أوجه التشابه والاختلاف بين الفقاعة الاقتصادية في اليابان والصين وكيفية الحد من آثارها السلبية على الاقتصاد العالمي

اقتصاد

بعد انتشار جائحة كورونا، أصبح الاهتمام العالمي بالصين يتزايد، حيث يثير أداء اقتصادها الاهتمام والقلق في آنٍ واحد معًا. وعندما بزغت أزمة الفقاعة العقارية، زادت المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد الصيني. كيف ستتعامل الشركات الكبرى التي لها استثمارات ضخمة في الصين مع هذه التحديات؟ وما هي الإجراءات التي ستتخذها الحكومة للتصدي لهذه الأزمة والحد من الخسائر المحتملة؟

إخفاق الحكومة الصينية على الصعيد الاقتصادي

بغض النظر عن الدولة التي تحدث فيه فقاعة اقتصادية، القاعدة العامة هي أن كل الفقاعات الاقتصادية في العالم تنهار في نهاية المطاف. ورغم بعض التشابهات بين التحديات التي تواجه الصين حاليًا والوضع الذي شهدته اليابان بعد انفجار فقاعة الأصول في أوائل التسعينيات، إلا أن الاختلافات الجوهرية تفوق هذه التشابهات. في جوهرها، كان السبب الرئيسي وراء فقاعة الاقتصاد في اليابان هو فشل السوق، بينما كانت فقاعة العقارات في الصين نتيجة لفشل الحكومة.

خلال السنوات العشرين الماضية، استخدمت الحكومة الصينية الاستثمارات العقارية كمحرك للنمو الاقتصادي، خاصةً في فترة حكم هو جين تاو (2003-2012). حيث قرر ون جيا باو، رئيس الوزراء السابق، استخدام بيع حقوق استخدام الأراضي (عقود الإيجار محددة المدة) من قبل الحكومات المحلية كطريقة لتمويل ميزانياتها. ذلك أدى إلى رفع الحكومات المحلية لأسعار حقوق استخدام الأراضي، مما دفع المطورين العقاريين إلى رفع أسعار الأراضي أيضًا. وجد المطورون الذين لم يستطيعوا تلبية متطلبات الحكومات المحلية صعوبة في الفوز بعقود العمل الحكومية. هذا هو ملخص للأحداث التي أدت إلى نشوء فقاعة سوق العقارات في الصين.

قبل أربعين عاما، في بداية سياسات الإصلاح والانفتاح التي اتبعها دينغ شياو بينغ، كانت المساحة السكنية لكل فرد من الصينيين الذين يعيشون في المناطق الحضرية حوالي 3 أمتار مربعة. ولما كان متوسط عدد أفراد الأسرة في المناطق الحضرية يتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أشخاص في ذلك الوقت، فقد كان متوسط المساحة السكنية للعائلات حوالي 10 أمتار مربعة. لطالما كان الصينيون يطمحون إلى العيش في منازل أكبر.

وبما أن الأراضي مملوكة للقطاع العام في الصين، فإن بيعها محظور في سياسات الأراضي، لذا لم يكن من الممكن إعادة التطوير الحضري. لكن في منتصف التسعينيات، استفادت الحكومة الصينية من عقود إيجار الأراضي محددة المدة في اليابان، وقامت بفصل حقوق الملكية عن حقوق الاستخدام وجعلت من الممكن بيع الأخيرة. ومن خلال هذا الإصلاح، انطلقت عملية إعادة التطوير الحضري، وتسارعت وتيرة بناء الوحدات السكنية للأفراد.

على الرغم من وجود طلب من قبل الأفراد الذين يرغبون في امتلاك منزل، إلا أن قليلاً منهم كانت لديه الوسائل اللازمة للقيام بذلك. لفترة طويلة، كانت ملكية المنازل أمراً بعيد المنال بالنسبة للشعب الصيني، لكن تغيير القواعد جعل الملكية ممكنة، ومن ثم أصبح امتلاك منزل شرطا أساسيا بالنسبة للشباب الراغبين في الزواج. وقد أدت زيادة الطلب هذه إلى تسريع خطط التطوير النشط لمطوري العقارات.

عجز كبرى الشركات العقارية عن السداد

إلا أن إدارة شي جينبينغ بدأت في التشكيك في الاستثمارات العقارية، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أعلن الرئيس شي أن المنازل مخصصة للعيش فيها، وليست للمضاربة. أدى هذا التعليق إلى تباطؤ الطلب على العقارات في الصين، وبدأ منحنى سوق العقارات في الانخفاض.

واستناداً إلى توقعاتهم الاقتصادية المتفائلة، اقترض مطورو العقارات في الصين أموالاً من البنوك المملوكة للدولة وأصدروا سندات، الأمر الذي أثقل كواهلهم بديون تتجاوز قدراتهم المالية. ونظراً للاتجاه الهبوطي لسوق العقارات وتوقف مبيعات الوحدات والمنازل السكنية، أصبح العديد من المطورين غير قادرين على سداد ديونهم. بالفعل تخلف كبار مطوري العقارات، بما في ذلك مجموعة إيفرغراند وشركة كونتري غاردن، عن السداد، وأصبح العديد من المطورين الآخرين مهددين بنفس المصير. هناك قلق متزايد من أن موجة من حالات الإفلاس على وشك أن تجتاح صناعة العقارات.

لقد انتشرت حالات التخلف عن السداد في الصين على نطاق واسع بل وتجاوزت حالات التخلف عن السداد التي أعقبت انهيار فقاعة الأصول في اليابان. وقد انتقل تأثير الصعوبات الإدارية التي يواجهها مطورو العقارات إلى الحكومات المحلية، التي بدورها لم تعد قادرة على تمويل ميزانياتها من خلال بيع حقوق استخدام الأراضي. بالتالي فإن صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي الخاضعة للرقابة على المستوى المحلي تواجه الآن خطر نفاد الأموال.

وصول الديون المعدومة إلى مستويات قياسية

تقدمت مجموعة إيفرغراند بطلب لإشهار إفلاسها أمام محكمة في نيويورك. ورغم أن هذا يعد مجرد إجراء لإطالة عمر الشركة، إلا أنه يسود اعتقاد بأن شركة إيفرغراند معسرة فعليًا، مع عدم وجود أي احتمال لإعادة هيكلة أعمالها. في 28 سبتمبر/ أيلول، أكدت الشركة أن مؤسسها ورئيس مجلس إدارتها هوي كا يان محتجز لدى الشرطة.

كما ذكرنا أعلاه، فإن فقاعة العقارات في الصين كانت إلى حد كبير نتيجة لفشل الحكومة. لكن الحكومة لا تستطيع إنقاذ الشركات الفردية التي انهارت. من ناحية أخرى، لن يتمكن الدائنون وأصحاب العقارات من حماية أصولهم إذا تُركت الفقاعة العقارية دون معالجة، الأمر الذي سيهدد بنشوء حركات احتجاجية واسعة النطاق.

ثمة مصدر قلق آخر ألا وهو جبل الديون المعدومة التي تحتفظ بها البنوك المملوكة للدولة التي أقرضت الأموال لمجموعة إيفرغراند. وفي أعقاب انهيار فقاعة الأصول في اليابان، انتشرت الأزمة حتى طالت المؤسسات المالية، وانهارت جهات فاعلة رئيسية مثل بنك اليابان للائتمان طويل الأجل وبنك نيبون الائتماني، وحاليا تواجه البنوك المملوكة للدولة في الصين خطرا مماثلا.

في اليابان، تم استخدام مؤسسة تأمين الودائع لإنقاذ البنوك في ذلك الوقت. ورغم أن الصين أنشأت نظاماً للتأمين على الودائع في مايو/أيار 2015، إلا أن قدرتها على الضمان لا تزال غير كافية. ونتيجة لذلك فإن الحكومة الصينية سوف تضطر إلى ضخ أموال من صندوق الخزينة.

خصوصية الحالة الصينية

السؤال المهم هنا، هل سيؤدي انهيار الفقاعة العقارية في الصين إلى أزمة مالية؟ وبينما لن يكون من الممكن تجنب الأزمة على المستوى المحلي، فمن غير المرجح حدوث أزمة شاملة على المستوى الوطني، وذلك لأن آلية الأزمات المالية هي انتقال المعلومات المتعلقة بالأزمة. وفي الديمقراطيات، يتم نقل المعلومات حول الوضع الإداري للمؤسسات المالية في الوقت الحقيقي، وبالتالي فإن الأزمات الشاملة تحدث بسهولة.

في المقابل، الحكومة الصينية قادرة على السيطرة على المعلومات، فإذا كان فرع بنك مملوك للدولة في منطقة معينة غير قادر على الوفاء بسحب الودائع، فقد تتم مشاركة هذه المعلومات محليا، إلا أنها لن تنتشر بسهولة على الصعيد الوطني ولن تقوم وسائل الإعلام التي تديرها الدولة بالإبلاغ عن تلك المعلومات، كما سيتم على الفور حذف أي تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.

صحيح أن الأزمات المالية المحلية لن تنتشر بسهولة في مختلف أنحاء البلاد، إلا أن المشكلة سوف تظل دون حل. وما لم تقم الحكومة بإجراء إصلاحات فعالة من أجل حلها، فإن الأزمات المنعزلة سوف تندمج معًا وتتطور إلى أزمة شاملة على مستوى البلاد، ولا أقصد أزمة مالية فحسب، بل ثورة كبرى.

هروب الشركات الأجنبية من الصين

وأخيرا، كيف سيؤثر انهيار الفقاعة العقارية في الصين على الاقتصاد العالمي؟ بعد انحسار جائحة كوفيد-19، كان من المتوقع أن يحقق الاقتصاد الصيني انتعاشا قويا على شكل حرف V (أي تحسن سريع وملحوظ في الاقتصاد يحدث بعد تعثر سريع وحاد)، لكن في الواقع تبين أن التعافي كان على شكل حرف L (أي تعافي الاقتصاد بمعدل بطيء، مع استمرار البطالة وركود النمو الاقتصادي).

وإذا انفجرت الفقاعة العقارية وشهد الاقتصاد الصيني المزيد من التباطؤ، فإن هذا من شأنه أن يهدد بحدوث المزيد من الانتكاسات الاقتصادية. يُذكر أن رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ قد أمر بصياغة إجراءات تحفيز جريئة للربع الرابع المتبقي من العام، ولكن لا يمكن توقع الكثير من هذه الإجراءات، بسبب ضعف أركان الاقتصاد الصيني.

نظراً لهذا الوضع، هناك مخاوف بشأن التأثير الذي قد يخلفه انهيار فقاعة العقارات في الصين على الاقتصاد العالمي. ورغم أن المؤسسات الاستثمارية الأجنبية التي تمتلك حصصاً في شركات التطوير العقاري في الصين قد تتكبد خسائر فادحة، إلا أن التأثير على الاقتصاد العالمي من المرجح أن يكون محدوداً.

لكن في نفس الوقت، إذا انفجرت الفقاعة العقارية، وإذا زاد تباطؤ الاقتصاد الصيني، فإن الشركات الأجنبية التي أنشأت عمليات محلية سوف تسارع إلى سحب مصانعها من الصين. وهذا بالضبط هو تخفيف المخاطر الذي ذكره الرئيس الأمريكي جو بايدن. ومن الآن فصاعدا، سيكون من المهم إدارة المخاطر الصينية والحد من آثارها المحتملة.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مبنى مجموعة إيفرغراند الصينية قيد الإنشاء في ناننينغ، بمنطقة قوانغشي ذاتية الحكم لقومية تشوانغ، الصين. جيجي برس)

العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات اليابانية الصينية اقتصاد