هل ينهار التنين الصيني؟ تباطؤ اقتصادي وشيخوخة تهدد المستقبل

اقتصاد

بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين نحو 5% في عام 2024، وهو رقم معتبر، لكنه لا يرقى إلى طموحات البلاد منذ انطلاقة مسيرة تحديثها الاقتصادي. وفي ظل توجيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صفعات للتجارة العالمية عبر فرض تعريفات جمركية ومع استمرار تراجع الاستهلاك المحلي للصين، تواجه السياسة الاقتصادية للرئيس الصيني شي جينبينغ تحديات جسيمة.

ضغوط انكماشية متواصلة

أعلنت الصين أن اقتصادها نما في عام 2024 بنسبة 5%. إلا أن الواقع الاقتصادي يبدو أقل إشراقا، حيث وصلت نسبة البطالة بين الشباب في المدن من الفئة العمرية 16 إلى 24 عاما إلى 15.7% في ديسمبر/كانون الأول، متجاوزة المعدل في العام السابق.

يشتهر البروفيسور لويس مارتينيز من جامعة شيكاغو بأبحاثه حول تقدير الناتج المحلي الإجمالي للدول من خلال قياس الإضاءة الليلية عبر الصور الفضائية. وتشير دراساته إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في الدول الديمقراطية يتطابق غالبا مع هذه التقديرات القائمة على الإضاءة، بينما تميل الدول السلطوية إلى الإعلان عن أرقام تفوق بكثير ما تظهره هذه البيانات. وفي حالة الصين، عادة ما تكون الأرقام الرسمية للناتج المحلي الإجمالي أعلى بنحو 30% مما تشير إليه الملاحظات المستوحاة من صور الأقمار الاصطناعية.

ويُعد معدل النمو المفترض للصين عند 5% العام الماضي محل شك أيضا. فقد ظل مُعامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد – وهو مقياس يعكس اتجاهات الأسعار المحلية – في المنطقة السالبة على مدار 6 أرباع سنوية متتالية حتى سبتمبر/أيلول عام 2024. وفي ظل استمرار الضغوط الانكماشية وضعف الطلب المحلي بصورة حادة، يحذر كثيرون من أن مسار الاقتصاد الصيني قد يشكل مصدرا لعدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي.

”إعادة تأهيل“ جاك ما مؤسس علي بابا

عقدت الحكومة الصينية في شهر فبراير/شباط ندوة للقطاع الخاص هي الأولى من نوعها منذ 6 أعوام، شارك فيها الرئيس شي جينبينغ وتبادل وجهات النظر مع عدد من رجال الأعمال. وكان من بين 14 رائد أعمال حضروا الندوة، جاك ما مؤسس شركة ”علي بابا“ عملاقة التجارة الإلكترونية، وقد شوهد وهو يصافح الرئيس شي، ما أثار اهتماما كبيرا.

ألغت السلطات الصينية في عام 2020 إدراج شركة ”آنت فاينانشال“ التابعة لمجموعة علي بابا، في سوق الأوراق المالية. وفي عام 2021، فُرضت عليها غرامة باهظة بعد تحقيقات في قضايا تتعلق بمكافحة الاحتكار. ومن المعتقد أن هذا الإجراء جاء ردا على الانتقادات العلنية التي وجهها جاك ما للسياسات المالية الصينية. وقد أقام لفترة في اليابان، وكأنه هارب من بلاده. أما عودته المفاجئة إلى الأضواء، فتبدو انعكاسا ليأس بكين في سعيها المحموم للخروج من أزمتها الاقتصادية. كما شارك في الندوة ما هواتنغ (بوني ما)، مؤسس شركة التكنولوجيا الكبرى ”تينسنت“ التي سبق أن تعرضت لغرامات أيضا.

كان الهدف من برنامج ”الإصلاح والانفتاح“ الذي أطلقه دنغ شياوبينغ (1904-1997)، جعل الحزب الشيوعي قادرا على الازدهار مع رؤوس الأموال المحلية والأجنبية. لكن شي الذي تولى قيادة البلاد في عام 2012، عكس هذه الإصلاحات. فقد دعا إلى جعل الشركات المملوكة للدولة أكبر وأفضل وأقوى، وهو ما قد يُفهم على أنه توجه نحو ”تقدم الدولة وتراجع القطاع الخاص“. كما شجع على إنشاء منظمات تابعة للحزب الشيوعي داخل الشركات الخاصة، بما فيها الشركات الأجنبية.

ويبدو أن خروج عدد متزايد من الشركات الأجنبية من السوق الصينية ونقل مراكزها الإقليمية إلى دول أخرى، يعكس تنامي المخاوف من تراجع السوق والإحباط من تدخل الحكومة المفرط في عملياتها.

ولكن قد لا يكون من العدل تحميل الرئيس شي وحده كامل المسؤولية عن مشاكل الاقتصاد الصيني. وبإلقاء نظرة أعمق على التوجهات الاقتصادية طويلة الأمد، كما تظهرها قاعدة بيانات توقعات الاقتصاد العالمي لصندوق النقد الدولي، نتمكن من مشاهدة صورة أوضح.

في ظل إدارة هو جينتاو (2002 إلى 2012)، الذي ركز على الحفاظ على نمو اقتصادي للناتج المحلي الإجمالي لا يقل عن 8%، ظل معدل النمو السنوي قريبا من 10%. إلا أن النمو تراجع إلى ما دون 8% مسجلا 7.8% في عام 2012، وهو العام الأخير من إدارة هو جينتاو. وكانت حكومة هو جينتاو قد أطلقت حزمة تحفيز اقتصادي ضخمة بقيمة 4 تريليونات يوان في استجابة للأزمة المالية العالمية عام 2008 التي تركزت في الولايات المتحدة، وهو ما أدى ربما إلى نشوء فقاعة اقتصادية. وعندما أعلن الرئيس شي أن ”المنازل للسكن لا للمضاربة“، كانت الفقاعة قد باشرت بالفعل الانفجار.

بدأ النمو الاقتصادي في عهد شي عند مستوى 7% تقريبا، لكنه انخفض تدريجيا عاما بعد عام. ثم شهد الاقتصاد الصيني تباطؤا حادا خلال جائحة 2020، وصولا إلى ما عليه الحال اليوم.

ومن السمات اللافتة للاقتصاد الصيني، ارتفاع معدلات الادخار إلى مستويات استثنائية تتراوح بين 40% و50% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب معدل استثمار إجمالي (من القطاعين العام والخاص) يتجاوز أيضا 40%. أما الإنفاق الاستهلاكي الخاص الذي يتجاوز عادة نصف الناتج المحلي في معظم البلدان، فيبقى متواضعا عند حوالي 40%.

تشير الأرقام الأخيرة إلى أن إجمالي الاستثمارات في الصين يمثل 41% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ26% في اليابان و21% في الولايات المتحدة و33% في الهند. أما معدل الادخار الإجمالي، فيبلغ 43% في الصين، مقابل 30% في اليابان و17% في الولايات المتحدة و32% في الهند. وتبدو الصين متفردة بوضوح في معدلات الادخار والاستثمار على حد سواء.

استثمارات متواصلة: التداعيات

في الاقتصادات التي تعاني من فائض في الادخار مقابل محدودية في الاستثمار، لا مفر من الركود إذا لم تُوجّه المدخرات نحو الاستثمار. ولكن التوسع المتواصل في الاستثمار يؤدي في نهاية المطاف إلى تناقص العوائد.

أحد الأمثلة الجلية على ذلك شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة في الصين. فمنذ انطلاقها في عام 2008، توسعت بسرعة حتى تجاوز طولها 40 ألف كيلومتر، وهو ما يعادل محيط الكرة الأرضية. ولكن خط بكين - شنغهاي هو الوحيد الذي يحقق أرباحا، بينما ترزح شركة السكك الحديدية الصينية تحت ديون تبلغ نحو 120 تريليون ين.

وعلى نحو مشابه، بلغ طول شبكة الطرق السريعة في البلاد حوالي 180 ألف كيلومتر، وهو ما يكفي للدوران حول الأرض أكثر من 4 مرات. وفي الأماكن المحددة كمناطق تطوير، تنتشر ناطحات سحاب غير مكتملة، مهجورة ومتداعية. وفي الوقت نفسه، تستهلك الصين أكثر من 2 مليار طن من أصل 4 مليارات طن من الإسمنت يستهلكها العالم سنويا.

وقد قاد هذا النمط المحموم من الاستثمار المتواصل إلى تباطؤ الاقتصاد. فبعد أن كان يُنظر سابقا إلى أن تفوق الاقتصاد الصيني على نظيره الأمريكي مسألة وقت، يعتقد عدد متزايد من الناس حاليا أن ذلك اليوم قد لا يأتي أبدا.

ديون متعثرة هائلة وانخفاض في عدد السكان

بلغت حصة الصين من الناتج المحلي الإجمالي العالمي الاسمي (المقيّم بالدولار الأمريكي) ذروتها في عام 2021 بنسبة 18.3%، ثم تراجعت إلى 16.9% في عام 2023. ومن المرجح جدا أن يكون الاقتصاد الصيني قد وصل إلى ذروته من حيث الحصة العالمية.

وأصدرت السلطات الصينية – ولو متأخرة – سندات خاصة طويلة الأجل بهدف إعادة تنشيط الاقتصاد. وتعتزم بكين تقديم دعم مالي لشراء الأجهزة المنزلية والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وغيرها، لكن هناك مخاوف من أن يؤدي هذا إلى تسريع الإنفاق الاستهلاكي. وكان من الممكن اتباع نهج بديل يتمثل في زيادة ضخمة في الإنفاق على الضمان الاجتماعي، بما يقلل من حاجة الناس للادخار الاحتياطي ويشجعهم على الإنفاق.

يبدو أن السلطات بدأت أيضا في ضخ رؤوس أموال في البنوك المملوكة للدولة المثقلة بديون متعثرة. كان حجم الديون المتعثرة التي تعاملت معها الحكومة اليابانية عقب انهيار فقاعة الأصول نحو 100 تريليون ين. وبالنظر إلى حجم الاقتصاد الصيني، فقد تكون ديون البلاد المتعثرة أكبر بعدة مرات، وربما تصل إلى 10 أضعاف.

أما التحدي الأكبر الذي تواجهه الصين، فهو تغير التركيبة السكانية. عندما انهارت الفقاعة الاقتصادية في اليابان، كانت البلاد لا تزال تشهد نموا سكانيا. أما في الصين، فقد بدأ عدد السكان بالتراجع منذ عام 2022. وفي عام 2024، انخفض بمقدار 1.39 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يقل العدد الإجمالي للسكان عن 1.4 مليار في عام 2025.

كما يبلغ معدل الخصوبة الإجمالي في الصين (متوسط عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة طوال حياتها) نحو 1، وهو أقل من نصف المستوى اللازم لتعويض السكان والبالغ 2.1. وليس من السهل إنعاش النمو الاقتصادي في ظل اقتراب التركيبة السكانية من هيكل هرمي معكوس. وهناك مخاطر متزايدة من ”شيخوخة المجتمع قبل تحقيق الرخاء الكامل“.

في مقالة بصحيفة نيويورك تايمز في يوليو/تموز عام 2023، كتب الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل بول كروغمان أن الناس يسألونه إن كان مستقبل الصين قد يشبه ما حدث في اليابان. فأجاب ”إجابتي على الأرجح أنه لا، بل سيكون وضع الصين أسوأ“. ويبدو أن نبوءته تقترب من التحقق.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: الرئيس الصيني شي جينبينغ يسلّم على قادة الأعمال من القطاع الخاص في بكين بتاريخ 17 فبراير/شباط 2025. © شينهوا/كيودو)

الصين العلاقات اليابانية الأمريكية العلاقات اليابانية الصينية