون مجرد مرادف لتصنيف قديم لدول كانت تسمى ”البلدان النامية“. ولكن أهمية الجنوب العالمي في سياق الدبلوماسية الهندية تتجاوز ذلك.

إعادة الاصطفاف الدبلوماسي للهند

كان لحكومة مودي أسبابها الخاصة لرفع راية الجنوب العالمي عندما تولت الهند رئاسة مجموعة العشرين. ويمكن تلخيص تلك الأسباب في ثلاثة أهداف أساسية.

تمثل الهدف الأول في إعادة صياغة النقاش الدبلوماسي في وقت كانت فيه نيودلهي تشعر بضغوط شديدة للدفاع عن موقفها تجاه روسيا منذ غزو الأخيرة لأوكرانيا. فعلى الرغم من أن الهند كانت تتجه لتعزيز علاقاتها مع الغرب، وحتى تكثيف تعاونها الأمني مع الولايات المتحدة واليابان، إلا أنها لم تكن راغبة في الانضمام إلى الديمقراطيات الصناعية في فرض عقوبات على روسيا التي تربطها بها علاقة ثقة وتعاون طويلة الأمد. وقد جعل الواقعان الدولي والمحلي أي قطيعة في تلك العلاقة خيارا غير واقعي لحكومة مودي، لكنها تعرضت لضغوط شديدة من الغرب لتتماشى معها. إن ميل نيودلهي إلى الدفاع عن سياساتها الدبلوماسية ببساطة من خلال الإشارة إلى المصالح الوطنية جعلها عرضة لاتهامات بالأنانية. وقد تمكنت الحكومة الهندية من خلال تحديد نفسها كعضو في الجنوب العالمي وضحية للتنافس مع قوى عظمى، من سَوق مبررات أفضل لرفض التحالف مع الغرب ضد روسيا.

أما الهدف الثاني فقد كان إنشاء إطار عمل جديد للدبلوماسية العالمية للهند. كانت الهند أثناء الحرب الباردة رائدة في التضامن مع العالم الثالث باعتبارها الدولة المؤسسة لحركة عدم الانحياز. ولكن مع نهاية الحرب الباردة، أصبح مفهوم العالم الثالث بلا معنى. وبدأت الهند اعتبارا من عام 2000 تقريبا في النأي عن البلدان النامية وتحديد نفسها مع الاقتصادات العالمية الناشئة بسرعة مثل دول البريكس (المكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا). وكانت الهند بهذا الاصطفاف تدعو إلى إصلاح النظام العالمي الذي يهيمن عليه الغرب.

ولكن العلاقات بين الهند والصين تدهورت في السنوات الأخيرة بشكل حاد بسبب النزاعات الحدودية (التي اندلعت في مناوشات في عام 2020) وقضايا أخرى، ما زاد من صعوبة العمل المشترك بين البلدين، حتى في الأمور التي تتوافق فيها مصالحهما. كما أن غزو روسيا لأوكرانيا حوّلها إلى دولة منبوذة دوليا، وعلى الرغم من أن نيودلهي كانت مترددة في قطع علاقاتها مع روسيا، إلا أنها أدركت أن الشراكة معها لم تعد بالكثير من النفع من وجهة نظر الدبلوماسية العالمية. باختصار، كانت نيودلهي أمام استحقاق صياغة بديل لدبلوماسيتها القائمة على دول البريكس. وتمثل الحل في استعادة مكانتها كزعيمة للتضامن مع العالم الثالث، وإن كان ذلك تحت راية جديدة هي الجنوب العالمي.

الهدف الثالث لهذه السياسة هو حشد الدعم المحلي لإدارة مودي. يتم التناوب على رئاسة مجموعة العشرين سنويا، لكن حكومة مودي استغلت إمكاناتها في مجال العلاقات العامة في الداخل. حيث يأمل مودي مع اقتراب موعد الانتخابات العامة لعام 2024 في إقناع الناخبين الهنود بقيادته الدبلوماسية نيابة عن الجنوب العالمي.

استجابة طوكيو الذكية

كيف استجابت حكومة رئيس الوزراء كيشيدا فوميئو لاستراتيجية الجنوب العالمي الجديدة التي تنتهجها الهند؟

تضمنت قمة مجموعة السبع في هيروشيما – بمبادرة من الحكومة اليابانية – جلسة مدتها 75 دقيقة حول موضوع ”تعزيز الانخراط مع الشركاء“. وقد اتفق القادة خلال الجلسة على دعم الهند في قمة مجموعة العشرين. إلا أن مصطلح ”الجنوب العالمي“ لم يظهر في بيان قادة قمة مجموعة السبع في هيروشيما أو تصريحات القادة الآخرين. وباختصار، على الرغم من نجاح اليابان في دمج منظور الهند في جدول أعمال القمة والتوصل إلى اتفاق لدعم الهند كرئيسة لمجموعة العشرين، إلا أن قمة مجموعة السبع لم تسفر عن إجماع جديد فيما يتعلق بالجنوب العالمي.

يعود دعم طوكيو لأجندة مودي بشأن الجنوب العالمي إلى مارس/آذار عام 2023 على الأقل، عندما زار رئيس الوزراء كيشيدا فوميئو الهند ووجه دعوة للحكومة الهندية لحضور قمة مجموعة السبع في هيروشيما، كما أعرب عن نيته في معالجة القضايا التي تواجه مجموعة السبع مع أخذ منظور الجنوب العالمي في الحسبان. وقبل ذلك اتفق وزيرا خارجية ودفاع البلدين في اجتماع 2 + 2 في طوكيو في سبتمبر/أيلول عام 2022، على وجوب عمل اليابان والهند معا عن كثب لأنهما تترأسان مجموعة السبع ومجموعة العشرين، على التوالي، في عام 2023. ولكن بالنظر إلى الوثائق الختامية، لم تكن هناك مناقشة صريحة أو ضمنية للجنوب العالمي آنذاك.

كل هذا يشير إلى أن طوكيو بذلت بتصميم جهودا لمواكبة تحول نيودلهي المفاجئ إلى استراتيجية الجنوب العالمي. من وجهة نظر يابانية، ليست هناك خسارة من استغلال رئاسة مجموعة السبع لدعم منظور الجنوب العالمي، في حين هناك الكثير الذي يمكن كسبه من تعزيز علاقات التعاون مع الهند. عندما كانت الدبلوماسية العالمية للهند في السابق ترتكز على الاصطفاف إلى جانب الاقتصادات العالمية الناشئة، كان التعاون بين اليابان والهند يقتصر إلى حد كبير على المبادرات الثنائية والإقليمية، بالإضافة إلى ما يسمى بحملة مجموعة الدول الأربع (اليابان والبرازيل وألمانيا والهند) لإصلاح مجلس الأمن الدولي. لقد فتحت الشراكة التي أقامتها اليابان والهند بصفتهما رئيستي مجموعة السبع ومجموعة العشرين الباب أمام تعاون أوسع بكثير في مجال الدبلوماسية العالمية.

ولكن الدبلوماسية العالمية للهند – بتركيزها على إعادة صياغة شكل النظام العالمي – لا تتوافق في كثير من النواحي مع الموقف الأساسي لليابان. من المؤكد أن البلدين يشتركان في هدف أن يصبحا عضوين دائمين في مجلس الأمن ويتعاونان لتحقيق هذه الغاية. ولكن من غير المرجح أن تدعم اليابان مساعي الهند لإجراء إصلاحات جوهرية للمؤسسات الاقتصادية الدولية. ومن النقاط الشائكة المحتملة الأخرى وجهة نظر شائعة بين الدول النامية والناشئة مفادها أنه ليس من حق الغرب الصناعي فرض قيمه على بقية العالم. الهند هي أكبر ديمقراطية في العالم، وتعود تقاليدها الديمقراطية إلى عصور قديمة. وتتعامل بحرص شديد بشأن التدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية، وتميل إلى الرد بغضب عندما تبدي حكومات دول أخرى رأيها في مشاكلها الداخلية. وفي الواقع فإن هذا الإصرار على ”عدم التدخل في الشؤون الداخلية“ للدول الأخرى الذي تبديه الهند وأعضاء آخرون في الجنوب العالمي يشكل قاسما مشتركا مع الصين وروسيا أكثر منه مع الديمقراطيات الصناعية.

إن ازدهار الشراكة بين اليابان والهند مبني على اتفاق ضمني لتجنب مثل هذه الموضوعات المثيرة للجدل والتعاون في المجالات التي تتقاطع فيها مصالح البلدين. ولكن إلى أي مدى يمكن أن تأخذنا علاقة التوافق تلك؟ وإذا أردنا إقامة روابط قوية ودائمة قائمة على الثقة المتبادلة، قد يتعين علينا في مرحلة ما مواجهة قضايا مثل حقوق الإنسان والسيادة الوطنية، حيث تتباين وجهات نظرنا.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: رئيس الوزراء الياباني كيشيدا فوميئو (يمين) يلتقي نظيره الهندي ناريندرا مودي في هيروشيما بتاريخ 20 مايو/أيار عام 2023، © كيودو)

العلاقات الدولية العلاقات اليابانية الأمريكية كيشيدا