ساكاموتو ريوئيتشي يحكي قصة نشأة موسيقاه

فن

في أعقاب وفاة الموسيقي ساكاموتو ريوئيتشي في وقت سابق من العام الحالي، أعيد في اليابان إصدار مذكراته المنشورة عام 2009. ويسلط الكتاب الجديد الضوء على الكثير من الأفكار حول مقارباته ومواقفه تجاه الموسيقى بينما يستذكر ساكاموتو نشأته وحياته المهنية.

الموسيقى الغربية وصلت إلى طريق مسدود

يجمع كتاب ياباني أعيد إصداره بين دفتيه حلقات سلسلة من مقابلة معمقة مع الراحل ساكاموتو ريوئيتشي كانت قد نُشرت لأول مرة في المجلة الشهرية إنجين على مدار 27 عددا بين يناير/كانون الثاني عام 2007 ومارس/آذار عام 2009. ويستعيد ساكاموتو في المقابلة ذكرياته عن حياته المهنية بأسلوب يجمع بين الجد والهزل. لم يتحدث ساكاموتو بصراحة عن الموسيقى فحسب، وإنما أيضا عن اهتماماته الأخرى بما في ذلك الأفلام والأدب والحياة بشكل عام، ما شكل نافذة رائعة يمكن الاطلاع منها على جوانب شخصيته.

ساكاموتو ريوتشي أثناء حديثه في مؤتمر صحفي في مستهل مهرجان برلين السينمائي الدولي (برلينالي) عندما كان أحد أعضاء لجان التحكيم فيه، والصورة تعود إلى 15 فبراير/شباط عام 2018 (© جيجي برس/أ ف ب).
ساكاموتو ريوتشي أثناء حديثه في مؤتمر صحفي في مستهل مهرجان برلين السينمائي الدولي (برلينالي) عندما كان أحد أعضاء لجان التحكيم فيه، والصورة تعود إلى 15 فبراير/شباط عام 2018 (© جيجي برس/أ ف ب).

النصف الأول من كتاب ’’أونغاكو وا جييو ني سورو‘‘ غني بالحكايات عن مسيرته الموسيقية في بداياتها. ويوضح ساكاموتو أن القالب الذي ستكون عليه موسيقاه تشكل بحلول نهاية سنوات دراسته الثانوية، حيث يصف تلك المرحلة بـ’’فترة التفكيك‘‘:

’’كرست نفسي لحركة كانت تهدف إلى تفكيك النظام المدرسي والأنظمة الاجتماعية. كان الملحنون آنذاك أيضا يبذلون قصارى جهدهم لتفكيك الأنظمة والهياكل الموسيقية الموجودة. كانت الموسيقى الغربية قد وصلت بالفعل إلى طريق مسدود. اعتقدت أننا بحاجة إلى تحرير آذاننا التي أصمّتها الموسيقى التقليدية.

كان لا يزال هناك بعض الوقت قبل أن أعبر عن هذا بشكل حاسم من خلال موسيقاي، لكن الوعي بهذه القضايا لازمني حتى يومنا هذا بدون أن يطرأ عليه أي تغيير تقريبا. فهو مرتبط مباشرة بنفسي الحالية‘‘.

الموسيقى العرقية والإلكترونية

لكن ماذا عن رحلته الموسيقية للوصول إلى تلك المرحلة؟ كانت بداية تعرف ساكاموتو على الموسيقى مع العزف على البيانو في روضة الأطفال وتأليف أغاني لأرنبه الأليف. وعندما أصبح يرتاد المدرسة الابتدائية، بدأ في دراسة البيانو تحت إشراف معلم معروف بناء على اقتراح والدته. كان والد ساكاموتو يعمل محررا لدى دار نشر، بينما وصف والدته بأنها ’’تقدمية‘‘. أما عمه فعاشق للموسيقى، حيث عزف له العديد من التسجيلات، لذلك وفرت البيئة المنزلية لساكاموتو الكثير من العناصر الأساسية التي أفادته في تطوره المهني.

تعلم قراءة النوتات الموسيقية واكتسب تدريجيا تقديرا أعمق للموسيقى. وبالرغم من أنه كان يستمع إلى موسيقى البوب، إلا أنه كان يحب يوهان سيباستيان باخ. وفي الوقت الذي التحق فيه بالمرحلة الإعدادية، قدم مدرس البيانو الذي درب ساكاموتو توصية لأن يشرف عليه مدرس من جامعة طوكيو للفنون في تأليف الموسيقى. وكان آنذاك شغوفا بفرقتي البيتلز ورولينج ستونز، وكان يعتقد أنهما ’’رائعتان‘‘، لكن ما أن سمع موسيقى فرقة سترينغ كوارتيت لكلود ديبوسي حتى أصبح مهووسا بها، وأصبح يعتقد أنه ’’تناسخ لديبوسي‘‘.

وبعد أن التحق ساكاموتو بمدرسة طوكيو ميتروبوليتان شينجوكو الثانوية، بدأ يتردد على مقاهي الجاز، وانخرط في نزاعات داخل الحرم الجامعي حتى أنه شارك في احتجاجات، بينما استمر في دراسة التأليف مرة واحدة في الأسبوع. التقى ساكاموتو مع إيكيبي شينئيتشيرو الذي كان في صف أعلى في المدرسة الثانوية والذي تخرج لاحقا من جامعة طوكيو القومية للفنون الجميلة والموسيقى (حاليا اسمها جامعة طوكيو للفنون، وتعرف باللغة اليابانية باسم غييداي).

’’التقينا عندما كنت في الصف الأول من دراستي الثانوية وكان عمري آنذاك 16 عاما. وسألني إيكيبي عن نوع الموسيقى التي أقوم بتأليفها، فعزفت له بعض أعمالي. وأشار عليّ لأن أتقدم فورا لدراسة التأليف في غييداي، حيث كنت متأكدا من قبولي. قلت لنفسي ’’لقد نجحت‘‘، بدا الأمر سهلا جدا‘‘.

تعرف في المرحلة الثانوية على الموسيقى الحديثة من خلال أعمال جون كيغ، ما ساعده على اتخاذ قراره بشأن توجهه المستقبلي. وعندما قُبل ساكاموتو في قسم التأليف بجامعة غييداي، كان نشاط الطلاب مستمرا بشكل جدي، وكان ساكاموتو لا يزال يشعر بتأثيره.

لقد أثرت على فكرته المذكورة أعلاه بأن الموسيقى الغربية الحالية وصلت إلى طريق مسدود ولا إمكانية لها للتطور في المستقبل. وهذا ما ألهمه بأن ’’يتقن الموسيقى العرقية والإلكترونية‘‘. كان يتجنب في الغالب حضور المحاضرات التقليدية في قسم التأليف، وبدلا من ذلك كان يتردد على العروض الفنية الجديدة التي تقام في الخفاء وحفلات الروك في الهواء الطلق بمنطقة هيبيا.

تزوج ساكاموتو لأول مرة عندما كان في السنة الثالثة من الجامعة وأنجب طفله الأول، ما شكل نقطة تحول رئيسية في أنشطته الموسيقية. باشر العمل بدوام جزئي كعازف بيانو من أجل تغطية نفقات المعيشة، وتمكن تدريجيا عن طريق ذلك من تكوين شبكة من الزملاء من موسيقيي البوب والفولك من بينهم ياماشيتا تاتسورو وأوتاكي إيتشي ويانو أكيكو، بالإضافة إلى هوسونو هاروؤمي وتاكاهاشي يوكيهيرو اللذين شكل معهما لاحقا فرقة Yellow Magic Orchestra (YMO). وقد كان وصف ساكاموتو لهؤلاء الأشخاص مسليا وسيسعد معجبيه.

أشهر أعمال YMO

تعرف الكثير من الناس على ساكاموتو بسبب عمله مع فرقة YMO التي تشكلت في عام 1978. قامت YMO بجولة في الخارج لتلقى استحسانا كبيرا ما أثار شعبيتها في اليابان، وقد كانت مرحلة حرجة وصفها الكتاب.

وعلى الرغم من إعجاب ساكاموتو بموهبة كل من هوسونو وتاكاهاشي، إلا أنه يعترف بوجود انفصال أو حتى تناقض مع الموسيقى الكلاسيكية التي أصبحت عالمه على مر السنين منذ طفولته. ويقول إن ذلك أدى إلى نشوء إحساس بالخلاف مع نظرته المثالية للموسيقى. وفي عام 1983، أصبحت موسيقى البوب لأغنية ’’قلبي يدق من أجلك‘‘ لفرقة YMO الأغنية الأكثر مبيعا لها. ولكن وفقا لساكاموتو:

’’لم يبق لدي ما أشاركه مع العضوين الآخرين (في الفرقة). لم يكن هناك معنى من الاستمرار. هذا ما شعرت به. كنت أعتزم في تلك المرحلة إنهاءها. لتنتهي بضجة، إذا جاز التعبير.‘‘

مثّل العمل الفردي لساكاموتو، منذ ’’تشتت‘‘ فرقة YMO (على عكس تفكك)، بلا شك قدرته الحقيقية. أهم ما يميز النصف الأخير من الكتاب هو الصفحات العديدة المخصصة للذكريات الرائعة عن التفاعلات غير المعلنة مع أوشيما ناغيسا مخرج فيلم ’’عيد ميلاد مجيد سيد لورانس‘‘ وبرناردو بيرتولوتشي الذي أخرج فيلم ’’الإمبراطور الأخير‘‘ حيث كانت الموسيقى التصويرية له من تأليف ساكاموتو.

كان ساكاموتو في وقت المقابلة قد عاش بالفعل في نيويورك بشكل أساسي لمدة 19 عاما، ولكن بسبب حرب الخليج عام 1991 وهجمات 11 سبتمبر/أيلول في عام 2001، انطلق في طريق جديد بموسيقاه، وازداد اهتمامه بالقضايا البيئية. وقد تأثر بشدة برحلة إلى غرينلاند في عام 2008 حيث قال: ’’ربما كان أسلوب موسيقاي مختلفا إلى حد كبير بعد الرحلة مقارنة بما قبلها‘‘. ووصف موقفه بعد هذا اللقاء مع قوة الطبيعة بعيدا عن العالم الذي صنعه الإنسان:

’’آمل أن أرتب الأصوات بلطف كما هي، وأن أراقبها بدقة دون تدخل أو تلاعب أو تنظيم، إلى أقصى حد ممكن. هذه هي المرحلة الحالية من التطور في موسيقاي الجديدة.‘‘

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: غلاف كتاب ’’أونغاكو وا جييو ني سورو‘‘، بإذن من شينتشوشا)

كتاب ’’أونغاكو وا جييو ني سورو‘‘

ساكاموتو ريوئيتشي
نشرته دار النشر شينتشوشا في مايو/أيار عام 2023
ISBN: 978-4-10-129122-2

الفن التقليدي الفن السينما الفن المعاصر الم