
بعد 30 عامًا من زلزال هانشين المدمر... هل أصبحت اليابان أكثر استعدادًا لمواجهة الكوارث؟
كوارث- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
تكرار نفس المشاكل القديمة
في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2024، تلقيت بريدًا إلكترونيًا من أحد الباحثين المتخصصين في مجال الكوارث، يطلب فيه رأيي بشأن قضية تشغله. كان محتوى رسالته يعكس استياءه العميق، إذ أرفق تقريرًا حكوميًا من 166 صفحة صادرًا عن لجنة مختصة بدراسة زلزال شبه جزيرة نوتو، الذي وقع في الأول من يناير/كانون الثاني من ذلك العام.
تناول التقرير استجابة اليابان للكوارث، متتبعًا مسار الإغاثة منذ اللحظات الأولى لوقوع الزلزال وحتى إنشاء مراكز الإخلاء. لكن ما أثار استياء الباحث ليس محتوى التقرير بحد ذاته، بل كونه لم يأتِ بجديد، بل أعاد تكرار نفس القضايا التي طُرحت مرارًا وتكرارًا منذ زلزال ”هانشين أواجي الكبير“ عام 1995، مرورًا بزلزال ”نييغاتا تشويتسو“ عام 2004، وزلزال ”شرق اليابان الكبير“ عام 2011، وانتهاءً بزلزال ”كوماموتو“ عام 2016.
كان جوهر استيائه يتلخص في سؤالين يلحّان عليه: ألم نتعلم شيئًا من دروس الماضي؟ كيف يمكن للحكومات الوطنية والمحلية ألا تستخلص العبر من الكوارث المتكررة؟ لم يكن اعتراضه على التقرير بحد ذاته، بقدر ما كان تعبيرًا عن إحباطه العميق من كونه مجرد إعادة تدوير لمشكلات لم تجد حلًا حتى اليوم.
عند قراءتي للتقرير بنفسي، وجدت أنه يوصي بما يلي لتحقيق أفضل النتائج الممكنة في تدابير مواجهة الكوارث:
- رفع مستوى وعي المواطنين بالكوارث لتعزيز قدرتهم على الصمود في مواجهة الكوارث واسعة النطاق.
- تحسين فعالية التخطيط العام عبر مراجعة الخطط الإقليمية للوقاية من الكوارث.
- تطوير الأدلة والأنظمة المختلفة، إلى جانب تنفيذ البحوث والتدريبات لرفع كفاءة الاستجابة للكوارث.
- تسريع التحول الرقمي في مجال التخفيف من آثار الكوارث، وتعزيز استخدام أحدث التقنيات.
لكن باستثناء النقطة الأخيرة، المتعلقة بتوظيف التحول الرقمي، فإن جميع هذه القضايا سبق أن أُثيرت منذ زلزال كوبي عام 1995، دون أن يطرأ عليها تطور يُذكر.
وما زاد من إحباطي أن وسائل الإعلام تناولت في تغطيتها لزلزال شبه جزيرة نوتو مشاكل ملاجئ الإخلاء والمراحيض وكأنها تُطرح للمرة الأولى، رغم أنها نوقشت مرارًا في أعقاب الكوارث السابقة. مشهد التكرار هذا أعاد إلى ذاكرتي ما شهدته بعد زلزال كوبي، ولم يسعني إلا أن أشعر بالأسف لكون الدروس المستفادة من الماضي ما زالت تُهمل، مما يجعلنا نواجه نفس المشكلات مرة بعد أخرى.
زيادة القوة التدمرية للزلازل
تعتبر اليابان دولة معرضة بشكل خاص لخطر الكوارث الطبيعية. لقد بحثت في قاعدة بيانات مقياس شدة الزلازل التابعة لوكالة الأرصاد الجوية اليابانية عن الزلازل المصنفة بدرجة أقل من 5، وهي النقطة التي يمكن عندها توقع حدوث أضرار جسيمة، وما فوق. وفي السنوات الثلاثين التي سبقت زلزال ”هانشين أواجي الكبير“، كان هناك 72 زلزالًا من هذا القبيل. ولكن في السنوات الثلاثين التي تلت ذلك، كان هناك 410 زلزال مصنف بدرجة أقل من 5 أو أعلى. ومن المستحيل بالطبع إجراء مقارنة مباشرة بين الأرقام، نظرًا للتطور في عملية القياس الزلزالي مع مرور الوقت، ولكن يبدو أن البيانات الزلزالية التاريخية للأرخبيل الياباني تشير إلى أن اليابان دخلت فترة من النشاط الزلزالي المتزايد منذ عام 1995.
وعند النظر إلى الزلازل التي تسبب اهتزازات محلية بقوة زلزالية تبلغ 7 درجات، والتي تؤدي إلى أضرار جسيمة، نجد أنه كان هناك سبعة منها منذ اعتماد المقياس في عام 1949: هانشين أواجي في عام 1995، نيغاتا تشويتسو في عام 2004، شرق اليابان الكبير في عام 2011، كوماموتو (مرتين) في عام 2016، زلزال شرق إيبوري في هوكايدو في عام 2018، وزلزال شبه جزيرة نوتو في عام 2024. لقد ضربت الزلازل كل أربع أو خمس سنوات منذ كارثة هانشين. وكانت جميع الزلازل، باستثناء زلزال 11 مارس/ آذار، تحدث ”داخل الصفائح التكتونية“، والتي لا تحدث عند حدود الصدع الرئيسية بين الصفائح. لذلك يجب علينا جميعًا - الحكومة الوطنية والسلطات المحلية والمواطنين على حد سواء - أن ندرك أننا نعيش في وقت يمكن أن تضرب فيه الزلازل في أي وقت، وأن نستعد وفقًا لذلك.
التعامل مع الكوارث بناءً على الخبرات السابقة
يبدو أن البنية القانونية التي تحكم إدارة الكوارث في اليابان تقوم على مبدأ مفاده أن ”كلما زادت الأضرار التي تواجهها، زادت قدرتك على النمو“. فمع كل كارثة تضرب البلاد، يتم إقرار قانون جديد، ثم يُعاد النظر فيه لاحقًا ليتكيف مع التغيرات المجتمعية بمرور الوقت. ومع ذلك، فإن هذه القوانين غالبًا ما تأتي متأخرة، فلا تكون قادرة على التعامل مع الأضرار الفعلية في وقت الأزمة، مما يترك المتضررين في مواجهة مشاعر معقدة من الإحباط والخذلان.
يرتكز الإطار القانوني للكوارث في اليابان بشكل أساسي على القانون الأساسي لإدارة الكوارث، الذي صدر عام 1959 استجابةً لإعصار إيسيوان المدمر. يحدد هذا القانون الهياكل التنظيمية والخطط الشاملة للتعامل مع الكوارث، بما في ذلك تدابير الوقاية، وإجراءات الطوارئ، وخطط إعادة الإعمار، وغيرها. كما ينص على أن المجلس المركزي لإدارة الكوارث يجب أن يضع خطة أساسية وطنية، بينما يتعين على الحكومات المحلية، سواء على مستوى المحافظات أو البلديات، إعداد خطط إقليمية للاستعداد للكوارث والاستجابة لها. يهدف هذا النهج إلى تقليل الأضرار عند وقوع الكارثة، وتنفيذ التدابير الطارئة بفعالية، ووضع مسار واضح لجهود التعافي.
لكن المشكلة الأساسية كانت أن هذا القانون بُني في الأصل على افتراض التعامل مع أضرار الأعاصير، مما جعله غير مناسب لمواجهة الزلازل واسعة النطاق في المراكز الحضرية المتطورة. لذا، بعد زلزال هانشين أواجي الكبير عام 1995، خضع القانون لمراجعات شاملة، حيث استُفيد من التجربة المؤلمة للمدينة المنكوبة في إعادة صياغة الخطط الإقليمية للوقاية من الكوارث، التي كانت سابقًا تركز فقط على الأعاصير. أدت هذه التعديلات إلى وضع خطط جديدة تراعي الأضرار الناجمة عن الزلازل، واعتمدت خطة كوبي الإقليمية للوقاية من الكوارث كنموذج إرشادي للبلديات في جميع أنحاء اليابان. ومنذ ذلك الحين، بدأت العديد من المدن في تطوير استراتيجياتها الخاصة للاستجابة للزلازل، مستندة إلى الدروس المستفادة من زلزال هانشين أواجي.
انتشرت الحرائق في أنحاء مدينة كوبي في 17 يناير/ كانون الثاني 1995، مباشرة بعد وقوع الزلزال. (© رويترز)
الاستراتيجيات المبنية على الخبرات وليس الشكليات
عندما ضرب زلزال شرق اليابان الكبير في 11 مارس/آذار 2011 الساحل الشرقي لمنطقة توهوكو، تسبب في تسونامي هائل أودى بحياة نحو 19 ألف شخص بين قتيل ومفقود، فضلًا عن الدمار الواسع والانهيارات النووية في محطة فوكوشيما دايئيتشي للطاقة النووية. على عكس زلزال هانشين أواجي الكبير عام 1995، لم يكن الدمار الرئيسي ناتجًا عن الزلزال بحد ذاته، بل عن موجات التسونامي الجارفة، والتي تذكرنا بزلزال جوغان سانريكو عام 869، أي قبل أكثر من ألف عام. كانت هذه الكارثة غير مسبوقة في العصر الحديث، وأدت إلى مراجعات جوهرية أخرى للقانون الأساسي لإدارة الكوارث.
بعد الزلزال مباشرة، سافرتُ من كوبي إلى المناطق المنكوبة، مستخدمًا الخبرات المكتسبة من عام 1995 لتقديم المشورة. لكنني فوجئت عند مراجعة خطط الكوارث الإقليمية للحكومات المحلية بأنها كانت مجرد نسخ مباشرة من خطة كوبي، دون أن تُبنى على تحقيقات تاريخية محلية أو استشارات مع السكان المتضررين. لم تكن هناك محاولات جدية لخلق استراتيجيات تناسب المجتمعات المحلية، بل مجرد تطبيق شكلي لممارسات سابقة. السبب في ذلك، على ما يبدو، هو الإصلاحات الإدارية والمالية التي قلصت أعداد الموظفين المسؤولين عن إدارة الكوارث، تاركةً فرقًا صغيرة تتولى مسؤولية مناطق واسعة. ومهما بدت الخطة مثالية على الورق، فإنها تفقد قيمتها إذا لم تعكس واقع كل منطقة على حدة.
والآن، بعد زلزال شبه جزيرة نوتو الذي وقع اليوم الأول من في يناير/كانون الثاني 2024، أتساءل ما إذا كانت الاستجابة هناك قد عانت من المشكلة ذاتها. كيف يمكننا نقل تجربة ضحايا الكوارث السابقة إلى بقية أنحاء اليابان؟ وهل يمكننا المساهمة في تقليل الأضرار المستقبلية؟ الأهم من ذلك، كيف نوجه المجتمعات المتضررة بشكل عملي في رحلة التعافي وإعادة الإعمار؟
إنه واجب على كل من مرّ بكارثة هانشين أواجي أن يشارك في هذا الجهد، لأن الدروس المستخلصة من الماضي قد تكون المفتاح لإنقاذ الأرواح في المستقبل.
رؤى طويلة المدى واحتياجات محلية
الآن وبعد مرور ثلاثة عقود على زلزال هانشين أواجي الكبير عام 1995، الذي ترك كوبي مدينة مدمرة ومظلمة، باتت مناظرها الليلية اليوم تشع بجمال أخّاذ، وكأنها تحقق حلمًا كان بعيد المنال.
قبل الزلزال، بلغ عدد سكان كوبي 1.52 مليون نسمة، لكن الكارثة أدت إلى انخفاضه بنحو 100 ألف نسمة. وبعد خمس سنوات، بدأ التعافي التدريجي ليصل عدد السكان إلى 1.49 مليون نسمة، وبعد 5 سنوات أخرى عاد الرقم إلى مستواه السابق تقريبًا. وحتى اليوم، لا يزال التعداد السكاني مستقرًا عند هذا المستوى. ولم تقتصر عملية التعافي على السكان فحسب، بل شملت أيضًا الصناعة، إذ ساهم الطلب على إعادة الإعمار في تنشيط الاقتصاد مباشرةً بعد الكارثة. وفي السنوات اللاحقة، دعمت الحوافز الجديدة لتصنيع الأدوية وغيرها من القطاعات الصناعية إعادة الهيكلة الاقتصادية، مما عزز مسيرة التعافي وجعل كوبي نموذجًا للمرونة وإعادة البناء بعد الكوارث.
أفق مدينة كوبي ليلاً كما نراه من البحر. لقد عاد بريق المدينة كما كان قبل الزلزال. (© ساكوراي سيئيتشي)
وإنني أعزو التعافي السريع الذي شهدته كوبي إلى رؤية بعيدة المدى، استندت في جوهرها إلى قضايا كانت مطروحة حتى قبل وقوع الكارثة، مثل الحاجة إلى إعادة هيكلة البنية الصناعية للمدينة. فقد كانت خطة التعافي، التي صيغت بعد الزلزال، متجذرة في رؤية طويلة الأمد لمستقبل كوبي، وكان تبني هذه الخطة بسرعة عاملاً حاسمًا في تحقيق التعافي. يقال إن الكوارث تكشف نقاط ضعف المدن، لكنني أؤمن بأن سرعة التعافي تعكس إلى حد كبير قوة المدينة، خاصة إذا كانت تمتلك رؤية واضحة لمعالجة المشكلات التي كانت قائمة حتى قبل وقوع الكارثة.
لكن على نطاق أوسع، تواجه اليابان اليوم تحديات ديموغرافية واقتصادية تتجاوز مسألة الكوارث الطبيعية. فمع انخفاض معدلات المواليد وارتفاع متوسط أعمار السكان، تتركز نسبة كبيرة من الاقتصاد والسكان في طوكيو، بينما تعاني مناطق واسعة من تراجع في الكثافة السكانية. ووفقًا لقانون التدابير الخاصة لدعم التنمية المستدامة للمناطق الخالية من السكان، فقد بلغ عدد البلديات المصنفة على أنها ”منخفضة الكثافة السكانية“ حتى عام 2022 نحو 885 بلدية، أي ما يزيد عن نصف إجمالي البلديات في اليابان البالغ 1719 بلدية. ومن بين هذه المناطق، توجد العديد من المدن المتضررة من الكوارث، مثل شبه جزيرة نوتو، مما يطرح تحديات إضافية عند التفكير في استراتيجيات التخفيف من آثار الكوارث والتعافي منها.
وقد أنشأت الحكومة الوطنية مكتباً للتحضير لإنشاء وكالة لإدارة الكوارث. وعند توليه منصبه، أصدر رئيس الوزراء إيشيبا شيغيرو تعليمات تضمنت إنشاء منصب وزاري كامل يركز على إدارة الكوارث، وتحسين قدرات التخطيط لعمليات الاستعداد للكوارث بشكل جذري، وصياغة منظمة تستعين بمدخلات الخبراء في مجال التعامل مع الكوارث أثناء استعداداتها المستقبلية. ونحن نعلق آمالاً كبيرة على هذه الوكالة الجديدة، ولكننا نريدها قبل كل شيء أن تكون منظمة مبنية على رؤية وطنية طويلة الأجل تأخذ في الاعتبار القضايا الإقليمية البارزة.
(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: صورة التقطت في 17 يناير/ كانون الثاني 1995، في منطقة هيغاشينادا في مدينة كوبي، تُظهر أنقاض طريق هانشين السريع المُدمر في أعقاب الزلزال. © جيجي برس)