كيف وجد أصم مكفوف النور في هذه الحياة واستمع إلى صوت الأمل النابع من داخله... قصة ملهمة لكل روح أصابها اليأس وفقدت الهدف من وجودها

مجتمع

في فيلم إنساني جديد يقدم لنا المخرج ماتسوموتو جونبي قصة فوكوشيما ساتوشي الذي فقد بصره وسمعه في شبابه، لكنه لم يستسلم لليأس واجتاز كل العقبات إلى أن أصبح أستاذًا متفرغًا في جامعة طوكيو. بمناسبة عرض الفيلم، أجرينا مقابلة مع فوكوشيما للتعرف على رحلته الحياتية المتميزة والملهمة.

فوكوشيما ساتوشي FUKUSHIMA Satoshi

فوكوشيما ساتوشي ولد في محافظة هيوغو عام 1962. فقد بصره تماماً في سن التاسعة ثم فقد سمعه في سن 18 عامًا. أصبح أستاذاً مشاركاً في جامعة كانازاوا، وكان قبلها أستاذاً في مركز أبحاث جامعة طوكيو للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة منذ عام 2008، ويعد أول شخص أصم مكفوف في العالم يصبح أستاذاً جامعياً بدوام كامل. هو مدير الرابطة اليابانية للصم المكفوفين وتولّى منصب الممثل الإقليمي عن قارة آسيا في الاتحاد العالمي للصم المكفوفين لمدة خمس فترات حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2022. في عام 1996، فاز بجائزة يوشيكاوا إيجي الأدبية بالاشتراك مع والدته ريكو، وفي عام 2003 اختارته مجلة تايم الأمريكية ضمن أبطالها الآسيويين. تشمل كتاباته Mōrōsha toshite ikite (الحياة كشخص أصم مكفوف) و Boku no inochi wa kotoba to tomo ni aru (بالكلمات أحيا).

(الصورة إهداء من Throne/Karavan)
(الصورة إهداء من Throne/Karavan)

فوكوشيما ساتوشي لا يستطيع أن يرى أو يسمع، لكنه لم يولد على هذا النحو بل فقد القدرة على الإبصار والسمع بشكل تدريجي، حيث فقد القدرة على الإبصار في عينه اليمنى في سن الثالثة ثم حدث نفس الشيء لعينه اليسرى وهو في التاسعة من عمره، بعد ذلك فقد السمع في أذنه اليمنى في سن الرابعة عشرة ثم حدث نفس الشيء لأذنه اليسرى وهو في سن الثامنة عشرة. ولذا فهو لا يزال يتذكر الأشياء التي رآها وسمعها قبل فقدانه القدرة على الإبصار والسمع. كما أنه قادر على التحدث دون إعاقة.

لكن ما تعرض له من ابتلاء في سمعه وبصره سبب له ضيقًا شديدًا، لا سيما وأنه مر بعملية فقد حاسة ثمينة من حواسه الخمس عدة مرات، وبلغت عملية فقدان حاسة السمع ذروتها أثناء فترة المراهقة التي عادة ما يكون المرء خلالها حساساً بشكل خاص، مما ضاعف من معاناته وترك أثراً عميقاً في نفسه.

في الفيلم الجديد، Sakura iro no kaze ga saku (لمسة أم)، يقوم المخرج ماتسوموتو جونباي بتصوير المعاناة التي مر بها فوكوشيما ووالدته وكفاحهما للتغلب على صعوبات جمة. يروي النصف الأول من الفيلم، الذي عُرض في 2022، معاناة والدة ساتوشي، التي لعبت دورها كويوكي، لكي تعتني به بعد اكتشاف إعاقته البصرية كطفل صغير ثم إصابته بعمى كلي في سن التاسعة، بينما يركز النصف الثاني من الفيلم على ساتوشي (يؤدي دوره الممثل تاناكا تاكيتو) في أواخر فترة مراهقته. حيث يتقبل ساتوشي حالته ويصبح شخصية مرحة وحيوية تاركاً منزله في هيوغو لحضور مدرسة للمكفوفين في طوكيو، حيث يستمتع بالحياة في الإقامة المدرسية. لكنه يفقد سمعه في سن 18، وهي الحاسة التي كانت بمثابة شبكة أمان له حتى ذلك الحين. يظهره الفيلم وهو يتغلب على هذه الصدمة الكبيرة، وبدعم من والدته ريكو وعائلته، يصبح في النهاية أول شخص أصم مكفوف في اليابان يلتحق بالجامعة.

كاتو كويوكي (اسمها الفني كويوكي) تلعب دور والدة فوكوشيما، بينما يلعب تاناكا تاكيتو دور فوكوشيما في سن المراهقة. (الصورة إهداء من Throne/Karavan)
كاتو كويوكي (اسمها الفني كويوكي) تلعب دور والدة فوكوشيما، بينما يلعب تاناكا تاكيتو دور فوكوشيما في سن المراهقة. (الصورة إهداء من Throne/Karavan)

رحلة البحث عن معنى الحياة

كان الفيلم مبنياً على كتاب ساتوشي واكارو كا (ساتوشي، هل تفهم؟) من تأليف والدته فوكوشيما ريكو، وقد تحدثنا إلى ساتوشي قبل الشروع في تنفيذ الفيلم.

”عندما علمت لأول مرة عن فكرة صنع الفيلم، قيل لي أنه سيكون مبنياً على كتاب والدتي، لذلك بطبيعة الحال لم يكن لدي أي اعتراض فقد تعاونت مع أمي في كتابة هذا الكتاب بشكل عام لكن بالطبع هناك تفاصيل من طفولتي المبكرة لم أكن أعرف عنها سوى القليل. أعتقد أني تشجعت لفكرة صنع الفيلم لأنه سيكون من منظور والدتي“.

فقد ساتوشي القدرة على الإبصار بعينه اليمنى في سن الثالثة. (الصورة من Throne/Karavan)
فقد ساتوشي القدرة على الإبصار بعينه اليمنى في سن الثالثة. (الصورة من Throne/Karavan)

لأن الشخصية الرئيسية هي أم تربي طفلًا معاقًا، يمكن لمشاعر الأمومة أن تكسب تعاطف شريحة أكبر من الجمهور. بصفته ابنها، كيف كان شعوره حيال فكرة كون والدته الشخصية الرئيسية؟

”أنا متأكد من أنه كان صعبًا جدًا على والدتي تربية شقيقي الأكبر سناً والقيام بكل الأعمال المنزلية في نفس الوقت، تماماً كما جاء في الفيلم. أثناء صنع الفيلم أدركت أنه بالنسبة لأمي، كان فقداني لحاسة البصر معاناة أكبر من فقداني لحاسة السمع. ففي ذلك الوقت كنت في التاسعة من عمري فقط، ورغم أن إصابتي بالعمى التام كانت صدمة كبيرة لي، لكن على الأقل كنت قادراً على السمع، ولأنني كنت صغيرًا فقد استطعت التكيف بسهولة إلى حد ما“.

فوكوشيما ماسامي (يلعب دوره الممثل يوشيزاوا هيساشي) يواسي زوجته ريكو لحظة اكتشافها أن ساتوشي فقد بصره. (الصورة من Throne/Karavan)
فوكوشيما ماسامي (يلعب دوره الممثل يوشيزاوا هيساشي) يواسي زوجته ريكو لحظة اكتشافها أن ساتوشي فقد بصره. (الصورة من Throne/Karavan)

في الفيلم، يبدو ساتوشي في الواقع غير مبالٍ تقريبًا عندما فقد بصره في وقت مبكر من الفيلم. بعد ذلك يفقد حاسة السمع تدريجيًا بين سن 14 و18 عامًا، وتدور أحداث الجزء الأخير من الفيلم في فصلي الشتاء والربيع من السنة التي يُتم فيها عامه الثامن عشر.

”لقد ولدت في يوم عيد الميلاد عام 1962، وبعد فترة وجيزة من بلوغ الثامنة عشرة في عام 1980، تدهور سمعي بسرعة إلى أن أصبحت تقريبا أصم تماما في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 1981“.

من بين جميع التحديات التي واجهها خلال فترة مراهقته، كانت هذه الأشهر الثلاثة هي الأصعب. أخذ ساتوشي إجازة من مدرسة المكفوفين وعاد إلى منزل عائلته في كوبه. لقد سعوا إلى علاج حالته من خلال النظام الغذائي والتمارين الرياضية، لكنهم فشلوا في تحقيق أي نتائج ملموسة.

ريكو تركب الدراجة وساتوشي يسير بجوارها بينما الدراجة مقيدة بمعصمه، في إطار تدريب يهدف إلى محاولة علاج حالته. (الصورة من Throne/Karavan)
ريكو تركب الدراجة وساتوشي يسير بجوارها بينما الدراجة مقيدة بمعصمه، في إطار تدريب يهدف إلى محاولة علاج حالته. (الصورة من Throne/Karavan)

”لقد كان فقدان بصري في عين واحدة في كل مرة، ثم فقدان سمعي في أذن واحدة في كل مرة، أمرًا مروعاً. لم أستطع فهم الوضع في البداية وشعرت بقسوة الحياة. في فبراير/ شباط 1981، كتبت في رسالة إلى صديق أنه إذا كان للحياة معنى، فلا بد أن يكون هناك أيضًا معنى لما أعانيه. في الواقع، لم أتمكن من التعامل مع وضعي في تلك المرحلة، ولكن وجود هذا الإدراك منحني شيئاً من راحة البال“.

تأثير الأدب والقراءة على فكر ساتوشي

كان ساتوشي يعشق قراءة الكتب بخط برايل الياباني، وكتابة مذكراته ورسائله، والتأمل. بعد فترة وجيزة من فقدانه القدرة على الإبصار والسمع، قرأ رواية ”المسخ“ للروائي الألماني فرانز كافكا وقد مسّت وتراً حساساً في نفسه، وفي أحد مشاهد الفيلم كان يقول:

”بمجرد قراءة قصة جريجور سامسا، الذي يستيقظ ليجد أنه أصبح حشرة ضخمة، شعرت بالارتباط بالشخصية وتفهمت معاناتها. فقد بدا هذا شبيهاً بما حدث لي، وكانت الخطوة التالية هي تحديد كيفية العيش في تلك الحالة“.

فوكوشيما ساتوشي في مختبره في مركز أبحاث جامعة طوكيو للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة. إلى اليمين مايدا أتسومي مترجمة طريقة برايل للقراءة باستخدام الأصابع. (هاناي توموكو)
فوكوشيما ساتوشي في مختبره في مركز أبحاث جامعة طوكيو للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة. إلى اليمين مايدا أتسومي مترجمة طريقة برايل للقراءة باستخدام الأصابع. (هاناي توموكو)

قصة أخرى أثارت إعجابه هي قصة ”Haguruma“ (التروس المسننة) التي كتبها أكوتاغاوا ريونوسوكي قبل بضعة أشهر من انتحاره، ويُعتقد أنها شبه سيرة ذاتية تدور حول رجل يشعر بسلسلة من الدلائل التي تشير إلى قرب وفاته.

”إنها قصة محبطة وقراءتها تجعلك ترغب في الموت. لكن في حالتي أنا، جعلتني أدرك أنني يجب أن أبقى على قيد الحياة وهدأت من روعي على نحو ما كان ليحدث لو كنت قرأت أي رواية ممتعة وسطحية. فقد أدركت أنه إذا غرقت في قاع المحيط، فلا يمكن أن تغرق أكثر من ذلك. بمعنى أنني عندما أصبحت أصماً ومكفوفًا في نهاية المطاف، بعد ما عانيته من تدهور تدريجي في بصري وسمعي منذ طفولتي، راودني إحساس غريب بالارتياح، حيث أدركت أن الأمور لا يمكن أن تزداد سوءًا وأن عليّ الآن أن أبدأ في عيش حياتي“.

في حين أن الفيلم لا يمكن أن ينقل بشكل كامل الألم اليومي الذي عانى منه ساتوشي، إلا أنه نجح في تصوير سقوطه إلى الهاوية بعد أن فقد سمعه، ثم عودته ليشق طريقه نحو النجاح من خلال التحاقه بالجامعة.

”في فبراير/ شباط 1981، كان لدي شعور قوي بأنه إذا تم تكليفي بمهمة في الحياة، فيجب أن أعمل على تحقيقها. وشعرت أن معاناتي هي دون شك جزء من تلك المهمة، أو بمصطلحات علم النفس، كنت أمر بمرحلة العقلانية. أعتقد أنني كنت أحاول إقناع نفسي لتهدئة مشاعري. كنت بحاجة إلى التفكير بهذه الطريقة لكي أتمكن من التأقلم مع ظروفي“.

لحظات الأمل واليأس تصقلنا

بعد فترة وجيزة، خطرت لريكو فكرة طريقة برايل للقراءة باستخدام الأصابع. في هذا النظام، ينقل شخص الرموز مباشرة إلى أصابع الشخص الآخر بنفس طريقة كتابة المفاتيح على آلة كاتبة بطريقة برايل. في السابق، كانت ريكو تستخدم آلة كاتبة بطريقة برايل والورق، ولكن الاستغناء عن الآلة الكاتبة أتاح الاتصال المباشر. هذه هي الطريقة التي تم بها اختراع طريقة برايل للقراءة باستخدام الأصابع، وتعد الآن إحدى وسائل الاتصال المعيارية للصم المكفوفين حول العالم.

ريكو تتواصل مع ساتوشي بعد أن جاءتها فجأة فكرة اتباع طريقة برايل للقراءة باستخدام الأصابع. (الصورة إهداء من Throne/Karavan)
ريكو تتواصل مع ساتوشي بعد أن جاءتها فجأة فكرة اتباع طريقة برايل للقراءة باستخدام الأصابع. (الصورة إهداء من Throne/Karavan)

”كان ذلك في بداية مارس/ آذار 1981. أعتقد أنه كان في 3 مارس/ آذار لكني لست متأكدًا لأني لم أكتبه في مذكراتي. ربما لم أعتبرها فكرة جيدة إلى هذا الحد. كنت مغرورًا تمامًا، ربما اعتقدت أن أمي أتت بفكرة غريبة وأن بإمكاني التفكير في طريقة أفضل“.

عاد فوكوشيما إلى الإقامة المدرسية في مدرسة المكفوفين بطوكيو في نهاية مارس/ آذار، حيث بدأ سنته الدراسية الأخيرة، ولكن الآن كطالب أصم كفيف. وقد تعلم أقرانه طريقة برايل للقراءة باستخدام الأصابع ليتمكنوا من التواصل معه وتشجيعه.

شجعني الجميع أن أبذل قصارى جهدي وألا أستسلم. في البداية كان ذلك رائعًا لكنه لم يكن كافيًا. بعد فترة، سئموا من التواصل معي وغادروا، وكثيراً ما كان يحدث هذا. شعرت وكأنني محبوس في سجن تحت الأرض، وبين الحين والآخر تأتيني زيارة من العالم الخارجي حين يظهر شخص ما خارج نافذتي الصغيرة للتعبير عن تعاطفه، كنا نتحدث قليلا ثم يغادر مرة أخرى. هذا ما شعرت به. لم يكن لدي أي فكرة عن ماذا يتحدث الناس من حولي، فلم أعد قادراً على الاستمتاع بنفس عمق التواصل كما كنت من قبل وشعرت بالعزلة أكثر فأكثر”.

قبل أن يفقد قدرته على السمع، كانت من أسعد اللحظات في حياة ساتوشي هي تلك التي يستمع فيها إلى عزف زميلته ماسودا مانامي (يوشيدا ميكاكو) على البيانو. (الصورة من Throne/Karavan)
قبل أن يفقد قدرته على السمع، كانت من أسعد اللحظات في حياة ساتوشي هي تلك التي يستمع فيها إلى عزف زميلته ماسودا مانامي (يوشيدا ميكاكو) على البيانو. (الصورة من Throne/Karavan)

البحث عن آفاق جديدة

بعد فترة وجيزة حدث تحول كبير، فبعد حوالي أربعة أشهر من تعلم ساتوشي طريقة برايل للقراءة باستخدام الأصابع، شرح له أحد زملائه الكبار في مدرسة المكفوفين أن هناك طريقة يمكن استخدامها لدعم الترجمة الفورية. فبدلاً من أن يتواصل شخص ما مباشرة مع الشخص الأصم المكفوف من خلال طريقة برايل للقراءة باستخدام الأصابع، يمكن لشخص آخر أن يعمل كوسيط لإيصال رسائل المتحدث. لقد شعر ساتوشي أن هذه قد تكون وسيلة لاستعادة التواصل الأعمق الذي كان يستمتع به سابقًا، وأثر هذا على المسار المستقبلي لحياته.

”في تلك المرحلة كنت ما أزال أجهل مهمتي في هذه الحياة. كل ما كنت أعرفه هو أنني غالباً سألتحق بالجامعة مثل شقيقي الأكبر سناً. لبعض الوقت، عانيت من التفكير فيما يجب أن أفعله في المستقبل. لكن سلسلة من الصدف غير العادية جعلتني أدرك أن مهمتي في الحياة هي دعم الصم المكفوفين بطريقة أو بأخرى، ولم يكن هناك طريق آخر“.

تُرى ما الذي دار في ذهن ساتوشي في ذلك اليوم عندما علم أنه قُبل في الجامعة؟ (الصورة إهداء من Throne/Karavan)
تُرى ما الذي دار في ذهن ساتوشي في ذلك اليوم عندما علم أنه قُبل في الجامعة؟ (الصورة إهداء من Throne/Karavan)

في نوفمبر/ تشرين الثاني 1981 تم تكوين مجموعة لدعم فوكوشيما في رحلة التحاقه بالجامعة، وكانت هذه المجموعة نواة لما أصبح يُعرف لاحقاً باسم ”الجمعية اليابانية للصم المكفوفين“ التي تأسست بعد 10 سنوات. في عام 1987، تخرج فوكوشيما من جامعة طوكيو متروبوليتان والتحق بكلية الدراسات العليا. من خلال عمله مع الجمعية، ساعد في تنظيم عملية دعم التواصل للصم المكفوفين على غرار الدعم الذي حصل هو عليه.

”كان الأمر أشبه بوضع أساس للبنية التحتية، بعد ذلك تمكن الصم المكفوفون من المشاركة مرة أخرى في المجتمع. هناك أشياء لا يمكننا القيام بها منفردين مهما حاولنا جاهدين، وهذا هو السبب في ضرورة وجود داعم. كانت هذه نقطة البداية، وبعد ذلك بدأت اليابان تدريجياً في تنفيذ تدابير الرعاية الاجتماعية المناسبة. إذن فقد بدأ كل شيء من دعم التواصل الذي تلقيته شخصيًا“.

يوضح فوكوشيما كيفية استخدام الجهاز المحمول بتقنية برايل BrailleSense المستخدم لإدخال المعلومات بطريقة برايل وترتيبها. إلى اليسار مترجمة طريقة برايل للقراءة باستخدام الأصابع هارونو موموكو. (هاناي توموكو)
يوضح فوكوشيما كيفية استخدام الجهاز المحمول بتقنية برايل BrailleSense المستخدم لإدخال المعلومات بطريقة برايل وترتيبها. إلى اليسار مترجمة طريقة برايل للقراءة باستخدام الأصابع هارونو موموكو. (هاناي توموكو)

التواصل بالنسبة له يعني الحياة

لا يمكن للناس العيش بدون تواصل. يبدو هذا أمراُ بديهياً، لكن فوكوشيما أصبح مدركًا تمامًا لهذه الحقيقة عندما فقد الضوء والصوت في سن 18 عامًا.

”عندما ينقطع التواصل، يكون الأمر مثل حالة الجوع والعطش التي تخنق الروح. وبالنسبة لي، الحرمان من التواصل مع الآخرين هو بمثابة الحرمان من الطعام والماء والأكسجين. في حالتي، لا أستطيع رؤية مناظر طبيعية خلابة أو سماع موسيقى جميلة، لذا فالأمر ممل بالطبع. لكن انقطاع الاتصال هو أمر أسوأ بكثير يجعلك تفقد الدليل على وجودك في العالم. عندما يتفاعل الأشخاص مع شخص ما، يمكنهم رؤية أنفسهم في الضوء المنعكس من وجود الشخص الآخر“.

البروفيسور فوكوشيما يسير في ممر مركز أبحاث جامعة طوكيو للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة، ويمكنه استخدام المرحاض دون مساعدة. (هاناي توموكو)
البروفيسور فوكوشيما يسير في ممر مركز أبحاث جامعة طوكيو للعلوم والتكنولوجيا المتقدمة، ويمكنه استخدام المرحاض دون مساعدة. (هاناي توموكو)

يشارك فوكوشيما الآن في أبحاث حول تطوير الاستخدامات الخالية من العوائق، بالإضافة إلى دراسات حول الإعاقة. في الوقت نفسه، كان الممثل الإقليمي عن قارة آسيا في الاتحاد العالمي للصم المكفوفين لأكثر من 20 عامًا، وهي مسؤولية سلّمها لخلفه هذا العام. إنه يتألم لإدراكه أن الدعم المتاح للصم المكفوفين في جميع أنحاء العالم أقل بكثير من الدعم المتاح للأشخاص الذين يعانون من إعاقات أخرى. تصل أعداد الصم المكفوفين إلى أكثر من 10 ملايين شخص حول العالم، وما لا يقل عن 14000 شخص في اليابان.

”بعض الناس يحتاجون إلى المساعدة فقط ليتمكنوا من العيش. إن تدابير الرعاية الاجتماعية الأساسية تفي بالمتطلبات الفسيولوجية كالأكل والذهاب إلى المرحاض والاستحمام، ولكن القدرة على التواصل والحصول على المعلومات والخروج بحرية لا تقل أهمية عن المتطلبات الفسيولوجية، وهي أمور لا تزال صعبة بشكل خاص على الصم المكفوفين. إذا لم تتم إتاحة هذه المتطلبات فالواقع يكون أشبه بالعيش في السجن. ومن هذا المنطلق هناك العديد من الأبرياء المسجونين وأريد أن يتم إطلاق سراحهم بطريقة ما. لهذا السبب، أريد من الجميع أن يتعاونوا على تطوير أقوى تدابير الرعاية الاجتماعية الممكنة“.

تعد اليابان متأخرة كثيراً عن البلدان المتقدمة الأخرى فيما تتخذه من تدابير الرعاية الاجتماعية العامة، ليس فقط للصم المكفوفين، ولكن لجميع ذوي الاحتياجات الخاصة. يعتقد فوكوشيما أن جذور المشكلة تكمن في عدم النهوض الاجتماعي بالمرأة.

المسألتان متماثلتان، فإذا لم ننجح في القضاء على التمييز ضد المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين، لا أعتقد أننا سنتمكن من خلق مجتمع يتيح لذوي الاحتياجات الخاصة والأقليات الأخرى العيش بحرية. لقد احتلت اليابان المرتبة 116 في تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين رغم أن النساء يمثلن نصف البشرية، وأنهن المسؤولات عن ولادتنا جميعًا، فلا يزال هناك اختلال في التوازن بين الجنسين. وطالما ظل هذا الوضع قائماً، فإننا لن ننجح في القضاء على التمييز ضد ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يشكلون حوالي 10% من السكان. طالما استمر المجتمع الياباني في التركيز على كبار السن من الرجال، فلن يرى ذوو الاحتياجات الخاصة العدالة أبدًا”.

(الصورة إهداء من Throne/Karavan)
(الصورة إهداء من Throne/Karavan)

هؤلاء الرجال المسنون أنفسهم سيصبحون في نهاية المطاف الطرف المتلقي للدعم الموجه للمسنين. يُختتم كتاب ”لمسة أم“ ببيت من قصيدة ”Inochi wa“ (الحياة) من تأليف يوشينو هيروشي، والتي يقتبسها فوكوشيما بين الحين والآخر. ”في الحياة، نواجه نفس النقائص التي يواجهها الآخرون“ وهو ما يؤكد وجهة نظر فوكوشيما الذي يؤمن بأنه لا يوجد شيء اسمه ”مشاكل الآخرين التي لا تعنينا“.

يقول فوكوشيما: ”من المهم أن نسعى إلى خلق مجتمع يمكن للجميع العيش فيه مهما كانت التحديات التي يواجهونها، أعتقد أن هذا التنوع ينشئ مجتمعًا قويًا وقابلًا للتكيف. فإذا فكرنا في التعاون بدلاً من المنافسة، سوف تتحسن القدرة التنافسية أيضًا بالتبعية. أعتقد أنه لو اجتمع الأشخاص على اختلاف وجهات نظرهم وقيمهم وظروفهم، حتى لو بدا الأمر أقل كفاءة من المجموعات المتناغمة، فإننا على المدى البعيد سنخلق مجتمعًا مرنًا يمكنه التكيف مع شتى أنواع المواقف“.

تفاصيل الفيلم

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، الترجمة من الإنكليزية. مترجمي طريقة برايل للقراءة باستخدام الأصابع هارونو موموكو ومايدا أتسومي، الصور بواسطة هاناي توموكو. تم إجراء الحوار وكتابة المقال بواسطة ماتسوموتو تاكويا، Nippon.com).

الثقافة الشعبية الثقافة الفرعية الحكومة اليابانية تاريخ اليابان