كيوونا ريو: بطل من جزيرة أوكيناوا اليابانية مهد رياضة الكاراتيه

طوكيو 2020

في ظل تأجيل دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020، تكافح الهيئات الرياضية في اليابان لاتخاذ القرارات المعنية بإجراءات الاختيار للمسابقات المؤجلة. ومع حالة الجمود التي حلت على الأوساط الرياضية نجد في رياضة الكاراتيه للرجال، يبزغ اسم الياباني كيوونا ريوو الأوفر حظًا للحصول على الميدالية الذهبية. وهو الذي وُلد في محافظة أوكيناوا وترعرع على أرضها حيث مهد لعبة الكاراتيه. لذلك يجد كيوونا معنًى خاصًا لمشاركته في الأولمبياد.

مهد لعبة الكاراتيه تمنح شهادة ميلاد لبطل رياضي

نشأت لعبة الكاراتيه كإحدى الفنون القتالية في محافظة أوكيناوا في القرن الرابع عشر. وفي الألعاب الأولمبية القادمة، سيتم تضمين الكاراتيه لأول مرة، مع قسمين من المسابقات: واحد للـكاتا الشكل أو الهيئة – تسلسل مجموعة من الحركات التي تؤدى بشكل منفرد وواحد للـكوميتى السجال أو التشابك بالأيدي، مع عدد متساوٍ من المباريات للرجال والنساء في كل قسم. وبالنسبة لـ كيوونا ريوو البالغ من العمر 29 عامًا، فهو بارع في النوع الأول، الذي يتميز بالعروض الفردية لحركات الدفاع عن النفس والتي يتم الحكم عليها من خلال درجة الدقة والقوة والسرعة والإيقاع والتوازن. ومن المتوقع أن يهيمن على قسم الـكاتا للرجال.

ولقد حقق كيوونا بطولة العالم للكاراتيه التي تقام كل عامين ثلاث مرات متتالية في قسم الـكاتا، في أعوام 2014 و2016 و2018. وظل بلا هزيمة خلال الفاعليات المؤهلة للأولمبياد التي بدأت في يوليو/ تموز 2018 وفاز بجميع البطولات الدولية الـ 12 التي شارك فيها. ولمدة ثماني سنوات متتالية، من عام 2012 إلى عام 2019، هيمن على بطولة All Japan Karate Championship بطولة عموم اليابان للكاراتيه، مسجلاً الرقم القياسي لأطول فترة فوز في تاريخ المسابقة. ومن المتوقع أن يواصل تحطيم الأرقام القياسية.

وهو بطل لا جدال على قدراته في البطولات والمحافل الدولية. وقسم الـكاتا في رياضة الكاراتيه له سبعة حكام يقيّمون عرض كل منافس بمقدار 0,2 نقطة على مقياس من عشر نقاط. وفي كل مباراة تنافسية، يهزم كيوونا منافسيه بفارق كبير يزيد عن 1,0 نقطة. ويبدو أنه يزداد قوة مع كل منافسة. وفي نهائيات يناير/ كانون الثاني الدولية 2020، أعطاه أحد الحكام 10 نقاط غير مسبوقة.

وبفضل قدارته الفائقة وانتصاراته الهائلة يحظى كيوونا بعدد كبيرة من عشاق اللعبة. فهو يبرز بين المتنافسين اليابانيين في الألعاب الأولمبية لسجله الخالي من الهزائم وجودة انتصاراته، ويعتبر منافسًا قويًا للظفر بالميدالية الذهبية الأولمبية في الكاراتيه قسم الـكاتا.

الدموع ومشاعر الإحباط

ولم يكن كيوونا ليصل إلى مستواه الحالي لولا عمله الدؤوب ومجهوده الشاق.

كان كيوونا في الخامسة من عمره عندما ألهمه صديق له في فترة الطفولة بممارسة الكاراتيه. وفي الصف التاسع المرحلة المتوسطة، انضم كيوونا إلى أكاديمية ساكوموتو للكاراتيه التي يديرها ساكوموتو تسوجو، رئيس مدرسة ريوإيريو للكاراتيه، وهو مُعلمٌ درب العديد من أبطال العالم. وفي المدرسة الثانوية، لم يتراجع مستواه مطلقًا عن المركز الثالث في بطولة المدرسة الثانوية، لكن نجمه بدء يلمع في عامه الجامعي الأول، عندما فاز ببطولة الجامعات في العام التالي. وفي عام 2012، شارك لأول مرة في بطولة العالم للكاراتيه في باريس كعضو في المنتخب الوطني الياباني.

 ساكاموتو تسوجو في إحدى حصصه التدريبية لـ كيوونا.
 ساكاموتو تسوجو في إحدى حصصه التدريبية لـ كيوونا.

واصطدم صعود كيوونا المتواصل في هذه البطولة بحجرة عثرة عندما وجد نفسه في مواجهة بطل العالم في ذلك الوقت، أنطونيو دياز من فنزويلا. وهو الذي تدرب في اليابان وكان معروفًا بمهارته التقنية. حينها خسر كيوونا أمام دياز، وهبط إلى المركز الثالث. ولكن في البطولات اللاحقة، لم يتراجع أبدًا عن المركز الثاني أو الثالث.

وكان كيوونا على أعتاب الوصول للقمة، إلا أنه لم يستطع الوصول إليها بعد، حيث كان محبطًا وغير صبور. وما زاد الطين بلةً، أنه حصل على المركز الثالث مرة أخرى في بطولة آسيا للكاراتيه عام 2013 التي أُقيمت في الإمارات، وهي بطولة كان الجميع على يقين من أنه سيفوز بها.

وعند عودته إلى اليابان كان كيوونا حزينًا ومحبطًا. ومع ذلك استطاع تحقيق الفوز في بطولة عموم اليابان للكاراتيه التي أقيمت مباشرة عقب عودته من بطولة آسيا، ولكن اللقاء الذي أُجري معه بعد تحقيقه للبطولة أمام 10,000 متفرج شابته دموع الحزن المريرة. حيث بدت عليه ملامح الألم لشعوره بخذلانه لبلاده وفشله في مهمته في نقل روعة فن الدفاع عن النفس القديم الذي نشأ في مسقط رأسه في أوكيناوا.

ولكنه مضى عازمًا على تطوير قدراته وقوته لكي تؤهله ليصبح أكثر اتقانًا وتجعله في مصاف لاعبي الكاراتيه في قسم الـكاتا. وشرع كيوونا في عام 2014 على اتباع نظام شاق يتدرب من خلاله بشكل موسع على تمرينات حمل الأثقال لاكتساب المزيد من العضلات والممارسة المستمرة لصقل الأشكال الأساسية في كاراتيه الكاتا، المتمثلة في أساليب الدفع تسوكي والركلات كيري. وقد استخدم طريقة أوكيناوا التقليدية المعروفة باسم ماكيوارا – فن تقوية العظام لممارسة ضرباته وركلاته من أجل إتقان الأحاسيس الجسدية لهذه الأساليب.

واستطاع كيوونا من خلال تفانيه والتزامه الجاد الوصول إلى بناء جسد يتسم بقوة بدنية عالية، الأمر الذي ساعده على تحسين أساليبه إلى الحد الذي مكنه من المضي قدما وتحقيق الفوز بأول بطولة عالمية له في نفس العام في 2014.

مهمة صعبة الإتقان

يقول كيوونا إنه لم يكن سعيدًا بفوزه في بطولة عموم اليابان للكاراتيه في عام 2014. ويوضح بقوله ”شعرت أن الناس ينظرون إلى على أنني أفضل المنافسين، ومع ذلك لم أكن أرقى إلى مستوى توقعاتهم“.

ولقد وبخ المُعلم ساكوموتو كيوونا أثناء تدريباته، حيث نبهه قائلًا له ”أنت بحاجة لإلقاء نظرة أخرى على نمط حياتك بالكامل“، في إشارة تحذيرية من أن أدائه لم يصل بعد إلى حد الإتقان. حيث كان بحاجة إلى زيادة وعيه، وأن يكون أكثر انتباهًا للتفاصيل.

فمجرد قدر قليل من الإحساس بالفخر كونك بطل، كفيل بإسقاطك من القمة. فالكاتا هي حركات دقيقة للغاية. وفقد جزء ولو بسيط من التركيز أو أي تخاذل سيؤدي بدوره إلى اضطراب في المستوى بشكل كبير. وساكوموتو، الذي فاز بثلاث بطولات متتالية في أوج ذروته، يعي ذلك جيدًا أكثر من أي شخص آخر، لذلك كانت مطالباته الحثيثة تجاه كيوونا.

وربما لم يكن كيوونا ليحقق سلسلة انتصاراته بدون تدريبات ساكوموتو الصارمة. حيث تمكن من التتويج بثلاثية محققُا انتصارات متتالية في أعوام 2014 و2016 و 2018 في بطولة العالم للكاراتيه. الأمر الذي ضمن له في النهاية اعتلاء عرش اللعبة كبطل من الطراز الرفيع.

أثناء تحقيقه للانتصارات المتتالية في الأعوام 2014 و 2016 و 2018، ساهم كيوونا أيضًا في تحقيق انتصارات متتالية لفريق الكاتا في بطولة العالم 2016 و 2018. ويظهر هنا مع زملائه في الفريق كينجو أراتا أقصى اليمين و أومورا تاكويا أقصى اليسار. وقد لعب زملائه في الفريق ومدربه ساكوموتو، الثاني من اليمين، دورًا مهمًا في مساعدة كيوونا على إخراج جُل إمكاناته.
أثناء تحقيقه للانتصارات المتتالية في الأعوام 2014 و 2016 و 2018، ساهم كيوونا أيضًا في تحقيق انتصارات متتالية لفريق الكاتا في بطولة العالم 2016 و 2018. ويظهر هنا مع زملائه في الفريق كينجو أراتا أقصى اليمين و أومورا تاكويا أقصى اليسار. وقد لعب زملائه في الفريق ومدربه ساكوموتو، الثاني من اليمين، دورًا مهمًا في مساعدة كيوونا على إخراج جُل إمكاناته.

الإبحار في تاريخ ممتد حتى 7 قرون

دائمًا ما يسعى كيوونا جاهدًا إلى إضفاء روح ”الواقعية“ على عروض الكاتا الخاصة به. 

فكل يوم من أيام السنة مخصص للتدريب، ولا شيء غير التدريب. بدءًا من الظهيرة واستمرارًا حتى المساء، ويمارس كيوونا تدريبات الكاتا تحت عين ساكوموتو الساهرة. ويخصص أمسياته لمزيد من الممارسات الفردية أو اتباع نظام لرفع الأثقال. ولا يكاد يمر يوم واحد دون أن يستغله في صقل وتحسين عمق مهاراته في الكاتا.

تتألف الكاتا من سلسلة من حركات تسوكي وكيري – الدفع والركل – الدفاعية ضد خصم خيالي. ويجب أن يكون العرض واقعيًا بشكلٍ كافٍ بحيث يتمكن الحكام من ”رؤية“ الخصم بشكل تخيلي والتأكد من هزيمتة. ولتحقيق هذه الدرجة من الواقعية، يجب على المؤدي أن يفهم تمامًا أهمية كل شكل وأن يؤديه بقوة وإقناع. فكل دفعة، وكل ركلة، يجب أن تكون قوية بما فيه الكفاية ودقيقة بما يكفي لكبح الخصم الحقيقي. وهذا ما يعنيه كيوونا بحديثه عن الكاتا ”الواقعية“.

وبناء على نصيحة مُعلمه ساكوموتو، يخضع كيوونا حاليًا لنوع فريد من التدريب المتعدد التخصصات cross-training، حيث يتلقى حصص تدريبية على فنون الرقص التقليدي ريوكيو دانس – نوع من الرقص التقليدي تشتهر به جزر ريوكيو التي تقع في المحيط الهادئ في جنوب غرب اليابان – وكذلك العزف على آلة سانشين – آلة موسيقية وترية تشتهر بها محافظة أوكيناوا تشبه آلة البانجو. والقصد من ذلك هو صقل حواسه من خلال إتقان الحركات الانسيابية المميزة لرقصة أوكيناوا، والإيقاع الدقيق والمقتضب، والتركيز الحاد الهادف. هذه كلها عناصر تعزز من أداء الكاتا عند كيوونا وتصاحب تطوره المستمر.

صناعة التاريخ

ويقول كيونا بأنه لديه هدفًا آخر إلى جانب إتقان الكاتا، وهو ”صناعة التاريخ“، وعندما سئُل عما يعني بذلك، أجاب قائلًا بأنه يريد أن يكون أول شخص من محافظة أوكيناوا يحقق ميدالية ذهبية أولمبية.

  كيوونا وهو يقوم بـ ”التحديق“ الذي يصقله من خلال تدريباته على الرقص.
كيوونا وهو يقوم بـ ”التحديق“ الذي يصقله من خلال تدريباته على الرقص.

ويقول كيوونا بأنه كلما عرف المزيد عن الكاراتيه، كلما ازداد حبه لأوكيناوا. فهو يفتخر بإتقان عنصر تاريخي من ثقافة أوكيناوا. وكمشارك في أول منافسات الكاراتيه الأولمبية، سيمثل كيوونا ليس فقط بلده اليابان، ولكن أيضًا أوكيناوا، الأرض التي وُلد فيها وبها كان مهد رياضة الكاراتيه.

ويقول: ”أريد أن أنقل الثقافة الرائعة لليابان ولأوكيناوا من خلال أدائي“

وسوف يبلور كيوونا سبعة قرون من تاريخ الكاراتيه على أعظم الصالات في العالم. ومما لا شك فيه سيضيف صفحة جديدة في تاريخ الكاراتيه.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية. كل الصور مقدمة من مجلة جابان كاراتيدو فان)

الجودو الألعاب الأولمبية رياضة رياضيون يسعون وراء الذهب في أولمبياد طوكيو