
الصينيون يتدفقون على اليابان: كيف يقود الطلاب والأثرياء موجة الهجرة الجديدة؟
مجتمع- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
تزايد أعداد الجالية الصينية
تشهد الجالية الصينية في اليابان نموًا ملحوظًا، حيث وصل عددها إلى حوالي 870 ألف نسمة بنهاية عام 2024، بزيادة قدرها 2.6 ضعف مقارنة بعام 2000. ينحدر بعض هؤلاء من الجيل الرابع أو الخامس من المهاجرين الصينيين القدامى الذين استقروا في أحياء صينية تقليدية مثل يوكوهاما وكوبي. يركز هذا المقال على فئتين رئيسيتين ضمن الجالية الصينية المعاصرة في اليابان: فئة ”شينكاكيو“ (المغتربون الصينيون الجدد) الذين وفدوا بعد سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين عام 1978، وفئة ”شين-شينكاكيو“ (الوافدون الجدد) خلال العقدين الأخيرين، مع استعراض الفروقات بينهما.
متجر في حي إيكيبوكورو بطوكيو يبيع منتجات غذائية تستهدف الجالية الصينية، ويحيط به العديد من المطاعم الصينية. الصورة التقطت في 21 مارس/آذار 2025. (© Nippon.com)
موجات الهجرة منذ الثمانينيات
بعد إصلاحات الاقتصاد الصيني في أواخر السبعينيات، شهدت اليابان موجة أولى من الوافدين الصينيين، وكان معظمهم من طلاب العلوم في الثلاثينيات من أعمارهم أو أكبر، قدموا بدعم حكومي. ومع حلول الثمانينيات، بدأت موجات جديدة من الطلاب الأصغر سنًا، في العشرينيات، يشملون دارسي العلوم الإنسانية. عاد العديد منهم إلى الصين بعد إكمال دراستهم، لكن آخرين اختاروا البقاء في اليابان، مشكلين نواة فئة ”شينكاكيو“ (المغتربون الصينيون الجدد).
من بين هؤلاء، التقت الكاتبة بسيدة وصلت إلى اليابان عام 1985 للانضمام إلى زوجها الذي كان يدرس هناك. لاحقًا، التحقت هي نفسها بجامعة يابانية، واستقرت في اليابان لأكثر من 40 عامًا. يتراوح أفراد هذا الجيل اليوم بين منتصف وأواخر الستينيات، وقد بلغ بعضهم سن التقاعد. يمثل هؤلاء قصة جيل فريد، انتقل من كونه طلابًا وافدين إلى حياة الاستقرار والاندماج، حاملين توازنًا ثقافيًا بين الصين واليابان.
عند وصول هؤلاء الطلاب إلى اليابان، واجهوا فجوة اقتصادية كبيرة بين البلدين، خاصة في مستويات الدخل الفردي. اضطر العديد من الطلاب المبتعثين المدعومين حكوميًا إلى العمل في وظائف جزئية، بما في ذلك أعمال يدوية شاقة، لتغطية نفقات المعيشة. ورغم هذه التحديات، أظهر هؤلاء الشباب عزيمة قوية في تعلم اللغة اليابانية والاندماج في المجتمع، مما مكّن الكثير منهم من بناء مسيرات مهنية ناجحة. مع مرور الزمن، وبعد فقدان بعضهم لذويهم في الصين، اختار عدد منهم التجنس الياباني أو الإقامة الدائمة، ليصبحوا جسراً ثقافيًا بين البلدين. بدأوا كطلاب وافدين، اضطرتهم الظروف للعمل في وظائف متواضعة، ثم شقوا طريقهم نحو الاندماج الكامل في المجتمع الياباني، حاملين هوية مزدوجة تجمع بين جذورهم الصينية وواقعهم الياباني.
خلال التسعينيات وحتى أوائل الألفية الثانية، شهدت اليابان تدفقًا كبيرًا للطلاب الصينيين الذين قدموا على نفقتهم الخاصة، إلى جانب أعداد متزايدة من العمال المهاجرين. يبلغ العديد من هؤلاء اليوم الأربعينيات أو الخمسينيات من العمر. وبفضل احتكاكهم المبكر بالمجتمع الياباني وإتقانهم للغة، نجحوا في الاندماج تدريجيًا. وفي ظل محدودية أعداد الجالية الصينية آنذاك، كان التكيف السريع مع الثقافة والقوانين اليابانية ضروريًا، مما جعلهم أكثر إلمامًا بالبيئة المحلية. أما أبناؤهم من الجيل الثاني، فقد وُلدوا وترعرعوا في اليابان، ويتحدثون اليابانية كلغتهم الأم، ما يعكس تحولًا واضحًا في الهوية والانتماء.
تستضيف العاصمة طوكيو وحدها حوالي 270 ألف مقيم صيني، أي ما يقارب ثلث إجمالي الجالية الصينية في اليابان. لكن أفراد هذا الجيل بدأوا بالانتقال تدريجيًا إلى الضواحي والمحافظات المجاورة مثل سايتاما وكاناغاوا وتشيبا، بحثًا عن مساكن بأسعار معقولة ومساحات أوسع. على سبيل المثال، يشكل الصينيون أكثر من نصف سكان مشروع الإسكان العام ”شيبازونو“ (Shibazono) في مدينة كاواغوتشي بمحافظة سايتاما، مما يعكس تحولًا ديمغرافيًا ملحوظًا خارج مركز العاصمة.
تحولات ما بعد الجائحة
يتميز الوافدون الصينيون الجدد (شين-شينكاكيو) الذين بدأوا بالتوافد بعد عام 2017 باختلافات جوهرية في دوافعهم وخلفياتهم مقارنة بالأجيال السابقة. تزامن هذا التدفق مع تشديد الحكومة الصينية، بقيادة شي جين بينغ، قبضتها على المجتمع، رغم الازدهار الاقتصادي الملحوظ. ومنذ جائحة كورونا، تسارعت وتيرة هذه الهجرة، مع غلبة الشباب الأكثر ثراءً، مما يعكس تحولًا في طبيعة الهجرة الصينية من حيث الطبقة الاجتماعية والأهداف.
يصل هؤلاء الوافدون بتأشيرات دراسية، عمل، أو تأشيرات ”مدير أعمال“ التي تتيح لهم تأسيس أو إدارة مشاريع تجارية في اليابان. وبحسب بيانات وكالة الهجرة اليابانية، بلغ عدد الصينيين الحاصلين على تأشيرة مدير أعمال حوالي 19 ألف شخص بنهاية عام 2023. تتنوع أعمار هؤلاء بين العشرينيات والستينيات، مع هيمنة ملحوظة للطلاب من جيل Z (مواليد أواخر التسعينيات إلى منتصف العقد الأول من الألفية)، الذين يمثلون الوجه الجديد للهجرة الصينية.
شهدت اليابان منذ أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ارتفاعًا في أعداد الطلاب الصينيين الراغبين في الالتحاق بجامعاتها. استجابت مدارس التحضير لامتحانات القبول، المعروفة باسم ”جوكو“ (مدارس تحضيرية مكثفة)، لهذا الطلب المتزايد، حيث انتشرت شبكة واسعة من هذه المدارس الموجهة للطلاب الصينيين، خاصة في أحياء مثل تاكادانوبابا في طوكيو. وبما أن دراسة اللغة اليابانية وحدها لا تكفي لاجتياز امتحانات القبول الجامعية، يلتحق العديد من هؤلاء الطلاب بمدارس اللغة ومدارس الجوكو معًا لضمان الاستعداد الأكاديمي.
ملصق لمدرسة جوكو تحضيرية تستهدف الطلاب الصينيين، يعرض صور طلاب سابقين تم قبولهم في جامعات مرموقة مثل جامعة طوكيو. الصورة التقطت في تاكادانوبابا بتاريخ 21 مارس/آذار 2025. (© Nippon.com)
يطمح الطلاب الصينيون المتفوقون إلى الالتحاق بجامعات وطنية مرموقة مثل جامعة طوكيو وجامعة كيوتو، أو جامعات خاصة معروفة في الصين مثل جامعة واسيدا. لكن الملفت هو الإقبال المتزايد في السنوات الأخيرة على كليات الفنون، مدفوعًا بشعبية الأنيمي الياباني مثل دراغون بول، سانت سيا، ون بيس، وسلام دانك، التي اكتسبت شهرة واسعة في الصين منذ أواخر التسعينيات. نشأ هؤلاء الشباب وهم يتابعون هذه الأعمال، وتأثروا بإبداعات مثل أفلام هاياو ميازاكي من استوديو جيبلي، وأعمال المخرج شينكاي ماكوتو مثل اسمك، وسوزومي. كما يحظى فنانون يابانيون معاصرون مثل نارا يوشيتومو وموراكامي تاكاشي بشعبية كبيرة في الأوساط الفنية الصينية، مما يدفع الشباب الصينيين لدراسة الرسوم المتحركة، صناعة الأفلام، والفنون البصرية في اليابان، مهد هذه الإبداعات.
في الماضي، كان الآباء الصينيون يوجهون أبناءهم نحو تخصصات تقليدية مثل الاقتصاد، القانون، العلوم، أو التكنولوجيا لضمان مستقبل مهني مستقر. لكن مع تحسن الأوضاع المالية، أصبح الآباء أكثر تقبلًا لدعم ميول أبنائهم الإبداعية، حتى لو خرجت عن الأطر التقليدية. وفقًا لتقرير نشرته صحيفة نيكي شيمبون في 8 فبراير/شباط، يشكل الطلاب الصينيون حوالي 70% من الطلاب الدوليين في مؤسسات فنية مثل جامعة كيوتو سيكا وجامعة كيوتو للفنون. وعلى الرغم من وجود كليات فنية مرموقة في الصين مثل الأكاديمية المركزية للفنون الجميلة، فإن أعداد المقبولين فيها محدودة للغاية مقارنة بحجم السكان، مما يجعل الدراسة في اليابان، موطن العديد من المبدعين الشهيرين، خيارًا جذابًا. بحسب معلمي مدارس الجوكو، ينحدر العديد من هؤلاء الطلاب من أسر ميسورة، ويتلقون دعمًا ماليًا سخيًا، يتيح لهم التركيز على الدراسة دون الحاجة إلى العمل الجزئي. خلال إعداد هذا المقال، التقيت بطلاب يحصلون على مخصصات شهرية تتجاوز 500 ألف ين (حوالي 3300 دولار أمريكي)، مما يعكس تحولًا كبيرًا في تركيبة الوافدين الصينيين.
الهروب من المجهول
إلى جانب الطلاب، شهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في أعداد الصينيين من الطبقة الوسطى والأثرياء الذين ينتقلون إلى اليابان. هذه الهجرة لا تعود فقط إلى الاهتمام بالاقتصاد أو المجتمع الياباني، بل إلى رغبة في الهروب من السياسات التقييدية الصارمة خلال حملة ”صفر كوفيد“ في 2021 و2022، والتي شهدت قيودًا مشددة على حركة المواطنين والتحكم بالمعلومات. هذا الشعور بالحصار، إلى جانب التباطؤ الاقتصادي، دفع الكثيرين لمغادرة الصين، إما كإجراء احترازي أو قلقًا على مستقبل أبنائهم.
خلال الإغلاق الصارم في شنغهاي من أواخر مارس/آذار إلى نهاية مايو/أيار 2022، انتشرت كلمة 润 (تُنطق ”رون“)، التي تعني ”مربح“ أو ”ترطيب“ بالصينية، لكنها استُخدمت كتعبير عامي يشبه كلمة ”run“ الإنكليزية، للدلالة على الهجرة بحثًا عن حياة أفضل. مع تصاعد هذا الشعور، اتجه الصينيون إلى وجهات مثل سنغافورة والدول الغربية، لكن اليابان كانت خيارًا مفضلًا بفضل القرب الجغرافي، التشابه الثقافي في شرق آسيا، استخدام الأحرف الصينية (كانجي) في اللغة اليابانية، والشعور بالأمان والاستقرار الاجتماعي. كما ساهمت تكاليف المعيشة المعقولة نسبيًا وتخفيف شروط التأشيرات في تعزيز جاذبية اليابان.
مبنى سكني شاهق في حي تويوسو بطوكيو، مفضل لدى الأثرياء الصينيين المقيمين في اليابان. الصورة التقطت في فبراير/شباط 2023. (© ناكاجيما كي)
وينتمي كثير من هؤلاء الصينيين الميسورين إلى طبقة النخبة المتعلمة، من مديري الشركات التنفيذيين وحملة الشهادات العليا، الذين غالبًا ما يبيعون ممتلكاتهم في الصين أو يوظفون جزءًا من أصولهم المالية في شراء شقق فاخرة داخل ناطحات السحاب في قلب طوكيو. كما تجمع بينهم، إلى جانب الثراء، نظرة نقدية سلبية تجاه القيادة السياسية الحالية في بلادهم، ما يدفع بعضهم إلى البحث عن فضاءات أكثر انفتاحًا وحرية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفئة من الوافدين الجدد تتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة، وقد قدمت من دولة بات اقتصادها يتفوق على نظيره الياباني من حيث الحجم. ويواصل العديد من هؤلاء نشاطهم الاقتصادي عبر الحدود، إذ يحتفظون بأعمال وشبكات علاقات داخل الصين، مما يستدعي تنقلهم المستمر بين البلدين. وعلى الرغم من إقامتهم في اليابان، فإن كثيرًا منهم لا يخطط للاستقرار الدائم، بل ينظر إلى الإقامة كخيار استراتيجي، سواء لتأمين مستقبل أبنائهم أو كوسيلة للهروب من حالة عدم اليقين في الداخل الصيني.
تُعد هذه المجموعة من الوافدين الجدد أقل عددًا مقارنةً بالأجيال السابقة من المغتربين الصينيين، إلا أن تأثيرها يفوق حجمها. فهي تتميز بنفوذ اقتصادي ملحوظ، واطلاع دائم على المستجدات السياسية والاقتصادية في الصين، ما يمنح أفرادها حضورًا قويًا وصوتًا مسموعًا داخل المجتمع المحلي. وإذا استمر الوضع السياسي في الصين على ما هو عليه دون إصلاحات جوهرية، فإن وتيرة الهجرة إلى اليابان وغيرها من الدول مرشحة للتصاعد بوتيرة متسارعة، سواء بدافع البحث عن الاستقرار أو توسيع آفاق الحرية والحصول على فرص جديدة ومغرية.
(نُشر المقال في الأصل باللغة اليابانية في 1 أبريل/نيسان 2025، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان الرئيسي: إعلانات مدرسة تحضيرية للطلاب الصينيين في تاكادانوبابا، طوكيو. الصورة التقطت في 21 مارس/آذار 2025. © Nippon.com)