قواعد يابانية غريبة لا يمكن لأحد اتباعها !

تجارب وآراء

يُعرف اليابانيون في جميع أنحاء العالم بأنهم أشخاص منظمون ومطيعون، وهم يميلون إلى الافتخار بهذا. لكن المجتمع الياباني مليء أيضًا بالقواعد التي يبدو أنه لا معنى لها. في هذا المقال تشاركنا تشانغ ييي المترجمة الصينية والمقيمة في اليابان ملاحظاتها عن الشعب الياباني الذي تصفه بأنه شعب يلتزم بالقواعد بشكل مفرط.

حتى وضع الكمامات له قواعد!

أصبح من المستحيل الذهاب إلى أي مكان في اليابان دون وضع الكمامات بسبب جائحة كورونا. في البداية لم يكن لدينا سوى خيار الكمامات البيضاء، ولكن نظرًا لأنها أصبحت عنصرًا أساسيًا في الحياة اليومية، فقد ازدهرت صناعة الكمامات، وظهرت أنواع جديدة بخامات وألوان وتصاميم مختلفة، حتى اننا نجد بعض الناس حريصون وضع كمامات تتناسب وتتماشى مع الملابس التي يرتدونها.

وتطور الأمر حتى ظهر مؤخراً جدال واسع على منصات التواصل الاجتماعي حول لون الكمامة المناسب لكل حدث، فقد اعتبر البعض أن الكمامات السوداء أو ذات الألوان الداكنة غير مناسبة للعمل، بينما تعد هي الخيار الوحيد في الجنازات.

كما أن بعض الشركات أدخلت قواعد خاصة لارتداء الكمامات داخل الشركة، وعلى الرغم من وجود بعض الشكوك حول

جدوى هذه القواعد، إلا أن أغلب العاملين فضلوا الالتزام بها. الأمر الأكثر غرابة بالنسبة لي حدث في شهر أبريل/ نيسان 2020 حين علمت أن بعض المدارس لم تجد أي غضاضة في إصدار مرسوم يمنع ارتداء الكمامات الملونة أو المصنوعة يدوياً داخل المدرسة على الرغم من تفاقم مشكلة نقص الكمامات في جميع أنحاء البلاد.

يميل اليابانيون بشكل عام إلى عدم معارضة رؤسائهم في العمل حتى في أبسط الأمور، حتى ولو كان الأمر يتعلق بنوع ولون الكمامة، خلال حالة الطوارئ التي تم إعلانها على الصعيد الوطني للحد من انتشار فيروس كورونا، تم تقصير ساعات عمل المطاعم، المقاهي، والحانات. في ذلك الوقت، رأيت مراسلًا تلفزيونيًا يسأل أحد الأشخاص الذين اعتادوا على الذهاب إلى الحانات بشكل شبه يومي عما إذا كان سيعود إلى عادته السابقة في التردد على الحانات بعد رفع حالة الطوارئ، أجاب هذا الشخص قائلاً  ”هذا يتوقف على تعليمات مديري في العمل“.

الجيل الحالي من كبار المسؤولين في الشركات اليابانية مهوسون بالعمل، فهم يكدحون لساعات طويلة داخل الشركة كل يوم، ويشعرون بالانتماء إلى الشركة أكثر من شعورهم بالانتماء إلى منازلهم وأهلهم. أذكر ذات مرة أن صديق ياباني اشتكى من أن مديره طلب منه العمل من المكتب على الرغم من إعلان حالة الطوارئ في البلاد.

لا أحد يريد التقيد بالقواعد

أذكر مرة أنني أقمت في فندق ياباني لعدة ليالٍ، وكان موظف الاستقبال ودوداً جداً، فقد قدم لي مجموعة من أردية اليوكاتا ”أحد أنواع الملابس اليابانية التقليدية التي عادة ما تلبس في فصل الصيف“ بألوان مختلفة لأختار احدها لكي ارتديه داخل الفندق. لقد تأثرت بلفتة الضيافة هذه. وعندما قمت بتسجيل الوصول، قام نفس الموظف بإخراج قائمة طويلة من قواعد الفندق وقرأها علي، ولكن عقلي كان في مكان آخر متحمسًا لاختيار اليوكاتا الخاص بي. ولكن بعد أن دخلت الغرفة وجدت ملصقًا يحتوي على نفس القواعد التي شرحها لي موظف الاستقبال منذ قليل، مما جعلني أتساءل لماذا يضيعون الوقت في قراءة هذه التعليمات عند تسجيل الوصول إذا كانت موجودة داخل الغرفة.

كانت معظم القواعد كما توقعتها، ولكن أحد القواعد التي صدمتني كانت مطلبًا بأن يرتدي الضيوف اليوكاتا والنعال في جميع الأوقات داخل الفندق. وعلى الفور اختفت الفرحة التي شعرت بها سابقًا. يمكنني أن أفهم سبب ضرورة وجود قواعد معينة داخل الشركة، لكنني شعرت بالحزن لأني سوف أكون مقيدة في أوقات فراغي أيضاً. وعندما جاء ميعاد الإفطار تساءلت إذا كان جميع النزلاء سيلتزمون بقواعد اللباس هذه أم لا. كان ذلك صباح يوم الجمعة، وكان الكثير من النزلاء من كبار السن، ومن المؤكد أن الجميع كانوا يرتدون اليوكاتا. وبطبيعة الحال، اتبعتُ أنا أيضاً هذا النهج، ولكن في يومي السبت والأحد ارتدى العديد من النزلاء ملابس أخرى غير اليوكاتا، وتجاهل الموظفون الأمر، وتساءلت لماذا إذاً لا يتخلون عن هذه القاعدة تمامًا ويتركوا الأمر لحرية اختيار النزلاء؟!

ذات مرة عندما زرت أوروبا، انضممت إلى جولة نهارية محلية تديرها وكالة سفر يابانية. لقد كان يومًا طويلًا، ولكنه كان ممتعًا للغاية. شعرت بالامتنان بشدة لكل من المرشد السياحي والسائق، وهو مواطن محلي مسن، ولكن مع اقترابنا من نهاية الجولة، طلب المرشد منا صراحة أن نشكر السائق عند وصولنا إلى الفندق. ولأني أعتقد أن الشكر يجب أن يكون صادقًا، وليس التزامًا يفرض على الفرد من الخارج، فلم استسغ الأمر، وسألت صديقتي اليابانية التي كانت ترافقني عما إذا كان المرشد يعاملنا كمجموعة من الحمقى، ولكن ما كان منها إلا أن ردت ببرود شديد ”أعتقد أن ذلك جزء من تعليمات الشركة ليس إلا، في الشركات اليابانية لا يمكنك تجاهل التعليمات“.

حتى اليابانيون سئموا من القواعد الغريبة

يوجد في اليابان كتيبات إرشادية لكل شيء تقريبًا، حيث يؤدي اتباع الإرشادات إلى تحسين الكفاءة والحفاظ على معايير الجودة، ولكن ماذا لو أن الأمر لا يحتاج إلى كل هذه القواعد؟

هناك كتاب ممتع جداً اسمه ”قواعد مدرسية غريبة“، وهو كتاب يضم مجموعة من القواعد الغريبة المعمول بها في بعض المدارس ويشرحها بشكل ساخر مع بعض الرسوم التوضيحية التي تجعلك تريد أن تتسأل ”لماذا يضعون مثل هذه القواعد؟“ فمثلاً إحدى المدارس لديها قاعدة تقول ”هيا نذهب إلى المدرسة في حالة مزاجية مرحة كل يوم“، وفي الرسم التوضيحي يسأل الطلاب معلمهم” هل يمكننا إحضار الحلوى؟“.  قاعدة مدرسية أخرى تقول صفق للمدرس عند دخول الفصل، وفي الرسم التوضيحي يعلق أحد الطلاب قائلا ”سأصفق، لذا من فضلك قلل عدد الاختبارات القصيرة“ حتى اليابانيين قد سئموا من القواعد الغريبة.

ولكن في اليابان حتى لو لاحظ الناس وجود بعض القواعد الغريبة التي ربما يكون من الأفضل إلغاؤها، إلا أنهم ولسبب ما غير مفهوم يتركونها كما هي. فنجد مثلاً أن هيكل العمل القائم على الأقدمية في اليابان ينهار ببطء، لكن الناس هنا يتحفظون على رفض الموروثات، وهذا يجعل من الصعب تغيير القواعد التي وضعها السلف.

يتطلب إصلاح اللوائح القديمة قدرًا كبيرًا من الجهد. لذا فمن الأسهل التعامل مع الوضع الراهن حتى لو كان هناك بعض المعاناة. ومع ذلك، هناك بعض الإصلاحيين الشجعان. فعلى سبيل المثال أحد مديري المدارس الثانوية في طوكيو أحدث ضجة كبيرة بعد تعيينه، فقد قام بإلغاء القواعد المدرسية. بالطبع هو لا يريد أن تعم الفوضى المدرسة، ولكنه يريد أن يعلم الطلاب ضرورة احترام الفردية والتنوع، بدلاً من مجرد الالتزام بالتعليمات.

عندما نقيد الناس بالكثير من القواعد واللوائح فإننا نقتل روح المبادرة بداخلهم. إذا كنا نؤمن بمجتمع يحترم حرية الناس وفرديتهم، فعلينا بالتأكيد القضاء على القواعد القديمة.

(نشر النص الأصلي باللغة الصينية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان من بكيستا)

المجتمع الياباني التعليم الياباني الأخلاق