أبطال رغم العوائق والتحديات

الرجل الحديدي في رياضة التنس للمقعدين: سايدا ساطوشي يستعد لدورة ألعاب طوكيو 2020

رياضة

شارك لاعب التنس للمقعدين سايدا ساطوشي، في 6 دورات بارالمبية، محققًا ميداليات في 3 منها. ويتُوقع مشاركته في دورة ألعاب طوكيو 2020 ليسجل بذلك ظهوره السابع محققا رقمًا قياسيًا.

سايدا ساطوشي SAIDA Satoshi

لاعب تنس للمقعدين. وُلد في محافظة ميه عام 1972. فقد ساقه اليسرى بسبب سرطان العظام عندما كان في الثانية عشرة من عمره. شارك في ست دورات ألعاب بارالمبية، بدءاً بأتلانتا في عام 1996، وقد حقق الميدالية الذهبية في زوجي الرجال بأثينا عام 2004، والبرونزية في كلٍ من بكين عام 2008 وفي ريو في عام 2016. وفي عام 2003، أصبح أول لاعب ياباني يحصل على جائزة لاعب عالمي من الاتحاد الدولي لكرة المضرب. وتقوم شركة استشارات الأعمال Sigmaxyz برعايته.

توهج دائم في مجاله الرياضي

من الصعب ألا نندهش ونُعجب بلاعب التنس المخضرم سايدا ساطوشي. حيث كان منافسًا بارزًا لأكثر من عقدين من الزمان، وكان أول ظهور له في دورة الألعاب البارالمبية في أتلانتا في عام 1996، وبدأ سلسلة انتصارات استمرت لست مباريات متتالية. ويأمل اللاعب البالغ من العمر 47 عامًا أن يجعل من طوكيو 2020 رحلته السابعة، وهو إنجاز سيضعه إلى جانب المتسابق الأسطوري لسباقات المقعدين (ناغاؤ يوشيفومي) كأكثر اللاعبين مشاركة في الدورات البارالمبية.

سايدا هو رياضي مبدع ورائد في مجاله، بدأ حياته المهنية في وقت كان فيه الاهتمام ضئيل بالرياضات البارالمبية والدعم المقدم للرياضيين ذوي الاحتياجات الخاصة رمزي للغاية. ومن خلال العمل الجاد داخل الملعب وخارجه، رفع من شأن رياضة التنس للمقعدين بين عامة الناس في اليابان وساعد في تمهيد الطريق للاعبين اللاحقين أمثال النجوم الأعلى تصنيفًا (كونيدا شينغو) و (كاميجي يوي).

وهو ليس غريب على منصات التتويج، فقد حصل خلال مسيرته المهنية على العديد من الألقاب والأوسمة. ففي عام 2003، منحه الاتحاد الدولي للتنس جائزة لاعب عالمي، وهي الأولى لمنافس ياباني. وفي عامي 2003 و2007، كان عضواً في الفريق الياباني المشارك في بطولة كأس العالم. وفاز بأول ميدالية له في الدورات البارالمبية في عام 2004 في دورة ألعاب أثينا بصحبة كونيدا بحصولهما على الميدالية الذهبية في زوجي الرجال، واستمر كلاهما في الحصول على الميدالية البرونزية في بكين عام 2008 وريو دي جانيرو في عام 2016.

المجازفة بكل شيء

باستعراض إنجازاته على مدى السنين السابقة، يعتبر سايدا أن دورته الأولى البارالمبية في أتلانتا هي نقطة الانطلاقة الحقيقية لمسيرته المهنية. ويقول بأنه ذهب إلى دورة ألعاب 1996 غير مدرك لما هو مقبل عليه، وسرعان ما وجد نفسه تحت وطأة المنافسة، ويصيح قائلًا ”لم أكن ندًا على الإطلاق“، فقد كان خارج نطاق المنافسة جسديا وفنيًا، وانهزم في كل من المسابقات الفردية والزوجية في الجولة الثانية فقط.

ويتذكر مباراته ضد الأسترالي ديفيد هول باعتبارها حدث مؤثر في مسيرته. فقد كان هول قوة مهيمنة في التنس للمقعدين في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن العشرين، وحين وضعه جدول المباريات أمام سايدا في الجولة الثانية، علم اللاعب الياباني أن مصيره في الدورة قد تحدد. وعندما نزل الاثنان إلى أرضية الملعب، لعب هول بحماسة أكثر من المعتاد، الأمر الذي أدى لإلحاق الهزيمة سريعًا بالمنافس الياباني. وقد تنافس سايدا في بطولات دولية أخرى، لكن هزيمته من هول أظهرت له أن مستوى التنافسية في الألعاب البارالمبية كان شيئًا مختلفًا تمامًا عما شهده من قبل. 

فبعد تخرجه من الجامعة بعامين، عمل سايدا كموظف، وهي وظيفة منحته القليل من الوقت ليمارس تدريباته. وما أن ضمد جراحه بعد خروجه من دورة أتلانتا، أدرك أنه إذا أراد المنافسة على الصعيد الدولي فعليه أن يكون جادًا بشأن التدريبات. حينها كان لا يزال يُنظر إلى الرياضيات البارالمبية على أنها سبيل لإعادة التأهيل، إلا أن قلة من الرياضيين ذوي الاحتياجات الخاصة استطاعوا تقديم خريطة طريق لـلاعب سايدا ليصبح واحدًا من المحترفين القادرين على المنافسة.

وبينما كان مصممًا على جعل لعبة التنس مسيرته المهنية، كان لايزال يتعين عليه معرفة كيف سيدفع فواتيره المعيشية. ولقد راودته فكرة ترك وظيفته كموظف عام، لكن عدم تيقنه من وجود مصدر آخر لكسب الرزق جعله يتردد في التخلي عن راتبه الثابت.

ويقول سايدا الذي أصبح حينها حائرًا بين مفترق طرق، بإنه تلقى دفعة قوية نحو حلمه من يوشيدا منيهيرو، رئيس مركز تدريب يوشيدا التذكاري للتنس في مدينة كاشيوا بمحافظة تشيبا. ويتذكر قائلًا ”لقد شجعني يوشيدا على المضي قدمًا، فأنا طولي 180 سم، ولقد رآى من خلالي بأن لدي فرصة جيدة للنجاح وفتح الطريق أمام اللاعبين اليابانيين الآخرين.“ وتلقى كذلك سايدا يد العون للدخول إلى عالم المحترفين من قبل (إيشي شيغييوكي)، مؤسس شركة (أوإكس إنجينيرينج) لتصنيع الكراسي المتحركة بمحافظة تشيبا، الذي تولى رعايته بموجب عقد خاص سمح له بالتركيز على لعب التنس.

وبعد ثلاث سنوات من الحيرة وشتات الأفكار، عقد سايدا العزم في عام 1999 وقرر ترك مسقط رأسه في محافظة ميه والانتقال إلى محافظة تشيبا للانضمام إلى أو إكس والتدريب في مركز يوشيدا للتنس، وهو المكان الذي استقر به إلى يومنا هذا. ويتذكر آسفًا ”كان من الممكن تقديم أداء أفضل في دورة ألعاب سيدني في عام 2000 إذا لم أتردد كثيرًا في اتخاذ القرار، ولكن بمجرد أن عقدت العزم، لم أنظر إلى الوراء أبدًا “

 سايدا ساطوشي يعيد الكرة أثناء متابعة شريكه كونيدا شينغو في زوجي الرجال خلال مباراة الميدالية البرونزية في دورة الألعاب البارالمبية بريو دي جانيرو 2016. جيجي برس.
سايدا ساطوشي يعيد الكرة أثناء متابعة شريكه كونيدا شينغو في زوجي الرجال خلال مباراة الميدالية البرونزية في دورة الألعاب البارالمبية بريو دي جانيرو 2016. جيجي برس.

طريق وعر نحو الميدالية الذهبية

بمجرد أن استقرت حياته في محافظة تشيبا، بدأ سايدا تدريباته وكل تركيزه منصب على دورة أثينا بعد 5 سنوات. ولقد شارك في فاعليات رياضية في اليابان وخارجها، لكنه قال إن البطولات الدولية كانت الأصعب. فإلى جانب الاضطرار إلى التنقل في مدينة أجنبية وهو مثقل بالأمتعة المليئة بالمضارب والملابس والأطعمة وحتى ماكينة طهي الأرز، فكان عليه أيضًا حجز تذاكر الطيران الخاصة به وغرف الفنادق، وهي مهمة شاقة بالنظر إلى مستواه المحدود آنذاك في اللغة الإنكليزية.

لكن ما كان يشعره بمزيد من الإحباط هو عدم قدرته على تحقيق الفوز خارج الأراضي اليابان، حتى مع الساعات المتواصلة من العمل الشاق تحت أعين مدربه الساهرة، فقد وجد نفسه يخرج من البطولات الدولية مرارًا وتكرارًا ويحزم حقائبه مغادرًا إلى اليابان بعد لعب مباراة واحدة فقط. ومع تكرار الهزائم واحدة تلو الأخرى، أثر ذلك على ثقته بنفسه. ويسرد قائلًا ”تساءلت حينها عما إذا كنت اتخذت القرار الصحيح بالانتقال إلى تشيبا، ففي كل مرة كان يتدنى فيها مستواي، كان علي أن أبذل مجهودًا مضاعفًا لاستعادة ثقتي مجددًا".

وفي خضم هذه المصاعب المبكرة، استطاع سايدا من تحسين أدائه بشكل متزايد. وأصبح يخشاه خصومه خصوصًا مع ضربات البداية السريعة (الإرسال) وضرباته الخلفية القوية، وهي مهارات ساعدت بدورها في إحداث تأثيرات فعالة ساهمت في فوزه بالميدالية الذهبية في دورة أثينا.

ويؤكد سايدا على أن عدم تيقنه من مآل الأمور كان ملازمًا لكونه رياضي محترف. ويحذر بقوله ”إصابة ما أو انسحاب راعٍ، كلها عوامل كفيلة بأن تقلب الأمور رأسًا على عقب“. وحتى مع نجاحه، فهو لا يعتبر نفسه قدوة، ويصر على أن أخلاقيات عمله ليست مختلفة عمن يعمل في أي شركة يابانية كلٌ في مجاله. ويضيف ”أنا أتعامل مع كل انتصار بتعقل وروية“ فهو لم يتوانى عن الاحتفال بميدالياته في أثينا وبكين وريو، إلا أنه يؤكد قائلًا ”بحلول اليوم التالي، ينصب تركيزي بالكامل على المسابقة التالية.“

وعلى الرغم من عدم اعتراف سايدا بذلك، إلا أن إنجازاته ومسيرته الرياضية ألهمت الكثيرين من ممارسي الرياضات البارالمبية في سعيهم لتحقيق أحلامهم.

المشاركة السابعة تطرق الأبواب

أصبح سايدا مقعدًا على كرسي التنس المتحرك في الرابعة عشرة من عمره. فخلال دراسته الابتدائية، كان يحب لعب البيسبول، لكن سرطان العظام أدى إلى فقده لساقه اليسرى عندما كان في الثانية عشر، ولم يكن أمامه بدٌ سوى التخلي عن قفازه. ولقد أثر فقدانه لساقه كثيرًا على نفسيته، إلا أن والديه آخذا الأمر على عاتقهما، وقاما بتسجيله في برنامج لكرة السلة للمقعدين على أمل أن يؤدي الانخراط في الرياضة من جديد إلى رفع روحه المعنوية.

وقد أتي الأمر بثماره. حيث استعاد سايدا سرعته وجاهزيته البدنية واسترجع طاقته وحيويته الشبابية في وقت قصير. ويقول بأنه كان سيستمر مع كرة السلة، لكن في تطور غير متوقع، انتقل معظم زملائه في الفريق إلى التنس للمقعدين بعد المشاركة في إحدى الدورات التدريبية. وعلى الرغم من أنها ليست رياضته المفضلة، إلا أنه استبدل الأراضي الخشبية بالأراضي الصلبة ليكون بصحبة أصدقائه. فإمساكه بالمضرب وضربه للكرة بقوة أمر يزيد من حماسته، وقد صرح قائلًا ”الصحبة هي ما جعلتني استمر“، لذلك ظل يمارس رياضة كرة المضرب، وعند التحاقه بالجامعة حصل على مكانه في الفريق الوطني الياباني.

وعلى مدار العقدين السابقين، بزغ نجم سايدا ليكون رائدًا ليس فقط في التنس للمقعدين، بل أيضًا في جميع الرياضات البارالمبية على صعيد اليابان. وهو يلهم الرياضيين في جميع المجالات بإنجازاته، كما أنه يقدم دعمه ومعرفته للنهوض برياضات المقعدين.

ومع اقتراب دورة ألعاب طوكيو 2020، فيقول سايدا بأنه مصمم على المشاركة السابعة البارالمبية واصفًا شعوره قائلًا ”ستكون الطريقة المثلى لرد الجميل لكل من دعمني على مر السنين“.

إلا أن أمامه عمل شاق. فهوحاليًا يحتل المرتبة الخامسة على المستوى المحلي ولن يتأهل سوى اللاعبون الحاصلون على المراكز الأربعة الأولى في الرجال والسيدات للمنتخب الياباني. لكن لايزال أسطورة التنس واثقًا من أنه سيلتحق بركب المتأهلين، مؤكدًا بقوله ”دائمًا ما أنهي ما بدأته“. وبالحكم تبعًا لإنجازاته السابقة، فهناك كل الأسباب للاعتقاد بأن سايدا سيكون على أرض الملعب ممثلًا لليابان عندما تنطلق دورة الألعاب البارالمبية بطوكيو في أغسطس/ آب 2020. 

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية. جميع الصور بعدسة (هاناي توموكو)، ما لم يذكر خلاف ذلك. صورة العنوان: سايدا ساطوشي في مركز تدريب يوشيدا التذكاري لالتنسفي مدينة كاشيوا بمحافظة تشيبا)

طوكيو الألعاب الأولمبية البارالمبية ذوي الاحتياجات الخاصة