توكوريو... هل حلت محل الياكوزا؟ الوجه المتغير للجريمة المنظمة في اليابان

ثقافة

في عالمٍ باتت فيه التكنولوجيا تتقاطع مع كل تفاصيل الحياة، لم تعد الجريمة استثناءً. تظهر على الساحة اليابانية ظاهرة إجرامية مقلقة تُعرف باسم ”توكوريو“ — وهي عصابات تتكون من أفراد غرباء تمامًا، يتواصلون لأول مرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ثم ينفصلون بعد تنفيذ مهماتهم وكأن شيئًا لم يكن. هؤلاء المجرمون الجدد ليسوا من طراز الياكوزا التقليدي، بل شبان متمرسون في العالم الرقمي، ينفذون عمليات محددة بدقة، ويختفون من دون أثر. ووفقًا لتقرير وكالة الشرطة الوطنية اليابانية، فقد تجاوز عدد المعتقلين من عناصر ”توكوريو“ في عام 2024 وحده أكثر من عشرة آلاف شخص، معظمهم تورطوا في جرائم مرتبطة بالحصول غير المشروع على التمويل. فما الذي يجعل هذه العصابات صعبة التتبع؟ ولماذا تُشكل تهديدًا متزايدًا للمجتمع الياباني؟ وكيف تحاول الشرطة تفكيك هذا النمط الجديد من الجريمة المجهولة؟

منفذو الجرائم ضحايا يتم التضحية بهم

منذ شهر أغسطس/آب من عام 2024، وقع عدد من عمليات السطو في منطقة العاصمة طوكيو ارتكبها رجال استجابوا لإعلانات وظائف بدوام جزئي مشبوهة على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي محافظة كاناغاوا، قُتل رجل يبلغ من العمر 75 عامًا بعد اقتحام منزله. وتبين أن إحدى عصابات توكوريو هي التي كانت وراء تلك الحادثة.

تتشكل عصابات توكوريو إلى حد كبير من بنية هرمية متعددة الطبقات مع وجود عقل مدبر إجرامي أو زعيم في قمتها. وفي الأسفل هناك ”المستلمون“ الذين يتلقون الأموال من ضحايا الاحتيال، ومرتكبو الجرائم الذين ينفذون فعليًا عمليات السطو والسرقة. وفي الوسط هناك القادة الذين يوجهون الجرائم بتوجيه من الزعيم، وتحتهم يوجد ”المتصلون“ الذين يقومون بإجراء المكالمات الهاتفية الاحتيالية، والمجنِّدون الذين يقومون بتجنيد مستلمي الأموال ومرتكبي الجرائم على وسائل التواصل الاجتماعي. ويقوم القادة الذين في قمة الهرم بإجبار التابعين الذين في أسفله على ارتكاب أعمال إجرامية، بينما يحصلون على معظم عائدات تلك الجرائم.

البنية الهرمية لعصابات توكوريو

إن منفذي الجرائم في أسفل البنية الهرمية لعصابات توكوريو هم بمثابة ”بيادق يتم التخلي عنها“ في هذه الجرائم. فهم متصلون بقادتهم عبر الإنترنت، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، لكنهم لم يلتقوا بهم شخصيًا أبدًا. وحتى لو تمكنت الشرطة من القبض على منفذي الجرائم هؤلاء، فمن الصعب عليها الوصول إلى القادة في منظمات الجرائم هذه. وبمجرد القبض على المنفذين، يقوم القادة بالتواصل مع منفذي جرائم جدد على وسائل التواصل الاجتماعي، ومواصلة ارتكاب الجرائم. ويكون التواصل بين قادة العصابات أنفسهم ضعيفًا أيضًا، ويُعتقد أنهم يكونون مرتبطين بعصابات إجرامية متعددة في بعض الحالات. ومع استمرار الأعضاء في الانفصال عن العصابات السابقة وتشكيل عصابات جديدة واحدة تلو الأخرى، فإن الشرطة غير قادرة عن الكشف عن نشاطاتهم في الوقت الحالي. وفي الواقع، ليس هناك عدد دقيق لعصابات توكوريو الموجودة في اليابان حاليًا.

أشكال مختلفة من الجرائم

لقد كانت أبرز جرائم عصابات توكوريو سلسلة من السرقات وقعت بين عامي 2022 و2023 من قبل عصابة يقودها رجال وتُسمى ”لوفي“. وفي ذلك الوقت، استخدم القادة الذين قاموا بتوجيه المنفذين تطبيقًا سريًا للغاية على الهاتف الذكي من الفلبين لإرسال تعليمات السرقات إلى المنفذين في اليابان. والسرقة ليست الجريمة الوحيدة التي تقوم عصابات توكوريو بارتكابها. فهناك أيضًا جرائم خطيرة من عمليات الاحتيال الخاصة، مثل الاحتيال على أشخاص غير محددين وسلب أموالهم، والسرقات الجماعية، مثل السرقات من المتاجر كمتاجر الأدوية وغيرها.

أنواع جرائم عصابات توكوريو

  • عمليات الاحتيال الخاصة
  • السطو، السرقة
  • جرائم المخدرات
  • الصيد غير المشروع
  • التمويل غير المشروع
  • نوادي استضافة احتيالية
  • سرقة بطاقات الائتمان
  • أعمال تجارية احتيالية بمبالغ كبيرة

وتقوم عصابات السرقة بسرقة أي شيء ثمين يمكنها العثور عليه، مثل أشجار البونساي باهظة الثمن من حدائق المنازل، والأسلاك النحاسية من محطات الطاقة الشمسية، وأغطية فتحات الصرف الصحي من الطرق، ثم تقوم تلك العصابات ببيعها في السوق السوداء مقابل المال نقدًا. وهناك مجموعة واسعة من أشكال الجرائم التي ترتكبها تلك العصابات مثل تجارة المخدرات، والإقراض بفوائد مرتفعة، والصيد غير المشروع وغيرها من الجرائم الأخرى. وفي الآونة الأخيرة، تبيَّن أن عصابات توكوريو متورطة أيضًا في مشكلة النوادي الليلية الاحتيالية التي تجعل مرتاديها من النساء مدينات بمبالغ مالية ضخمة، ثم تحت ذريعة سدادها، تقوم بإجبارهن على العمل في بيوت الدعارة وممارسة الجنس.

رسم توضيحي لعصابات توكوريو

وفي حين أن المنظمات الإجرامية التقليدية مثل عصابات الجريمة المنظمة (الياكوزا) وعصابات الجريمة شبه المنظمة (هانغوري)، أو غيرها من العصابات الإجرامية قد تقوم بتشكيل عصابات توكوريو، إلا أن هناك أيضًا عصابات لا علاقة لها بها تمامًا، أو عصابات توكوريو مكونة من أجانب من أصول صينية وفيتنامية وكمبودية. وفي ظل تفرق الأعضاء واجتماعهم مرة أخرى، فإن عصابات توكوريو مرتبطة ببعضها البعض بشكل فضفاض من خلال الإنترنت. ومن المحتمل جدًا أن تتعاون العصابات الإجرامية القديمة والجديدة معًا وفقًا لشكل الجريمة، مثل قيام عصابات الياكوزا باستخدام عصابات توكوريو لجمع أموال الحماية التي تقوم بفرضها.

التقدم لفرصة عمل ”مشبوه“ دون تفكير

أحد الأسباب الرئيسية لانتشار الجرائم التي ترتكبها عصابات توكوريو هو النمو الهائل في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. ففي عروض وظائف بدوام جزئي مشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعلن عن أجور عالية ومزايا أخرى، يتم تخفيض احتمال التورط في الجرائم من خلال توضيح أن العمل هو ”عمل رمادي“ قد يكون أو لا يكون مخالفًا للقانون. ومن واقع تجربتي في تغطية ذلك، فإن العديد من مسؤولي التجنيد الذين يقومون بتجنيد منفذي الجرائم لديهم خبرة كبيرة في عمليات الاحتيال، ويتحدثون بشكل مقنع للغاية. ويقال إن شابًّا في العشرينيات من عمره، تم القبض عليه للاشتباه في ارتكابه جريمة سطو وسرقة، أخبر الشرطة أثناء استجوابه قائلًا ”أردت الحصول على مبلغ كبير وسداد ديوني“، لذا فليس من المستغرب أن يتمكن هؤلاء المحتالون من تحفيز ”المجرمين المبتدئين“ على القيام بذلك.

ويرجع ذلك جزئيًا إلى حقيقة أن العديد من الشباب يتقدمون للوظائف بدوام جزئي المشبوهة دون تفكير بدافع الرغبة في الحصول على المال. فمعظمهم لديه ديون. ويبدي مسؤولو التجنيد تعاطفهم مع محنتهم المالية بقولهم ”إنه لأمر صعب!“، ويهمسون لهم بلطف قائلين ”إذا عملت لدينا، يمكنك أن تكسب ما بين ثلاثين وخمسين ألف ين في المرة الواحدة، وستتمكن من تسديد ديونك على الفور“. وإذا أبدى المتقدم للعمل رغبة للقيام بذلك العمل، يطلبون منه إرسال صورة لبطاقة هويته حتى يتمكنوا من التأكد من هويته قبل جعله يقوم بارتكاب الجريمة.

وإذا شعر المنفِّذ بالندم على سلوكه الإجرامي وقال إنه يريد ترك العمل، فلن يتمكن من مغادرة العصابة. حيث يقول له مسؤولو التجنيد ”نحن نعرف من أنت. لن نؤذيك أنت فقط، بل عائلتك أيضًا!“، ويقومون بابتزازه لتكرار الجريمة. إن غياب الشعور بالخطر، والميل إلى تصديق كل ما يتم العثور عليه على الإنترنت، يؤدي إلى نمو عصابات توكوريو.

عصابات عابرة للحدود ومتطورة

في كثير من الأحيان، تأتي المكالمات الاحتيالية ليس فقط من داخل اليابان، ولكن أيضًا من قواعد في الخارج. وعندما أجريت مقابلة مع رجل يعمل كمتصل يقوم بإجراء مكالمات من الصين إلى اليابان، قال لي ”إن رئيسي صيني. ولديه مخبأ في الصين، لذلك لا يوجد خطر من اعتقاله من قبل الشرطة اليابانية، وهو في مكان آمن“. لذلك فإن الجماعات الإجرامية في خارج اليابان أيضًا وليس فقط في اليابان تقوم باستهدافنا كفرائس.

وفي بداية هذا العام، وردت العديد من التقارير عن الكشف عن عصابة احتيال صينية كبيرة تتخذ من ميانمار مقرًا لها. وقد أفرجت جماعات مسلحة محلية عن أكثر من سبعة آلاف أجنبي من مركز الاحتيال. حيث قامت العصابة بتجنيد أشخاص من جميع أنحاء العالم بعد وعدهم بدفع رواتب عالية لهم، ثم قامت باحتجازهم وأجبرتهم على ارتكاب عمليات احتيال عبر الهاتف وعبر الإنترنت، وكانت تقوم بالاعتداء عليهم عندما يفشلون في تحقيق المطلوب منهم. وقد قامت هذه العصابة باحتجاز فتى ياباني في المدرسة الثانوية أيضًا، بعد أن تم استدعاؤه من قبل شخص تعرف عليه من خلال لعبة على الإنترنت، حيث قال له ”هناك عمل لك في الخارج حيث يمكنك الاستفادة من مهاراتك الخاصة“. ويُعتقد أنه كان هناك حاجة إلى شخص يقوم بدور ”المتصل“ ويتحدث اللغة اليابانية للاحتيال على اليابانيين، ويُشتبه بقوة في تورط جماعات إجرامية يابانية في ذلك. وتوجد مراكز احتيال أخرى من هذا القبيل في أجزاء أخرى من جنوب شرق آسيا، لا سيما في المناطق التي يصعب السيطرة عليها من قبل الحكومة المركزية، وليس من السهل الكشف عنها.

وتستخدم عصابات توكوريو الصينية وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أساسي لجذب الأشخاص إلى مواقع استثمارية وهمية ومن ثم الاحتيال عليهم بمبالغ كبيرة من المال. وبحسب وكالة الشرطة اليابانية الوطنية، فقد بلغت الأضرار الناجمة عن الاحتيال الاستثماري في وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2024 ما يقرب من 87.1 مليار ين. وأحد التكتيكات الحديثة والمتزايدة الخطورة التي تستخدمها عصابات توكوريو هو إرسال رسائل بريد إلكتروني مزيفة باستخدام أسماء شركات حقيقية ومعروفة. ويقوم البريد الإلكتروني بتوجيه متلقي الرسالة إلى موقع ويب احتيالي، حيث يقوم بإدخال معلومات شخصية ثم تحصل العصابة على معلومات بطاقة الائتمان الخاصة بالضحية وتقوم باستخدامها. وبعد ذلك تقوم بإعادة بيع البضائع التي قامت بشرائها ببطاقات الائتمان التي قامت بسرقة معلوماتها من أصحابها، وتحقق أرباحًا ضخمة. وتشكل الأعمال التجارية الاحتيالية أيضًا نموًّا متزايدًا. مثل قيام أعضاء عصابات توكوريو بالكذب قائلين ”إن أعمدة المنزل متهالكة. وإذا تركتها على حالها فسينهار المنزل“، ثم يطلبون التوقيع على عقود ترميم بمبالغ كبيرة، ويحتالون على الناس ويسلبون أموالهم.

وهكذا، تتغير الأساليب الإجرامية لعصابات توكوريو وتزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، وتحاول غرز مخالبها في المجتمع بطرق مختلفة. ولكي نتجنب أن نكون ضحايا أو مرتكبين لجرائم هذه العصابات، من الضروري أن ندرك أن الحديث عن كسب المال بطرق سهلة هو مجرد عملية احتيال، وأن نقوم بحماية معلوماتنا الشخصية بعناية، وأن نعمل على تحسين معرفتنا بالإنترنت، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، صورة العنوان الرئيسي من © بيكستا)

اليابان ثقافة الياكوزا