الاختفاء الجماعي: كتاب يتناول تفاقم أعداد المفقودين المصابين بالزهايمر في اليابان!

ثقافة

قد يتسبب ألزهايمر في سلب الناس من ذاكرتهم وقدرتهم على التواصل. وعندما يضل المصابون بالمرض طريقهم قد يجدوا أنه من المستحيل تقريبًا العودة إلى ديارهم. والكتاب الصادر في عام 2015 عن الأشخاص المفقودين المصابين بالخرف لا يزال يلعب دورًا مهمًا من منطلق رسالته حول الكيفية التي يجب أن تتغير بها اليابان المُسنة لمعالجة هذه المشكلة التي لا زالت تتفاقم.

تخيل أن تكون بمنزلك، تستمتع بالعشاء مع والدك المُسن. والآن تخيل أن تستيقظ في صبيحة اليوم التالي وقد خرج واختفى عن الأنظار، ولا سبيل مطلقًا لإيجاده مرة أخرى. ربما لا يزال على قيد الحياة، في مكان ما هناك، يفكر في عائلته ويتمنى أن يتمكن من العودة إلى المنزل. لكنه يعاني من الخرف، ولا يستطيع أن يخبر من حوله من أين هو، أو حتى اسمه. وأولئك الذين يسعون لمساعدته ليس لديهم من سبيل لإعادته، فقد غادر المنزل دون أي شكل من أشكال تحديد الهوية. وفي نهاية المطاف، سيتم إعطاؤه اسمًا مستعارًا وعمرًا تقريبيًا، وينتهي به الحال بتسليمه لإحدى دور الرعاية، حيث يعيش هناك ما تبقى من حياته وحيدًا.

وبالنسبة لشخص مثلي، مع والدين يتقدم بهم العمر حاليًا، فإن حدوث مثل هذا السيناريو المرعب أمرٌ مقلق للغاية. لكنه أحد الأمور التي قد يضطر الكثير من اليابانيين لمواجهتها مع استمرار تحول المجتمع في غالبيته إلى مسنين — في الواقع، الرقم مرتفع للغاية، وفقًا لكتاب صدر عام 2015 لفريق من صحفيي هيئة الإذاعة اليابانية (إن إتش كيه)—.

الرغبة بالتأكيد في المعرفة

توصل تحقيق أجرته وكالة الشرطة الوطنية اليابانية إلى أن ما يقرب من 10 آلاف شخص مصابون بالخرف قد اختفوا في عام 2012 وحده، وانتهى بهم الأمر على تصنيفهم في عداد المفقودين. لذلك كان كتاب عام 2015 (نينتشيشو يوكوإيه فوميشا: إتشي مان نين نو شوغيكي) (الخرف والضياع: فجيعة اختفاء 10 آلاف مصاب) ضروريًا في تسليط الضوء على هذا الجانب الذي لم يكن معروفًا في السابق في هذا البلد العجوز.

وتتضمن الحالات المفصلة في هذا الكتاب العديد من الأشخاص المفقودين الذين تمكنوا من العودة إلى منازلهم أو عائلاتهم. ولكن، للأسف، هناك العديد من الحالات الأخرى التي تم التأكد من وفاة الشخص فيها، ولا تزال هناك حالات أخرى تمر بها السنين، وتظل عائلة الشخص المفقود غير متأكدة مما إذا كان ميتًا أم على قيد الحياة.

وتقول إحدى السيدات التي غادر زوجها البالغ من العمر 76 عامًا المنزل في أحدالأيام بينما كانت منشغلة بأمر ما لمدة 15 دقيقة، ولم يعد من بعدها أبدًا: ”كل يوم بدونه أشعر وكأنه الجحيم، مشاعري مضطربة ومتشابكة – جزء مني يعتقد أنني لن أراه مجددًا، وجزء آخر لا يزال متمسك بالأمل في أنه سيتم العثور عليه وسيعود. لماذا يجب يكون فراقنا بهذا الشكل؟“

للأسف انتهت حكاية هذه السيدة بمأساة، عندما عُثر على زوجها ميتًا بعد ثلاثة أسابيع في فناء أحد المنازل على بعد 500 متر فقط من منزلها. خلُص المحققون إلى احتمالية تجمده حتى الموت بعد التجول في العقار إلى أن انخارت قواه هناك.

وعلى لسان شخص آخر في الكتاب يقول: ”إذا انتهى الحال بالمفقود إلى الموت فنحن نريد أن نعرف ذلك بالتأكيد.“ هناك ألم حقيقي وعميق يعتري مثل الكلمات، قادم من عائلة تنتظر بالمنزل، تنتظر عودة من رحل ليتناول معهم الطعام كما كانوا يفعلون في السابق، وتجد صعوبة في التيقن من حقيقة أي شيء.

والكتاب يسرد بعض الحالات الأخرى الأكثر إشراقًا. فعندما تم بث برنامج هئية الإذاعة اليابانية (إن إتش كي) الذي استند إليه الكتاب في مادته في الأصل في مايو 2014، أدى ذلك إلى لم شمل زوجين في السبعينيات من العمر كانا قد افترقا لمدة سبع سنوات بعد اختفاء الزوجة. لكن آخرين بالكاد نجوا من محنتهم، مثل أحد الرجال في الثمانينيات من عمره والذي كان يعيش بمفرده، وكان قد غادر منزله وعُثر عليه بعد أسبوع، في حالة يرثى لها ويرتجف في ملابسه الداخلية فقط. ويحكي الكتاب أيضًا قصة ابن كان يبحث عن أمه، وهي في الثمانينيات من عمرها، منذ أكثر من عامين.

والشيء الوحيد الذي تشترك فيه جميع العائلات التي واجهت هذه المحنة هو الشعور العميق بالأسف. لماذا انشغلوا عن قريبهم المُسن؟ لماذا ترددوا في تقديم بلاغ عن شخص مفقود على الفور؟

التخلص من قيود المفاهيم

السؤال الذي نحن بصدده الآن هو كيف يمكن للمجتمع تقليل عدد المصابين بالخرف المفقودين؟ يواجهنا هذا الكتاب بفكرة أنه يجب علينا أن نفعل أكثر من مجرد الاعتماد على جهود العائلات المعنية.

كان هناك بعض التقدم الملحوظ في السنوات التي تلت نشر الكتاب. وحاليًا، تتم إدارة المعلومات المتعلقة بالأشخاص المفقودين المصابين بالخرف عبر الإنترنت ومشاركتها بين جميع محافظات اليابان. وعلى الرغم من أهمية مثل هذه الإجراءات، إلا أنني اعتقد أننا سنظل غير قادرين على الوصول إلى جوهر المشكلة حتى يحقق المجتمع الياباني بنفسه تغييرًا جذريًا.

حيث تعاني عائلات المصابين بالخرف من آلام نفسية وإرهاق جسدي. وعلاوة على ذلك، تمتزج هذه التحديات مع سمات يابانية غريبة مثل الشعور بالحرج الذي يمنع الناس من الكشف للآخرين عن إصابة والديهم بالخرف، أو فكرة أنه من غير المبرر الاتصال بالشرطة للحصول على المساعدة في كل مرة يختفي فيها الشخص. والمفهوم الذي يجب علينا تجنبه هو التسبب في الـ (ميواكو)، أو إزعاج الآخرين، وهو مفهوم ياباني جوهري أصبح مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالمسائل المتعلقة بالمسؤولية الشخصية. فعندما تنشأ أي مشكلة تتعلق بالرعاية الاجتماعية في اليابان، سواء كانت تسريح جماعي للعمال أثناء فترة ركود اقتصادي أو توزيع لمزايا الرعاية الاجتماعية للمحتاجين، فمن المؤكد أننا نسمع أصواتًا تدعو بصوت عالٍ إلى تركيز أقوى على ”المسؤولية الذاتية“.

وفي السنوات التي تلت عام 2015، عندما صدر هذا الكتاب، كان قد تقدم العمر بسكان اليابان بشكل أسرع بكثير مما توقعه أي شخص. وقد تزامن ذلك مع ارتفاع عدد المصابين بالخرف، لدرجة أن البعض توقع بأنه في المستقبل القريب، سيصاب واحد من كل خمسة يابانيين بدرجة معينة من الخرف. وفي السنوات الأخيرة على وجه الخصوص، أبقت جائحة فيروس كورونا العديد من كبار السن محاصرين في منازلهم، مما أدى إلى آثار جانبية على صحتهم العقلية.

والكتاب الذي نحن بصدده ليس كتابًا جديدًا، لكن القضايا التي يتناولها لم يعفو عليها الزمن. وفي الواقع، إنه عمل يستمر في إصدار التحذيرات الواجب الانتباه إليها كونها ستصبح أكثر حيوية مع مرور الوقت. وفي عام 2021، أي بعد ست سنوات فقط من ظهور الرقم 10 آلاف في عنوانه، تخطى عدد الأشخاص المفقودين المصابين بالخرف الـ 17 ألف حالة في اليابان. بفضل التقدم في الشبكات التي تسمح للحكومات المحلية بمشاركة المعلومات حول هذه الحالات، وكان هناك أيضًا ارتفاعًا في النسبة المئوية لهؤلاء الأشخاص الذين تم العثور عليهم وإعادتهم إلى منازلهم في غضون أيام. ولكن مع استمرار تقدم السكان في العمر، يمكننا أن نتوقع استمرار ارتفاع عدد هذه الحالات.

وبطبيعة الحال سيؤدي هذا إلى زيادة عدد أفراد الأسر الذين يعيشون مع مرضى الخرف. ويجب أن نجد طريقة لإزالة المخاوف بشأن الـ (ميواكو) أو (مفهوم إزعاج الآخرين) من اهتماماتهم ذات الصلة بالرعاية الاجتماعية، الأمر الذي سيسهل بدوره عليهم الحصول على الدعم الذي يحتاجون إليه دون تردد عندما يحين الوقت. ونحن لا يمكننا أن نطالب العائلات بأن تحل مشاكلها بنفسها. وآمل أن أرى مثل هذا الواقع الجديد يبزغ في اليابان.

كتاب (نينتشيشو يوكوإيه فوميشا: إتشي مان نين نو شوغيكي) (الخرف والضياع: فجيعة اختفاء 10,000 مصاب)

من إعداد فريق من محققي هيئة الإذاعة اليابانية
الإصدار من دار نشر غينتوشا في عام 2015.
آي إس بي إن:978-4-344-02777-0

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية)

كبار السن شيخوخة المجتمع الزهايمر الخرف