”دون القيام بهجمات انتحارية..حياة مينوبي تاداشي“.. مذكرات الضابط الذي عارض سياسات اليابان

تاريخ اليابان

في فترة نهاية حرب المحيط الهادئ، كان هناك ضابط شاب عارض علنا عملية الهجمات الانتحارية التي روجت لها قوات البحرية اليابانية. تولى الكاتب منصبه للتو في وكالة جيجي برس في نهاية شهر يونيو/حزيران. لماذا رسم صورة لجندي مجهول؟ وماذا يريد أن يخبرنا به يا ترى؟

العقلانية وليس الإنسانية

”يعود ذلك إلى لقاء مع قائد طائرة حربية من وحدة فويو بقيادة الرائد مينوبي. حيث قمت بإجراء عدة مقابلات معه عندما كنت أتولى منصب مدير فرع فوكوكا، كجزء من خطة لنشر مقالات تدون ذكريات الذين عايشوا حرب المحيط الهادئ. وكنت مهتما بوجود وحدة طيران في قوات البحرية تلتزم بالتكتيكات الحربية العادية خلال معركة أوكيناوا لمنع القوات الأمريكية من غزو البر الرئيسي من خلال هجمات انتحارية“.

هكذا يتحدث السيد ساكاي عن دافعه للكتابة. كان بطل القصة مينوبي مجرد عسكري عادي. نشأ في دولة عسكرية، والتحق بالكلية العسكرية البحرية التي يعتبر الالتحاق بها أمرا صعبا، وتخرج بتقدير عادي وبترتيب 97 من بين 160 شخصا. وسعى إلى ركوب طائرة مائية تعتبر من طائرة جوية في قوات البحرية، لأن ذلك سيجعله يصبح طيارا بشكل أسهل. وذلك يشير إلى مبدأ العقلانية لديه والذي أظهره عندما عارض الهجمات الانتحارية.

الكاتب ساكاي كاتسوهيكو ”دون القيام بهجمات انتحارية..حياة مينوبي تاداشي“ (دار هوجو للنشر، شهر أغسطس/آب من عام 2017)
الكاتب ساكاي كاتسوهيكو ”دون القيام بهجمات انتحارية..حياة مينوبي تاداشي“ (دار هوجو للنشر، شهر أغسطس/آب من عام 2017)

إن قيام الشاب مينوبي ذي التسعة والعشرين عاما بالاعتراض أمام الجميع من مقعده الأخير في الاجتماع على عمليات الهجمات الخاصة التي دعا إليها القادة في مركز قيادة القوات البحرية، لم يكن من مبدأ إنساني. ولا حتى من مبدأ مناهضة الحرب. حيث كان يعترف بالهجمات الخاصة كـ ”وسيلة أخيرة“. ولكن، كان يعتقد أن القيام بكل ما هو ممكن قبل ذلك، هو ما يجب على ضباط البحرية القيام به، وأصر بقوة على القيام بالعمليات المعتادة، وليس الهجمات الخاصة. وفي الاجتماع واجه مينوبي بعض الأصوات المسيئة، إلا أنه تم قبول اقتراحه بشكل غير متوقع.

نتائج كبيرة من خلال تكتيكات الهجمات الليلية

الهجمات الانتحارية هجمات شجاعة، ولكنها كانت عمليات من دون تخطيط، ومن قبل طيارين غير مجهزين جيدا، ويفتقدون إلى التدريب في الواقع. وكانت الطائرات الحربية التي يتم إسقاطها قبل أن تتمكن من الاصطدام بسفن العدو تشكل أغلبية تلك الطائرات.

ونتيجة لهذا، قام مينوبي باقتراح التكتيكات الليلية. وكانت القاعدة الأخيرة لوحدة فويو التي قادها مينوبي، هي مطار إواغاوا الموجود في طرف شبه جزيرة أوسومي في محافظة كاغوشيما. حيث كان يتم إخفاء الطائرات أثناء النهار في الغابات المحيطة، ويتم رعي الأبقار ليبدو المطار وكأنه مزرعة أبقار. وبعد حلول الليل، كانت تلك الطائرات تطير باتجاه الجنوب، وتقوم بضرب الجيش الأمريكي ثم تنسحب. ربما كانت تلك العمليات بمثابة قطرة في بحر الجيش الأمريكي الذي يمتلك قوة عسكرية كبيرة، إلا أنها كانت ذات تأثير كبير في معركة مهزومة. وبالمناسبة، لم يتم اكتشاف وجود قاعدة إواغاوا المخفية حتى نهاية الحرب. 

وحدة فويو في صورة تذكارية أمام مركز قيادة قاعدة إواغاوا في كاغوشيما. الرائد ميونبي يرتدي ملابسا بيضاء اللون ويوجد في منتصف الصف الثاني من الأمام. تم التصوير بتاريخ 5/7/1945 (تقديم السيد تسوبوي هاروتاكا/جيجي برس)
وحدة فويو في صورة تذكارية أمام مركز قيادة قاعدة إواغاوا في كاغوشيما. الرائد ميونبي يرتدي ملابسا بيضاء اللون ويوجد في منتصف الصف الثاني من الأمام. تم التصوير بتاريخ 5/7/1945 (تقديم السيد تسوبوي هاروتاكا/جيجي برس)

تتقدم الصفحات مثل الروايات

لقد وصف الكاتب ساكاي الرائد مينوبي بأنه ”جندي مجهول“، ولكن في الواقع يبدو أنه كان مشهورا في أوساط المهووسين بالجيش. وعندما توفي عن عمر يناهز 81 عاما في شهر يونيو/حزيران من عام 1997، قامت وكالة جيجي برس بتسليم نعي موجز ​​تحت عنوان ”الفريق الجوي السابق“ لقوات الدفاع الذاتي الجوية اليابانية، والتي عمل فيها بعد الحرب. وفي هذا الكتاب هناك الكثير من الأجزاء المتخصصة، بدءا بالكلية العسكرية البحرية، والحقائق الداخلية لقوات البحرية، وتكنولوجيا الطائرات وغير ذلك.

ولكن لا داعي للقلق. حيث كنت أنا، كمن يجري هذه المقابلة، وأعمل في نفس فريق الكاتب ساكاي في زمن جيجي برس، وكنت أعجَب دائما بمهارات السيد ساكاي في الكتابة رغم أنه زميل أصغر مني في الوكالة. حيث كان السرد واضحا وبسيطا وكأنه رواية ترفيهية. وكان من الممكن قراءة الصفحات واحدة تلو الأخرى بسلاسة.

فهل كان الكاتب ساكاي أيضا الذي قام بكتابة مثل هذه العبارات التخصصية مهووسا بالجيش يا ترى؟

”أبدا ليس كذلك. حيث كنت مرهقا من القيام بالاستماع إلى الناس، والبحث عن المراجع لقراءتها. وكنت لا أريد القيام بذلك مرة أخرى“. هكذا يتذكر الكاتب وبابتسامة مريرة الطريق الطويل الذي سار فيه حتى الانتهاء من كتابة هذا الكتاب. حيث يتجاوز عدد الجمعيات والأشخاص الذين قام بإجراء المقابلات معهم، والمراجع في نهاية الكتاب أكثر من مئة. وكانت معظم المراجع غير مخصصة للبيع، وربما استغرق وقتا طويلا لجمعها.

أجواء لا تسمح بالانتقاد

فيما يتعلق بالهجمات الانتحارية، كان هناك العديد من الانتقادات الموجهة لها على أنها عمليات غير إنسانية، وعلى العكس من ذلك، تم سرد العديد من القصص الجميلة. ولا يقف هذا الكتاب مع أي منهما. فمن خلال تتبع حياة مينوبي الذي تبنى مبدأ العقلانية، صور هذا الكتاب كيف وجدت أجواء منع الحديث عن كل الأمور حتى لو تم الشعور بأنها أمور غريبة في القلب، وكيف صارع شخص عسكري في ظل ذلك.

ويصف هذا الكتاب تلك الأجواء بشكل سهل للفهم.

”ومهما كانت السياسات العامة التي تم إقرارها بشكل مسبق غير عقلانية، فإن أي شخص لديه تجربة بالانتماء إلى منظمة ما سيفهم بسهولة مدى صعوبة قيام شخص لوحده اعتراض ذلك. ومجرد نضوج تلك الأجواء يبدد الأساس الواضح والتفسيرات المنطقية، ويسيطر على إرادة اتخاذ القرار لدى جميع الأشخاص، ويتحكم بهم، ويصبح معيارا قويا، ويغلق أفواه كل الأشخاص. وحتى لو حاولنا التحقق من عملية اتخاذ القرار لاحقا، فليس الأشخاص هم من قرروا ذلك، بل تلك الأجواء غير المرئية، لذلك لا يمكن تحميله المسؤولية“

سبب الكتابة عن مينوبي

في هذا الكتاب هناك حديث حول الشخصيات التي يحبها مينوبي، ورؤسائه الطيبين. ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الزملاء الذين لا يفهمون جوهر الأشياء، والرؤساء الذين يفتقرون إلى المعرفة والقدرة العلمية. حيث ساهموا بخلق تلك الأجواء، وأرسلوا العديد من الشباب إلى الموت. وحتى لو كنا في اليابان أو في العالم الحالي، فلا بد من التفكير بأن المشكلة التي تعود إلى نفس الأساس لم يتم حلها على الإطلاق.

ويختم الكاتب ساكاي حديثه حول السؤال الذي في المقدمة والمتعلق بسبب قيامه بالكتابة عن حياة مينوبي بالكلمات التالية.

”بعد البحث، وجدت أنه كان هناك عدد من الضباط الذين انتقدوا عمليات الهجمات الانتحارية رغم قلتهم. ولكن كان معظمهم يتحدثون في مساحة محدودة للغاية، مثل المحادثات مع الزملاء المقربين. ولم يكن هناك أي شخص آخر مثل مينوبي قام بقول رأيه المعارض أمام قادة القوات البحرية من مقعده في الاجتماع، وأيضا تم تبني رأيه“

”بصراحة أعتقد أنه إنسان لا مثيل له، وأشعر بالخلاص لأنه كان هناك مثل هذا الإنسان في اليابان في ذلك الوقت، ولأنه كان هناك من يفهم مينوبي في أوساط القوات البحرية“

تم إجراء المقابلة بتاريخ 5/6/2020 في مكتب nippon.com في تورانومون في طوكيو.
تم إجراء المقابلة بتاريخ 5/6/2020 في مكتب nippon.com في تورانومون في طوكيو.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، صورة العنوان الرئيسي: السيد تسوبوي هاروتاكا الذي كان ينتمي إلى ”وحدة فويو“ بقيادة مينوبي تاداشي مع طائرته الحربية الليلية ”المذنب“. كانت المقابلة مع السيد تسوبوي في عام 2015 المناسبة للقيام بكتابة كتاب ”دون القيام بهجمات انتحارية“ (تقديم السيد تسوبوي هاروتاكا، جيجي برس)

طوكيو قوات الدفاع الذاتي الحرب العالمية الثانية الحكومة اليابانية