فيلم ”غودزيلا ناقص واحد“ يعيد كتابة تاريخ أسطورة ملك الوحوش ويصور اليابان ما بعد الحرب

فن

عودة غودزيلا، ملك الوحوش، مرة أخرى في الفيلم الجديد ”غودزيلا ناقص واحد“، وهو الظهور الثلاثون للسحلية العملاقة. وضع المخرج يامازاكي تاكاشي رؤيته الخاصة عن غودزيلا في السنوات الأولى التي عقبت الحرب، وملأها بإشارات وفيرة إلى مزيد من الأفلام القادمة في السلسلة.

من فيلم ”عودة غودزيلا“ إلى ”غودزيلا ناقص واحد“

قال يامازاكي تاكاشي، الذي أخرج وكتب وأشرف على المؤثرات الخاصة في فيلم ”غودزيلا ناقص واحد“، ما يلي حول فيلم ”عودة غودزيلا“ في مقابلة حديثة مع المخرج الرئيسي للفيلم أنّو هيدئاكي: ”كان فيلم شين غودزيلا مذهلًا. وعندما سألتني شركة توهو للإنتاج السينمائي عما إذا كنت سأعد الفيلم التالي لغودزيلا، لم يكن بإمكاني إلا التفكير، “ هل يجب أن أتبع فيلم شين غودزيلا بفيلم آخر؟!”

صدر فيلم غودزيلا الأول الذي لا ينسى في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1954، بعد 9 سنوات فقط من نهاية الحرب العالمية الثانية. وكان يعتبر أول فيلم يصور آثار الحرب والسلاح النووي بمثابة وحش، وكان هذا في وقت كانت فيه ذكريات الحرب والدمار لا تزال حية.

(© شركة توهو للإنتاج السينمائي 2023)
(© شركة توهو للإنتاج السينمائي 2023)

فيلم شين غودزيلا ”عودة غودزيلا“، هو إعادة تخيل لهذا الفيلم بمفهوم ماذا سيحدث إذا ظهر الوحش في العصر الحديث. لقد جاء أيضًا بعد 5 سنوات فقط من زلزال شرق اليابان الكبير وحادث محطة فوكوشيما دايئتشي للطاقة النووية، واستخدمت غودزيلا مرة أخرى كاستعارة للكارثة وقوة الطاقة النووية. لقد قمت بتحديث بنية الفيلم الأصلي وجوهره الروحي بطريقة جديدة، كما قدمت بعض الحيل التي فاجأت الجمهور. هذا النهج الجديد أعطى للفيلم طابعًا فريدًا يرتبط بشكل عميق بالتاريخ والماضي الياباني. بتركيزه على الفترة الزمنية التي تسبق ظهور غودزيلا في الحقبة الحديثة، حاول الفيلم استعراض تأثير الحرب والنواحي النفسية والسياسية المرتبطة بذلك الزمان. هذا النوع من الأفلام يعطي فرصة لاستكشاف ما إذا كانت الأحداث التاريخية قد تركت آثارًا عميقة وطويلة الأمد على المجتمعات والثقافات.

يتابع يامازاكي: ”لم يترك فيلم “شين غودزيلا” خلفه سوى الأرض المحروقة. لن يحاول أحد أن يتبع ذلك؛ لابد من أن تكون أحمقًا حتى تفكر في الأمر!“ ولذا، اختار في الفيلم الجديد تجاهل اليابان الحديثة وأسند قصته إلى اليابان ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرةً. هذا هو الفيلم الأول في السلسلة الذي يستخدم إعدادًا لأحداث وقعت قبل أحداث الفيلم الأصلي. تبدأ أحداث الفيلم في عام 1945، قرب نهاية الحرب، في جزيرة أودو الخيالية المألوفة.

يضطر الطيار الانتحاري شيكيشيما كوئيتشي - الذي يؤدي دوره كاميكي ريونوسوكى - إلى تأخير هجومه بسبب مشكلة في المحرك ويعود إلى المطار في جزيرة أودو. لكن في ذلك المساء، يظهر وحش من الأسطورة المحلية - غودزيلا بالطبع - على الأرض ويدمر سلاح الجو البحري المتمركز هناك. الناجون الوحيدون هم شيكيشيما وميكانيكي الطائرات تاتشيبانا سوساكو (أؤكي مونيتاكا).

بعد الحرب، يعود شيكيشيما إلى طوكيو ويبدأ في العيش مع أويشي نوريكو، التي تلعب دورها هامابى مينامي، واليتيم الصغير الذي تبنته. في أحد الأيام، يتم إرسال شيكيشيما، الذي يعمل على سفينة كاسحة للألغام، وزملائه في مهمة لإيقاف مخلوق بحري كبير تحت الماء يقترب من اليابان. المخلوق هو غودزيلا، سبب صدمة شيكيشيما العميقة. إنه مصمم هذه المرة على منع تكرار الكارثة التي حلت بجزيرة أودو، لكنه مرة أخرى يشهد هذه المأساة.

(© شركة توهو للإنتاج السينمائي 2023)
(© شركة توهو للإنتاج السينمائي 2023)

اليابان وغودزيلا بعد الحرب

مع كل جزء جديد من الفيلم، يكافح صانعو الأفلام حول كيفية تصوير الدور الرئيسي في السلسلة، وهو دور الوحش العملاق. في فيلم ”شين غودزيلا“ أو ”عودة غودزيلا“، قدم أنّو هيدياكي وحشًا لم يُر مثله من قبل، وقد حذا يامازاكي حذوه مع فيلم غودزيلا الجديد. لقد تعامل يامازاكي مع ملك الوحوش من قبل، حيث جلبه إلى الشاشة في فيلم (دائمًا-غروب الشمس على الشارع الثالث) الذي عرض عام 2007، واستخدم تقنية الرسومات على الحاسوب وتصميمات الجرافيكس ثلاثية الأبعاد، كما ساعد أيضًا في فيلم غودزيلا: جولة في مدينة ملاهي سيبوئن. ولكن هذه المرة يبدو وكأنه قد أتقن أسلوبه.

من الواضح أن هذا العمل لا يحاول تحديث أو إعادة إنتاج فيلم غودزيلا الأصلي، على عكس فيلم عودة غودزيلا. على الرغم من أن هذا الفيلم يشيد بشكل واضح بنسخة الفيلم الأصلية، على سبيل المثال، الطريقة التي يظهر بها العملاق غودزيلا أول مرة في جزيرة أودو، إلا أن التوجه العام للعمل هو عكس ذلك تمامًا. يمكنك القول تقريبًا أن موضوع القصة وفرضيتها يتناقضان مع القصة الأصلية.

ومع ذلك، فإن أحد العناصر التي يرثها هذا الفيلم من الفيلم الأصلي، هو غودزيلا باعتبارها تجسيدًا للرعب النووي. يستند أصل غودزيلا على خلفية القصف النووي على هيروشيما وناغازاكي، وكذلك الأحداث المحيطة بالسفينة دايغو فوكوريو مارو التي تعرضت للتجارب النووية التي أجرتها الولايات المتحدة في مارس/ آذار عام 1954. وهذا ما تم التأكيد عليه بشكل أوضح في عرض الفيلم، للنفس الذري الذي يخرج من فم الوحش، خاصة المشهد الذي يظهر تدمير غينزا. إنها رؤية للدمار الحضري بصورة ربما لا مثيل لها في تاريخ هذه السلسلة، حيث تنتشر الطاقة الساطعة أسفل ظهر الوحش وتثير ريحًا تدفع الناس إلى الطيران. يسقط مطر أسود، مثل الذي قيل إنه سقط على هيروشيما وناغازاكي بعد القصف، على الأراضي القاحلة التي كانت ذات يوم أكثر المناطق ثراءً في طوكيو. هذا المشهد الذي صور لغينزا كمشهد من الجحيم تم صياغته بدقة شديدة لدرجة أنه حبس أنفاس المشاهدين.

إذا نظرنا إلى الماضي، لا يوجد صانع أفلام في اليابان اليوم يركز على اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها مثل يامازاكي. ففي سلسلة ”دائمًا“ يصور اليابان من أواخر الخمسينيات إلى الستينيات. وفي الفيلم الذي عرض عام 2013 (الصفر الأبدي)، يروي قصة أسراب كاميكازي، بينما في فيلم كايزوكو تو يوبارته أوتوكو (الرجل الذي يطلق عليه القبطان) الذي عرض في عام 2016، يحكي قصة رجل حقق نجاحات في مجال صناعة النفط في اليابان بعد الحرب، وفي عام 2019 أيضًا فيلم (حرب أرخميدس العظمى)، الذي يستكشف فيه بناء السفينة الحربية ياماتو. حتى أثناء عمله في مجال الرسوم المتحركة الشهيرة مثل ستاند باي مي درايمون (قف بجانبي درايمون) عام 2014، باراسيت (اندماج الطفيلي) عام 2015، دراجون كويست: يور ستوري (مسعى التنين: قصتي) عام 2019، ولوبين الثالث: (الأول) لعام 2019، فإنه لا يزال ينتج فيلمًا متعلقًا بالحرب بوتيرة سريعة بمعدل فيلم واحد كل ثلاث أو أربع سنوات.

إن معرفة اهتمام يامازاكي باليابان ما بعد الحرب هو المفتاح لفهم هذا المخلوق الجديد. يحمل الوحش العملاق في فيلم (غودزيلا ناقص واحد) معنى يتجاوز كونه مجازًا للحرب والقنابل الذرية. لماذا يهاجم اليابان؟ ما هو هذا الوحش بالضبط؟ على الرغم من وجود تفسيرات متعددة، إلا أن الفيلم يتناول بشكل مباشر فرضية معينة كان المعجبون والنقاد يتداولونها سنوات. إذا كنت من محبي غودزيلا فربما ستتذكر فيلم عام 2001، غودزيلا مؤثرًا والملك غيدورا: هجوم الوحوش العملاقة الشامل.

”الفكرة الأساسية لهذا الفيلم الأخير، كما في الفيلم السابق، هي “نهاية الحرب”. شيكيشيما كان طيار كاميكازي لم ينفذ مهمته، ويعيش مع شعور عميق بالذنب لكونه الناجي الوحيد من فرقة الطيارين. عندما يرتبط ألمه مباشرة بالإجابة عن سبب مهاجمة غودزيلا لليابان، فإنه يحول الفيلم من مجرد فيلم كايجو إلى استكشاف آخر للحرب من قبل يامازاكي، بعد فيلمه السابق “أيئن نو زيرو”.

يقول المخرج وكاتب السيناريو والمسؤول عن المؤثرات البصرية يامازاكي تاكاشي: ”كنت أهدف إلى صناعة الأفلام بشكل لا مثيل له في سلسلة أفلام غودزيلا حتى يومنا هذا“. (© شركة توهو للإنتاج السينمائي 2023)
يقول المخرج وكاتب السيناريو والمسؤول عن المؤثرات البصرية يامازاكي تاكاشي: ”كنت أهدف إلى صناعة الأفلام بشكل لا مثيل له في سلسلة أفلام غودزيلا حتى يومنا هذا“. (© شركة توهو للإنتاج السينمائي 2023)

النسخة الجديدة لغودزيلا

يعتبر يامازاكي فيلم ”غودزيلا ناقص واحد“، أفضل الأعمال التي قدمها خلال مسيرته المهنية ويقول: ”لقد وضعت كل خبراتي ومهاراتي كمخرج في ذلك الفيلم“. بصفته رائدًا في مجال المؤثرات الخاصة في السينما اليابانية، وشخص واصل تصوير أحداث الحرب العالمية الثانية، ومبدعًا حاول أيضًا تقديم إصدارات جديدة لشخصية غودزيلا، يبدو أن هذا العمل هو تتويج لكل ما قدمه سابقًا”.

يُظهر العرض التقديمي والمؤثرات البصرية حول الشكل الجديد من غودزيلا أيضًا تأثيرًا من أفلام هوليوود التي أحبها يامازاكي منذ طفولته، خاصًة أفلام ستيفن سبيلبرغ. حيث يتضمن مشهد تدمير غودزيلا لجزيرة أودو على إشارات واضحة إلى فيلم جوراسيك بارك ”حديقة الديناصورات“ (2013)، ويذكرنا مشهد المطاردة في المحيط بفيلم الفك المفترس (1975)، والرعب الذي يجتاح المدينة التي تواجه تهديدًا ساحقًا يشبه إلى حد كبير فيلم حرب العوالم عام 2005. هناك أيضًا إشارة في نهاية هذا الفيلم إلى فيلم حرب النجوم (1977)، وهو فيلم آخر مفضل لدى يامازاكي.

تختلف الطريقة التي تم بها تصوير غودزيلا باستخدام تكنولوجيا الرسوم ثلاثية الأبعاد أيضًا عن الصورة الغريبة للوحش الذي ظهر في فيلم ”عودة غودزيلا“. تعتبر هذه النسخة الجديدة، التي تبدو أنها تذكرنا بصورة غودزيلا الأكثر شراسة والشبيهة بالحيوان الذي ظهر في سلسلة أفلام هوليوود، حيث يقدم نسخة فريدة تمزج بين التأثيرات اليابانية والأمريكية. ويمكنك أن ترى كيف تحمل عيونها المشتعلة وهي تحدق في البشر الذين يتدافعون عند قدميها انطباعًا مرعبًا عن الخبث.

يجلب هذا الفيلم شيئًا جديدًا من خلال استخدام أحدث التقنيات لإنشاء صورة جديدة لغودزيلا ووضعها في اليابان ما بعد الحرب. المشهد الذي تظهر فيه غودزيلا على الشاشة لأول مرة يستحق المشاهدة ومثير بما يكفي ليجعلك تقفز من مقعدك، كما في النصف الثاني من الفيلم، حين تنتفض الشخصيات أخيرًا للهجوم على غودزيلا ومحاولة القضاء عليها. هذا المنعطف الأخير هو المنعطف الملتهب الذي يذكرنا بتطور الأحداث المشابه لما ظهر في فيلم شين غودزيلا، وهو على الأرجح ما كان يقصده يامازاكي بالتأكيد.

التحديات التي واجهت الفيلم

هناك بعض النقاط المهمة التي أود أن أشير إليها حول هذا العمل كفيلم متكامل. من الناحية الموضوعية، أستطيع أن أفهم لماذا صور يامازاكي هذا الفيلم في حقبة ما بعد الحرب مباشرة، لكن السيناريو والإخراج - على عكس الصور البصرية- لا يصوران بشكل فعال الخلفية الاجتماعية والقيم وروح هذا العصر، وبالتالي فشل في تقديم الأساس الواقعي المطلوب للفيلم. جميع أفلام يامازاكي التي تدور أحداثها قبل الحرب وأثناءها وبعدها حتى الآن، كانت مستندة على كتب وكان لها مؤلفو سيناريو آخرون غيره. لكن هذا العمل هو محض عمله الخاص، وبالتالي أشعر أنه كان هناك مجال لبناء أساس أقوى.

أظهرت الشخصية الرئيسية لشيكيشيما تعقيدًا مقنعًا، لكن الشخصيات المحيطة بها، بما في ذلك شخصية حبيبته أويشي نوريكو، كانت مجرد خطوط عريضة سطحية. فشل الفيلم في نقل دوافعهم أو علاقاتهم بشكل صحيح. بالمقارنة مع فيلم شين غودزيلا، الذي تجاهل عمدًا الدراما الإنسانية الأعمق، كان هذا العمل بحاجة إلى ذلك العمق البشري، ولكنه ببساطة لم يتمكن من تقديمه. قد يفسر ذلك سبب تماسك الفيلم بشكل أفضل بكثير في الجزء الثاني من القصة عندما ينتقل من التركيز على القصص البشرية إلى القتال ضد غودزيلا.

وبالطبع، هذا فيلم عن غودزيلا. ولطالما عانى كل من صنع فيلم عن غودزيلا من كيفية جعل أجزاء الفيلم التي لا يظهر فيها الوحش مثيرة للاهتمام، وبهذا الصدد، فإن هذا العمل هو مجرد استمرار لتقليد السلسلة، دون مشاهد غودزيلا، لن يكون الفيلم مسليًا. وبغض النظر عن هذا الأمر، لقد اقتحم فيلم غودزيلا الياباني الجديد العصر الحديث بقوة ورعب لا يصدقان، مما يدل على أن ملك الوحوش قادر تمامًا على التكيف مع العصر. أشيد بجرأة هذا الجزء الأخير وأتطلع إلى رؤية كيف ستتطور السلسلة بدءًا من العمل الحادي والثلاثين وما بعده.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية. حقوق جميع الصور © شركة توهو للإنتاج السينمائي 2023)

ثقافة فن