إضاءة على شخصية رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي من كلماته

سياسة

يقدم كتاب نُشر مؤخرا نظرة صريحة حول الانتصارات والتحديات التي واجهها رئيس الوزراء السابق آبي شينزو. يستند الكتاب إلى عدة مقابلات لآبي، ويسلط الضوء على عقلية أطول رؤساء وزراء اليابان بقاء في المنصب.

التصدي لوزارة المالية

بلغ طول احتفاظ شينزو آبيفي السلطة 3188 يوما توزعت بين فترين تولى فيهما منصب رئيس الوزراء. وقد واجه خلال تلك الفترة تحديات مثل تجاوز تعنت وكالات حكومية كبرى وتعزيز الاقتصاد الياباني المتعثر وإدارة العلاقات مع القوى الكبرى في العالم، ما أكسبه مؤيدين ومنتقدين. يقدم كتاب ’’شينزو آبي كايكوروكو (شينزو آبي: مذكرات)‘‘ وهو عمل نُشر مؤخرا استنادا إلى مقابلات متعددة مع السياسي بعد تنحيه عن منصبه كرئيس للوزراء في سبتمبر/أيلول عام 2020، لمحة عن قرب عن موقف آبي القتالي ومواقف أخرى تعود إلى زمن وجوده في السلطة.

كثيرا ما وجد آبي نفسه على خلاف مع البيروقراطيين في مختلف الوكالات الحكومية في اليابان، وتتطرق المذكرات إلى الكثير من الوقائع الرائعة. فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي بدأت فيه جائحة كوفيد-19 في التفشي على نطاق واسع في عام 2020، يصف آبي إطلاع المسؤولين على قلقه من أوجه القصور في النهج الذي سلكته اليابان في فحوص الكشف عن الإصابات. حيث يروي آبي قائلا:

’’كانت وزارة الصحة والعمل والرعاية الاجتماعية آنذاك مترددة في زيادة عدد الفحوص باستخدام الـPCR. سألت مسؤولي الوزارة عن سبب عدم تمكنهم من توسيع نطاق الفحوص عن طريق المؤسسات العامة بالطريقة التي تقوم بها الشركات الخاصة بالفعل. لقد صدمت عندما أجاب أحد المسؤولين بأن زيادة الفحوص لن تؤدي إلا إلى زيادة عدد الحالات الإيجابية. لم أنفجر أبدا في وجه البيروقراطيين، لكن في تلك الواقعة كانت كلماتي قاسية. لم يرد المسؤولون على انتقادي، لكني شعرت أنهم كانوا يقولون في سريرة أنفسهم ’’ما الذي يتحدث عنه هذا الهاوي‘‘؟‘‘.

لطالما اعتبرت وزارة المالية اليابانية على أنها أقوى وكالة حكومية وكانت غالبا ما تتخذ سياسات تخالف توجه آبي. كانت إحدى هذه الأوقات عندما أرجأت حكومة آبي مرتين زيادة نسبة ضريبة الاستهلاك من 8% إلى 10%. يروي آبي أن مسؤولي الوزارة أرادوا زيادة الضرائب في أقرب ما يمكن وتآمروا لاستخدام سلف آبي في رئاسة الحزب الديمقراطي الليبرالي تانيغاكي ساداكازو، لانتقاد رئيس الوزراء والإطاحة به إذا لزم الأمر. ويقول آبي إنهم ’’ما كانوا ليترددوا في الإطاحة بالحكومة في سبيل مصلحة وزارتهم فقط. لكن تانيغاكي رفض الموافقة على خططهم‘‘.

وفيما يخص الجدل الدائر حول بيع أرض مملوكة للدولة إلى منظمة موريتومو غاكوئن التعليمية، الأمر الذي أضر بشدة بمصداقية إدارته في نظر الشعب، لا يستبعد آبي أن تكون الفضيحة في نهاية المطاف ’’خدعة دبرتها وزارة المالية‘‘ لتقويض إدارته. يتجلى عدم ثقة آبي في الوزارة في تأكيده على أنه ’’لا بد وأن وزارة المالية كانت على علم منذ البداية بوجود مشاكل خطيرة في صفقة الأرض المباعة لموريتومو. لكن لم يطلعني أحد على أية وثائق مثل سجلات التفاوض. لم أعلم بهذه المشكلة إلا من التقارير الإعلامية‘‘.

آبي على الساحة الدولية

زار آبي عشرات الدول والمناطق عندما كان رئيسا للوزراء وعقد الكثير من الاجتماعات مع زعماء أجانب. ويشارك في الكتاب بصراحة أفكاره حول ’’دبلوماسية آبي‘‘ وانطباع العديد من قادة العالم.

يقول آبي عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ’’كانت محادثاتنا تقتصر على العمل. وإذا حدث وأن ألقيت نكتة، كان يعود على الفور إلى صلب الموضوع. لم يكن ينخرط في محادثات قصيرة. خلفية أوباما في المحاماة، وهو مسهب للغاية عن عمله. بصراحة، كان من الصعب إقامة علاقة ودية معه‘‘.

وفيما يتعلق بزيارة الرئيس أوباما عام 2016 إلى هيروشيما، ينوه آبي إلى محاولة الجانب الأمريكي ترتيب جولة يقوم فيها آبي في المقابل بزيارة بيرل هاربور. كما تواصلت وزارة الخارجية اليابانية مع رئيس الوزراء بشأن إمكانية القيام بالزيارتين. ولكن آبي عارض الربط المباشر بين الزيارتين:

’’الهجوم على بيرل هاربور – سواء أعلن عن ذلك أم لا – كان جزءا من معركة بين جيشين، والمكان نفسه كان هدفا عسكريا استراتيجيا. في المقابل كان استهداف هيروشيما هجوما عشوائيا على مدنيين وليس عسكريين. لذلك أخبرت وزارة الخارجية أنه إذا جاء أوباما إلى هيروشيما، فسنخطط لاحقا لزيارة منفصلة إلى بيرل هاربور. وقد تفهمت الولايات المتحدة موقفي‘‘.

على الرغم من معاناة آبي في علاقته بأوباما، إلا أنه أصبح صديقا مقربا لخليفته دونالد ترامب. يكشف آبي في الكتاب أنهما أجريا مكالمات هاتفية استمرت لساعة من الزمن، ويقدم نظرة ثاقبة مهمة في طريقة تفكير ترامب:

’’أعتقد أن أحد أسباب قلق الناس من ترامب هو أنهم ينظرون إليه على أنه مندفع عندما يتعلق الأمر باستخدام الجيش والقوة في العلاقات الدولية. لكن الأمر عكس ذلك تماما. فترامب رجل أعمال من حيث الجوهر. ويتوخى الحذر بشأن أي شيء يكلف مالا ويفكر في الدبلوماسية والأمن من منظور اقتصادي. فهو يقول على سبيل المثال ’’التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية هي إهدار كبير للمال. يجب أن نوقفها‘‘.

الآن، على سبيل المثال، إذا علم [زعيم كوريا الشمالية] كيم جونغ أون أن ترامب متردد في الواقع في القيام بعمل عسكري، فربما لم نتمكن من ممارسة ضغوطات دبلوماسية. كنا نحاول جاهدين مع فريق الأمن القومي لترامب إخفاء طبيعته الحقيقية لهذا السبب‘‘.

نظرة صريحة عن بوتين

كان آبي يرغب في إحراز تقدم فيما يخص النزاع حول الأراضي الشمالية اليابانية مع روسيا، والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين 27 مرة أثناء توليه منصبه. وينوه إلى أنه على الرغم من أن بوتين يبدو باردا، إلا أنه ودود بشكل يدعو للدهشة.

تصدى آبي للانتقادات المحلية التي أشارت إلى أنه ’’تخلى عن موقف إعادة الجزر الأربع دفعة واحدة‘‘ في محادثاته مع بوتين قائلا إن ’’الإصرار على عودة جميع الجزر دفعة واحدة لا يختلف عن القول إننا لا نرغب في استعادة الأراضي الشمالية على الإطلاق‘‘.

وفيما يتعلق بطموحات بوتين، يقول آبي:

’’إنه يرغب في إحياء الإمبراطورية الروسية واستعادة قوتها. إنه يعتبر أن الرئيس السابق ميخائيل غورباتشوف فاشل بسبب قيادة الاتحاد السوفيتي للانهيار. كان موقف بوتين يتمثل في ’’لماذا قدمت بلادنا الكثير من التنازلات وتخلت عن الكثير من الأراضي؟‘‘ كان استقلال أوكرانيا شيئا لم يتمكن من قبوله. وكان ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 قبل غزو أوكرانيا عام 2022 بالنسبة لبوتين رمزا لاستعادة القوة الروسية‘‘.

كانت نظرة آبي إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ نظرة واقعية ملتزمة. وينوه إلى أن الرئيس شي لم يكن لينضم إلى حزب شيوعي لو كان ولد في الولايات المتحدة، بل كان لينضم إلى حزب سياسي رئيسي. فهو يعتبر أن انضمام شي في النهاية إلى الحزب الشيوعي الصيني كان بهدف الاستحواذ على السلطة السياسية وليس بسبب معتقدات أيديولوجية.

ينتقد آبي بشكل خاص رئيس كوريا الجنوبية السابق مون جيه إن. فقد توترت العلاقات بين البلدين خلال إدارة مون إلى حد كبير بعد قضية بتت فيها المحكمة العليا في كوريا الجنوبية فيما يخص بإرغام كوريين جنوبيين على العمل إبان الحرب. يقول آبي ’’كان الرئيس مون يعلم أن قرار المحكمة العليا انتهاك للقانون الدولي. ولكنه أراد استخدام الحكم لأغراض داخلية وانتهاج خط مناهض لليابان. أدى الرئيس مون عرضا أمامي وقال إنه منزعج من الحكم القضائي وإنه سيتولى الأمر. ولكنه لم يفعل أي شيء، وتدهورت العلاقات. كان يعلم أن ما كان يفعله خطأ‘‘.

لا يستخف آبي بكلماته عندما يعبر عن وجهة نظره بأن دبلوماسية اليابان القائمة على التاريخ ضعيفة. ’’لم تقاتل وزارة الخارجية إلا بتواضع حول قضايا تاريخية. كان موقفهم أن هذه القضايا ستتلاشى مع مرور الوقت. ولكن ذلك من شأنه أن يرسخ الفهم الراهن. لهذا السبب تبنت إدارتي موقفا أكثر استباقية تجاه قضايا الوعي التاريخي‘‘.

تقدم مذكرات آبي سردا صريحا لتجاربه خلال فترة وجوده في المنصب، على الرغم من أنها تؤجج الجدل بشأن العدد من القضايا التي واجهتها إدارته. فبعد إصدار الكتاب، تصدى مسؤول كبير سابق في وزارة المالية التي تعرضت لانتقادات كثيرة في الكتاب، للادعاءات التي أدلى بها آبي. كما أنه من المتوقع أن تسبب المذكرات ضجة إذا ما ترجمت إلى لغات أجنبية وقرئت على نطاق واسع خارج اليابان. ولكن لم يكن معروفا عن آبي في حياته السياسية الانسحاب من المعارك. ترك آبي في المذكرات شهادته للأجيال القادمة، وتعتبر مصدرا مهما في التاريخ السياسي والدبلوماسي لليابان.

شينزو آبي كايكوروكو

بقلم آبي شينزو
نشرته تشوؤ كورون شينشا في فبراير/شباط 2023
ISBN: 978-4-12-005634-5

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: غلاف كتاب ’’آبي شينزو: مذكرات‘‘، بإذن من دار النشر تشوؤ كورون شينشا)

شينزو آبي الحكومة اليابانية كيشيدا