استغلال قوة الأطعمة المخمرة في اليابان

المطبخ الياباني

يزداد الطلب على كل من الميسو، الناتّو، وغيرها من الأطعمة اليابانية التقليدية الأخرى، وسط موجة من الدعاية الجيدة حول قيمتها الغذائية وفوائدها الصحية المحتملة. يقدم خبير الثقافة الغذائية والتخمير كويزومي تاكيئو بعض المنتجات الممثلة لهذه الفئة مع سرد لخصائصها الغذائية.

وسط الركود الكبير في النشاط التجاري الناجم عن جائحة فيروس كورونا، يزداد الطلب على أحد أنواع المنتجات الغذائية. فالأطعمة اليابانية التقليدية المخمرة، ومن ضمنها الميسو والمخللات المخمرة بالبكتيريا اللبنية وخل الأرز المعتّق، تلقى رواجًا كبيرًا. فترى ما سر هذا الإقبال المشهود مؤخرًا؟

تسخير قوة الكائنات الحية الدقيقة

العامل الأكبر هو بلا شك التركيز المتزايد على الأكل الصحي. وبينما يعد التخمير، طريقة لحفظ الطعام، لكنه يضيف أيضًا قيمة غذائية، ويحقق كلا الوظيفتين بشكل طبيعي، دون استخدام أي مواد كيميائية مضافة. وعلاوة على ذلك، أثبتت الأبحاث الجديدة صحة الدور الغذائي للأغذية المخمرة، وسلطت الضوء على فوائدها الصحية العديدة المحتملة. وقد حفزت هذه الاعتبارات المزيد من المستهلكين اليابانيين على تجربة الأطعمة المخمرة التقليدية. وبعد تجربتهم الأمر، يقعون في حب النكهات الغنية والمعقدة والروائح غير التقليدية في بعض الأحيان. وهكذا، يعود الناس من جميع الأعمار إلى الأطعمة الصحية التي كانت تدعم النظام الغذائي الياباني قبل الإتجاه إلى الأطعمة الغربية.

ولكن هل هناك أي أساس علمي للادعاءات الصحية التي تدور حول الأطعمة المخمرة؟ الإجابة هي قطعًا نعم. ففي عملية التخمير، تعمل ”الميكروبات الوظيفية“ على النشويات والسكريات والبروتينات في أطعمة مثل فول الصويا والحبوب والخضروات والأسماك والحليب. مما ينتج عنه في هذه العملية، عددًا كبيرًا من العناصر الغذائية المهمة. كما أنها تولد مركبات قادرة على الحفاظ على ضغط الدم في المعدلات الطبيعية، ومكافحة تشكل الخلايا السرطانية، وخفض معدلات الدهون الثلاثية، وحل جلطات الدم، وتحسين وظائف الكبد، وحتى الحماية من آثار الإشعاعات.

وفي الآونة الأخيرة، هناك أبحاث حديثة تشير إلى أن الأطعمة المخمرة يمكن أن تساعد في دعم نظام المناعة الصحي. حيث إن الجهاز المناعي الصحي هو الذي يتعرف على الفيروسات والبكتيريا المسببة للأمراض ويهاجمها (وكذلك الخلايا السرطانية المارقة)، دون أن يحدث هياج وتلف بالأنسجة السليمة. وتلعب الخلايا الخاصة في بطانة الأمعاء الغليظة دورًا حاسمًا في دعم هذا النوع من الاستجابة المناعية المتوازنة، بمساعدة مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة. ومن بين هذه الميكروبات الصديقة هي بكتريا العصيات اللبنية (بكتيريا حمض اللاكتيك) الموجودة في العديد من الأطعمة المخمرة.

وفي ما يلي، سنلقي نظرة مدققة على الفوائد الصحية المحتملة لخمسة أطعمة يابانية تقليدية يتم إنتاجها من خلال التخمير: ناتّو، ميسو، خل الأرز، تسوكيمونو (مخللات الخضار)، وناريزوشي (نوع من الأسماك المخمرة).

الناتّو

البكتريا الدقيقة التي تحول فول الصويا المطهو ​​على البخار إلى ناتّو. الصورة من إهداء كويزومي تاكيئو.
البكتريا الدقيقة التي تحول فول الصويا المطهو ​​على البخار إلى ناتّو. الصورة من إهداء كويزومي تاكيئو.

الناتّو، هو منتج جاهز للأكل مجهز عن طريق تخمير فول الصويا على البخار بمساعدة سلالة خاصة من البكتيريا، بكتريا ناتّو العصوية الرقيقة، والمعروفة باسم ناتّو-كين، أو بكتريا ناتّو. ومن خلال التخمير، تضيف هذه الميكروبات الصديقة بشكل كبير إلى القيمة الغذائية لفول الصويا المطبوخ. ويعد ناتّو، غنيًا بشكل خاص بفيتاميناتB ، حيث يحتوي على 10 أضعاف كمية فيتامين B2 (الريبوفلافين) في نفس كمية فول الصويا المطبوخ غير المخمر. ويعد فيتامين B2 ضروريًا للنمو والصحة العامة، ويلعب دورًا رئيسيًا في إنتاج الطاقة، وأيض الدهون، والوظيفة الخلوية. وبالمثل، هناك حاجة إلى فيتامين B1 (الثيامين) في ناتّو لاستقلاب الطاقة والوظيفة الخلوية، يمكن أن يؤدي نقص الثيامين إلى خدر وضعف في العضلات وفقدان الشهية وتضخم القلب والارتباك وفقدان الذاكرة. ويشارك فيتامين B6 في أيض الأحماض الأمينية ويدعم الصحة العقلية والمناعة والبشرة الصحية. هناك حاجة إلى النياسين) المعروف أيضًا بفيتامين (B3 لمنع البلاغرا، وهو مرض يتميز بأعراض هضمية وعصبية شديدة.

لكن الفوائد الصحية لل ناتّو تتجاوز التغذية الأساسية. فتشير الدراسات الحديثة إلى أن العصيات الرقيقة يمكن أن تمنع نمو البكتيريا السامة في الأمعاء. وتنتج إنزيمًا فريدًا وقيمًا طبيًا يسمى ناتّوكينازي، والذي وجد أنه يحلل الفيبرين، المكون الرئيسي في جلطات الدم. وأجريت دراسات واسعة حول ناتّوكينازي، واختبارات في اليابان ودول آسيوية أخرى. ويتم استخدامه بالفعل كعامل مضاد للتجلط عن طريق الفم. بالإضافة إلى ذلك، وجد أن ناتّو يحتوي على مواد تسمى مثبطات ACE (إنزيم تحويل الأنجيوتنسين)، والتي تخفض ضغط الدم المرتفع. ويُعتقد أيضًا أنها تعدل الاستجابة المناعية.

كما يحتوي ناتّو على نسبة عالية من البروتين. فيحتوي على ما يقرب من نفس كمية البروتين الموجودة في لحم البقر المفروم. وتزداد مستويات الأحماض الأمينية الحرة (خاصة الأحماض الأمينية الأساسية) بشكل كبير نتيجة التخمير. وتمنحه المستويات العالية من حمض الجلوتاميك، المصدر الرئيسي لمكون الطعم المعروف باسم أومامي، مذاقه الخاص. كما يعد أيضًا مصدر جيد للكالسيوم والفوسفور والبوتاسيوم وأكثر مصدر غذائي معروف يحتوي على فيتامين K2، المهم لصحة العظام والقلب.

الناتّو. الصورة من بيكستا.
الناتّو. الصورة من بيكستا

الميسو

أصناف الميسو المنتجة في مختلف أنحاء اليابان. الصورة من إهداء كويزومي تاكيئو.
أصناف الميسو المنتجة في مختلف أنحاء اليابان. الصورة من إهداء كويزومي تاكيئو.

ميسو هو عجينة مخمرة تقليدية مصنوعة من فول الصويا، تحضر غالبًا مع إضافة الأرز أو الشعير، والملح، وفطر كوجي، في طريقة تخمير خاصة. وهو أحد التوابل الأساسية الخمسة المستخدمة في المطبخ الياباني، إلى جانب السكر والملح والخل وصلصة الصويا. يعد تحضير ميسو، عملية طويلة تستخدم كائنات حية دقيقة أخرى، مثل فطر اسبراغيلوس أوريازي، الذي يتم استزراعه على الأرز المبخر أو الحبوب الأخرى لتكشيل فطرو الكوج. ويحتوي ميسو على أومامي أو مذاق عميق ومعقد، بفضل أشهر طويلة من التخمر والتعتيق. ويمكن استخدامه للحفاظ على اللحوم والأسماك والخضروات. كما يحتوي ميسو أيضًا على نسبة عالية من البروتين، تتراوح بين حوالي 10٪ إلى 19٪ (في حالة النوع الداكن المعتق المسمى مامي ميسو). وفي اليابان، مثل ميسو مصدرًا تقليديًا قيمًا للبروتين، خاصةً الأحماض الأمينية الأساسية ليسين وليوسين، بالإضافة إلى الفيتامينات والأملاح المختلفة التي قد تكون ضرورية في نظام غذائي يتمحور حول الحبوب والخضروات الجذرية النشوية.

يحتوي ميسو أيضًا على الألياف الغذائية، التي يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، ومستويات عالية من السكريات قليلة السكريات، ”البريبايوتكس“ التي تشجع على نمو البيفيدوبكتيريا الحميدة في الأمعاء. وهي معبأة بفيتامينات B، والتي (بالإضافة إلى وظائفها الأساسية، التي تمت مناقشتها أعلاه) تقلل من خطر الإصابة بالسرطان وأمراض نمط الحياة الأخرى من خلال نشاطها المضاد للأكسدة. ووجدت دراسة وبائية نشرت في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1981 من قبل الدكتور هيراياما تاكيشي، الذس كان مدير علم الأوبئة في معهد أبحاث المركز الوطني للسرطان وقتها، حيث لاحظ انخفاض معدلات الوفيات من سرطان المعدة بين الأشخاص الذين تناولوا وعاء من حساء ميسو بشكل يومي. وارتبط الاستهلاك اليومي للميسو أيضًا بانخفاض معدلات تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم وقرحة المعدة والاثني عشر وتليف الكبد والسرطان في جميع مواقع البحث. وبالإضافة إلى ذلك، تنتج عملية التخمير الليسيثين، مما يساعد على التحكم في ارتفاع ضغط الدم. وأثبتت المركبات الأخرى الموجودة في الميزو أنها تقوي جهاز المناعة، وتحمي من الإشعاع، وتثبط عمل المواد التي يمكن أن تؤدي إلى طفرات وتسبب نمو الأورام. ويزيل التخمير أيضًا معظم مسببات الحساسية من الصويا من الميسو.

تونجيرو هو حساء لذيذ ومغذي بطعم ميسو مصنوع من لحم الخنزير والخضروات الجذرية. الصورة من بيكستا.
تونجيرو هو حساء لذيذ ومغذي بطعم ميسو مصنوع من لحم الخنزير والخضروات الجذرية. الصورة من بيكستا.

خل الأرز

 ينضج خل أرز كوروزو في الجرار الخزفية السوداء في فوكوياما، بمحافظة كاغوشيما. ويلتزم الحرفيون بالطرق التقليدية، ويترك السائل يتخمر ويتعتق ببطء تحت الشمس. الصورة مقدمة من أوهاشي هيروشي.
ينضج خل أرز كوروزو في الجرار الخزفية السوداء في فوكوياما، بمحافظة كاغوشيما. ويلتزم الحرفيون بالطرق التقليدية، ويترك السائل يتخمر ويتعتق ببطء تحت الشمس. الصورة مقدمة من أوهاشي هيروشي.

خل الأرز هو منتج غذائي مهم آخر ينتج من التخمير. ويستخدم اليابانيون خل الأرز في الطهي على الأقل منذ فترة نارا (794-710)، كما نعلم من المراجع في مختارات الشعر من مانيوشو (جمعت في عام 759) ومصادر معاصرة أخرى. وكان خل الأرز، جنبًا إلى جنب مع الملح والساكي وصلصة الصويا، واحدًا من أربعة توابل أساسية، والمعروفة مجتمعة باسم كوسو، التي تم تقديمها مع وجبات الطعام في أطباق بهارات صغيرة.

ولطالما اعتبر اليابانيون الخل منشطًا يحارب التعب، والعلم يدعم هذا الرأي. فإرهاق العضلات ينشأ من تراكم حمض اللاكتيك، وقد أظهرت الدراسات أن المواد الموجودة في الخل تحفز دورة الحمض الثلاثي الكربوكسيل ((TCA، التي تطلق الطاقة، وتمنع تحويل حمض البيروفيك إلى حمض اللاكتيك في الجسم.

يُنظر إلى الخل أيضًا على أنه عامل مساعد في مكافحة الأمراض والظروف المرتبطة بالشيخوخة. وفي اختبار سريري على المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، شهد أولئك الذين تم إعطاؤهم الخل كل يوم انخفاضًا في مستويات الكوليسترول والدهون الثلاثية الإجمالية مقارنة بالمجموعة الأخرى تحت المتابعة. وبالإضافة إلى خصائصه في إذابة الدهون، يمكن للخل خفض نسبة السكر في الدم ويعتقد أنه يقلل من خطر الإصابة بمرض السكري. كما يعد الخل مضادًا لارتفاع ضغط الدم، وذلك بفضل مادة تمنع عمل الأنجيوتنسين 2 (الذي يتسبب في انقباض الأوعية الدموية ورفع ضغط الدم). ويُعتقد أن خل المسنين على وجه الخصوص يحتوي على مضادات الأكسدة التي تحمي من تلف الخلايا من الأكسدة، وتقلل من خطر الإصابة بالسرطان والحماية من تلف الكبد. يوصي الكثير من الناس بالخل لفقدان الوزن أيضًا.

تسوكيمونو (المخللات اليابانية)

 تشكيلة من مخللات ياماغاتا: من اليسار، ياماغاتا سيساي (الخردل الأخضر)، الباذنجان، واللفت الأحمر. الصورة من بيكستا.
تشكيلة من مخللات ياماغاتا: من اليسار، ياماغاتا سيساي (الخردل الأخضر)، الباذنجان، واللفت الأحمر. الصورة من بيكستا.

تعد اليابان جنة عشاق المخللات. وتضم 80 نوعًا مختلفًا من مخللات الدايكون (الفجل الأبيض العملاق) وحده، وإذا نظر المرء إل جميع الأنواع المختلفة من الخضروات ووسائط التخليل والتوابل، ترتفع أعداد الأصناف إلى الآلاف. وفي السنوات الأخيرة، حظت مخللات تسوكيمونو، على بريقًا جديدًا كأداة فعالّة في مكافحة أمراض نمط الحياة المرتبطة بالنظام الغذائي الغربي الغني بالسكر والدهون والبروتين الحيواني مع قلة تواجد الألياف.

تميل مخلالات تسوكيمونو إلى أن تكون عالية المحتوى من الألياف القابلة للذوبان، والتي يمكن أن تخفض الكوليسترول وتمنع ارتفاع السكر في الدم، مما يساعد على تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والسكري. والألياف غير القابلة للذوبان (الموجودة خاصة في الخضار الورقية) تحفز الأمعاء والأعضاء الهضمية الأخرى وتعزز حساسية الأنسولين. وتعمل على تعزيز صحة الأمعاء وتقليل خطر الإصابة بالسكري وسرطان القولون والمستقيم.

ناريزوشي

 فونازوشي، هو طعام شهي مخمر مصنوع من السمك والأرز، وتشتهر به محافظة شيغا، بمذاقه الخاص. الصورة من بيكستا.
فونازوشي، هو طعام شهي مخمر مصنوع من السمك والأرز، وتشتهر به محافظة شيغا، بمذاقه الخاص. الصورة من بيكستا.

وبالنسبة للمغامرين، يوجد طعام ناريزوشي، وهو منتج مخمر يعتبر أحد أنواع السوشي. وعلى عكس شكل السوشي المعاصر المألوف، يعد ناريزوشي (بأشكاله المختلفة مثل فونازوشي، سابازوشي، أو سانمازوشي)، هو طعام مخمر تقليدي مصنوع من الأرز المطبوخ والأسماك المملحة.

وقد كان التخمير وسيلة مهمة للحفاظ على الطعام، قبل ظهور التبريد. ولكن يمكن لعملية التخمير أيضًا أن تعزز بشكل كبير القيمة الغذائية للطعام، كما رأينا. هذا ينطبق بالتأكيد على ناريزوشي، وهو غني بالفيتامينات والأحماض الأمينية والمواد المغذية الأخرى. وتعد كل من بكتيريا حمض اللاكتيك النشطة وبكتيريا حمض الخليك في الناريزوشي، ميكروبات حميدة تمنع التلف بفعل البكتيريا المتعفنة. كما أنها تعمل على خلق بيئة معادية للبكتيريا السامة داخل الأمعاء. ومثل الخل، يعتقد أن الناريزوشي يحارب الإرهاق الجسدي. وينصح به للإمساك وارتفاع ضغط الدم ويعتقد أن له تأثير مفيد على جهاز المناعة، مما يساعد على الوقاية من نزلات البرد وغيرها من الالتهابات الفيروسية.

(نشر النص الأصلي باللغة اليابانية. الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: كاتب المقال يستمتع بطبق من الناتّو مع الأرز، إهداء من الكاتب)

الطعام الياباني الطعام المطبخ الياباني المياه