”تقاليد مذهلة“ مواكبة للحياة العصرية

صناعة أواني الأوروشي اليابانية المهددة بالاختفاء بسبب إغراق السوق المحلي بالمنتجات الأجنبية!

ثقافة

تعتبر عصارة ورنيش أوروشي الخاص بمدينة دايغو الذي يتم حصاده حول دايغو بمحافظة إيباراكي هو الأفضل على مستوى اليابان. فبريقه شديد الشفافية يجعله مثالياً لصناعات الورنيش الحرفية عالية الجودة. لكن مع انخفاض إنتاج ورنيش اللك المحلي، بالإضافة إلى انخفاض أعداد الحاصدين المهرة بسبب تقدمهم في السن وتقاعدهم، أصبحت هذه الصناعة مهددة بالانقراض، لذلك أخذت الدولة على عاتقها بالتعاون مع المتخصصين في هذا المجال مهمة إحياء صناعة الورنيش الياباني.

تاريخ ورنيش الأوروشي

أوروشي هو ورنيش ياباني تقليدي يتم تكريره من نبات سُمَّاق ورنيشي سيال، المعروف باسم شجرة الورنيش الياباني. يتميز الأوروشي المتصلب بخصائص التصاق قوية وهو أيضًا ممتاز في مقاومة الماء والنار. لجمع النُسغ الخام اللازم لصنع الورنيش، يقوم الحاصدون بعمل عدة قطوع أفقية في لحاء الشجرة، ثم كشط النُسغ الذي تطلقه الشجرة لإغلاق القطع. تستغرق الشجرة 10 سنوات حتى تنمو بشكل كافٍ لحصاد النُسغ، ويمكن حصاد 180 جرامًا فقط، أي ما يوازي كوب من النُسغ، كما لا يمكن حصاد كل شجرة إلا مرة واحدة فقط، مما يجعل الورنيش ذا قيمة كبيرة بالنسبة للحاصدين، ومن هنا ظهر القول المأثور ”كل قطرة من الأوروشي هي بمثابة قطرة دم“.

دلو أوروشي خشبي (يسار) يستخدم لحمل النُسغ المحصود الذي يعد مادة اللك الخام. بمجرد إزالة جزيئات الخشب، تسمى المادة كيوروشي (الورنيش الخام)، ويتم خفقها وتحويلها إلى خليط متجانس في عملية تسمى ناياشي. بعد إجراء عملية كورومي التي يتم خلالها تسخين محتوى الرطوبة وتبخيره، نحصل على ورنيش أوروشي شفاف ولزج ومكرر.
دلو أوروشي خشبي (يسار) يستخدم لحمل النُسغ المحصود الذي يعد مادة اللك الخام. بمجرد إزالة جزيئات الخشب، تسمى المادة كيوروشي (الورنيش الخام)، ويتم خفقها وتحويلها إلى خليط متجانس في عملية تسمى ناياشي. بعد إجراء عملية كورومي التي يتم خلالها تسخين محتوى الرطوبة وتبخيره، نحصل على ورنيش أوروشي شفاف ولزج ومكرر.

للأوروشي تاريخ طويل، وقد تم العثور على أوعية مطلية في مواقع جومون التي يعود تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف عام. خلال فترتي أسوكا (593-710) ونارا (710-94)، تم استخدام الأوروشي في مباني مثل المعابد، وكذلك لصنع الأدوات البوذية المقدسة. وقد ازدهرت صناعة الأواني المطلية باللك خلال فترتي كاماكورا (1185-1333) وموروماتشي (1333-1568)، واستُخدم الأوروشي في صنع أدوات المائدة الخاصة بالنبلاء وصنع دروع المحاربين. أما في فترة إيدو (1603-1868)، فقد أبدعت لنا مراكز الورنيش الشهيرة حرف الورنيش العريقة مثل ”واجيمانوري“ أو ”أيزونوري“، وأصبحت الأواني المصنوعة بهذه الحرفية سلعة تصدير ثمينة. حتى أنه كانت هناك مساحة مخصصة لعرض الأوروشي في غرفة ماري أنطوانيت في قصر فرساي. لقد أصبحت الأواني اليابانية المطلية باللك محبوبة وحظيت بشعبية كبيرة في أوساط الطبقة الأرستقراطية الأوروبية، واستُخدم اسم ”اليابان“ كمرادف لها، مثلما أصبحت كلمة ”الصين“ مرادفًا للخزف، حيث كان كلاهما يمثل الحرف اليدوية لشرق آسيا.

مدينة دايغو بين الماضي والحاضر

جدير بالذكر أن ورنيش أوروشي الخاص بمدينة دايغو غني باليوروشيول، وهو مركب فينولي. كلما زاد محتوى اليوروشيول في النُسغ، زادت شفافيته مثل الأوروشي الجاهز. يحظى ورنيش أوروشي الخاص بمدينة دايغو بتقدير كبير في اليابان وخارجها بسبب بريقه الفريد، الذي يضفي على القطع إحساسًا بالعمق والدفء عند وضعه كطبقة علوية. لذا فقد جرت العادة على استخدام هذا الورنيش عالي الجودة لطلاء الطبقات النهائية لأواني الأوروشي عالية الجودة مثل واجيمانوري. أونيشي أوساؤو هو فنان متخصص في صنع أواني الأوروشي ويعد كنزاً وطنياً حياً، وهو من أشد المعجبين بورنيش أوروشي الخاص بمدينة دايغو، يقول: ”طبقة تلو طبقة تضفي لمعانًا بعمق أكبر. من الصعب للغاية الحصول على هذا اللمعان مع أي مادة أخرى“.

وتُطلق كلمة أوروشي دايغو على الورنيش المصنوع من النُسغ الذي يتم حصاده من الأشجار التي تنمو حول مدينة دايغو في محافظة إيباراكي ومدينة ناكاغاوا في محافظة توتشيغي. يعتبر البرد القارس في شتاء مدينة دايغو مثاليًا لإنتاج الأوروشي، وقد اشتهرت المدينة منذ فترة طويلة بجودة ورنيشها. كان الناس يزرعون الأشجار هناك منذ قرون، ويعود تاريخ الشجرة إلى الفترة (1628-1701) عندما شجع على زراعتها توكوغاوا ميتسوكوني، اللورد الثاني لإقليم ميتو المحلي والذي يشتهر الآن لكونه مصدر إلهام للشخصية التلفزيونية اللورد كومون. لقد جعل توكوغاوا المزارعين يزرعون شجرة واحدة مقابل كل كوكو (مقياس تقليدي يعادل حوالي 180 لترًا) من الأرز يمكن أن تنتجه أرضهم. في ذلك الوقت، كانت الأشجار تُستخدم أيضًا لإنتاج الشمع المستخدم في شموع الإضاءة. في أوائل عصر ميجي (1868-1912)، بلغ الإنتاج حوالي ثلاثة أطنان مترية سنويًا، ومنذ أوائل عصر شووا (1926-1989)، كان القائمون على حصاد الأوروشي يأتون من محافظات أخرى مثل فوكوي وإيشيكاوا وفوكوشيما لجمع النُسغ من الأشجار الموجودة حول دايغو وناكاغاوا.

رغم أن هذه المنطقة كانت ذات يوم منتجًا رئيسياً للورنيش في اليابان، إلا أن الوضع قد تغير الآن حيث تحتل إيباراكي المركز الثاني وتأتي توتشيغي في المركز الثالث بعد محافظة إيواته التي تحتل المركز الأول. لقد أخذت محافظة إيواته زمام المبادرة بسبب تركز القائمين على الحصاد في منطقة جوبوجي في نينوهي، مركز إنتاج أواني أوروشي الخاصة بجوبوجي.

الورنيش الصيني يغزو السوق الياباني

مع انتشار أنواع الورنيش الأرخص القادمة من الصين وأماكن أخرى، بدأ الإنتاج الياباني في الانخفاض. كان هناك ما يزيد عن 150 خبير حصاد عندما كانت الصناعة في ذروتها، ولكن مع تقدمهم في السن تضاءل هذا العدد ولم يتبق منهم اليوم سوى عدد قليل. لقد تنبأ توبيتا يوزو، وهو حاصد أوروشي، بخطورة هذا الأمر، وقام في عام 2010 بالعمل مع دائرة الزراعة والغابات البلدية في دايغو لتأسيس جمعية الحفاظ على ورنيش دايغو، المكونة من 10 حاصدين في منطقتي دايغو وناكاغاوا. في الوقت نفسه، قررت المجموعة أيضًا إدراج المسميات المختلفة التي كانت تطلق في السابق على الورنيش المحلي، مثل أوكوكوجي أوروشي أو إيباراكي أوروشي، تحت اسم دايغو أوروشي نظرًا لأهميته التاريخية والثقافية. اعتبارًا من عام 2023، أصبحت الجمعية تضم 18 عضوًا، بينهم شباب وشابات في العشرينات من العمر يعملون بنشاط.

هذه الجمعية لها نشاطان أساسيان. الأول هو الترويج لزراعة شجر الأوروشي من أجل زيادة الإنتاج، حيث كان التركيز منصباً على زراعة التلال، لكنهم الآن يزرعون الأراضي المسطحة لتسهيل العملية، أما النشاط الثاني فهو تدريب أجيال جديدة، حيث يكرّس الحرفيون المخضرمون وقتًا ثمينًا لنقل مهاراتهم إلى الشباب وتعليمهم كيفية زراعة الشتلات والأشجار، وتقليم الفروع، وقطع الأشجار، واستعمال الأسمدة، وحصاد النُسغ، والتعامل مع الأشجار القديمة.

شجرة أثناء حصاد العصارة.
شجرة أثناء حصاد العصارة.

يعود تاريخ صناعة أواني الأوروشي اليابانية إلى ما يزيد عن 1000 عام. ومع ذلك فإن 98% من إمدادات المواد الأساسية والورنيش تعتمد على الواردات من الصين وأماكن أخرى، وللأسف يتضاءل إنتاج الورنيش الياباني كل عام، كما أن عدد الحاصدين المهرة آخذ في الانخفاض. أحد أسباب ذلك هو الدخل المنخفض نسبيًا مقارنة بالوقت والجهد اللازمين للحصاد، فضلاً عن توفر ورنيش مستورد رخيص وأقل جودة. بالنظر إلى كل هذه الجوانب، كان من المهم جدًا ما قامت به وكالة الشؤون الثقافية في عام 2015، حيث أعلنت أنه يجب استخدام الورنيش المحلي فقط في الحفاظ على الكنوز الوطنية أو الأصول الثقافية المهمة وترميمها، مما أعاد الحيوية إلى ورنيش أوروشي دايغو كمورد أساسي لترميم وتجديد الممتلكات الثقافية المهمة مثل القاعة الرئيسية في معبد كيوتو ”Chion’in“. ومن منظور أوسع، يؤكد لنا هذا على أن تأمين مواد عالية الجودة من أجل الحفاظ على الثقافة التقليدية لليابان يعد قضية ملحة.

نيدايرا يوشيهيرو، رئيس جمعية الحفاظ على ورنيش دايغو (إلى اليمين)، مع توبيتا يوزو أول رئيس للجمعية.
نيدايرا يوشيهيرو، رئيس جمعية الحفاظ على ورنيش دايغو (إلى اليمين)، مع توبيتا يوزو أول رئيس للجمعية.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: خبير الحصاد توبيتا يوزو يجمع نُسغ الأوروشي. جميع الصور بإذن من أوتومي كايتا)

الثقافة الثقافة الشعبية الثقافة التقليدية