الفاكهة اليابانية: السعي نحو الكمال

الحمضيات شديدة الحموضة أحد أسرار المطبخ الياباني‼

المطبخ الياباني

يشتهر الخريف في اليابان بأنه موسم الأطباق الشهية. والكثير من الأطباق الرئيسية في هذا الموسم مثالية لإبراز بعض العناصر المهمة الداعمة لها والتي تتمثل في ’’كوسان كانكيتسو (الحمضيات حامضة الطعم)‘‘. تُزرع في اليابان أكثر من 40 نوعا من هذه الحمضيات شديدة الحموضة وهي تستخدم أساسا لإضفاء نكهات على الأطعمة. وفي هذه المقالة نلقي نظرة متعمقة في ماضي وحاضر هذه الفاكهة الأساسية في اليابان.

إبراز نكهات أطعمة أخرى

مع تحول الطقس إلى البرودة في الشتاء تنضج حمضيات ’’كوسان كانكيتسو‘‘ ويتحول لونها من الأخضر الغامق إلى الأصفر أو البرتقالي، وتبدأ في الظهور على رفوف المتاجر في أوائل الخريف. من الناحية التاريخية، كانت هذه الثمار تسمى ’’سوميكان (خل البرتقال)‘‘ بسبب حموضتها ولكن الاسم العام لها الآن هو كوسان كانكيتسو. وتفيد بعض المراجع بوجود الآن أكثر من 40 نوعا من الحمضيات حامضة الطعم المستخدمة في اليابان. ثمار هذه الفاكهة، مثل يوزو (اليوسفي الأصفر) وسوداتشي وكابوسو، شديدة الحموضة بحيث لا يمكن تناولها كما هي. وعوضا عن ذلك، تُستخدم القشور العطرية والعصائر الحامضة لهذه الفاكهة في إبراز نكهات أطعمة أخرى تماما مثل استخدام الليمون أو الليم (البنزهير) في الغرب، وقد أصبحت جزءا من المطبخ الياباني التقليدي في هذا الدور.

يوزو هو ملك الحمضيات وثماره تضفي نكهة لا حدود لها على الحساء والمرق. أما سوداتشي ذو الرائحة العبقة فإضافته إلى فطر ماتسوتاكي المميز في فصل الخريف أمر أساسي، في حين أن الكابوسو الحامض هو رفيق دائم لأسماك النيص. يمكنك حتى تحضير صلصة رائعة عن طريق عصر كوسان كانكيتسو فوق القليل من زيت الزيتون ثم إضافة رشة من الملح والفلفل. الطعم الحامض لهذه الثمار هو عامل أساسي في إظهار النكهات العميقة للأطباق وفتح الشهية.

سمك الإسقمري من بحر أوخوتسك مع سوداتشي (يسار) وشرائح ساشيمي سمكة النيص مع صلصة الصويا وكابوسو، الصور من بيكستا.
سمك الإسقمري من بحر أوخوتسك مع سوداتشي (يسار) وشرائح ساشيمي سمكة النيص مع صلصة الصويا وكابوسو، الصور من بيكستا.

في متجر من المزرعة مباشرة. في اتجاه عقارب الساعة من أسفل اليسار: الليم، سوداتشي، كيزو (حقوق الصورتان لـNippon.com).
في متجر من المزرعة مباشرة. في اتجاه عقارب الساعة من أسفل اليسار: الليم، سوداتشي، كيزو (حقوق الصورتان لـNippon.com).

جميع هذه الفاكهة عناصر داعمة رئيسية، حيث يمكن لبضع قطرات من عصائرها أو شريحة من قشرتها أن تقلب نكهة الطبق رأسا على عقب. وفقا للدكتور يوشيدا مونيهيرو من جامعة كانساي فقد استخدمت عصائر هذه الفاكهة على مدى أزمنة طويلة كبدائل عن الخل، وفي المناطق الداخلية البعيدة عن الساحل حيث لا تتوفر الأسماك الطازجة كانت تضاف كمادة حافظة لمنع التسمم الغذائي من اللحوم الحيوانية القابلة للتلف وكذلك لتحسين مذاقها. علاوة على ذلك، هذه الثمار مغذية جدا. فالنكهة المنعشة ناتجة عن المستويات العالية من حمضي الستريك والماليك وكذلك الأحماض الأمينية، كما أنها غنية بفيتامين سي. تحتوي القشور على زيوت أساسية مثل الليمونين ومجموعة متنوعة من المكونات العطرية الأخرى التي تعطي كل صنف رائحته الفريدة.

تحضر أطباق السوشي في محافظة كوتشي بخل من اليوزو بدلا من خل الأرز المعتاد، بينما في محافظة توكوشيما فيستخدم خل سوداتشي أساسا. من اليسار: عصير يوزو، عصير سوداتشي، عصير كابوسو (حقوق الصورة لـNippon.com).
تحضر أطباق السوشي في محافظة كوتشي بخل من اليوزو بدلا من خل الأرز المعتاد، بينما في محافظة توكوشيما فيستخدم خل سوداتشي أساسا. من اليسار: عصير يوزو، عصير سوداتشي، عصير كابوسو (حقوق الصورة لـNippon.com).

”بونزو“ القوي

يقول رئيس الطهاة أسامي كينجي صاحب مطعم ’’غينزا أسامي‘‘ للمأكولات التقليدية في منطقة تسوكيجي بطوكيو: ’’كابوسو متاح طوال العام وأستخدمه مع أطباق الساشيمي والسمك المشوي وأطباق ماتسوتاكي. أنا أصنع يوانجي وهو شرائح من اليوزو محفوظة في ساكي وميرين وصلصة الصويا وذلك بهدف إعطاء نكهة مشهية للأطباق المشوية، كما أضع قشر اليوزو في الحساء وكاسترد تشاوان موشي اللذيذ. أقوم أيضا بخلط الكابوسو مع صلصة الصويا لتقديمها مع شرائح ساشيمي من أسماك النيص. كما أن حمضيات دايداي معتدلة النكهة لذلك عادة ما أخلطها مع صلصة الصويا‘‘.

هذا التناغم المميز مع صلصة الصويا هو ما يجعل حمضيات كوسان كانكيتسو اليابانية مثالية للاستخدام في ’’بونزو‘‘. طورت كل منطقة نسختها الخاصة من مزيج البونزو، الذي يجمع بين عصائر ثمار حمضيات حامضة الطعم مع نكهات مثل صلصة الصويا ومرق الداشي. جاء اسم بونزو في الحقيقة من كلمة هولندية قديمة ’’pons‘‘ والتي تأتي من نفس الجذر مثل  كلمة ’’punch‘‘ الإنجليزية. وقد دخلت اليابان كاسم لمشروب هولندي مصنوع من عصير الحمضيات والسكر والتوابل والخمور. يعود أول توثيق لكلمة بونزو باللغة اليابانية إلى عام 1884 عندما كانت تستخدم للإشارة لأي عصير حمضيات. أما الآن فهي تشير إلى توابل توجد في كل مكان تقريبا وتستخدم مع جميع أنواع الأطباق، مثل ميزوتاكي (دجاج بالعظم مطهي مع الخضروات) أو طبق شابو شابو الساخن أو الساشيمي أو أطباق التوفو أو الأسماك المشوية أو الأطباق المطبوخة على البخار. إنه أيضا صلصة ممتازة مع السلطات.

غالبا ما تشير الفروقات الإقليمية إلى ثقافة الطعام المحلية. في كيوتو المدينة المعروفة بالأطباق الراقية والأنيقة، يستخدم الطهاة بونزو من دايداي (البرتقال المر) مع أطباق كايسيكي. أما في أوساكا التي تشتهر بالنكهات القوية، يُفضل سوداتشي بونزو ذو النكهة القوية.

رفوف متجر تحتوي على تشكيلة من أنواع بونزو: يوزو وناؤشيتشي وزنجبيل وملح (حقوق الصورة لـNippon.com).
رفوف متجر تحتوي على تشكيلة من أنواع بونزو: يوزو وناؤشيتشي وزنجبيل وملح (حقوق الصورة لـNippon.com).

شجرة العائلة

أجرت المنظمة القومية للبحوث الزراعية والغذائية (NARO) مسوحات جينية للعثور على السلالة الأصلية لـ 67 من ثمار الحمضيات اليابانية قبل عامين فقط. ووفقا للباحث الكبير شيميزو توكورو فإن النوع الرئيسي للحمضيات هو كيشو ميكان. أما الأنواع الأكثر شيوعا وهي ميكان أو أونشو ميكان أو ساتسوما ماندارين فهي نتيجة تزاوج بين كيشو ميكان وكونينبو.

تمت مزاوجة الحمضيات الأم من نوع أونشو ميكان مع كونينبو ويوزو ليتولد كابوسو. سوداتشي نتاج تزاوج بين يوزو ونوع مجهول. بمعنى آخر، إن كابوسو وسوداتشي ينحدران من نسل يوزو وهما قريبان لأونشو ميكان. ومع ذلك، فإن كل واحد منهم له روائح ونكهات وقوام تختلف عن الآخر بشكل ملحوظ.

إنتاج غزير من اليوزو

يوضح هونجو هيروشي الذي يبيع كوسان كانكيتسو إلى طوكيو سييكا أكبر متجر لبيع الفاكهة في اليابان، أن أقل من 30% من الحمضيات ذات الطعم الحامض تُباع كاملة، بسبب الأشواك الحادة على أشجارها وصعوبة تخزينها دون الإضرار بقشورها. تتم معالجة حوالي 80% من الفاكهة المقطوفة على شكل عصير أو حلوى. ومن بين كل هذه الحمضيات ذات الطعم الحامض، يعتبر اليوزو الأكثر شيوعا إلى حد بعيد، حيث يزيد محصوله عن 4 أضعاف حجم محصول سوداتشي وكابوسو. وكما هو موضح في الرسم البياني أدناه، تتقلب المحاصيل السنوية من الحمضيات بناء على دورة متكررة للمحاصيل الجيدة والسيئة.

تم تكييف كل من يوزو من محافظة كوتشي وسوداتشي من محافظة توكوشيما وكابوسو من محافظة أويتا وشيكوواسا من محافظة أوكيناوا جميعا بنجاح في أطباق محلية تتميز بها كل منطقة، حيث تتم الاستفادة من العصير والقشر واللب وحتى من البذور في الحلويات والمشروبات الكحولية والصلصات والأطعمة المصنعة وكذلك المكياج والتوابل. ومع تقدم عمر المزارعين المحليين ومعاناة المناطق الريفية من انخفاض عدد السكان، يقدم هذا التخصص دعما إضافيا لإنعاش الاقتصادات المحلية.

يوزو وسوداتشي وكابوسو: ما الفرق بينها؟

على الرغم من أنها قد تبدو متشابهة شكلا، إلا أن هذه الأصناف الثلاثة تختلف في الحجم والرائحة والنكهة. وأدناه نلقي نظرة على بعض خصائصها للمساعدة في تمييزها عن بعضها البعض.

يوزو (Citrus junos)

 يوزو أخضر (حقوق الصورة لبيكستا)
يوزو أخضر (حقوق الصورة لبيكستا)

يوزو – ملك الحمضيات – هو عنصر أساسي في المطبخ الياباني. وهو نبات يتحمل البرد وصديق نسبيا للزراعة العضوية. اليوزو الأصفر – الذي يطرح عادة في الأسواق في شهر نوفمبر/تشرين الثاني – هو الأكثر شهرة، بينما يطرح اليوزو الأخضر المقطوف مبكرا للبيع من منتصف أغسطس/آب حتى أكتوبر/تشرين الأول. وقشرته هي الجزء الأكثر أهمية.

حجم ثمرة اليوزو يقع بين ثمرتي كابوسو وسوداتشي. إحدى الخصائص المميزة هي القشرة الخارجية الخشنة. تتم زراعة حوالي 80% من الإنتاج المحلي في محافظات كوتشي وتوكوشيما وآيتشي. وتنتشر أشجاره أيضا بشكل شائع في الحدائق الخاصة، وعندما تنضج تتحول من اللون الأخضر الداكن إلى الأصفر.

ورد ذكر يوزو لأول مرة في شوكو نيهونغي وهو سجل مدون عام 771. هناك سجلات تفيد بأن الحمضيات والملح كانا عادة ما يقدمان مع الساكي في حفلات الشرب الخاصة بالنبلاء، ما يشير إلى أن اليوزو كان نكهة ثمينة حتى في ذلك الحين. وفي الغرب تعتبر فاكهة غريبة مستوردة، وتتميز بنكهات وروائح مختلفة من تلك الموجودة في الليمون والليم.

اليوزو الأصفر الناضج شديد الحموضة، لذلك يشيع استخدامه كنباتات عطرية. يستخدم القشر المجفف أيضا في مزيج توابل الفلفل الحار التقليدي المسمى شيتشيمي توغاراشي. كثيرا ما يستحم الناس مع اليوزو في اليابان أملا في التمتع بصحة جيدة في فصل الشتاء. وفي الآونة الأخيرة، يتم استخدام هذه الحمضيات حتى في الخارج في صنع الحلويات مثل مثلجات الفواكه وحلوى مكرون، وكذلك في الشاي وأملاح الاستحمام. كما أن الزيوت العطرية المستخرجة من القشور تستخدم في الكولونيا والعطور أيضا.

سوداتشي (Citrus sudachi)

تحتوي ثمار سوداتشي على الكثير من البذور مقارنة مع حجمها الصغير (حقوق الصورة لبيكستا)
تحتوي ثمار سوداتشي على الكثير من البذور مقارنة مع حجمها الصغير (حقوق الصورة لبيكستا)

تشتهر هذه الحمضيات بشكل خاص برائحتها. اشتق اسم سوداتشي من اسم ياباني قديم ’’سوتاتشيبانا‘‘ وهو مكون من الكلمتين ’’سو (الخل)‘‘ والاسم التقليدي لفاكهة حمضيات أخرى تدعى ’’تاتشيبانا‘‘. تنتج محافظة توكوشيما أكثر من 90% من الإنتاج المحلي من هذه الحمضيات. حجم الثمار بحجم كرة تنس الطاولة، ما يجعلها أصغر الحمضيات الثلاثة.

وكما أشرنا أعلاه، فقد أظهر العلم أن أحد أسلاف هذه الفاكهة هو اليوزو. أول ذكر موثق لها كان في عام 1709 في سجل ياماتو هونزو الذي كتبه الفيلسوف كايبارا إيكين تحت اسم ريمان. موسم هذه الفاكهة من منتصف أغسطس/آب إلى أكتوبر/تشرين الأول والذي يوافق تقريبا موعد أطباق الخريف الموسمية في اليابان مثل فطر ماتسوتاكي وسمك الإسقمري المعروفة برائحتها الغنية والتي تتناسب تماما مع سوداتشي. الرائحة الطازجة والحموضة اللطيفة لهذه الفاكهة تتوافق أيضا بشكل جيد مع المشروبات الكحولية مثل شوتشو بالصودا. كما أنها تستخدم لإضافة نكهة إلى أطباق المعكرونة مثل سوبا وسومن وأودون.

كابوسو (Citrus sphaerocarpa) 

تقدم شرائح كابوسو مع دجاج الكاراغي المقلي (حقوق الصورة لبيكستا).
تقدم شرائح كابوسو مع دجاج الكاراغي المقلي (حقوق الصورة لبيكستا).

يبلغ حجم ثمرة الكابوسو حجم كرة التنس تقريبا، ما يجعلها أكبر من كل من يوزو وسوداتشي. تشتهر محافظة أويتا بهذه الفاكهة، ولها قشور ناعمة ذات لون أخضر فاتح ولب مائل للون البرتقالي. موسم هذه الثمار في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول.

تقول الحكايات إنها تزرع في محافظة أويتا منذ حوالي 300 عام منذ أن ذهب طبيب محلي للدراسة في الصين خلال فترة إيدو (1603-1867) وجلب معه بعض الشتلات كهدية من راهب هناك. فهي ممتازة في تعزيز النكهات النقية لأسماك النيص في أويتا أو غيرها من أطباق الأسماك البيضاء بدلا من إخفاءها. تنتج هذه الفاكهة الكثير من العصير، ما يجعلها مناسبة تماما للاستخدام في التخليل وكأحد مكونات بونزو الخاص بالأطباق الساخنة ولصنع المشروبات. إنها أكثر حموضة حتى من اليوزو أو سوداتشي، وقد أصبحت جزءا أساسيا من أطباق أسماك النيص في جميع أنحاء غرب اليابان.

إمكانيات غير مستغلة

تشكل الحموضة اللطيفة لهذه الفاكهة إضافة مثالية لأطباق كايسيكي التقليدية، بالإضافة إلى الساشيمي. ولكن يبدو أن استخدامها في المطبخ العالمي لا يزال غير مستكشف في الغالب، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى القيود المفروضة على استيراد الفاكهة حتى وقت قريب نسبيا. ومع كل الإمكانيات غير المستغلة للاستخدام في المطابخ العالمية التي لا تزال حمضيات كوسان كانكيتسو اليابانية تحتفظ بها، يبدو أن الوقت الآن مناسب لأن يعيد الناس تقييم إمكانياتها في الأطباق الأخرى أيضا.

مشروبات منعشة مع شرائح من سوداتشي وكابوسو منقوعة في مشروبات كحولية: سوداتشي حامض (وسط) وكابوسو حامض (يمين). الصورة بالتعاون مع تسوكانتو تورانومون هيلز (حقوق الصورة لـNippon.com).
مشروبات منعشة مع شرائح من سوداتشي وكابوسو منقوعة في مشروبات كحولية: سوداتشي حامض (وسط) وكابوسو حامض (يمين). الصورة بالتعاون مع تسوكانتو تورانومون هيلز (حقوق الصورة لـNippon.com).

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية. الترجمة من الإنجليزية. صورة العنوان: من اليسار، سوداتشي ويوزو وكابوسو. حقوق الصورة لكوديرا كيي)

الطعام الياباني الطعام الثقافة المطبخ الياباني