هل يتعلم العالم الدرس من أزمة "السارس" ويتغلب على فيروس كورونا؟

تجارب وآراء

انتشرت عدوى فيروس كورونا الجديد كوفيد-19 بسرعة كالنار في الهشيم وتجاوزت بالفعل وباء السارس الذي ظهر في الصين بين عامي 2002-2003. سيكون احتواء فيروس كورونا الجديد اختبارًا جادًا للقادة العالميين للحد من الآثار الصحية والاقتصادية لتفشي الفيروس حول العالم.

بدون "مصافحة" شي جينبينغ يتفقد إحدى المستشفيات

في 10 فبراير/ شباط الماضي قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة إلى مستشفى ديتان في بكين. وأعلن، وهو يرتدي كمامة طبية زرقاء، أن حكومته ستفعل كل ما في وسعها لضمان تغلب البلاد على فيروس كورونا الجديد. وتحدث عن طريق رابط فيديو إلى العاملين في المجال الطبي في مستشفى في مدينة ووهان، التابع لإقليم هوبى بؤرة تفشي الفيروس، وشجع الموظفين وأثنى عليهم ووعدهم بدعم وتشجيع الحكومة. كما تحدث إلى أشخاص عاديين في الشارع خارج المستشفى، ولكنه استشهد "بالظروف غير العادية"، وامتنع عن المصافحة طوال فترة تفقده للمستشفى.

تم فرض إجراءات مشددة على عملية الدخول والخروج من ووهان منذ 23 يناير/ كانون الثاني بعد فرض الحكومة الحجر الصحي على المدينة قبل بداية العام الصيني الجديد. وعلى الرغم من أن بعض الخبراء قد أشادوا بالصين لتحركها بسرعة لاحتواء الفيروس، إلا أن المعلومات الحديثة تشير إلى أن شي كان يدعو إلى اتخاذ خطوات تجاه انتشار فيروس كورونا الجديد كوفيد-19 في وقت مبكر من 7 يناير/ كانون الثاني. قام رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ بزيارة ووهان لرؤية الوضع بنفسه في 27 يناير/ كانون الثاني.

عدم تعلم الدرس من أزمة السارس

مستشفى ديتان متخصصة في الأمراض المعدية - رائدة في علاج الإيدز - وكانت أحد المرافق التي عالجت المرضى خلال وباء السارس الذي انتشر مع بداية الألفية.

لقد كنت جزءًا من مجموعة من المراسلين الأجانب في بكين قاموا بجولة في جناح للعزل في المستشفى في 17 أبريل/ نيسان 2003، في أوج تفشيه هناك. استعدادًا للزيارة، اشتريت بدلة بيضاء عازلة بقيمة 400 يوان (حوالي 6000 ين في تلك الأيام)، فضلاً عن كمامات للوجه وقفازات وأغطية أحذية. ما زلت أتذكر لافتة كتب عليها "الجناح رقم 2" أثناء دخولي إلى منطقة العزل حاملة آلة التصوير الخاصة بي.

في العادة، يمكن الوصول إلى جناح العزل بواسطة أبواب مزدوجة آلية لمنع التلوث، ولكن هنا يوجد فقط باب واحد عادي، والذي كان يتم فتحه وغلقه يدويا. لقد فوجئت أيضًا باكتشاف أنه بعيدًا عن الإغلاق وتركي في ضغط الغرفة السلبي لمنع أي مسببات للأمراض من التسلل للخارج، كان الجناح مفتوحًا على مصراعيه من الخارج، مع ترك النوافذ في الغرف مفتوحة.

يزور المؤلف جناح الحجر الصحي في مستشفى ديتان ببكين في 17 أبريل/ نيسان 2003. الكتابة على البدلة تقول للاستخدام في المناطق الصينية فقط
 المؤلف يزور جناح الحجر الصحي في مستشفى ديتان ببكين في 17 أبريل/ نيسان 2003. الكتابة على البدلة تقول "للاستخدام في المناطق الصينية فقط". الصورة من إيزومي نوبوميتشي.

 مرضى السارس في جناح العزل في مستشفى ديتان. لاحظ النوافذ المفتوحة. الصورة من إيزومي نوبوميتشي.
مرضى السارس في جناح العزل في مستشفى ديتان. لاحظ النوافذ المفتوحة. الصورة من إيزومي نوبوميتشي.

في 20 أبريل/ نيسان من ذلك العام، أعلنت وزارة الصحة الصينية أن الحالات في بكين قد ارتفعت إلى 339، وأن عدد الوفيات ارتفع من 4 إلى 18. اختفت المواد الغذائية والضروريات اليومية الأخرى من أرفف السوبر ماركت بعد أن اجتاح الذعر المدينة.

أدت الاستجابة الأولية الضعيفة للحكومة إلى جعل وباء السارس أسوأ، والتأخير الأولي في نشر المعلومات كان السبب جزئياً على الأقل في الزيادة المفاجئة في الإصابات. من سخرية القدر، أن السلطات فرضت قيودًا صارمة على عملية نشر المعلومات الهامة، حتى مع تمتع الفيروس بالحرية للخروج عبر النوافذ المفتوحة لجناح الحجر الصحي المفترض أنه تحت العزل. لكن هل تم تعلمت الصين الدرس؟ لا يبدو ذلك. مرة أخرى، انتقد العديد من الناس الحكومة الصينية لاستجابتها الأولية البطيئة لهذه الأزمة الأخيرة ولمحاولتها إخفاء الحقائق مرة أخرى.

الرقابة والخوف وعدم وجود معلومات جديرة بالثقة

خلال أزمة السارس، أغلقت السلطات المباني والمناطق التي تم فيها اكتشاف إصابات. تم إغلاق المسارح ودور السينما، وأصبحت المناطق المزدحمة عادةً مثل شارع التسوق الشهير WangFuJing في بكين مهجورة تقريبًا حيث أثر الناس السلامة وظلوا بعيدا عن تلك الأماكن. بعض الصور التي نراها من الصين اليوم كان يمكن التقاطها قبل 17 عامًا تقريبًا.

عادة ما تكون وانغ فو جينغ واحدة من أكثر المناطق ازدحاما في بكين مهجورة تقريبا في 26 أبريل/ نيسان 2003. الصورة من إيزومي نوبوميتشي.
عادة ما تكون وانغ فو جينغ واحدة من أكثر المناطق ازدحاما في بكين مهجورة تقريبا في 26 أبريل/ نيسان 2003. الصورة من إيزومي نوبوميتشي.

 ميدان تيانمن شبه مهجور في الأول من مايو/أيار 2003. ومع تفاقم وباء السارس، وُضع أكثر من 10000 شخص تحت الحجر الصحي. الصورة من إيزومي نوبوميتشي.
ميدان تيانمن شبه مهجور في الأول من مايو/أيار 2003. ومع تفاقم وباء السارس، وُضع أكثر من 10000 شخص تحت الحجر الصحي. الصورة من إيزومي نوبوميتشي.

 طاولات فارغة في أحد المطاعم الشهيرة في منطقة دونغتشنغ في العاصمة الصينية في 13 مايو/ أيار 2003. الصورة من إيزومي نوبوميتشي.
طاولات فارغة في أحد المطاعم الشهيرة في منطقة دونغتشنغ في العاصمة الصينية في 13 مايو/ أيار 2003. الصورة من إيزومي نوبوميتشي.

الجو السائد في المجتمع الصيني اليوم مختلف تمامًا. مع الرقابة وغيرها من القيود المفروضة على الكلام أكثر صرامة من أي وقت مضى، فإنه ليس من السهل على الخبراء أن يتحدثوا عن آرائهم. يميل البيروقراطيون أيضًا إلى عدم قول أي شيء في احترام صامت لرغبات الحكومة المفترضة. بالتأكيد، كان هذا الجو من الصمت والخوف أحد أسباب التأخير في إتاحة المعلومات وبطء الاستجابة الأولية للحكومة الصينية.

علاوة على ذلك، تم مكافأة لي وين ليانغ، الطبيب الذي حذر لأول مرة في نهاية العام الماضي من الخطر الذي يمثله نوع جديد من الالتهاب الرئوي الفيروسي، على صدقه وحماسته العامة من قبل توبيخ رسمي وتحذير من التوقف عن " التعليقات الكاذبة"، توفي لي في نهاية المطاف بعد الإصابة بالفيروس في 7 فبراير/ شباط عن عمر يناهز 33 عامًا.

انتشرت أخبار هذه المأساة بسرعة عبر الإنترنت، مما أثار غضبًا واسع النطاق من استجابة الحكومة. حتى في حين امتدحت لي كبطل، تواصل السلطات فرض الرقابة على الخطاب عبر الإنترنت وإزالة المشاركات التي تنتقد الحكومة بشكل مستمر.

الحاجة إلى التضامن الدولي

في 30 يناير/ كانون الثاني، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن كوفيد-19 حالة طوارئ صحية عالمية. بعد شهر منذ ذلك الحين، تم تأكيد إصابة أكثر من 90،000 شخص في جميع أنحاء العالم وتوفي أكثر من 3000 شخص. على الرغم من أن الصين لا تزال المركز، فإن تفشي المرض ينتشر بسرعة في بلدان أخرى. وقد أعلنت اليابان عن إصابة 495 شخص بالفيروس حتى الآن، و14 حالة وفاة حتى الآن.

في 15 فبراير/ شباط، اعترف تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، في مؤتمر ميونيخ الأمني بأنه كان من المستحيل التنبؤ بالتطور المستقبلي للوباء. وقال إنه لا يوجد مجال للرضا عن النفس ولا توجد طريقة لمعرفة متى ستصل العدوى إلى الذروة.

في نفس المؤتمر، التقى وزير الخارجية الياباني موتيجي توشيميتسو مع نظيره الصيني وانغ يي وأعلن استعداد اليابان للتعاون ومساعدة الحكومة الصينية في التصدي للفيروس الجديد. واتفق الوزيران على أن اليابان والصين ستعملان معا لمكافحة هذا التهديد.

من الأهمية بمكان بالنسبة للعالم أن يجمع موارده لمكافحة هذا العدو الجديد غير المرئي. هذا اختبار لأنظمتنا للحكم العالمي وسيكشف عن مدى تعاوننا عبر الحدود وإظهار التضامن عبر الأنظمة المختلفة. لسوء الحظ، كانت هناك حوادث قبيحة للتمييز العنصري والتحامل تستهدف أشخاصاً من ذوي مظهر آسيوي، بما في ذلك الصينيون واليابانيون في العديد من البلدان الغربية، مع الأخذ في الاعتبار أيديولوجية "الخطر الأصفر" العنصرية في القرن التاسع عشر. الآن أكثر من أي وقت مضى، يجب أن نرفض مثل هذه الأفكار المتعصبة وأن يعمل المجتمع الدولي بأسره معا للسيطرة على هذا الوباء.

السيطرة على الموقف في الوقت المناسب قبل الأولمبياد

تسبب تفشي فيروس كورونا الجديد كوفيد-19 بالفعل في إلغاء مجموعة كبيرة من الأحداث والفعاليات أو تأجيلها. في الصين، تم تأجيل موعد انعقاد مؤتمر الشعب الوطني، الذي كان من المقرر أصلاً أن يبدأ في 5 مارس/ آذار في بكين، ومن المحتمل أن يتم إلغاء الزيارة الرسمية التي كان من المقرر أن يقوم بها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى اليابان في أبريل/ نيسان.

في اليابان، تم إلغاء عدد متزايد من الحفلات الموسيقية والأحداث الرياضية والمؤتمرات. ولم تنج من ذلك حتى العائلة الإمبراطورية اليابانية، ففي 17 فبراير/ شباط، أعلنت وكالة البلاط الإمبراطوري أن الزيارة التقليدية التي يقوم بها عامة الناس إلى القصر احتفالا بعيد ميلاد الإمبراطور سيتم إلغاؤها لمنع انتشار الفيروس، كان الحدث هو أول مناسبة من نوعها منذ تولي الإمبراطور ناروهيتو العرش العام الماضي. ومع ذلك، فإن أكبر الأحداث في التقويم لهذا العام هي الألعاب الأولمبية والبارالمبية، المقرر عقدها في طوكيو في الفترة من يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول.

على عكس الوضع الذي تواجهه اليابان، انتهت أزمة السارس قبل خمس سنوات من استضافة بكين للأولمبياد في أغسطس/آب 2008. وقد عملت السلطات الصينية عن كثب مع المكتب الوطني للإحصاء، وفي 24 يونيو/حزيران 2003، أعلنت أن المرض قد تم احتواؤه وأن الوضع أصبح تحت السيطرة. تم التخطيط للإعلان بعناية تحت إشراف دقيق من القيادة المركزية للحزب الشيوعي.

خلال أزمة تفشي السارس لم تكن هناك حالات مؤكدة في اليابان. ولكن هذه المرة اليابان هي في الخطوط الأمامية للمعركة. تعرضت الحكومة بالفعل لانتقادات واسعة لاستجابتها البطيئة والارتباك لخطر الإصابة الجماعية على متن سفينة الرحلات السياحية دايموند برنسيس التي وضعت تحت الحجر الصحي في الميناء في مدينة يوكوهاما.

في 16 فبراير/ شباط، ترأس رئيس الوزراء شينزو آبي الاجتماع العاشر لفرقة العمل الحكومية لمعالجة الأزمة، حيث ناشد الناس أن يفعلوا ما بوسعهم في حياتهم اليومية لمنع انتشار الوباء. لقد بدأ منذ ذلك الحين في اتخاذ تدابير وقائية، بما في ذلك مطالبة المدارس في البلاد بالإغلاق لعدة أسابيع، مع توقع المزيد التدابير الحكومية لمواجهة الفيروس.

كيف ينبغي للحكومة أن تضع وتنفذ سيناريو لاحتواء تفشي المرض وتعبئة الخبرة والدراية المتاحة لها؟ من المرجح أن تثبت الأسابيع والأشهر المقبلة اختبارًا صارمًا لمهارات إدارة الأزمات لدى رئيس الوزراء ومن حوله.

 رئيس الوزراء شينزو آبي في اجتماع لفريق العمل الحكومي لمعالجة أزمة فيروس كورونا الجديد كوفيد-19 في 16 فبراير/ شباط 2020. جيجي برس.
رئيس الوزراء شينزو آبي في اجتماع لفريق العمل الحكومي لمعالجة أزمة فيروس كورونا الجديد كوفيد-19 في 16 فبراير/ شباط 2020. جيجي برس.

(نُشر في الأصل باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية، صورة العنوان: في زيارة إلى مستشفى ديتان في بكين، يشجع الرئيس الصيني شي جينبينغ العاملين الطبيين في ووهان عبر الفيديو. الصورة من شينخوا / أفلو)

شينزو آبي الحكومة اليابانية مرض