دمج الرياضة بالتكنولوجيا.. ابتكارات تكنولوجية يابانية في ملاعب الساحرة المستديرة

تكنولوجيا

تقوم شركة المعدات الرياضية اليابانية (مولتن) بتصنيع واحدة من أشهر صافرات حكام مباريات كأس العالم لكرة القدم. ومع إمكانياتها الوظيفية دائمة التطوير، تقتحم صافرات مولتن الأحداث الرياضية لمختلف الألعاب الأخرى.

صنع في اليابان

كل أربع سنوات وبالتحديد مع اقتراب فعاليات كأس العالم تقوم الشركة العالمية المُصنعة لكرات الألعاب الرياضية الطائرة والسلة والقدم المعروفة باسم شركة مولتن بنشاطات مكثفة غير عادية. فبمجرد انطلاق كأس العالم لكرة القدم، يتأهب موظفو الشركة التي تتخذ من مدينة هيروشيما مقراً لها للرد تحديدًا على خدمات الرسائل الفورية.

”هذا الحكم يستخدم إحدى صافراتنا“

”نعم، إنهم يستخدمون صافراتنا في هذه المباراة أيضًا!“

هذا لسان حال ناكاموري شينتارو من قسم العلاقات العامة بالشركة يشرح ما يتحدثون عنه.

ويسرد قائلاً: ”لا توجد قواعد تنص على نوع صافرة الحكام التي يتعين عليهم استخدامها في مباريات كأس العالم، لذا يمكن للحكام استخدام أي نوع يحلو لهم، لذلك، يأخذ موظفونا على عاتقهم معرفة ما إذا كان الحكام يستخدمون نوع الصافرات (فالكين) خاصتنا“.

ويظل موظفو الشركة منكبين على أجهزة تلفازهم أثناء بث المباريات على الرغم من كونها تُبث في وقت متأخر من الليل بسبب فروق التوقيت. وفي كل مرة يكتشفون فيها أو يعتقدون أنهم وجدوا حكمًا يستخدم إحدى صافرات فالكين يقومون بنشر الرسائل سريعًا، كما لو كانوا في قلب الحدث.

صافرة من النوع فالكين من شركة مولتن، على اليسار، وعلى اليمين الصافرة مع ملحقاتها التي تستخدم في المحافل الاحترافية. (الصورة مقدمة من شركة مولتن)
صافرة من النوع فالكين من شركة مولتن، على اليسار، وعلى اليمين الصافرة مع ملحقاتها التي تستخدم في المحافل الاحترافية. (الصورة مقدمة من شركة مولتن)

بدأت عادة ”التحقق من نوع الصافرة“ مع فعاليات كأس العالم 2010 الذي أُقيمت في جنوب إفريقيا.

فقبل عام من انطلاقه، في عام 2009، بدأت شركة مولتن في تطوير الصافرات لتتناسب مع الرياضات المختلفة، وذلك بعد أن أشار البعض في الشركة إلى أنه نظرًا للاختلافات في مساحة بيئة كل لعبة حيث يتم استخدام الصافرات، وإلى جانب الاختلافات في الطريقة التي يمسك بها الحكام صافراتهم، كانت هناك حاجة إلى أدوات مصممة خصيصًا لكل رياضة.

فكما فعلت مع كراتها الرياضية الاحترافية، بذلت شركة مولتن الجهود لسنوات عديدة مع صافراتها. ففي عام 2000، وبعد وقت قصير من تأسيس الشركة، أطلقت صافرة دولفين برو، والتي تتميز بإيقاع واضح مناسب للاستخدام من قبل الحكام.

وحققت الصافرة دولفين برو مبيعات لفترات طويلة حيث كانت تُستخدم بشكل أساسي في مباريات كرة القدم وكرة السلة. لكن شركة مولتن كانت لا تزال غير راضية. وبدأت بطرح أسئلة بسيطة مثل ”لماذا تستخدم نفس الصافرة في كل من مباريات كرة القدم وكرة السلة؟“ و ”لماذا يتم استخدام نفس الصفارة في كل من مباريات المدارس الثانوية ومباريات كأس العالم؟“ الأمر الذي بدأت معه الشركة في تطوير أول صافرة في العالم مصممة خصيصًا لكرة القدم.

ويوضح ناكاموري قائلًا: ”عند تطوير الصافرة، كنا نركز بشكل أساسي على عنصرين: الصوت وآليه التشغيل. ومن بين هذين العنصرين، كان الصوت الذي شعرنا أنه أكثر أهمية. ونظرًا لأن المباراة النهائية في جنوب إفريقيا كانت ستقام في ملعب يسع إلى ما يقرب من 100,000 متفرج، فقد صممنا الصافرة بحيث يمكن سماع صوتها عند علو أصوات هذا الجمع الغفير.“

المتطلبات الواجب توفرها في الصافرة

يسهب ناكاموري في الحديث واصفًا خصائص الصوت المطلوب توفره في مباريات كرة القدم.

”هناك نوعان من أصوات الصافرات التي يجب أن يكون الحكام قادرين على إصدارها: عند التحذير وعند الإشارة. فالأصوت التحذيرية عبارة عن تتابع واضح من رشقات قوية وقصيرة تشير إلى أن شخصًا ما على أرض الميدان قد ارتكب شيئًا خطيرًا. أما صافرات الإشارة فتُستخدم للدلالة على بداية المباراة ونهايتها ويجب أن تكون صوتًا قويًا ولكنه أكثر هدوءًا. ونظرًا لأن كرة القدم لعبة مرتبطة بالتدخلات والالتحامات بين اللاعبين، فإن هناك حاجة إلى إصدار صوت حاد وقوي قادر على إيقاف أي تدخل خطر وعلى الفور. وهنا نجد المغزى من مصطلح ”حاد“ أي أن الصوت يجب أن يصل إلى أعلى مستوى له في سرعة قياسية. فإذا تأخرت رسالة إيقاف اللعب حتى بضع أعشار من الثانية، فقد يؤثر ذلك على مجريات اللعب بشكل كبير. وبالتالي، يجب أن يكون الحكام قادرين على إصدار صوت صافرة قوي وحاد ينتشر في أرجاء الملعب بأكمله وعلى الفور“.

إلا أن الصوت لم يكن هو الشاغل الوحيد. حيث قام فريق تطوير المنتجات بتحليل حركات الحكام من أجل تسهيل استخدام الصافرة. ونتج عن هذا التحليل تطوير خاصية ”flip-grip“ أو (المسكة العكسية السريعة)، وهي ميزة تسمح للحكام بقلب الصافرة إلى وضع قابل للاستخدام على الفور.

ويقول ناكاموري: ”عادة ما يعلق حكام كرة القدم صافرتهم على معاصمهم باستخدام شريط ويتركون يد الصافرة طليقة عندما لا يستخدمونها، وهذا يعني أنهم عندما يريدون استخدامها أثناء اللعب، عليهم القيام بعدة حركات قبل أن يتمكنوا من وضعها في أفواههم. وهذا الأمر يستغرق وقتًا، وبالتالي مصدرًا للتوتر. لذلك كان الحل في صافرة (flip-grip) التي حلت هذه المعضلة “.

تسمح المسكة العكسية للحكام بقلب الصافرة على الفور وجعلها في وضع قابل للاستخدام عند الإمساك به بين الإصبع الأوسط والبنصر. (الصورة مقدمة من شركة مولتن)
تسمح المسكة العكسية للحكام بقلب الصافرة على الفور وجعلها في وضع قابل للاستخدام عند الإمساك به بين الإصبع الأوسط والبنصر. (الصورة مقدمة من شركة مولتن)

وبعد اختبار أكثر من 100 نموذج أولي، قاموا أخيرًا بالاستقرار على ما يعرف حاليًا باسم صافرة كرة القدم الاحترافية. وتم تصميمها على غرار هيئة صقر الشاهين — نوع من الصقور — والذي يُطلق عليه باللغة الهولندية اسم فالك. والنصف الثاني من اسمها (كين) هو كلمة إنكليزية تعبر عن صوتها الحاد. وهكذا كان ميلاد الصافرة فالكين.

وصافرة فالكين كانت حاضرة بقوة في كأس العالم 2010. حيث كانت الآلة الشعبية في جنوب أفريقية المعروفة باسم الفوفوزيلا تُستخدام باستمرار وبقوة في جميع الملاعب خلال البطولة، وقد غطى صوتها الصاخب على معظم الأصوات الأخرى. الأمر الذي جعل من اللاعبين في معظم الأوقات غير قادرين على التواصل بشكل فعَّال فيما بينهم أثناء المباراة، ولكن على الرغم من ذلك كانوا لا يزالون قادرين على سماع صوت صافرة فالكين. وهكذا ساهمت الصافرة بشكل كبير في الإدارة السلسة للمباراة على أرض الميدان.

وقد كان (نيشيمورا يوإتشي)، من ضمن الأشخاص الذين قدموا ملاحظات لفريق تطوير المنتجات، والذي أشرف على تحكيم أربعة مباريات خلال تلك النسخة من كأس العالم. وقد أثنى بدوره على الصافرة فالكين، وحتى أنه استخدمها خلال المبارا النهائية، عندما كان الحكم الرابع.

وبعد أن لفتت الأنظار في بطولة 2010، أصبحت الصافرة فالكين مُنتشرة بين الحكام في جميع أنحاء العالم. وتم استخدامها في أكثر من 30 مباراة من أصل 64 مباراة تم خوضها خلال كأس العالم في روسيا عام 2018. واليوم، أصبحت الصافرة فالكين هو صافرة كرة القدم القياسية.

وفي أعقاب نجاح الصافرة فالكين، أطلقت شركة مولتن صافرة مخصصة لمباريات كرة السلة، تحت اسم بلازا، في عام 2011، تلتها صافرة مخصصة لكرة الطائرة تحت اسم ديفو، في عام 2017.

من اليسار إلى اليمين: الصافرات بلازا، ديفو، و فوركا. (الصورة مقدمة من شركة مولتن)
من اليسار إلى اليمين: الصافرات بلازا، ديفو، و فوركا. (الصورة مقدمة من شركة مولتن)

تم تصميم كل من هذه الصفارات خصيصًا لتلائم بيئة اللعبة ونوع المنافسة المعنية. فعلى سبيل المثال، تم تصميم بلازا بحيث يمكن حملها في فم الحكم الذي يتولى إدارة مباراة كرة السلة أثناء العدو بجانب اللاعبين.

ويوضح ناكاموري قائلًا: ”يضع حكام كرة السلة صافراتهم في أفواههم أثناء الركض، لذلك قمنا بتحويل مركز توازن الصافرة إلى منطقة المبسم لتقليل معدلات التلف والتصدع على هذا الجزء من الصافرة. وبمجرد اكتشافنا لحقيقة أن الصفارات التي يستخدمها حكام كرة السلة غالبًا ما تهترأ عند منطقة المبسم نتيجة تعرضها للعض بقوة من وقت لآخر، قررنا تقوية مادة المبسم لمنع حدوث ذلك. حيث تم دمج مبسم مصنوع من التيتانيوم ومغلف بالبلاستيك المرن في الجسم البلاستيكي الصلب للصافرة. ويبلغ سمك هذه القطعة 6 ملم كما في الصفارات الأخرى، لكنها تتميز بنعومة مناسبة للقضم ومتانة تمنع الكسر في نفس الوقت“.

أما صافرة ديفو المخصصة لكرة الطائرة فتتميز بوجود زعانف على الجانبين الأيسر والأيمن للصافرة بحيث يخرج الصوت ويكون مسموعًا على جانبي الحكم عند نفخه في الصافرة. وصافرة فوركا، المصممة لكرة اليد، تعتمد على تصميم (flip-grip) (المسكة العكسية السريعة) كما في كرة القدم ولكنها مصممة لحكام كرة اليد، الذين يتعين عليهم تبديل أيديهم عدة مرات خلال المباراة. ويتم تطوير صوت كل صافرة حسب اللعبة المصممة لها، لا سيما ميزاتها الوظيفية. وقد جعل هذا المزيج لكل هذه المنتجات من شركة مولتن باعًا طويلاً في الأسواق، حيث لعبت دورًا أساسيًا في المباريات المختلفة التي تُقام في جميع أنحاء العالم.

ويقول ناكاموري: ”أردنا تصميم صافرات قادرة على التعبير بنسبة 100% عما يرغب الحكام في إيصاله أثناء أحداث المباراة الفعلية. لذلك اتبعت شركتنا دائمًا أعلى مستويات الجودة في الصناعة، ونريد أن تحل جميع منتجاتنا المشكلات الفعلية الموجودة في عالم الرياضة.“

مجموعة كرة القدم المُجمعة الفريد من نوعها

على الرغم من أنها لا تزال تركز على حلول المشكلات في عالم الرياضة، إلا أن شركة مولتن وسعت مؤخرًا من نطاقها ليشمل مسائل أعم تتعلق بالاستدامة. والمنتج الجوهري لهذا النوع من الأفكار الجديدة هو النوع (My Football Kit) أو (طقم الأجزاء المكونة لكرة القدم)، وهو عبارة عن كرة قدم بميزة فريدة من نوعها بحيث تكون أجزاؤها قابلة للتجميع من البداية حتى شكلها الكروي النهائي.

تم تصنيع الأجزاء المنفصلة البالغ عددها 54 قطعة من مجموعة (ماي فوتبول كيت) من راتينغ صناعي يتكون من مادة البولي بروبيلين المطاطية المعاد تدويرها والأوليفين المطاطي. (الصورة مقدمة من شركة مولتن)
تم تصنيع الأجزاء المنفصلة البالغ عددها 54 قطعة من مجموعة (ماي فوتبول كيت) من راتينغ صناعي يتكون من مادة البولي بروبيلين المطاطية المعاد تدويرها والأوليفين المطاطي. (الصورة مقدمة من شركة مولتن)

وجاءت فكرة مجموعة (ماي فوتبول كيت) من الرغبة في خلق فرص جديدة لدعم نمو الأطفال من خلال كرة القدم ومحاولة حل المشكلات البيئية في نفس الوقت. ويوضح أوشيدا جون من المقر الرئيسي للعمليات الرياضية في شركة مولتن قائلًا:

”منذ حوالي ثلاث أو أربع سنوات، أدركت الشركة أنها لا يمكنها الحفاظ على تقدمها إذا تجاهلت المشاكل الاجتماعية. وعند التفكير في ما يمكننا القيام به في هذا المجال، قررنا أن نلعب دورًا في اثنين من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر للأمم المتحدة: التعليم الجيد والاستهلاك والإنتاج المسؤولان. وعلى الرغم من أن العديد من المنظمات تشارك في الجهود المبذولة لتوفير كرات وأحذية قديمة مجانية للأطفال الذين ليس لديهم إمكانية للحصول على هذه الأشياء بمفردهم، إلا أن الأمر في الواقع لا يتعدى مجرد كونه إعطاء الأشياء للآخرين. وهذا لا يساهم فعليًا في أي تغيير حقيقي. لذلك كانت فكرتنا هي صنع كرة قدم يمكن للاعبين تجميع أجزائها بأنفسهم، الأمر الذي سيوفر فرصًا للأطفال للمشاركة في الألعاب الرياضية والحصول على تجربة تعليمية أيضًا“.

ومنتج (ماي فوتبول كيت) ليس معروضًا للبيع لعامة الناس. لكن الشركة تعمل على توفير هذه الأطقم الكروية للأطفال الذين يحتاجونها من خلال إحدى الطرق المتمثلة في الشركات التي ترى قيمة هذا المجهود وتقوم بطلب هذه المجموعات وإتاحتها عبر ورش العمل الرياضية التي تعقدها المنظمات غير الربحية والمنظمات الأخرى. حيث تمنح هذه المناسبات الأطفال فرصًا لممارسة الرياضة بينما تشكل الشركات شراكات مع المنظمات، وبالتالي تحقيق أحد الأهداف.

ويقول أوشيدا: ”لقد أقمنا ورشة عمل للأطفال التايلانديين والبورميين في إحدى المناسبات في عام 2020 برعايه شركة تويوتا، وبدأ أطفال من هاتين الدولتين بشكل طبيعي في التواصل مع بعضهم البعض حيث كان عليهم معرفة كيفية تجميع الأجزاء للحصول على شكل الكرة النهائي. ثم لعبوا كرة القدم بالكرات التي صنعوها. لقد كان حدثًا مؤثرًا بشكل خيالي. ففي البلدان المحرومة اقتصاديًا، تلعب مجموعة (ماي فوتبول كيت) دورًا بصفتها لعبة تعليمية توفر مزيدًا من الإثارة لكونها مادة حقيقية ثلاثية الأبعاد والتي تمنح بدورها الأطفال إحساسًا بالإنجاز بمجرد الانتهاء من عملية التجميع. وللأسف نحن نعيش في واقعٍ مليء بالتفاوتات في الفرص والخبرات، الأمر الذي يزيد من مشاكل عالمنا اليوم، لكننا في شركة مولتن نأمل أن تساعد مجموعة (ماي فوتبول كيت) في حل إحدى هذه المشاكل“.

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة الموضوع: الحكم نيشيمورا يوإتشي، خلال تحكيمه لمباراة إسبانيا وهندوراس في نهائيات كأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا، وهو يحمل صافرة فالكين في يوم الحادي والعشرين من يونيو/ حزيران 2010. جيجي برس/إيه إف بي)

تكنولوجيا كرة القدم الرياضة كابتن ماجد