تعرف على جذور مراسم التنصيب الإمبراطوري في اليابان

مجتمع

تم تنظيم مراسم تنصيب الإمبراطور ناروهيتو في 22 أكتوبر/تشرين الأول على غرار مراسم تنصيب الإمبراطور تايشو جد والده والتي أقيمت عام 1915 في كيوتو وكانت أول مراسم تنصيب تقام كفعالية رسمية في العصر الحديث.

دور رئيس الوزراء

شكلت مراسم تنصيب الإمبراطور تايشو سابقة بالنسبة لجميع الأباطرة اللاحقين. فإلى ما قبل تلك المناسبة، كان الأباطرة يعتلون العرش الأقحواني الإمبراطوري بموجب مراسم خاصة تقام في القصر الإمبراطوري. كانت مراسم تنصيب تايشو حدثا تم الاحتفال به علانية بحضور ممثلين عن دول مختلفة. كما أسست بشكل راسخ مركزية الإمبراطور في اليابان في ظل دستور مييجي.

ولي العهد الأمير يوشيهيتو (الإمبراطور تايشو) حوالي عام 1908. (حقوق الصورة لمكتبة صور ماري إيفانز/أفلو).
ولي العهد الأمير يوشيهيتو (الإمبراطور تايشو) حوالي عام 1908. (حقوق الصورة لمكتبة صور ماري إيفانز/أفلو).

تم تحديد الإجراءات الرسمية الخاصة بتنصيب الإمبراطور تايشو في مرسوم صدر عام 1909، وقد أقيمت المراسم في القصر الإمبراطوري في كيوتو وفقا لقانون البلاط الإمبراطوري لفترة ما قبل الحرب.

وقد أشرف على سلسلة الطقوس الخاصة باعتلاء العرش بما فيها مراسم دايجوساي للصلاة من أجل السلام والحصاد الوفير، رئيس الوزراء أوكوما شيغينبو. وكان أوكوما قد عاد إلى الحياة السياسية ليقود البلاد في عام 1914 عن عمر ناهز 76 عاما بعد أن كان قد شغل منصب رئيس الوزراء لفترة قصيرة في عام 1898.

أسس أوكوما جامعة واسيدا التي كانت تربطها علاقات وثيقة بالعائلة الإمبراطورية، فقد تلقت تبرعا كبيرا قدره 30 ألف ين (أي ما يعادل حوالي 450 مليون ين في أيامنا الحالية) من الإمبراطور مييجي في عام 1908 تقديرا لإسهامات الجامعة في مجال التعليم العالي. زار الإمبراطور تايشو جامعة واسيدا في عام 1912 بينما كان لا يزال وليا للعهد واستمع لمحاضرات في الاقتصاد والقانون والأدب.

كان رئيس الوزراء أوكوما رجلا فصيح اللسان وودودا وكان كثيرا ما يلتقي بالإمبراطور تايشو. وكان الإمبراطور يستمتع بصحبته وكان يسعده أن يبقى معه لفترة أطول حتى عندما يتم الإعلان عن وصول الضيف التالي.

أوكوما شيغينبو (حقوق الصورة لمكتبة البرلمان القومية).
أوكوما شيغينبو (حقوق الصورة لمكتبة البرلمان القومية).

إلا أن المشاركة في حفل تنصيب الإمبراطور شكلت تحديا كبيرا لأوكوما، حيث كان قد فقد ساقه اليمنى بعمر الخمسين عندما كان وزيرا للخارجية بسبب إلقاء قنبلة عليه من قبل قوميين متطرفين. كان يرتدي ملابس ’’إيكان سوكوتاي‘‘ الرسمية الخاصة بالبلاط، وكان يتعين عليه الصعود 18 درجة على الدرج الرئيسي المؤدي إلى قاعة شيشيندين في كيوتو ومن ثم النزول إلى الأسفل بدون أن يدير ظهره إلى الإمبراطور.

بدا أن هذا الأمر عمل مستحيل التحقق من قبل أوكوما الذي كانت لديه ساق اصطناعية، حتى أن بعض الناس طالبوا باستقالته. ولكنه كان مصمما على أداء واجباته، حيث تدرب بمساعدة صهره على الصعود إلى القاعة والنزول منها في القصر الإمبراطوري في كيوتو مرتديا الزي الرسمي بالكامل قبل شهر من المراسم.

تمكين الأمير الصبي من الحضور

وكانت هناك شخصية رئيسية أخرى في حفل التنصيب هو المعلم سوغيؤرا جوغو، الذي قام بتدريس مادة الأخلاقيات لهيروهيتو بعد تخرجه من مدرسة غاكوشوئين الابتدائية في عام 1914. ومن بين جميع المواد التي درسها الأمير الصغير، كانت الأخلاقيات – التي أعدته للحكم كإمبراطور – المادة التي تركت الانطباع الأكبر لديه. كان سوغيؤرا مدير مدرسة دايغاكو يوبيمون التحضيرية للدخول لجامعة طوكيو الإمبراطورية، وأيضا مدير مدرسة خاصة تدرس مقرراتها باللغة الإنجليزية. ويعزى إلى سوغيؤرا الفضل في تشرب الأمير لخلق الوقار المعتدل الذي أصبح سمة مميزة للإمبراطور شووا.

وأكد سوغيؤرا بقوة على السماح للأمير الصبي بحضور مراسم تنصيب الإمبراطور تايشو، على الرغم من أنه كان لا يزال قاصرا، وذلك في ضوء الوضع الصحي لوالده المريض. عارض وزير البلاط الإمبراطوري وزعماء سياسيون آخرون الفكرة، على الرغم من أن الإمبراطور مييجي كان قد أعرب في وقت سابق عن رأيه في أن أفراد الأسرة الإمبراطورية الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما – حتى لو كانوا من ورثة العرش – يجب ألا يشاركوا في الفعاليات الرسمية.

ولكن ذلك لم يثنِ سوغيؤرا عن عزمه وقام بجولات على مسؤولين متنفذين لكسب تأييدهم، ما دفع الإمبراطور تايشو في نهاية المطاف إلى السماح لابنه بالمشاركة، وذلك بلا ريب حتى يشهد الأمير بنفسه الأمور التي تتضمنها مراسم التنصيب.

وفيما يخض وراثة العرش الإمبراطوري، علّم سوغيؤرا الأمير الشاب الذي سيصبح بحكم الأمر الواقع إمبراطورا عندما يتسلم الكنوز المقدسة الثلاثة، أنه سيحتاج أيضا إلى القيام بطقوس مهيبة ورصينة ليبلّغ أجداده الأباطرة عن اعتلائه العرش وأن يبلّغ أيضا على نطاق أوسع عامة الناس والبلدان الأجنبية.

غادر الإمبراطور تايشو طوكيو لحضور حفل تنصيبه في كيوتو في 6 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1915. كانت الإمبراطورة ساداكو حاملا في ذلك الوقت ولم تصحب الإمبراطور. كما غادر هيروهيتو في اليوم التالي وأمضى ليلة في شيزوؤكا، ووصل إلى فيلا نيجو الإمبراطورية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني. وشارك في اليوم التالي في بروفة استعدادا للمراسم الفعلية التي تمت في 10 نوفمبر/تشرين الثاني.

في ذلك الوقت لم يكن هيروهيتو قد عُين رسميا وليا للعهد بعد، لذلك ارتدى ملابس بلاط بسيطة ووضع على رأسه زينة مصممة لأعضاء الأسرة الإمبراطورية الشباب. وفي مراسم صباحية نقل الإمبراطور لأجداده الآلهة أنباء تبوؤه العرش، وسُلمت إليه المرآة المقدسة أحد الكنوز المقدسة الثلاثة.

هيروهيتو عندما كان في الـ14 من العمر يصعد إلى جينريكيشا في حي ساغا بكيوتو في 7 أبريل/نيسان عام 1916، وهو يرتدي زي ملازم في الجيش (حقوق الصورة ليوميؤري شيمبون).
هيروهيتو عندما كان في الـ14 من العمر يصعد إلى جينريكيشا في حي ساغا بكيوتو في 7 أبريل/نيسان عام 1916، وهو يرتدي زي ملازم في الجيش (حقوق الصورة ليوميؤري شيمبون).

أكثر من ألفي ضيف

حضر المراسم الرئيسية في قاعة شيشيندين أكثر من ألفي ضيف بمن فيهم أفراد الأسرة الإمبراطورية والقادة السياسيين والسفراء وممثلون آخرون من دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا. في فناء القصر كانت هناك 26 راية ملونة تنتصب في صفين. كانت إحدى الرايات تحتوي على الحرفين المشكلين لكلمة ’’بانزاي‘‘ مطرزين بخيط ذهبي، بينما زينت الرايات الأخرى بزخارف مستمدة من الإمبراطور الياباني الأسطوري ’’جينمو‘‘ مثل جرة ساكي وسمكة آيو (سمكة حلوة) ، وغراب ’’ياتاغاراسو‘‘ ذي ثلاثة أرجل. وما زاد المنظر مهابة إلى جانب الرايات، رجال يرتدون ملابس تقليدية ويحملون سيوفا وأقواسا ودروعا تستخدم في المراسم.

كانت داخل القاعة منصة عرش تاكاميكورا جديدة تماما تم تشييدها خصيصا لهذه المناسبة. فقد تدمر عرش تاكاميكورا الذي استخدمه الإمبراطور كوميي جد الإمبراطور تايشو في حريق اندلع في عام 1854، ولذلك استخدم الإمبراطور مييجي في مراسم تنصيبه في عام 1868 عرش ميتشوداي الذي يكون مخصصا عادة للإمبراطورة. في حين أن عرشي تاكاميكورا وميتشوداي المشيدان من أجل مراسم تنصيب الإمبراطور تايشو فقد استخدما في جميع المراسم اللاحقة.

بُعيد الساعة 3 عصرا صعد الإمبراطور تايشو إلى تاكاميكورا واضعا فوق رأسه ما يعرف باسم ’’ريويي نو كانموري‘‘ ومرتديا أثواب ’’سوكوتاي‘‘ مصبوغة بثمرة شجرة الشمع ’’هازيه‘‘ بلون بني محمر. وقد ألقى خطابا أعلن فيه عن اعتلائه العرش، وكان مكتوبا بأسلوب كانغو الصيني الياباني الصعب، حيث أعرب فيه الإمبراطور عن تمنياته بالسلام والسعادة للناس في اليابان وفي جميع أنحاء العالم. واعتبارا من عهد الإمبراطور تايشو بدأت تلك الممارسة والتي يعلن فيها الإمبراطور شخصيا عن اعتلائه العرش. 

الهتاف قبل 5 دقائق

استمع رئيس الوزراء أوكوما وهو يرتدي ملابس البلاط إلى كلمة الإمبراطور من فناء القصر قبل أن يصعد الدرجات الثماني عشرة بمساعدة شخص لإلقاء كلمات التهنئة نيابة عن الشعب، وقد أشار إلى نفسه في تلك الكلمة أربع مرات باعتباره أداة في يد الإمبراطور في تعبير عن ولائه. ثم نزل الدرج بدون أن يدير ظهره إلى الإمبراطور، وقاد الضيوف المجتمعين في الهتاف بكلمة ’’بانزاي‘‘ ثلاث مرات.

كان من المقرر أن يقود رئيس الوزراء الهتاف في الساعة 3:30 عصرا وأن تنضم إليه الأمة بأكملها في تمني طول العمر للإمبراطور الجديد. ولكن بسبب الصعوبة التي واجهها أوكوما في التحرك صعودا ونزولا، كانت الساعة بالفعل 3:35 عصرا عندما هتف ’’بانزاي‘‘. لم يكن في ذلك الوقت قنوات بث تلفزيوني وإذاعي مباشر، وهكذا فقد هتفت الأمة بطول حياة الإمبراطور قبل 5 دقائق من أولئك الذين كانوا يحضرون المراسم.

شاهد هيروهيتو الشاب المشهد الذي استغرق 30 دقيقة من مكان بالقرب من عرش تاكاميكورا، وكان بلا ريب يفكر في اليوم الذي سيعتلي فيه أيضا العرش. أعرب أوكوما بعد المراسم عن سعادته بإعلانه أن هذا الحدث يشكل سابقة في تاريخ دول الشرق حيث اجتمع ممثلون من دول حول العالم لحضور مراسم تنصيب الإمبراطور.

وفي اليوم التالي شاهد هيروهيتو قصر أومييا، حيث كان من المقرر أن تقام فيه مراسم دايجوساي للشكر على السلام والحصاد الوفير، وعاد إلى طوكيو في 13 نوفمبر/تشرين الثاني. وقد التقى والدته في اليوم التالي ليبلغها عن المراسم في كيوتو، ولدى سماعه بأن أوكوما لم يكن قادرا على مغادرة منزله بسبب وضع ساقه بعد الرحلة إلى كيوتو، أرسل هيروهيتو سلة من الفاكهة كهدية لتمني الشفاء العاجل.

قاعة شيشيندين والحديقة الجنوبية ’’دانتي‘‘ في القصر الإمبراطوري في كيوتو، حيث أقيمت مراسم تنصيب الإمبراطور تايشو. يتم الاحتفاظ هنا في كيوتو بعرشي تاكاميكورا وميتشوداي اللذين استخدمهما الإمبراطور ناروهيتو ووالده أكيهتيو عند اعتلائهما العرش. الصورة ملتقطة في أبريل/نيسان عام 2018 (حقوق الصورة لجيجي برس).
قاعة شيشيندين والحديقة الجنوبية ’’دانتي‘‘ في القصر الإمبراطوري في كيوتو، حيث أقيمت مراسم تنصيب الإمبراطور تايشو. يتم الاحتفاظ هنا في كيوتو بعرشي تاكاميكورا وميتشوداي اللذين استخدمهما الإمبراطور ناروهيتو ووالده أكيهتيو عند اعتلائهما العرش. الصورة ملتقطة في أبريل/نيسان عام 2018 (حقوق الصورة لجيجي برس).

مخالفة العادات السابقة

عانى الإمبراطور تايشو لاحقا من وضع صحي خطير، وتم تعيين ولي العهد هيروهيتو وصيّا على العرش ’’سيشّو‘‘ عندما كان في سن 20 عاما. وبتأمل كيفية تبدل الأمور، نجد أن حضور الأمير الشاب مراسم تنصيب الإمبراطور تايشو مع ضيوف من كل من اليابان وخارجها كان عملا ينطوي على بصيرة فذّة.

ويقول البعض في إشارة إلى تلك السابقة إنه كان يجب على أفراد العائلة الإمبراطورية الشباب حضور مراسم تنصيب الإمبراطور ناروهيتو والتي هي الأحدث. هذا ما ذكره توكورو إيساو البروفيسور الفخري بجامعة كيوتو سانغيو والمتخصص في التاريخ الثقافي للعائلة الإمبراطورية، في مؤتمر صحفي حول الخلافة على العرش الإمبراطوري، حيث قال: ’’كان من المرغوب أن يحضر المراسم أيضا الأمير هيساهيتو (13 عاما) والأميرة آيكو (17 عاما)، وكلاهما أعمارهما أكبر من 10 سنوات. أعتقد أنه كان ينبغي على الحكومة أن تفكر مليا في جعلهما يشاركان من أجل استمرارية الأسرة الإمبراطورية ‘‘ (وفقا لطوكيو شيمبون في 9 مارس/آذار عام 2019).

أتفق تماما مع هذا الرأي. تصر الحكومة على أن قرارها كان مبنيا على الممارسات السابقة، لكن حدث استثناء في الآونة الأخيرة أثناء مراسم تنصيب الإمبراطور تايشو. إن حضور اثنين من أفراد الأسرة الإمبراطورية الشباب كان سيعود بفائدة كبيرة على كليهما، ومن المؤكد أنه كان سيجلب فرحة أكبر لشعب اليابان.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول عام 2019. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: قاعة شيشيندين والحديقة الجنوبية في القصر الإمبراطوري بكيوتو في يوم تنصيب الإمبراطور تايشو في 10 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1915. حقوق الصورة لماينيتشي شيمبون/أفلو)

العائلة الإمبراطورية الإمبراطور