أبطال رغم العوائق والتحديات

دوي كنتارو.. بطل لم يزده ضعف جسده إلا قوةً في عزيمته!

رياضة

لقد عقد دوي كنتارو، لاعب تنس الطاولة الباراليمبي، العزم على تجاوز كل العقبات التي تحول دون مشاركته في دورة الألعاب البارالمبية في طوكيو 2020، وعلى الوفاء بالوعد الذي قطعه لأخيه التوأم وزميله السابق في الفريق الذي توفي عام 2015.

دوي كنتارو DOI Kentarō

لاعب تنس الطاولة الباراليمبي يتنافس في الفئة الخامسة التي تعد أعلى مستويات القدرة الجسدية. ولد عام 1996 في محافظة شيزوؤكا. يعاني من مرض هشاشة العظام النادر. حصل على شهادة في الرياضيات من جامعة توكاي عام 2018. عمل في المكتب الحكومي بمحافظة شيزوؤكا قبل أن يتولى منصبه الحالي في شركة التسويق الرقمي D2C.

تميزت المقابلة التي أجريناها مع دوي كنتارو لاعب تنس الطاولة الباراليمبي بإيقاع سريع. وقد اتضح على الفور مدى ذكائه ورجاحة عقله من خلال سرعة بديهته عند الإجابة على الأسئلة التي ترافقها أحيانًا ابتسامة ساخرة عندما تكون ردوده خجولة. قال مازحًا: ”أملك شخصية معقدة بعض الشيء“، فمن الواضح أنه يستمتع بلفت الأنظار.

 رغم قوامه الصغير إلا أنه يعد أحد نجوم اليابان الصاعدة في هذه الرياضة، وقد حصل على الميدالية البرونزية الفردية في منافسات الفئة الخامسة، وكان عضواً هاماً في فريق اليابان لتنس الطاولة الذي حصل على الميدالية الذهبية في بطولة بانكوك المفتوحة لتنس الطاولة لذوي الاحتياجات الخاصة.

إن القواعد وحساب النقاط والمعدات الخاصة بتنس الطاولة لذوي الاحتياجات الخاصة مماثل إلى حد كبير للعبة تنس الطاولة التي يمارسها اللاعبون المتمتعون بكامل قدراتهم الجسدية. يتنافس اللاعبون إما على كرسي متحرك أو في وضع الوقوف وينقسمون إلى خمس فئات بحسب درجة الإعاقة، الفئات من 1 إلى 5 للعب في وضع الجلوس والفئات من 6 إلى 10 للعب في وضع الوقوف، ويتمتع دوي بكامل وظائف ذراعيه ويديه، مما يجعل تصنيفه في الفئة الخامسة وهي فئة تجمع بين اللاعبين الذين يتمتعون بضربات قوية. وعلى الرغم من أن دوي أصغر من العديد من المنافسين، إلا أنه يعوض هذا النقص بضربة دائرية بارعة وبدقة متناهية تؤدي إلى إحباط خصومه.

توأم يعاني من نفس الحالة

ولد دوي في عام 1996 في فوجينوميا وهي مدينة صغيرة تقع عند سفح جبل فوجي بمحافظة شيزوؤكا. حين كان طفلاً، تم تشخيصه هو وشقيقه التوأم كوتارو بأنهما يعانيان من مرض تَكَوُّنُ العَظْمِ النَّاقِص وهو اضطراب وراثي نادر يعرف أيضًا باسم مرض هشاشة العظام. يقول دوي إن جسمهما كان ضعيفًا للغاية لدرجة أن أبسط الأشياء مثل تغيير الحفاضات قد يؤدي إلى حدوث كسور في أضلعهما، ويوضح قائلاً: ”لقد كنا دائمًا عرضة للأذى والألم، كان الأمر صعبًا حقًا على عائلتنا لأنهم كانوا دائمًا يعتنون بنا“.

لقد كان المشي صعبًا، لذلك استخدم الشقيقان الكراسي المتحركة للتنقل. وحتى مع كل الاحتياطات كانت تحدث  إصابات كثيرة. يقول بضحكة خافتة: ” أعتقد أنني كسرت عضمي أكثر من ثلاثين مرة لغاية التحاقي بالمدرسة الثانوية“، ”كنت أرتدي طوال الوقت جبيرة العضام على جزء من جسدي“.

ويتذكر بابتسامة ساخرة الحادثة التي تعرض فيها إلى كسرعظم فخذه، حيث تم تثبيت وسطه لغاية أصابع قدميه بجبيرة عضام. بعد قضاء يوم كامل عند الطبيب، وبينما كان والديه يحاولان نقله إلى البيت ارتطمت قدميه بعتبة الباب عن طريق الخطأ، مما أدى إلى كسر إصبع قدميه واضطرت الأسرة للعودة مرة ثانية إلى المستشفى.

التطلع للفوز بالميدالية الذهبية

أخذ كنتارو وكوتارو بنصيحة والدتهم وشرعا في لعب تنس الطاولة عندما كانا في الصف السادس من المدرسة الابتدائية. في البداية لم يهتم الأخوان كثيرًا بهذه الرياضة، حيث كانا يفضلان لعبة البيسبول أكثر، ولكن حدثت نقطة التحول في حياتهما عندما التحقا بالمدرسة الإعدادية، يوضح دوي قائلاً ”لقد كان المشرف على نادي تنس الطاولة بالمدرسة متحمسًا بشأن هذه اللعبة“، ”وقد طلب منا أن نلتحق بالنادي كما عرفنا أيضًا بمدرب لاعبي تنس الطاولة من ذوي الاحتياجات الخاصة الذي يعيش في ناغويا وبفضل إرشاداته تحسّن أداؤنا بقفزات سريعة وأصبح الأمر ممتعًا مما جعلنا نحب هذه الرياضة“.

لقد تدرب الأخوان معًا ولكن تبين أن كوتارو كان أكثر جدية من أخيه، حيث تم استدعاؤه للمنتخب الوطني للمنافسة في بطولة دولية بينما كان لا يزال طالبًا في المرحلة الثانوية. أعرب دوي عن خيبة أمله بسبب تجاهله ولكنه تعامل مع الأمر بهدوء مؤكداً على أن ”كوتارو كان يستحق ذلك“.

وعلى الرغم من ذلك، فقد حدثت نقطة تحول أخرى في حياتهما في عام 2013 بعد أن وقع الاختيار على مدينة طوكيو لاستضافة الألعاب الأولمبية والبارالمبية لعام 2020. يقول دوي ”بعد سماعنا هذه الأخبار، بدأنا أنا وكوتارو نتحدث عن فكرة مواجهة بعضنا البعض لإحراز الميدالية الذهبية“، وهو يعترف أنه حتى ذلك الحين كان يفتقر إلى الدافع لبذل كل ما لديه في هذه الرياضة، ولكن فكرة الوصول للنهائيات في دورة الألعاب البارالمبية أصبحت عالقة في ذهنه مما حفزه لبذل مزيد من الجهد. وما أن تم إشعال الشعلة، حتى بدأ يبذل قصارى جهده لجعل حلم الفوز في ألعاب طوكيو 2020 أمراً واقعاً.

في نهاية المطاف، أدى العمل الجاد والاجتهاد إلى تحقيق النجاح. فبعد وقت قصير من التحاق دوي بجامعة توكاي، تم اختياره للالتحاق بالفريق الوطني جنباً إلى جنب مع شقيقه، والتحق كوتارو بنفس الجامعة، وكان الشقيقان يسرعان كل يوم إلى البيت بعد انتهاء الدراسة (من يصل إلى البيت أولاً عليه أن يعد وجبة العشاء) حتى يذهبا للتدريب. الآن وبعد أن أصبحا زملاء في الفريق، فقد عملا على مساعدة بعضهما البعض لصقل مهاراتهما من خلال التركيز على تقوية نقاط ضعف كل واحد منهما.

 دوي يضرب الكرة خلال بطولة تايلاند المفتوحة في ديسمبر/ كانون الأول 2018 (الصورة إهداء من D2C)
دوي يضرب الكرة خلال بطولة تايلاند المفتوحة في ديسمبر/ كانون الأول 2018 (الصورة إهداء من D2C)

تجاوز الخسارة

كان الأخوان يعملان بجد من أجل تحقيق حلم الفوز في الألعاب البارالمبية، ولكن في مايو/أيار من عام 2015 حدث ما لم يكن في الحسبان. يروي لنا دوي أن كوتارو كان قد فاز مؤخرًا بالميدالية الذهبية في البطولة التي أجريت في أوساكا، وفور عودته إلى البيت كان يعاني من ضيق في التنفس. وعند نقله للمستشفى، حدد الأطباء أن السبب في ذلك هو وجود خلل في صمام القلب وأنه يحتاج إلى جراحة عاجلة. كان من المقرر أن يلعب دوي في بطولة خارج البلاد عندما تلقى هذا الخبر. ورغم شعوره بالقلق، إلا أنه وبسبب اعتياده هو وأخيه منذ الصغر على التردد على المستشفى، فقد اعتقد أنه الأمر لا يعدو كونه واحدة من تلك المرات التي يدخلون فيها المستشفى ثم يغادرونها سريعاً، ولذلك أخبر دوي أخاه بأن ”يصمد“ وذهب للمشاركة في المنافسة كما كان مخططاً.

لقد تمت العملية الجراحية بنجاح، ولكن بعد فترة وجيزة من إجرائها تدهورت حالة كوتارو وتم نقله إلى العناية المركزة. بعد عودة دوي إلى اليابان هرع إلى المستشفى ليجد توأمه في غيبوبة تامة، كان دوي يزوره يوميًا ويحثه على أن يكون "قويًا" وأن ”لا يستسلم“ مثلما كان أخوه يفعل معه أثناء المباريات. ومع ذلك، وبعد أسبوعين في وحدة العناية المركزة استسلم جسد كوتارو الضعيف وفارق الحياة.

كان دوي منهارًا تماماً بعد وفاة شقيقه، حيث صرح قائلاً ”لقد كنا دوماً معاً في السراء والضراء، كنت لأعيش طفولة كئيبة بدونه، عندما كانا نذهب إلى ملعب الأطفال لم نكن قادرين على الاستمتاع بالألعاب مثل سائر الأطفال، ولكنه كان دائماً إلى جانبي ولم أكن أشعر بالوحدة مطلقاً، لطالما كان كل منا حاضراً لمساعدة الآخر في الحياة وفي تنس الطاولة“، والآن فهو يرتدي قلادة تحتوي على رفات كوتارو ويرفض خلعها ولو للحظة واحدة.

في جنازة كوتارو، وعد دوي شقيقه بأنه سوف يصل إلى نهائي دورة الألعاب البارالمبية في طوكيو تماماً كما اتفقا في السابق.

الوفاء بالوعد

بعد مرور نصف عام على وفاة شقيقه، تم تشخيص دوي على أنه يعاني من نفس مرض القلب الذي عانى منه أخوه. وعلى الرغم من خوفه أن يواجه نفس مصير شقيقه إلا أنه وافق على إجراء العملية الجراحية. لم تكن هناك مضاعفات هذه المرة وقد تعافى بشكل كامل.

لا شك أن هذه التجربة تركت انطباعًا عميقًا في نفسية دوي، يقول ”إنني أتساءل كثيراً لماذا تم اختياري أنا لكي أعيش وليس أخي، أريد تخليد ذكراه ولكن الأهم هو أن تركيزي منصب على الفوز في دورة الألعاب البارالمبية حتى أتمكن من الوفاء بوعدي له“.

يحتل دوي حاليًا المرتبة الحادية والثلاثين في التصنيف العالمي، ولكن من أجل المشاركة في دورة الألعاب البارالمبية في طوكيو يجب أن يكون ضمن المراكز العشرة الأولى بحلول مارس/ آذار عام 2020، إنها لمهمة شاقة، لذلك يجب عليه العمل بجد لتحقيق ما يطمح إليه عند إصدار التصنيف النهائي. كما أن لديه فرصة للمشاركة بشكل غير مباشر إذا تم التغاضي عن نتائج مبارياته وترتيبه وتقرر السماح له بالمنافسة فيما يُعرف بنظام ”wildcard“، ولكنه يظل عازماً على شق طريقه إلى أعلى القائمة.

لم يتبق سوى أقل من عام على دورة ألعاب طوكيو 2020، ولذلك يركز دوي على تحقيق هدفه بشكل غير مسبوق، يقول متحمساً "لقد قطعت عهداً ويجب عليّ الوفاء به".

 دوي في المكتب الرئيسي لشركة D2C في حي غينزا في طوكيو.
دوي في المكتب الرئيسي لشركة D2C في حي غينزا في طوكيو.

(نُشر النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من الانكليزية. صور المقابلة بواسطة هاناي توموكو)

الألعاب الأولمبية ذوي الاحتياجات الخاصة رياضة