متحف ميزونوكي للفنون: رحلة تتجاوز المكان والزمان وتكسر حدود الإعاقة

فن

الفن ليس حكرًا على الفنانين المحترفين وحدهم، بل هو فضاء مفتوح للجميع، بغض النظر عن القدرات أو الخلفيات. هذه الفكرة تتجلى بوضوح في متحف ميزونوكي للفنون في مدينة كاميؤكا بمحافظة كيوتو، حيث يعرض أعمالًا فنية مذهلة صمّمها الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة. بفضل الألوان الزاهية والحيوية التي تميز هذه الأعمال، يصبح المتحف شاهدًا حيًا على أن الإبداع ليس له حدود، وأن الفن يمكن أن يكون وسيلة تعبير للجميع. هذه المبادرة الرائعة ليست فقط دعوة للاحتفاء بالتنوع والشمولية، بل هي أيضًا تذكير بأن الجمال يمكن أن ينشأ من أي قلب مفعم بالإلهام.

الأطفال يظهرون أصالة غير تقليدية

يا لها من قطعة فنية غير عادية! قطعة ضخمة من القماش الأبيض عليها شجرة ضخمة مرسومة بالحبر الأسود، وفوقها عدد لا يحصى من الإبداعات الصلصالية الملونة. قطعة على شكل قلادة معلقة في وسط جذع الشجرة، وقلبان ورديان يقفان على الأغصان، ومن ورائهم جسم أسود يشبه عجلة قيادة السيارة.

شجرة كبيرة عليها مجموعة متنوعة من الإبداعات الصلصالية الملونة. (بعدسة كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
شجرة كبيرة عليها مجموعة متنوعة من الإبداعات الصلصالية الملونة. (بعدسة كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

تم تصميم العمل الفني من قبل 47 طالبًا من (ساكورا-غاكّيو)، وهو فصل لذوي الاحتياجات الخاصة في مدرسة كاميؤكا الابتدائية في مدينة كاميؤكا بمحافظة كيوتو، بالتعاون مع الفنانة المعاصرة ياماموتو ماكيكو، التي رسمت الشجرة وعرضتها على الفصل، وسألتهم ”هل للشجرة قلب؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هو شكله وأين قد يكون؟“

وقد تفاعل بعض الأطفال بالسؤال عما إذا كان هناك أي فرق بين القلب الذي يشعر والقلب المادي. وأوضحت لهم بلطف أن القلب يساعد الجسم على الحركة، ولكنه أيضًا المكان الذي نشعر فيه بالسعادة والمتعة. ثم صمم الطلاب قلوبًا باستخدام الصلصال الملون، موضحين أفكارهم أثناء وضع إبداعاتهم على صورة الشجرة. حيث قال أحدهم ”نظرًا لأن الشجرة كبيرة للغاية، فأعتقد أنها تحتوي على الكثير من القلوب، لذلك صنعته مثل عناقيد العنب“ وقال آخر: ”أعتقد أن شكل القلب هو نفس شكل الورقة، لذلك وضعته عند طرف الفروع“.

ياماموتو تتحدث إلى طلاب فصل ساكورا-غاكّيو. (© Nippon.com)
ياماموتو تتحدث إلى طلاب فصل ساكورا-غاكّيو. (© Nippon.com)

الطلاب يستمتعون بخلط الألوان مع الصلصال. (© Nippon.com)
الطلاب يستمتعون بخلط الألوان مع الصلصال. (© Nippon.com)

تناقش الطلاب مع بعضهم البعض حول المكان الذي سيضعون فيه قلوبهم. (© Nippon.com)
تناقش الطلاب مع بعضهم البعض حول المكان الذي سيضعون فيه قلوبهم. (© Nippon.com)

معرض مشترك بين المتحف والمدرسة

كانت هذه الورشة من بنات أفكار أمينة متحف ”ميزونوكي للفنون“ ”أوكوياما ريكو“. وتجاوبًا مع طلب من مدرسة كاميؤكا الابتدائية لوضع منهج دراسي يتضمن أعمال فنية، أعدت أوكوياما ستة دروس ودعت فنانين للمشاركة.

وتوضح قائلة: ”لا يوجد صواب أو خطأ في الفن، ولا فوز أو خسارة. إنه عالم حيث يتم الثناء عليك لكونك مختلفًا. وآمل أن يتمكن الطلاب في فصل ”ساكورا-غاكّيو“ من الاستمتاع بتوسيع إبداعاتهم دون القلق حيال أي شيء“.

كما خططت لإقامة معرض خاص يعرض الأعمال الفنية التي أنجزها الطلاب في الفصول الدراسية مع أعمال من مجموعة متحف ميزونوكي للفنون. وفي الفصل الأخير، تمت دعوة الطلاب إلى المعرض لتجربة متعة مشاهدة الأعمال في بيئة العرض.

شجرة القلب، معروضة في الطابق الثاني بمتحف ميزونوكي للفنون. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
شجرة القلب، معروضة في الطابق الثاني بمتحف ميزونوكي للفنون. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

زار الأطفال المعرض للتعرف على كيفية عرض الأعمال الفنية من أوكوياما. (تصوير: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
زار الأطفال المعرض للتعرف على كيفية عرض الأعمال الفنية من أوكوياما. (تصوير: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

زيارة الأطفال للمعرض

لقد كنا في المتحف لنشهد ردود أفعال الأطفال عندما زاروه.

عند دخول المتحف، أول ما يلفت انتباهك هو الأعمال الفنية التي تشبه المنسوجات المعلقة من السقف. هذه القطع الفنية الرائعة مغطاة بصور رسمها الأطفال من الورشة الثالثة، وقام موظفو المتحف ومعلمو مدرسة ساكورا-غاكّيو بتجميعها مثل قطع قماشية.

قطعتان معروضتان في الجزء الخلفي من الطابق الأرضي بمتحف ميزونوكي للفنون. حيث تبرز شخصية الأطفال من خلال أعمالهم. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
قطعتان معروضتان في الجزء الخلفي من الطابق الأرضي بمتحف ميزونوكي للفنون. حيث تبرز شخصية الأطفال من خلال أعمالهم. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

في هذه القطعة، حددت ياماموتو الفكرة عن ”أحد المخلوقات الذي كان نائمًا تحت الأرض منذ العصور القديمة وحتى وقتنا هذا“. وعند النظر عن قرب، ترى مجموعة من الكائنات الفريدة التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتخيلها أبدًا: الوحوش والأشباح، وحيوان ما بين شكل التمساح والديناصور، ومخلوق غامض يشبه الكائنات الفضائية.

وعند رؤية الأعمال النهائية لأول مرة، أصيب الأطفال بالذهول، وصرخوا بحماس عندما رأوا صورهم وصور أصدقائهم.

الطلاب يتحدثون عن صورهم مع ياماموتو. (عدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
الطلاب يتحدثون عن صورهم مع ياماموتو. (عدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

هناك انسجام بين المخلوقات الفريدة والغامضة المرسومة. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
هناك انسجام بين المخلوقات الفريدة والغامضة المرسومة. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

وفي الطابق الثاني، تُعرض لوحات خشبية رسمها الطلاب بزوايا مختلفة على الأرض وعلى الأرفف. هذه اللوحات تصور قصاصات أو أجزاء من الأشجار جاهزة للزراعة. وقد طُلب من الطلاب تضمين الأصوات التي أصدرتها القصاصات عند زراعتها، فاخترعوا كلمات جديدة تشبه الكلمات المحاكية للأصوات، مثل ˮنيوكي-نيوكي“ وˮغوتو-غوتو“.

وفقًا للأطفال مبدعي اللوحات، تصدر جميع القصاصات أصواتًا غير عادية: كوتو-كوتو، وسوبون، وباكا، ونيوكي-نيوكي، وما إلى ذلك. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
وفقًا للأطفال مبدعي اللوحات، تصدر جميع القصاصات أصواتًا غير عادية: كوتو-كوتو، وسوبون، وباكا، ونيوكي-نيوكي، وما إلى ذلك. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

ويتم عرض عمل ˮشجرة القلب“ بشكل واضح في الجزء الخلفي من منطقة العرض. وقد تم استخدام منصة عرض خاصة لتسليط الضوء على الطاقة الإبداعية للعمل.

لقد كان الأطفال في غاية السعادة عندما رأوا إبداعاتهم المصنوعة من الصلصال. والتقط بعضهم أعمالهم بشكل عفوي، الأمر الذي أدى إلى تغيير تدريجي في ترتيب القطع. لكن ذلك لم يزعج ˮأوكوياما“، بل تحدثت إلى الطلاب بروح مرحة وأخبرتهم أن هذا هو اليوم الأخير الذي يمكنهم فيه تحريك أعمالهم، وطلبت منهم رفع أيديهم إذا أرادوا ذلك.

كان من الرائع أن نرى الأطفال يعيدون ترتيب قطع الصلصال الخاصة بهم على شجرة القلب. ففي النهاية، هذا الأمر من اختصاص الفنان. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
كان من الرائع أن نرى الأطفال يعيدون ترتيب قطع الصلصال الخاصة بهم على شجرة القلب. ففي النهاية، هذا الأمر من اختصاص الفنان. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

على حد تعبير أوكوياما، ˮإن إبداعات الأطفال هي غذاء أرواحنا“. (عدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
على حد تعبير أوكوياما، ˮإن إبداعات الأطفال هي غذاء أرواحنا“. (عدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

التناغم مع مجموعة لوحات المتحف الخاصة

قررت ياماموتو تسمية المعرض، الذي استمر حتى العاشر من مارس/ آذار 2024، بـ ˮممتلكات الأرض المفقودة“. وتوضح أنها شعرت أثناء الدروس أن ˮكل شيء يجب أن يبدو في رؤية الأطفال البريئة وكأنه ممتلكات الأرض المفقودة: الأشجار، والكائنات الحية تحت الأرض، وحتى أنت وأنا“.

يمكن للمارة إلقاء نظرة على المعرض من خلال النوافذ الضخمة للمتحف. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
يمكن للمارة إلقاء نظرة على المعرض من خلال النوافذ الضخمة للمتحف. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

لا شك أن الأعمال الفنية التي صممها الأطفال لافتة للأنظار، ولكن الصور المعروضة على الجدران لا يمكن تفويتها أيضًا. وفي هذا المعرض، اختارت ياماموتو أعمالًا فنية شعرت أنها تتوافق مع أعمال طلاب مدرسة ساكورا-غاكّيو من بين 20 ألف قطعة فنية في مجموعة متحف ميزونوكي للفنون. وكان الأطفال الذين لاحظوا الأعمال الفنية الأخرى متحمسين للغاية، بل إن بعضهم أراد تجربة شيء مماثل بأنفسهم.

تتكون مجموعة المتحف من قطع فنية لأشخاص من ذوي الإعاقات الذهنية الذين يحضرون دروسًا فنية في مؤسسة الرعاية الاجتماعية المحلية، ˮميزونوكي“. وكل القطع مؤثرة للغاية: بها أنماط معقدة بشكل مذهل، وسلسلة من الدوائر المرسومة بألوان نابضة بالحياة، وما إلى ذلك.

لوحات من مجموعة المتحف معلقة بجوار أعمال طلاب مدرسة ساكورا-غاكّيو، في شكل متناغم. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
لوحات من مجموعة المتحف معلقة بجوار أعمال طلاب مدرسة ساكورا-غاكّيو، في شكل متناغم. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

أعمال متحف ميزونوكي تحظى بالثناء في اليابان والخارج

تدير مؤسسة ˮشوكائن“ للرعاية الاجتماعية مركز رعاية ميزونوكي ومتحف ميزونوكي للفنون. وقد بدأت دروس الفن في عام 1964، بدعوة الرسام الياباني ˮنيشيغاكي تشويتشي“ كأستاذ زائر. وكان نيشيغاكي يؤمن بأن قيمة الفن ليست مرتبطة بالإعاقة. وقام بتدريس الفن للطلاب بشغف حتى وفاته في عام 2000.

وفي ثمانينيات القرن العشرين، حصلت أعمال من الفصول الدراسية على جوائز في العديد من المعارض الفنية العامة اليابانية. ثم في عام 1994، تم اختيار 32 عملاً لستة فنانين لتصبح جزءًا من المجموعة الدائمة لمجموعة ˮآرت بروت“ أو ˮالفن الخام“ في لوزان بسويسرا. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها قبول الأعمال الفنية من آسيا. وبفضل التقدير الذي اكتسبته هذه الأعمال في اليابان والخارج، تم افتتاح متحف ميزونوكي للفنون في عام 2012 لاستضافة وعرض الأعمال الفنية المصممة في فصول ميزونوكي الفنية.

يقع متحف ميزونوكي للفنون في مبنى يصل عمره للـ 100 عام كان في السابق صالون حلاقة ومنزلًا في كيوتو. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
يقع متحف ميزونوكي للفنون في مبنى يصل عمره للـ 100 عام كان في السابق صالون حلاقة ومنزلًا في كيوتو. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

وغالبًا ما يوصف متحف ميزونوكي للفنون بأنه معرض ˮللفن الخام“، لكن أوكوياما تعتقد أنه لا يمكن تفسير مجموعة ميزونوكي ببساطة بنفس الطريقة التي يتم بها تفسير حركة ˮالفن الخام“ في أوروبا. ويرجع هذا إلى التاريخ والخلفية المختلفة لليابان والدول الأخرى، فضلاً عن المناهج المختلفة للفن والرعاية الاجتماعية. وتوضح أن المتحف يفضل عدم تصنيف الفن على أنه ˮفن خام“ أو فن من صنع أشخاص ذوي إعاقات، وذلك بهدف تجاوز التصنيفات التقليدية والتعاون مع أشخاص آخرين، حتى خارج الحدود، لمشاركة جاذبية العمل الفني ومبادرات المتحف.

وفي لقائي مع طلاب الفصول الدراسية الخاصة ومع ياماموتو لتقديم تقرير عن مجموعة المتحف وعن هذا التعاون، أعجبت بمدى سعي أوكوياما نفسها إلى تجاوز الأطر والتابوهات القائمة من خلال عالم من الفن بدون إجابات ˮصحيحة“. ومسألة رؤية الأطفال منغمسين بعمق في صنع الفن وتقدير أوكوياما المحب لإبداعاتهم جعلتني أتمنى أن يتم الاعتراف بهذه الأعمال الفنية ذات يوم باعتبارها ˮفنًا“ بغض النظر عن مجتمع المبدعين.

أوكوياما متفائلة بشأن مستقبل متحف ميزونوكي للفنون. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)
أوكوياما متفائلة بشأن مستقبل متحف ميزونوكي للفنون. (بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

متحف ميزونوكي للفنون

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: مجموعة من الأعمال الفنية لمتحف ميزونوكي للفنون ولطلاب مدرسة ساكورا-غاكًيو. بعدسة: كورويوا ماساكازو؛ © بوكس 96)

اليابان متحف تحدي إعاقة