
نكهة ”الزبدة“ التي لا تُنسى... رواية يوزوكي أساكو التي تأخذك في رحلة عبر الجريمة والمشاعر!
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
كيف تنغرس النكهات في ذاكرتنا؟
يتسع معنى كلمة ”لذيذ“ ليشمل الرائحة ودرجة الحرارة وربما حتى الصوت عند محاولتنا لترجمة أحاسيسنا إلى كلمات. ولكن يبدو من غير المرجح أن يتفق الجميع عالميا على ما هو جيد المذاق بالفعل.
لا شك أننا جميعا نحمل بعض الذكريات لنكهات لذيذة لا يمكن نسيانها حتى مع مرور الوقت، تلك الذكريات التي تجعلنا نتنهد شوقا إليها او يسيل لعابنا عندما نتذكرها أو نتخيلها.
تصور رواية ”باتا“ للكاتبة يوزوكي أساكو (ترجمت من قبل بولي بارتون تحت عنوان زبدة)، طعم الزبدة كإحدى هذه النكهات، وتعتبرها عنصرا مهما في السرد.
”أرز بالزبدة وصلصة الصويا“
تدور أحداث القصة حول امرأتين. إحداهما هي كاجي ماناكو، المعروفة باسم ”كاجيمانا“، والتي على الرغم من أنها لم تكن شابة ولا جميلة، أغرت عدة رجال بإمكانية إقامة علاقة معهم أو الزواج منهم قبل أن تقتلهم. وقد حظيت قضيتها باهتمام كبير إلى حد ما لأنها كانت تستخدم الأموال التي حصلت عليها من هؤلاء الرجال للعيش بأسلوب حياة مترفة، كما كانت توثق في مدونتها، ولكن بعد اعتقالها أنكرت ذنبها ورفضت إجراء أي مقابلة إعلامية.
قد يذكرنا هذا الوصف بالشخصية الحقيقية كيجيما كاناي، المعروفة أيضا باسم ”قاتلة كونكاتسو“. كونكاتسو هو مصطلح يشير إلى الأنشطة التي يشارك فيها الأشخاص المقبلون على الزواج لاختيار شريك مناسب، وهي الآن تقبع في أحد السجون اليابانية منتظرة تنفيذ حكم الإعدام بعد سلسلة من جرائم القتل في العقد الأول من القرن الحالي. لكن رواية زبدة تسلط الضوء بقوة على البطلة الأخرى، ماتشيدا ريكا، وتسير الأحداث في اتجاه قصة أخرى.
ريكا هي صحفية تعمل في مجلة إخبارية أسبوعية كانت تسعى للحصول على مقابلة مع كاجيمانا. بعد أن أرسلت لها عددا لا يحصى من الرسائل دون أن تحصل على أي رد، لكن ما فتح لها الباب أخيرا لتلك المقابلة هو طلب وصفة لوجبة معينة أعدتها كاجيمانا لأحد ضحاياها.
هل كاجيمانا قاتلة حقا؟ ما هو دافعها؟ في البداية، كانت ريكا تأمل في كشف الحقيقة من خلال مقابلاتها، ولكن مع مرور الوقت، أصبحت تتوق إلى المزيد من المحادثات مع كاجيمانا وأصبحت تزورها بشكل متكرر. بدأت تدريجيا تتحدث وتتصرف على عكس طبيعتها المعتادة. وهذا ما أثار قلق أحد أصدقائها عليها، وأخبرها أنها تبدو وكأنها من أتباع كاجيمانا، لكن ريكا لن تتراجع.
وكان الدافع وراء هذا التحول هو الزبدة.
في أول لقاء لهما في غرفة الزيارة في السجن، أخبرت كاجيمانا ريكا قائلة ”يجب أن تصنعي لنفسك أرزا بالزبدة وصلصة الصويا“. لطالما كانت ريكا تولي عملها الأولوية على حساب حياتها المنزلية، ولكن بناءً على هذا الأمر الذي تمتمت به كاجيمانا، خرجت لشراء أول طباخة أرز لها وبعض الزبدة الفرنسية باهظة الثمن ولم يسبق لها أن أنفقت مثل هذا المبلغ لصنع مكوّن واحد من قبل.
وضعت شريحة من الزبدة الطازجة الباردة على وعاء من أرز ساخن جدا، ثم أضافت قطرة من صلصة الصويا. ثم...
”أول ما شعرت به ريكا هو نسيم غريب ينبعث من مؤخرة حلقها. لامست الزبدة الباردة أولا سقف فمها ما منحها إحساسا بالبرودة“.
في هذه اللحظة، بدأت العلاقة تتغير بين الامرأتين، والتي من المفترض أن تكون تحت سيطرة ريكا. وظهرت الزبدة في كل منعطف على طول الرحلة.
في وقت متأخر من إحدى الليالي، أعدت ريكا المعكرونة بالزبدة وبطارخ سمك البولوق. وخلال تناول العشاء في الخارج، تناولت كل الأرز بالزبدة والثوم الخاص بها ثم تناولت حصة رفيقتها أيضا. وفي الساعات الأولى من الصباح، خرجت لتناول رامين بالزبدة المالحة مع ”الكثير من الزبدة“. ثم دهنت الزبدة بسخاء على شريحة من الخبز الفرنسي في مطعم فرنسي فاخر، وفي عيد الحب، خبزت كعكة غنية بالزبدة.
كانت تفعل كل هذا بناءً على أوامر كاجيمانا، التي تكره السمن النباتي المهدرج وترى الزبدة كعنصر أساسي لا بديل له. وباتت ريكا وكأنها تلميذة لكاجيمانا، ووقعت في حب الزبدة أيضا، وبدأ جسدها النحيف بالامتلاء.
امنح إذنا لنفسك
يبدو أن الكاتبة، من خلال هذه التغيرات التي طرأت على ريكا، تسأل القارئ ”هل أنت حر؟ هل أنت قادر على تقبل ذاتك كما أنت؟“.
حتى عندما ازداد وزنها وأصبحت موضع سخرية من المحيطين بها، ظلت ريكا غير مكترثة. فما إن باتت أسيرة شهيتها التي دأبت على كبحها سابقا ومنحت لنفسها الإذن بالاستسلام لها حتى أصبحت تشعر بأنها أكثر حرية من أي وقت مضى.
من الأفضل أن تكون نحيفا.
من الأفضل أن تكون جميلا.
من الأفضل ألا تطلب الكثير.
العالم مليء بقواعد غير مكتوبة مثل هذه. وللأسف تخضع النساء لتلك القواعد أكثر من الرجال.
ولكن كاجيمانا (وكذلك كيجيما كاناي)، كما تراها ريكا، تبدو وكأنها تتجاوز هذه القواعد بكل سهولة.
إن أكثر ما وجده الناس مثيرا للقلق هو أنها لم تكن نحيفة، حتى أكثر من حقيقة أن كاجي لم تكن جميلة.
ومع ذلك، فقد منحت كاجي نفسها هذا الإذن. متجاهلة معايير الآخرين، وقررت أن كونها امرأة هو أمر كافٍ.
إن تعامل ريكا مع كاجيمانا ومع الزبدة، يدفعها إلى اتخاذ القرار ذاته أيضا بأنه يكفيها فخرا أن تكون امرأة. تتذكر ريكا كاجيمانا عندما تأكل الزبدة وتستمر في تناول الزبدة كي تظل على اتصال بها. وكانت الزبدة أيضا طعاما ذا دلالة رمزية لكاجيمانا.
نجتاز بأجسادنا العديد من التجارب. بعضها حزين أو مؤلم، بينما البعض الآخر ممتع أو سعيد. نتعرف على أشخاص جدد ويغادر آخرون حياتنا. تبقى النكهات في أجسادنا كذكريات لا يمكننا نسيانها، وتلعب تلك الذكريات دورا في تشكيل سلوكنا.
أظهرت الكاتبة حدة إدراك مذهلة عندما أطلقت على هذه القصة ”زبدة“.
في عام 2024، فازت ترجمة بولي بارتون الإنجليزية بالجائزة البريطانية المرموقة ”كتاب ووترستونز للعام“. وجاء هذا الفوز، بعد مرور سبع سنوات على نشر الرواية الأصلية، في بلد لا يعرف فيه سوى القليل من الناس قضية كيجيما كاناي، ما يثبت بالتأكيد أن ”النكهات التي لا تُنسى“ والعلاقات الإنسانية التي تناولتها رواية ”باتا“، ناهيك عن المعاناة الشديدة للنساء العاجزات على منح أنفسهن الإذن، هي موضوعات عالمية يشترك بها الجميع.
(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني عام 2025، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: مقدمة من شينتشوشا و فورث إيستيت)