هل يؤدي انهيار قطاع العقارات في الصين إلى الإطاحة بحلمها في التربع على عرش الاقتصاد العالمي؟

سياسة

حتى وقت قريب، كان كل المحللين والمهتمين بالشأن الاقتصادي العالمي يراقبون بإعجاب صعود العملاق الصيني ويتساءلون متى ستأتي اللحظة التي سيتفوق فيها الاقتصاد الصيني على نظيره الأمريكي، ليصبح الأكبر على مستوى العالم. لكن الوضع تغير اليوم، وأصبح الاقتصاد الصيني متعثراً على نحو جعل معظم المتخصصين يدركون أن تلك اللحظة لن تأتي أبداً. في السطور التالية، نتعرض بالتحليل للأسباب التي أدت إلى تراجع الاقتصاد الصيني ونناقش احتمالات صعوده من جديد أو وقوعه في فخ الركود.

الفقاعة العقارية الصينية

وفقاً للإحصائيات، نما الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 0.8% مقارنة بالربع السابق في الفترة من أبريل/ نيسان إلى يونيو/ حزيران 2023 وهذا أقل من نسبة 2.2% المسجلة في الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى مارس/ آذار، مما يشير بوضوح إلى تعثر الاقتصاد الصيني. قد يظن البعض أن جائحة كوفيد-19 هي السبب في هذا التعثر، لكن الحقيقة أن هذا الوضع ناجم عن الانهيار المستمر للفقاعة العقارية التي أخذت تتضخم على مدار ما يقرب من عشرين عاما.

في أغسطس/آب 2020، حذرت ورقة بحثية بعنوان ”ذروة الإسكان في الصين“، شارك في تأليفها كينيث روغوف، كبير الاقتصاديين سابقاً في صندوق النقد الدولي والأستاذ الحالي في جامعة هارفارد، من أن أسعار العقارات الصينية بلغت ”ذروة محفوفة بالمخاطر“.

وتشير التقديرات الواردة في هذه الدراسة إلى أن القطاع العقاري يمثل 30% من الناتج المحلي الإجمالي في الصين وأن تراجع أنشطة قطاع العقارات بنسبة 20% من شأنه أن يقلل الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5% إلى 10%. في سبتمبر/ أيلول 2020، بعد شهر واحد من نشر هذه الورقة، أصبحت الصعوبات المالية التي تواجهها مجموعة إيفرغراند العقارية الكبرى (Evergrande Group)، حديث الساعة.

إن جذور مشاكل البنية التحتية والفقاعة العقارية عميقة. ففي يونيو/حزيران 2014، غرّد بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، على تويتر قائلا ”إحصائية مذهلة“، مرفقا رسما بيانيا يوضح أن الصين استخدمت 6.6 جيجا طن من الأسمنت في السنوات الثلاث من 2011 إلى 2013، متجاوزة الـ 4.5 جيجا طن التي استخدمتها الولايات المتحدة خلال القرن العشرين بأكمله.

وتشير قاعدة بيانات صندوق النقد الدولي للإحصاءات الاقتصادية العالمية إلى أن إجمالي الاستثمار العام والخاص في الصين تجاوز في الأغلب 40% من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2004 (انخفض إلى 39.8% في عام 2006)، وهو ما يتجاوز نفقات الاستهلاك الخاص. ولا يوجد اقتصاد آخر في قاعدة البيانات يقترب مما حققته الصين.

شيخوخة مبكرة للاقتصاد قبل حتى أن يزدهر

وكما يشير قانون الإنتاجية المتناقصة، فإن الاستثمارات التي تتم على التوالي ستؤدي إلى تناقص العائدات وتراكم الديون. ومن الأمثلة البارزة على ذلك شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في الصين، والتي تطورت حتى بلغ طولها الإجمالي أكثر من 40 ألف كيلومتر، أي أطول من محيط الأرض، في السنوات الخمس عشرة التي تلت إطلاقها. ومع ذلك، فإن معظم خطوط السكك الحديدية عالية السرعة ليست مربحة، وقد تجاوزت ديون شركة مجموعة السكك الحديدية الحكومية الصينية 120 تريليون ين، ورغم كل ذلك لم يستفد من هذه السكك الحديدية سوى عدد قليل فقط من الناس الذين ينتقلون إلى منطقة شيونغان الجديدة، وهي مدينة روّج لها الرئيس شي جينبينغ، ومحطة السكك الحديدية الضخمة التي بها فارغة إلى حد كبير.

مكتب وكيل عقاري في منطقة شيونغان الجديدة ذات الكثافة السكانية المنخفضة. (جيجي برس)
مكتب وكيل عقاري في منطقة شيونغان الجديدة ذات الكثافة السكانية المنخفضة. (جيجي برس)

لقد أصبح وضع الاقتصاد الصيني حرجاً، فأسعار العقارات مستمرة في الانخفاض، والاستهلاك شبه متوقف فضلاً عن التناقص المستمر في الصادرات. وبعد أن تمكنت الصين من الحفاظ على المركز الأول لمدة 15 عاما، بات من المرجح أن تتفوق عليها المكسيك في حصتها من الواردات الأمريكية. وتقوم حالياً العديد من الشركات الأجنبية بنقل إنتاجها من الصين إلى بلدان أخرى.

ورغم أن الوضع الحالي في الصين قد يستدعي اتخاذ تدابير تحفيزية عامة، إلا أن العديد من الحكومات الإقليمية تواجه أزمات مالية ناجمة عن الانخفاض الحاد في أرباح بيع الأراضي العامة (حقوق الاستخدام)، والتي تشكل مصدراً مهماً للدخل بالنسبة لها.

وقد أنشأت الحكومات المحلية حوالي 10 كيانات تمويلية تابعة للحكومات المحلية لتمويل استثمارات البنية التحتية، والتي يعادل مجموع ديونها حوالي 1.2 كوادريليون ين. لكن تراكم الديون المعدومة لهذه القروض أصبح يهدد بحدوث أزمة مالية تضاف إلى كارثة تدهور القطاع المصرفي، الذي انخفضت قيمته السوقية بشكل حاد.

يرى البعض أن الصين تسير على خطى اليابان، لكن انهيار فقاعة الأصول في اليابان حدث بعد أن أصبحت اقتصاداً متقدماً. فإذا ظلت الصين، الدولة ذات الدخل المتوسط، في حالة ركود على المدى الطويل، لن تستطيع استكمال طريقها نحو التحول إلى اقتصاد متقدم. ومع انخفاض معدلات المواليد مقارنة باليابان، فإن احتمال شيخوخة الشعب الصيني قبل أن تنعم البلاد بالازدهار والتقدم سوف يصبح حقيقة واقعة.

وصل معدل البطالة بين الشباب الصيني (16 إلى 24 سنة) إلى مستوى قياسي بلغ 21.3%. ومن المتوقع أن يتخرج أكثر من 11 مليون طالب من الجامعات في عام 2023، وهو ما سيؤدي غالباً إلى زيادة معدل البطالة. كما تتزايد البطالة بين العمال المهاجرين من الريف، وهو ما لا ينعكس في الإحصاءات الاقتصادية. كل هذا يؤكد على أن الاقتصاد الصيني قد وقع في هوة الركود.

رؤية ثاقبة للبنك الدولي

إذن ما الذي أوصل الصين إلى هذا الوضع؟ هناك تقرير سياسي هام بعنوان ”الصين 2030“ نُشر في فبراير/شباط 2012، أي قبل بداية إدارة شي الأولى مباشرة، قد يساعدنا على إجابة هذا السؤال.

بدأ هذا التقرير بمبادرة من روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي آنذاك، وشارك في وضعه موظفو البنك الدولي ومركز بحوث التنمية التابع لمجلس الدولة الصيني. ويذكر التقرير في مقدمته أن هدفه يتلخص في حث الصين على تجنب فخ الدخل المتوسط وحثها على بناء مجتمع حديث ومتناغم ومبدع يحصل فيه المواطن على دخل مرتفع.

وشدد التقرير على أهمية التحول الكامل إلى اقتصاد السوق. إن واحدة من كل أربع شركات مملوكة للدولة تعمل رغم خسائرها الكبيرة وعجزها عن منافسة المؤسسات الخاصة في معدل نمو الإنتاجية. كما دعا التقرير إلى إشراك المؤسسات الخاصة في الصناعات التي تهيمن عليها الشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك الدفاع والطاقة الكهربائية والبترول والبتروكيماويات والاتصالات والفحم والنقل الجوي والنقل المائي.

وذكر التقرير أيضًا أن الحكومة سيتعين عليها التحول إلى حكومة حديثة وشفافة وعالية الكفاءة تعمل في ظل سيادة القانون.

الصين تدير ظهرها لنصائح البنك الدولي

إلا أن إدارة شي التي سرعان ما تولت إدارة البلاد تجاهلت كل تلك النصائح، فلم تقم بخصخصة الشركات المملوكة للدولة، بل على العكس شرعت في دمجها وتعزيزها لجعل الشركات المملوكة للدولة أكبر وأفضل وأقوى.

كما أرغمت حكومة شي الشركات الأجنبية على تعيين أعضاء من الحزب الشيوعي داخل هياكلها، متبعة بذلك سياسة ”الحزب الشيوعي يتقدم، والقطاع الخاص يتراجع“ وليس ”مؤسسات الدولة تتقدم، والقطاع الخاص يتراجع“.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل اتخذت الإدارة خطوات تبدو وكأنها اضطهاد صريح للمؤسسات الخاصة، فتم فرض غرامات ضخمة على مجموعة علي بابا وشركة تينسنت القابضة، وكلاهما من الشركات الصينية الرائدة في مجال التكنولوجيا الفائقة. وتم بالفعل طرد جاك ما، مؤسس علي بابا، من الدوائر الاقتصادية الصينية.

وعلى صعيد آخر، يقال إن الحظر الذي فرضته الصين قبل عامين على المدارس التحضيرية التي تؤهل الطلاب لاجتياز امتحانات القبول بمراحل تعليمية مختلفة كان سبباً في خسارة أكثر من عشرة ملايين شخص لوظائفهم، حيث اختفى معلمو المدارس الثانوية وأصحاب الوظائف الأخرى من المتعلمين تعليماً عالياً في لمح البصر.

قبل أحد عشر عاما، في اليوم التالي لإصدار تقرير ”الصين 2030“، عقد رئيس البنك الدولي زوليك مؤتمرا صحفيا في بكين، وخلال انعقاد المؤتمر اقتحم أحد الباحثين المستقلين القاعة وهتف بشعارات مثل ”لا لخصخصة الشركات المملوكة للدولة“ و”البنك الدولي، عد إلى أمريكا“، وبذلك انتهى المؤتمر الصحفي.

ويمكن تشبيه السياسات الاقتصادية لإدارة شي، أو ”Xinomics“، التي تعمدت تجاهل نصائح البنك الدولي والسير في الاتجاه المعاكس، بهذا الدخيل الذي اقتحم المؤتمر. وبالتالي ليس من حق الصين أن تلوم إلا نفسها إذا ما وقعت في فخ الدخل المتوسط.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مبنى مجموعة إيفرغراند الصينية قيد الإنشاء في ناننينغ، بمنطقة قوانغشي ذاتية الحكم التي تسكنها قومية تشوانغ، الصين في مايو/أيار 2023. جيجي برس)

العلاقات الخارجية العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات اليابانية الصينية