أبراج القلاع اليابانية ورمزيتها على قوة حاكم البلاد

تاريخ اليابان

أبراج القلاع اليابانية الرئيسية التي يطلق عليها ”تينشو“ كانت عبارة عن أبراج للحصون المركزية، وكانت بمثابة تجسيد لقوة القادة الذين حكموا البلاد أمثال أودا نوبوناغا وتوكوغاوا إيياسو.

قلعة آزوتشي والسعادة التي تغمر الناظرين

الـ ”تينشو“ أو برج القلعة الرئيسي هو أكبر ”ياغورا“ (برج) في الـ ”هونّمارو“ (المجمع الرئيسي) في القلعة اليابانية. وقد تم استخدام هذه الأبراج كنقاط استطلاع لمراقبة تحركات العدو. والتي لعبت بدورها أيضًا دورًا دفاعيًا حيث يمكن للرماة من خلالها إطلاق السهام لصد هجمات الغزاة.

وعلى الرغم من أن قلعة جيفو، في عام 1569، كانت تحتوي على برج كبير، إلا أنه لم يتم الإشارة إلى البرج الرئيسي في القلعة باسم ” تينشو “ إلا في عام 1576، عندما قام أودا نوبوناغا ببناء قلعة آزوتشي. وفي بداية الأمر، تمت كتابة الاسم باستخدام الأحرف الصينية (天主 - تنطق تينشو) والتي تعني ”سيد المملكة“، ولكن تم تغيير هذا الاسم لاحقًا إلى كلمة (天守 – تنطق أيضًا تينشو)، والتي تعني حرفيًا ”حامي المملكة“.

وتشير السجلات التاريخية في ذلك الوقت إلى أن البرج الرئيسي في قلعة آزوتشي كان يتكون من ستة طوابق فوق سطح الأرض وطابق واحد أسفله. وكان الطابق العلوي على شكل مربع، يبلغ طوله ثلاثة ”كين“ (حوالي 5,45 مترًا) على كل جانب. وكان يحيط بالطابق العلوي نوع من الشرفة الأرضية تُعرف باسم ”مواريئن“ مع درابزين مزخرف يطلق عليه ”كورآن“ لمنع السقوط. ويقال أن هذا الطابق العلوي كان مكان معيشة أودا نوبوناغا وأن جميع الطوابق كانت على الطراز المعماري السكني ”شوينزوكوري“ الذي ظهر في أواخر فترة موروماتشي (1333-1568).

وقد صف المبشر اليسوعي لويس فرويس الـ تينشو في قلعة آزوتشي في كتابه ”تاريخ اليابان“، قائلاً بأنه كان صرحًا أكثر فخامة ورقيًا من الأبراج في أوروبا، ورؤيته حتى من بقعة بعيدة كانت تغمر القلب بالفرح والطمأنينة.

وتعطي هذه الكلمات لمحة عن سبب قيام نوبوناغا ببناء الحصن، وهي أن القلاع، التي تم بناؤها حتى ذلك الوقت كهياكل دفاعية للحرب، أصبحت دليلًا معماريًا على سلطة نوبوناغا باعتباره ”تينكابيتو“ أو ”حاكم المملكة“. ويُنظر إلى قلعة آوزتشي على أنها تحفة فنية، وعرض واضح لقوة نوبوناغا عندما جاء لغزو منطقة كيناي، وهي المقاطعة القديمة القريبة من العاصمة السابقة كيوتو.

وفي عام 1582، استولى أكيتشي ميتسوهيدي على القلعة مؤقتًا، بعد خيانتة لـ نوبوناغا والتغلب عليه واغتياله في واقعة ”هونّوجي“، لكنه خسر على الفور في معركتة أمام تويوتومي هيدييوشي. واحترقت حينها قلعة آزوتشي، ولا تزال بعض أجزاء هيكل القلعة باقية، بما في ذلك حجر الأساس في قاعدة الـ تينشو، كما كشفت الحفريات عن بلاطات مزينة بأوراق الذهب.

 يُعتقد أن هذا هو أقدم رسم توضيحي موجود يصور بقايا قلعة آزوتشي ويظهر في الخريطة المصورة للقلاع اليابانية القديمة التي تم إنشاؤها في منتصف وأواخر فترة إيدو (1603-1868). (© مقدمة من مكتبة البرلمان الياباني الوطنية)
يُعتقد أن هذا هو أقدم رسم توضيحي موجود يصور بقايا قلعة آزوتشي ويظهر في الخريطة المصورة للقلاع اليابانية القديمة التي تم إنشاؤها في منتصف وأواخر فترة إيدو (1603-1868). (© مقدمة من مكتبة البرلمان الياباني الوطنية)

استمرار بناء الـ ”تينشو“ تحت إمرة القادة هيدييوشي وإيياسو

تم بناء البرج التالي من قبل القائد تويوتومي هيدييوشي. وكان في قلعة أوساكا. حيث اصدر أوامره للقائد الإقطاعي آنذاك بتعبئة 50 ألف شخص لبناء الـ تينشو، واكتمل البناء في حوالي عام 1585، بعد ثلاث سنوات من وفاة نوبوناغا.

ومن الأعمال الفنية المختلفة، بما في ذلك اللوحات الفنية القابلة للطي ”أوساكا ناتسو نو جين زو بيوبو“ التي تصور الحملة الصيفية لحصار أوساكا عام 1615، ويُفترض أن الـ تينشو كان على شكل برج مراقبة من خمس مستويات على ما يبدو، إلا أنه في الواقع كان يتكون من سبع طوابق. وقد تم تزيين الطابقين السفليين من هذا المبنى بأسقف مثلثة على طراز ”إيريمويا زوكوري“ حيث الشكل المُسنَّم والجملون، وفوق ذلك كان هناك المبنى البرجي الذي يطل على المنطقة المحيطة.

وكان الجزء الخارجي مزينًا باللونين الذهبي والأسود، وكانت الجدران المطلية بالورنيش الأسود تسطع مثل الخزف الفاخر. حيث كانت تحتوي على تركيبات معدنية مزخرفة وبلاط من أوراق الذهب وبلاط آخر منحوت بشكل متقن أيضًا. وقد كان اللون الذهبي هو اللون المميز لـ هيدييوشي، لذا فقد تم تصميمه واستخدامه بشكل كبير وفقًا لأسلوبه. إلا أنه في عام 1615، سقطت القلعة في يد توكوغاوا إيياسو خلال الحملة الصيفية لحصار أوساكا.

وفي عام 1620، بدأت حكومة توكوغاوا الشوغونية التخطيط لإعادة بناء قلعة أوساكا. وتم الانتهاء من إعادة الإعمار في عام 1629، ولكن تم تدمير جميع المباني التي كانت تحمل دلالة على سلطة هيدييوشي ودُفنت تحت أكوام من الرمال. وقد تم أيضًا بناء الجدران الحجرية بشكل جديد بالكامل مع عدم إعادة استخدام أي من المواد القديمة. الأمر الذي لم يُبقي أي أثر للـ تينشو الذي شيدته عشيرة تويوتومي. ولم يتم اكتشاف أي جزء من الجدار الذي يعود إلى زمن هيدييوشي إلا أثناء أعمال التنقيب في عام 1984.

وفي الوقت نفسه، تم أيضًا بناء الـ تينشو في قلعة إيدو، التي كانت بمثابة مقر حكومة توكوغاوا الشوغونية. ويقدر ارتفاعه بـ 68 مترًا. حيث كان هذا أطول بـ 10 أمتار من البرج في قلعة أوساكا، والتي كان يُعتقد أن ارتفاعها يبلغ 58 مترًا. وهناك العديد من النظريات المتعلقة بارتفاعه، أحدها أنه يرمز إلى تفوق إيدو (طوكيو حاليًا) على أوساكا. حيث أن الـ تينشو أو برج القلعة الرئيسي كان يرمز إلى الحكومة وبالتالي كان يجب أن يكون تجسيدًا للهيمنة.

وتم أيضًا إعطاء الشكل الخارجي مظهرًا مختلفًا بحيث كان من الواضح أن القوة قد انتقلت من تويوتومي إلى توكوغاوا. حيث كان الحصن في عهد إيياسو، أول شوغون (حاكم عسكري) في أسرة توكوغاوا، مغطى بالجص الأبيض، وهو تباين واضح عن الـ تينشو الذهبي والأسود في قلعة أوساكا في عهد تويوتومي.

وبالإضافة إلى ذلك، ونظرًا لأن سلطة شوغون توكوغاوا كانت وراثية، فقد أعيد بناء القلعة في عهد كل شوغون جديد. حيث كان الـ تينشو المبني من الجص الأبيض الخاص بإيياسو متصلاً بالـ ياغورا أو الأبراج الأخرى، إلا أنه مع وصول الشوغون الثاني في عائلة توكوغاوا ”هيديتادا“ إلى السلطة، تم هدم الهيكل بأكمله وإعادة بنائه. وكان الـ تينشو الجديد مغطى أيضًا بالجص الأبيض، لكنه كان قائمًا بشكل مستقل.

 مخطط هيكلي للبرج الرئيسي في المجمع القلعي (هونّمارو تينشو) في قلعة إيدو والذي اكتُمل في عام 1638 تحت قيادة الشوغون الثالث في أسرة توكوغاوا ”إيميتسو“. (© الصورة مقدمة من غرفة المجموعات الخاصة بمكتبة طوكيو العاصمية المركزية) .
مخطط هيكلي للبرج الرئيسي في المجمع القلعي (هونّمارو تينشو) في قلعة إيدو والذي اكتُمل في عام 1638 تحت قيادة الشوغون الثالث في أسرة توكوغاوا ”إيميتسو“. (© الصورة مقدمة من غرفة المجموعات الخاصة بمكتبة طوكيو العاصمية المركزية).

وقد هدم ”إيميتسو“ الشوغون الثالث من أسرة توكوغاوا القلعة مرة أخرى وأعاد بنائها، ولكن هذه المرة كانت الـ ”هافو“ أو الجملونات ذات الشكل المثلثي المتصلة بحواف السقف، إحدى سمات العمارة اليابانية، مكسوة بالنحاس. وكانت الجدران أيضًا مطلية بالنحاس وبلاط السقف مصنوع من النحاس أيضًا، الأمر الذي جعل البناء أكثر ثباتًا مما لو كان مغطىً بالجص فقط.

وقد توفي إيميتسو في العشرين من إبريل/نيسان عام 1651، وكما جرت العادة، كان من المقرر إعادة بناء الـ تينشو مرة أخرى. ولكن في عام 1657، وقعت كارثة ”حريق ميريكي“ العظيم بمدينة إيدو، الذي يُعتقد أنه أزهق حياة 100 ألف شخص. ولم يتبقى من بناء إيميتسو سوى أنقاض قاعدة برج قلعة إيدو التي لا يزال بالإمكان رؤيتها في طوكيو حاليًا.

الأبراج في السنين المتلاحقة

كما هو مذكور أعلاه، كان نوبوناغا هو أول من استخدم مصطلح تينشو (”سيد المملكة“)، ومسألة استمرار البناء من قبل نوبوناغا وهيدييوشي وعشيرة توكوغاوا أمر يعني أن هذا البرج الرئيسي لا يزال يحمل رمزية ”تينكابيتو“ أو من لديه السلطة الحاكمة. ولذلك فقد كان الأمر حقيقي بأنه بعد سيطرة عشيرة توكوغاوا على اليابان بأكملها، توقف الإقطاعيون الأقوياء مثل ”داتيه ماساموني“ عن بناء الـ تينشو بسبب هذا المغزى.

وعلاوة على ذلك، في عام 1615، أصدر نظام الشوغون مراسيم صارمة للسيطرة على الإقطاعيين. وشمل ذلك منعهم من بناء قلاع جديدة ومطالبتهم بالحصول على إذن من حكومة الشوغون قبل إجراء إصلاحات على هياكل القلعة الحالية. وهذا يعني في الأساس أنهم لم يتمكنوا من بناء تينشو جديد، إلا كجزء من إعادة الإعمار.

ويوجد حاليًا 12 قلعة في اليابان لا تزال تحتفظ بالـ تينشو الأصلي؛ وهي تلك التي تم بناؤها إلى حد كبير قبل إصدار مراسيم عام 1615 أو التي خضعت للإصلاحات بعد ذلك الوقت.

ومع ذلك، كانت هناك أوقات تم فيها بناء ”سانجو ياغورا“ أو الأبراج المكونة من ثلاثة طوابق لتكون بمثابة البرج الرئيسي ويُنظر إليها بشكل غير رسمي على أنها أبراج تحصينية. وهذا هو الحال بالنسبة للبناء الموجودة في قلعة هيروساكي في محافظة آوموري، وهي واحدة من الـ 12 قلعة المذكورة أعلاه. وقد تم تشييدها بشكل جديد في عام 1810، ويشار إليها على الورق باسم ”سانجو ياغورا“، أو بشكل أكثر رسمية ”غوسانكاي-ياغورا“، وهو مصطلح يعني كذلك برجًا مكونًا من ثلاثة طوابق. وينطبق الشيء نفسه على الـ تينشو في قلعة ماروغامي في محافظة كاغاوا.

 ”سانجو ياغورا“ في قلعة هيروساكي، المعترف بها بشكل غير رسمي من قبل حكومة توكوغاوا الشوغونية. (© بيكساتا)
”سانجو ياغورا“ في قلعة هيروساكي، المعترف بها بشكل غير رسمي من قبل حكومة توكوغاوا الشوغونية. (© بيكساتا)

وقد كان هناك تينشو في قلعة كانازاوا، مقر عشيرة مائيدا في إقطاعية كاغا (محافظة إيشيكاوا حاليًا)، ولكن بعد أن احترقت القلعة في عام 1602، تم بناء ”سانجو ياغورا“ بدلاً من ذلك على قاعدة الحصن. وقد فُقد هذا المبنى الجديد أيضًا بسبب النيران، وبعد ذلك، على الأرجح احترامًا لحكومة توكوغاوا الشوغونية، لم يتم إعادة بنائه.

وفي هذه الأيام، عندما يفكر الناس في القلاع اليابانية، فإن صورة الـ تينشو أو البرج الرئيسي للقلعة هو ما يبرز بشكل أساسي في أذهانهم؛ حيث كان في الأصل رمزًا للسلطة التي كان يتمتع بها القادة نوبوناغا وهيدييوشي ومن ورائهم إيياسو وشوغونية توكوغاوا.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: قلعة أوساكا التي بناها تويوتومي هيدييوشي، كما هي مصورة في اللوحة القابلة للطي”أوساكا ناتسو نو جين زو بيوبو“ أو ”لوحة الحملة الصيفية لحصار أوساكا“. © الصورة مقدمة من متحف قلعة أوساكا)

ثقافة ثقافة شعبية تاريخ اليابان