كانيكو ميسوزو: إعادة اكتشاف حياة وأعمال شاعرة الأطفال في اليابان

تاريخ اليابان

في هذه المقالة يستذكر يازاكي سيتسوؤ المواجهة المصيرية التي مر بها مع كتابات شاعرة الأطفال كانيكو ميسوزو وبحثه الطويل الذي ساعد في إعادة أعمالها إلى النور بعد نسيانها لمدة نصف قرن.

لقاء مصيري

تعود بدايات الكتابة اليابانية الجادة للأطفال إلى العقود الأولى من القرن العشرين. غالبا ما يرجع تاريخ أسلوب كتابة ’’دويو (شعر وأغاني للأطفال)‘‘ والتي يمكن أن يستمتع بها الأطفال والكبار على حد سواء، إلى إصدار ’’أكاي توري (الطائر الأحمر)‘‘ وهي مجلة للأطفال في يوليو/تموز عام 1918. وقد برزت شابة واحتلت صدارة تلك الحركة حيث كتبت العديد من القصائد التي أكسبتها ثناء الشاعر سايجو ياسو حيث وصفها بأنها ’’النجم الأكثر سطوعا بين جميع الكتاب الشباب المختصين بشعر الأطفال‘‘. تلك المرأة هي كانيكو ميسوزو.

صورة لكانيكو ميسوزو في مايو/أيار عام 1923 عندما كانت في العشرين من العمر.
صورة لكانيكو ميسوزو في مايو/أيار عام 1923 عندما كانت في العشرين من العمر.

كانت مجلة الطائر الأحمر جزءا من حركة تهدف إلى ابتكار أعمال فنية مميزة موجهة للأطفال. تبعتها مجلات أخرى نشرت قصصا وأشعارا للأطفال من بينها ’’كين نو فوني (القارب الذهبي)‘‘ و’’دووا (قصص أسطورية)‘‘. نشر بعض الشعراء البارزين في ذلك العصر أغاني وقصائد للأطفال في تلك المجلات: مثل كيتاهارا هاكوشو في مجلة الطائر الأحمر ونوغوتشي أوجو في مجلة القارب الذهبي وسايجو ياسو في مجلة قصص أسطورية.

نشرت كانيكو حوالي 90 قصيدة معظمها في دووا، ليتولد عند الشعراء الآخرين نوع من هوس كتابة قصائد شعر للأطفال. وقد شهدت حياتها القصيرة نهاية مأساوية في 10 مارس/آذار عام 1930 عن عمر ناهز 26 عاما.

ومع وفاة كانيكو دفنت معها تفاصيل حياتها وأعمالها. وعلى الرغم من المحاولات الكثيرة لمعرفة المزيد عنها، ظلت شخصية أسطورية بين عشاق كتابات الأطفال في أوائل القرن العشرين.

قرأت إحدى قصائدها ’’تايريو (الصيد الكبير)‘‘ عندما كنت في السنة الأولى من الجامعة عام 1966، حيث كانت جزءا من مختارات أدبية من كتابات للأطفال نشرها إيوانامي.

الصيد الكبير

عند شروق الشمس، شروق رائع للشمس
إنه صيد كبير!
صيد كبير من السردين!

عند الشاطئ، يبدو وكأنه مهرجان
ولكن في البحر، تقام الجنائز
لعشرات الآلاف من الموتى

(مترجمة للعربية بناء على الترجمة الإنكليزية لديفيد جاكوبسون وسالي إيتو وتسوبوي ميتشيكو).

عندما وقعت عيناي لأول مرة على ’’الصيد الكبير‘‘ أصابتني الدهشة. لقد كانت تطغى بالكامل على نحو 300 من المختارات الأدبية الأخرى. في 10 أسطر فقط مكتوبة باللغة اليابانية، قلبت هذه القصيدة تماما أسلوبي في النظر إلى العالم والذي يتمحور حول الإنسان. وحتى تلك اللحظة كنت أعتقد إلى حد ما أن أسماك السردين والمخلوقات الأخرى موجودة أساسا كمصدر للغذاء. ولكن فجأة تغيرت وجهة نظري وأدركت مدى اعتمادنا على مخلوقات أخرى: فوجودنا ذاته لم يكن ممكنا لولا التضحية بالأرواح الثمينة لجميع الأسماك التي نخرجها من البحر كل يوم.

لقد اندهشت من جودة تلك الأبيات وأصبحت تواقا لقراءة المزيد من أعمالها، لينطلق فعليا بحثي عن كانيكو ميسوزو.

شرعتُ في سبر أغوار متاجر الكتب المستعملة في جينبوشو بطوكيو بحثا عن كتب تحمل اسم كانيكو. زرت مكتبة البرلمان القومية ومتاحف الأدب المختلفة ولكن لم أعثر على شيء. علمت من ساتو يوشيمي -كاتب آخر لأغاني الأطفال- أن كانيكو كانت ترسل مساهماتها دائما من عنوان في شيمونوسيكي بمحافظة ياماغوتشي، وأنها توفيت في سن مبكرة.

لاحقا قام دانجو هاروكييو أحد معاصري كانيكو وساهم بقصائد وأغانٍ في العديد من المجلات نفسها، بتجميع ’’مايو تو هاكا (الشرنقة والقبر)‘‘ وهي مجموعة منشورة بشكل شخصي تتضمن 30 قصيدة للأطفال قدمتها كانيكو في الأصل إلى مجلة دووا. ولكن بعد ذلك تراجع الزخم، ولم أحقق أي تقدم إضافي في بحثي على مدار السنوات العشر التالية. لم أجد أي أحد يعرف اسم كانيكو حتى في شيمونوسيكي. قررت تغيير الاتجاه والبدء في البحث مرة أخرى، ولكن هذه المرة من مكتبة شيمونوسيكي التي كانت قد قدمت كتاباتها في الأصل إليها.

كان ذلك نقطة تحول في مسعاي. فقد تمكنت أخيرا انطلاقا من المكتبة من تتبع خط لأقارب كانيكو الذين لا يزالون على قيد الحياة، وعلمت أن شقيقها كاميياما غاسوكي لا يزال يعيش في طوكيو. مرت 16 سنة على أول مرة تقع فيها عيناي على قصيدتها عن الصيد الكبير. اتضح أن كاميياما يحتفظ بثلاثة مجلدات من قصائد كانيكو منسوخة بعناية بخط يدها. احتوت المجلدات معا على نسخ جميلة من 512 قصيدة، مما زاد حجم أعمالها المعروفة بأكثر من خمسة أضعاف. كما تعرفت منه على المزيد عن كانيكو وشخصيتها.

ثلاثة دفاتر ملاحظات مخطوطة يدويا لقصائد كانيكو ميسوزو احتفظ بها شقيقها لأكثر من 50 عاما.
ثلاثة دفاتر ملاحظات مخطوطة يدويا لقصائد كانيكو ميسوزو احتفظ بها شقيقها لأكثر من 50 عاما.

حياة شعرية مأساوية قصيرة

وُلدت كانيكو ميسوزو (الاسم الحقيقي تيرو) في 11 أبريل/نيسان عام 1903 في قرية سينزاكي التي تعتاش على صيد الأسماك على ساحل بحر اليابان بمحافظة ياماغوتشي (اليوم جزء من ناغاتو). وهي الابنة الكبرى لكانيكو شونوسوكي وزوجته ميتشي. ومن بين أفراد الأسرة الآخرين الأخ الأكبر كينسوكي الذي يكبرها بسنتين، وجدتهم أومي.

بعد ولادتها بعامين رزقت الأسرة بولد آخر هو ماساسوكي الرجل الذي التقيت به طوال تلك السنوات في طوكيو حيث عمل كمخرج وشاعر غنائي تحت الاسم المستعار كاميياما غاسوكي. في العام التالي، توفي والد الأبناء الثلاثة. وتزوجت فوجي شقيقة ميتشي من عائلة أويياما التي كانت تدير مكتبة أويياما بونئيدو في شيمونوسيكي، وبدعمهم بدأت عائلة كانيكو الانخراط في نفس النشاط التجاري وبيع الكتب من مكتبة كانيكو بونئيدو.

في عام 1907 تبنت عائلة أويياما ماساسوكي ليصبح وريثا يتولى أعمالها في بيع الكتب. بعد مغادرة مدرسة سيتوزاكي الابتدائية في عام 1916 التحقت كانيكو بمدرسة أوتسو الثانوية للبنات. كانت فتاة لطيفة مبهجة وطيبة القلب وقد برعت في دراستها وحظيت بإعجاب جميع من في صفها. عندما كانت في عامها الثالث في المدرسة توفيت فوجي وأخذت ميتشي (والدة ميسوزو) مكان أختها في عائلة أويياما.

وفي عام 1923 بعد ثلاث سنوات من تخرجها من مدرستها للبنات، انتقلت كانيكو إلى شيمونوسيكي حيث كانت تعيش والدتها ميتشي وبدأت في كتابة أغاني وقصائد أخرى للأطفال أثناء عملها في مكتبة أويياما بونئيدو حيث كانت تديرها لوحدها. بعد حوالي شهر قدمت قصائدها إلى 4 مجلات من بينها دووا تحت الاسم المستعار كانيكو ميسوزو. جميع القصائد المقدمة حظيت بالقبول لدى تلك المجلات. وفي السنوات التالية أصبحت دووا هي المجلة الرئيسية التي تنشر فيها كتابتها.

 ميسوزو عندما كانت في مدرسة أوتسو الثانوية للبنات.
ميسوزو عندما كانت في مدرسة أوتسو الثانوية للبنات.

تزوجت كانيكو في عام 1926 بناء على توصية من عمها، وأنجبت ابنتها فوساي في نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام. ولكن زوجها كان يصر على أن تركز كانيكو على مهامها كزوجة وأم ومنعها من كتابة الشعر أو مراسلة شعراء آخرين. نسخت قصائدها في ثلاثة دفاتر ملاحظات، عهدت بمجموعة واحدة لسايجو ياسو والأخرى لأخيها ماساياسو. وبذلك انتهت مهنتها القصيرة ككاتبة.

في نهاية المطاف طلقت كانيكو زوجها بعد أن استهلكتها ضغوط الحياة الزوجية جسديا ونفسيا. وأرادت أن تربي فوساي بنفسها لكن بموجب القانون آنذاك كان الأب فقط هو الذي يملك حق الحضانة. حاولت مرارا إقناعه بالسماح لها بالاحتفاظ بالطفلة، لكنه رفض تغيير موقفه. وفي اليوم السابق لموعد حضور زوجها لأخذ فوساي، تركت كانيكو رسالة أخيرة لزوجها تتوسل إليه فيها أن يأخذ الطفلة للعيش مع والدتها ميتشي. أنهت حياتها القصيرة التي ناهزت بقليل 26 عاما في صباح يوم 10 مارس/آذار عام 1930.

التواصل مع القراء من مختلف العصور والأماكن

على مدار نصف القرن بعد وفاتها، اختفت أعمال كانيكو ميسوزو عن أعين الجمهور. ولكنها عاودت الظهور مع نشر طبعة من أعمالها الكاملة من قبل دار النشر جولا في عام 1984 والتي جمعت قصائد من دفاتر الملاحظات الثلاثة المكتوبة بخط بدها التي احتفظ بها شقيقها. اليوم تظهر قصائدها بشكل متكرر في الكتب المدرسية اليابانية وتُرجمت أعمالها إلى أكثر من 10 لغات ما أثار انتباه القراء في جميع أنحاء العالم إليها. ولكن لماذا لا تزال كتاباتها قادرة على مداعبة مخيلة القراء البعيدين عنها زمانا ومكانا؟ أعتقد أن أحد التفسيرات لهذه الشعبية الدائمة يمكن العثور عليه في كلمات معلمي الشاعر مادو ميتشيو الذي ميز بين الشعر وبين أغاني وقصائد الأطفال (دويو).

’’في الشعر أنت تكتب عن اكتشافاتك وعواطفك، بينما في أغاني الأطفال تذهب أبعد من ذلك حيث تتعمق إلى مستوى يمكن للآخرين بواسطته تشارك اكتشافاتك وعواطفك من خلال ما تكتبه‘‘.

لقد لامست قصائد كانيكو قلوب الكثير من الناس لأنها كتبت للإنسانية العالمية التي وجدتها داخل نفسها. تنبع المتعة التي يحصل عليها القراء من كتاباتها من هذا الإحساس بالتعرف على أنفسهم في قصائدها والإثارة الناجمة عن رؤية مشاعرهم الخاصة، والتي ربما لم يتمكنوا من قبل من التعبير عنها بأنفسهم في كلمات، وهي تنعكس عليهم.

أود أن أختتم هذه المقالة بتقديم قصيدة ’’إلى الجانب المشرق‘‘، وهي قصيدة تحمل رسالة أمل قوية للعالم الذي نعيش فيه اليوم والذي يعاني من تأثير جائحة فيروس كورونا.

إلى الجانب المشرق

إلى الجانب المشرق! إلى الجانب المشرق!

حتى ورقة الشجر
في غابة مظللة
تميل إلى حيث يتسرب الضوء

إلى الجانب المشرق! إلى الجانب المشرق!

حشرات في الليل
تطير بالقرب من مصباح
حتى ولو كانت أجنحتها ستحترق

إلى الجانب المشرق! إلى الجانب المشرق!

أطفال في المدينة
يتدفقون إلى حيث توجد مساحة أكبر
وتشرق الشمس

(مترجمة للعربية بناء على الترجمة الإنكليزية لديفيد جاكوبسون وسالي إيتو وتسوبوي ميتشيكو).

دعونا نأمل أن تقربنا الأيام القادمة من النور والفرح اللذين عبرت عنهما تلك السطور.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية بتاريخ 24 فبراير/شباط عام 2021. الترجمة من الإنكليزية. جميع الصور مقدمة من جمعية الحفاظ على أعمال ميسوزو كانيكو. القصائد من ’’هل أنت صدى؟‘‘ و’’الشعر المفقود لميسوزو كانيكو‘‘ مترجمة إلى الإنجليزية من قبل ديفيد جاكوبسون وسالي إيتو وتسوبوي ميتشيكو)

الثقافة الشعبية الثقافة التقليدية تاريخ اليابان