الشر لا وجود له: أخلاقيات السينما والإبداع في فيلم هاماغوتشي ريوسوكي الجديد
ثقافة- English
- 日本語
- 简体字
- 繁體字
- Français
- Español
- العربية
- Русский
”فرصة لتصوير شيء قريب من العالم الذي نعيش فيه“
”الطبيعة ليست عنصرًا شائعًا في أعمالي‘‘، هذا ما قاله المخرج هاماغوتشي ريوسوكي عندما سُئل عن موضوع فيلمه الشهير الذي صدر عام 2023، “الشر لا وجود له”. ربما ظهرت الطبيعة هذه المرة لأن الفكرة الأصلية للفيلم كانت لإنشاء بعض الصور والفيديوهات لموسيقى إيشيباشي“.
بدأت القصة عندما طلب الملحن إيشيباشي إيكو، الذي قام بتلحين موسيقى عمل هاماغوتشي السابق ”قودي سيارتي“، من هاماغوتشي إنشاء مقطع فيديو يمكن أن يستخدمه في عروضه المباشرة. في البداية لم يكن لدى هاماغوتشي أي فكرة عما يمكن استخدامه لخلق هذه الصور، ولكن بعد سلسلة من التجارب والأخطاء قرر أن يصنع فيلمًا ”بالطريقة المعتادة“: كتابة سيناريو كامل، وتنفيذه مع الممثلين وتصويره كأي فيلم سينمائي، ثم تكييف الصور مع الحفل المباشر.
وكانت النتيجة هي تصوير الفيلم الروائي ”الشر لا وجود له“، وبالنسبة لعروض إيشيباشي المباشرة، تم إنتاج الفيلم الصامت ”هدية“.
تدور أحداث فيلم ”الشر لا وجود له“ في ميزوبيكي، وهي مدينة خيالية في محافظة ناغانو، تقع في وسط الطبيعة الغنية، لكنها قريبة جدًا من طوكيو. تنقلب الحياة في ميزوبيكي رأسًا على عقب عندما تأتي وكالة ترفيه مقرها طوكيو، تكافح بسبب جائحة كورونا وتتوق إلى الاستفادة من الدعم الحكومي، بفكرة بناء مرافق للتخييم الفخم هناك. ترسل الوكالة بعض المسؤولين إلى ميزوبيكي لعرض اقتراحها على السكان المحليين، الذين يرون أن هذا المشروع يهدد بتدمير البيئة المحلية والحياة هناك.
توصل هاماغوتشي إلى فكرة القصة أثناء كتابة السيناريو في رحلته البحثية إلى مقر إيشيباشي على حدود ناغانو-ياماناشي. أثناء الزيارة، سمع السكان المحليين يناقشون مشروعًا لبناء موقع تخييم فاخر وآرائهم حول اجتماع عقد مؤخرًا لشرح الاقتراح.
يقول هاماغوتشي: ”ما سمعته جعلني أشعر أن لدي فرصة لخلق شيء قريب من العالم الذي نعيش فيه“. “إن نسخة الفيلم مشابه إلى حد كبير ما حدث في الواقع، وكانت هناك محاولات مماثلة لدفع المشروع إلى الأمام دون مبالاة باعتراضات السكان الذين اعتبروا الاقتراح متهورًا وغير مبالٍ. يبدو أن الخطة المقترحة لم تؤت ثمارها بعد ذلك، لكن كل ذلك أعطاني انطباعًا أن أشياء مماثلة يمكن أن تحدث في حياتنا اليومية، على سبيل المثال، في صناعة السينما حيث أعمل”.
تركز قصة الفيلم على أربع شخصيات: تاكومي، شاب قليل الكلام من سكان ميزوبيكي؛ وابنته هانا؛ وتاكاهاشي وكاؤرو، اللذان تم إرسالهما من قبل وكالة الترفيه ليكونوا مسؤولين عن بناء موقع التخييم الفاخر.
يقول هاماغوتشي: “أردت تصوير العلاقة بين الطبيعة والبشر بشكل دراماتيكي، واعتقدت أن الأمر سيبدو أكثر واقعية إذا مزجت بعض الصور التي تظهر الطريقة التي يميل بها سكان المدن الحضرية إلى الاستفادة من الطبيعة، كمنتج استهلاكي، بدلاً من مجرد إظهار الطريقة التي يتفاعل بها تاكومي وابنته هانا مع البيئة الطبيعية من حولهما”.
وبعد فترة طويلة من البحث، تم الانتهاء من السيناريو في يناير/ كانون الثاني عام 2023. حبكة الفيلم، التي تتشابك فيها نوايا الشخصيات وتتقاطع أحيانًا، تتحرك القصة في اتجاهات تقلب توقعات المشاهد تمامًا.
يقول هاماغوتشي: ”ما أطمح إلى خلقه هو إنشاء صورة تحتوي على تراكمات المبادئ السلوكية للشخصيات“. ”ومن خلال تتبع مبادئ سلوك كل شخصية، يمكنك أن تدرك ما سيفعله كل منهم أو ما لا يفعله، وهذه الفكرة تعزز العالم الخيالي بشكل أكبر. هناك بعض الخلفيات والتفاصيل المتعلقة بالشخصيات التي لا يعرفها أحد سواي، ولم أكن أرغب في نقل كل تفاصيلها إلى الجمهور، فقط كتبت شيئًا يرضيني ويجعلني أفكر أن: “هكذا هو هذا العالم“.
الشيء نفسه ينطبق على الفكاهة. على الرغم من وجود مشاهد ومواقف تجعلك تضحك، لكن هاماغوتشي لم يتعمد كتابة مواقف تحاول إضحاك الجمهور بشكل خاص.
”القاعدة العامة هي أنه لا يمكنك التحكم في رد فعل الجمهور، ولن يصل كل شيء إليهم بالطريقة التي تقصدها. أنا ببساطة أقوم بربط الأحداث معًا بناءً على ما ستقوله أو تفعله كل شخصية في تلك اللحظة. ونتيجة لذلك، على مدى العشر سنوات الماضية، غالبًا ما كان الجمهور يضحك في الكثير من أعمالي خلال عروض المهرجانات السينمائية، ولكن هذا يعني أن الناس يتفاعلون مع العمل بشكل ودي، لذا فأنا ممتن لذلك!“.
التشكيك معايير وأخلاقيات المجتمع
أعمال هاماغوتشي غالبًا ما تستخدم الرومانسية والجنس للتشكيك في الأخلاق والخير والشر في المجتمع. بعض أعماله الفنية الأخيرة مثل ”أساكو الجزء الأول والثاني“ لعام 2018 وفيلم ”عجلة الحظ والخيال“ عام 2021، يتخذون نهجًا مباشرًا بشكل خاص تجاه هذا التوجه. الفيلم الحالي ”الشر لا وجود له“ ليس استثناء، وعلى الرغم من أن نهجه يختلف إلى حد ما عن أعماله السابقة، إلا أن القصة تتناول نفس القضايا الأخلاقية، حتى عنوان الفيلم يوحي بذلك.
ومع ذلك، يصف هاماغوتشي العنوان بأنه ”طريقة أخرى للتعبير عن فكرة الطبيعة“، مشيرًا إلى أنه لم يقصد الإشارة مباشرة إلى القضايا الأخلاقية أو مشكلات الخير والشر.
”الأخلاق والمعايير الاجتماعية لا ينطبقان بشكل كامل على كل فرد. ومهما كان الفرد يتوق إلى أن يحافظ على المستوى الأخلاقي، فسيكون هناك دائمًا أوقات في حياته تنطبق عليها هذه المبادئ، وأوقات أخرى لا تنطبق عليها. لهذا السبب، لا توجد الكثير من الأعمال الفنية سواء في أفلامي أو أفلام أخرى، التي تصور الأوقات التي يكون فيها الناس ملتزمين ومقيدين بالأخلاق والأعراف الاجتماعية. وحتى لو كانت مثل هذه الأعمال موجودة، فلن أهتم بها كثيرًا“.
يشكك هاماغوتشي أيضًا في الواقع الحقيقي لـ ”المجتمع“ كعنصر أساسي لترسيخ الأخلاق والأعراف الاجتماعية. ويقول: ”ما نعتبره “مجتمعيًا” ليس أكثر مما تقوله لنا وسائل الإعلام: “هذا هو شكل المجتمع”. “ولهذا السبب ينظر الناس إلى الصحف والمجلات والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وما إلى ذلك من زوايا متعددة حتى لا تكون مصادر معلوماتهم متحيزة. ومع ذلك، ينتهي بك الأمر إلى شيء ”مجتمعي غامض“؛ ولا يعكس الشكل الحقيقي للمجتمع، ولا أعرف ما إذا كان هذا هو المجتمع أو لا. أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، والتي تستخدم الخوارزميات لجعل المستخدمين يقضون المزيد من الوقت عليها، مصادر سيئة للغاية للمعلومات للتعرف على المجتمع. الشيء المهم هو أن تعيش حياتك مدركًا أن كل شخص منا لديه أفكاره وتفسيره الخاص عما هو مجتمعي”، وأن هذه المفاهيم في الواقع مختلفة تمامًا عن بعضها البعض“.
ذهابًا وإيابًا بين الأفلام الكبيرة والصغيرة
بعد نجاح فيلم ”قودي سيارتي“، الذي يضم كوكبه من النجوم مثل نيشيجيما هيديتوشي وميورا توكو وأوكادا ماساكي، يمثل فيلم ”الشر لا وجود له“، عودة هاماغوتشي إلى جذوره في السينما المستقلة. يختلف الفيلمان الروائيين الطويلين تمامًا من حيث الحجم والتوجه، لكن هاماغوتشي يقول إنه لم تكن هناك تغييرات كبيرة في دوافعه أو أسلوب عمله في كلا العملين.
بعد تجربة العودة إلى أصول صناعة السينما، يعتزم هاماغوتشي الاستمرار في إنتاج الأفلام التجارية والأعمال المستقلة الأصغر حجمًا.
”أعتقد أنه من الجيد لصحتي العقلية أن أعمل في كل من المواقع الكبيرة والصغيرة ولكل منها مميزاته الفريدة، والقدرة على الجمع بين الاثنين هي الفكرة المثالية المطلقة. حاليًا، أعمل مع فريق صغير وكأنني أقوم بالتجربة والخطأ لأرى مدى قدرتي على توسيع نطاق العمل مع الاستفادة من التواصل السلس“.
حصل هاماغوتشي على جائزة الأوسكار بالإضافة إلى الجوائز من المهرجانات السينمائية العالمية الثلاثة الكبرى في كان والبندقية وبرلين - وهو إنجاز لا مثيل له لأي مخرج ياباني منذ المخرج المخضرم أكيرا كوروساوا. ويأمل أيضًا أن يصنع فيلمًا خارج اليابان يومًا ما.
مع ازدياد الاهتمام النقدي العالمي، كيف تغير الضغط على العملية الإبداعية؟ يجيب هاماغوتشي بصراحة: ”أولًا وقبل كل شيء، أريد أن أصبح أفضل في صناعة السينما“. ”لا ينبغي أن يشكل الضغط عليّ مشكلة إذا تمكنت من التعامل بنجاح مع هذه الرغبات البسيطة. ولهذا السبب بالتحديد أعتقد أنه من المهم أن أسير دائمًا إلى حيث يقودني قلبي، في الاتجاه الذي يثير حماسي“.
الإعلان الرسمي للفيلم (باللغة اليابانية)
(نشر في الأصل باللغة اليابانية، ٢٦ أبريل/نيسان ٢٠٢٤، الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة العنوان: الفيلم الجديد للمخرج هاماغوتشي ريوسوكي ”الشر لا وجود له“ © 2023 نيوبا / فيكتيف)