كنيسة التوحيد من منظور إحدى أتباعها السابقات من الجيل الثاني

مجتمع

أدت حادثة اغتيال رئيس الوزراء الياباني الأسبق شينزو آبي على يد أحد أتباع كنيسة التوحيد سابقا إلى انزياح الستائر عن هذه المنظمة لتتكشف محنة ضحاياها. وفي هذه المقالة نجري مقابلة مع عضوة سابقة من الجيل الثاني من أتباع الكنيسة لتشاركنا قصتها.

تخضع ممارسات كنيسة التوحيد –التي لطالما اكتنفها الغموض– لتمحيص متزايد منذ إطلاق النار على رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي من قبل عضو سابق في المنظمة. ويعتبر بعض الخبراء أن الكثير من الطقوس التي تفرضها الكنيسة (اسمها الرسمي اتحاد الأسرة للسلام العالمي والتوحيد) ترقى إلى حد السيطرة على العقول. وقد أجرت معنا إحدى أتباع الكنسية سابقا مقابلة للتحدث عن تجربتها شرط عدم الكشف عن هويتها.

حياة مكرسة للعبادة

تصف المرأة كيف كانت تستيقظ عندما كانت طفلة في الخامسة من العمر كل صباح لتتعبد عند مذبح توجد عنده صورة مؤسس كنيسة التوحيد سون ميونغ مون. كانت تردد ’’تعهد الأسرة‘‘ للكنيسة وتغني أغنية المنظمة وتصلي ثم تقرأ من أحد نصوص كنيسة التوحيد. كانت تحضر القداسات كل يوم أحد. وتذكر أن والديها كانا يرفضان أي انتقاد للحركة لأنه ’’عمل شيطاني‘‘، وأنهما كانا يتحدثان في كثير من الأحيان عن دعم الكنيسة للحزب الليبرالي الديمقراطي.

وتقول إنه كان لكنيسة التوحيد تأثير كبير على حياتها بصفتها من الجيل الثاني من أتباع الكنيسة. ’’عندما أنظر الآن إلى الوراء، لا يمكنني أن أنظر إلى مؤسسَي الحركة إلا كمحتالَين محترفَين، لكن عندما كنت صغيرة كنت أنظر إليهما على أنهما البطريرك وأم الإنسانية الحقيقيان. ولهذا كانت حياتي مختلفة اختلافا جوهريا عن الأطفال الآخرين من حولي‘‘. وتقول إن التأقلم مع أقرانها كان صعبا وأنها تعرضت للتنمر. ’’لقد كانت في صراع داخلي دائم للتوفيق بين رؤية المجتمع لكنيسة التوحيد وما أخبرني به والدايّ. لقد كانت تجربة خانقة‘‘.

كما تصف الألم الناجم عن كونها عضوة نشطة في المجموعة بينما تحاول في نفس الوقت إخفاء تلك الحقيقة في الأماكن العامة. ’’لا تحضرني أية ذكرى واحدة سعيدة من أيام المدرسة‘‘. تقول إنها لا تزال تجد صعوبة في الاعتراف بماضيها للناس والتفاعل مع الآخرين.

تزوج والدا المرأة ضمن أعراس جماعية مرتبة ترأسها مون. وهذا ما جعل المرأة واحدة مما تسميه كنسية التوحيد بـ’’الجيل الثاني المبارك‘‘، والذين –وفقا لتعاليم الكنيسة– يولدون متحررين من الخطيئة الأصلية وبالتالي لهم حضور خاص داخل الحركة. انضم والد المرأة إلى كنيسة التوحيد من خلال نشاطه في الجمعية الجامعية لبحوث المبادئ التي أسسها مون وتستخدم لتجنيد أعضاء جدد، وكان من أشد المؤمنين بالحركة. تخرجت والدتها من معهد جامعي ثم عملت في شركة بارزة، ولكنها أغريت لاحقا للانضمام إلى الحركة.

وتقول المرأة إنه على الرغم من مكانتها المقدسة داخل كنيسة التوحيد، إلا أنها كانت تشعر بعدم الارتياح عندما كانت طفلة. وتوضح قائلة: ’’ارتدت روضة أطفال لأبناء أسر كنيسة التوحيد، لكنني التحقت بعد ذلك بمدرسة عامة‘‘. وعندما كان الأستاذ يسأل الطلاب عن مهنة آبائهم، كانت تجيب بشكل غامض. ’’لم أكن أريد التحدث عن الدين أو حتى أن أقول عبارة ’كنيسة التوحيد‘. لم أذكر ولو مرة واحدة أمام أي شخص أنني كنت من أتباعها حتى تخرجي من المدرسة الثانوية‘‘.

وعلى الرغم من معاناتها من القلق والاضطراب، إلا أنها كانت ملتزمة بممارسات كنيسة التوحيد. كان والداها يصحبانها كل عام إلى مخيم الكنيسة في كوريا الجنوبية، التي تُعتبر ’’الأرض المقدسة‘‘ للحركة، حيث كانت تلتقي وجها لوجه مع البطريرك وأم الكنيسة، مون وزوجته هاك جا هان.

ولكن تغيرت الأمور بالنسبة لها عندما أصبحت في المدرسة الإعدادية. تتذكر قائلة: ’’لقد بدأت في التمرد. طلبت من والديّ التوقف عن فرض قيود عليّ، ورفضت الذهاب لحضور القداسات‘‘. وتقول إن والديها حرصا على عدم ممارسة الكثير من الضغط عليها، لكنهما كانا يأملان سرا أن تعود إلى إيمانها. ’’كانا يخبراني في كثير من الأحيان كيف أن اليابانيين ارتكبوا أشياء فظيعة بحق الكوريين ويجب أن يصلحوا ما أفسدوه، أو لا يجب أن أواعد الأولاد‘‘.

يُعرف عن كنسية التوحيد تحريم شرب الخمور والتدخين والمواعدة بين أتباعها. ربما لأن والديها لم يرغبا في أن تكون على اتصال مع الأولاد، فقد جعلاها تلتحق بمدرسة ثانوية للبنات فقط.

غرق في اليأس

تخبرنا المرأة كيف أن والديها كان يعطيان الأولوية لكنسية التوحيد قبل كل شيء آخر، حتى الأسرة. وتقول: ’’كانت والدتي منذ أن كنت طفلة صغيرة تبتعد عن المنزل لمدة 6 أشهر في كل مرة تقوم فيها بعمل تبشيري في الخارج‘‘. وتضيف أنه أثناء وجودها في المدرسة الابتدائية أُجبرت على الذهاب في بعض تلك الرحلات إلى الخارج. كان والدها قائدا محليا في كنيسة التوحيد، وكان ينخرط في أنشطة الكنيسة من الصباح حتى الليل. ’’لم نتمكن أبدا من بناء علاقة طبيعية بين والد وطفلته‘‘.

كانت عائلة والدتها ميسورة الحال وكانت تقدم دعما ماليا. ومع ذلك عاش والداها حياة مقتصدة حيث تبرعا بكل أموالهما إلى كنيسة التوحيد. وتستذكر المرأة كيف أنها كانت لا ترتدي إلا ثيابا مستخدمة عندما كانت طفلة. تقول: ’’لم يشتريا لي ملابس جديدة قط. عندما كنت أتلقى المال بمناسبة العام الجديد، كان عليّ أن أتبرع بعشره للكنيسة وأحتفظ بالباقي‘‘. لقد صُدمت عندما اكتشفت لاحقا أن والديها كانا يحتفظان بالمال لتغطية نفقات المنزل بدلا من التبرع به. ’’ربما لم يكونا قادرين على تغطية نفقاتهما بطريقة أخرى‘‘.

وعندما وصلت إلى سن المراهقة، بدأت تشعر بالقلق من أن والديها كان يخططان لها ’’لتلقي البركة‘‘، وهي عبارة مستخدمة في كنيسة التوحيد للدلالة على الزواج بين أعضاء الكنيسة وإنجاب أطفال سيكونون من أتباع الجيل الثالث. وعندما تأكدت صحة شكوكها، قالت إنها أدركت أخيرا أن الآخرين يسيطرون على حياتها، ما جعلها تغرق في حالة من اليأس.

حفل زواج جماعي نظمته كنيسة التوحيد (حقوق الصورة لرويترز).
حفل زواج جماعي نظمته كنيسة التوحيد (حقوق الصورة لرويترز).

تقول المرأة إنها توقفت عن الذهاب إلى قداسات كنيسة التوحيد عندما دخلت المدرسة الإعدادية. ولكن في عامها الأخير من المدرسة الثانوية، أخفقت في اجتياز امتحان الدخول إلى الجامعة التي كانت تأمل في الالتحاق بها، وبدافع الصدمة وافقت على الذهاب في رحلة اعتكاف لمدة 40 يوما في كنيسة التوحيد بكوريا الجنوبية.

تتذكر قائلة: ’’كان كل من في المخيم شديد الإيمان. شعرت شخصيا بخيبة أمل من مدى سوء حديث مون والآخرين‘‘. وعلى الرغم من عدم رغبتها في الانخراط بزواج ترتبه الكنيسة، إلا أن الضغوط المتواصلة عليها أفقدتها إرادتها أخيرا. ’’بدأت أعتقد أنه كان شيئا أريد أن أفعله‘‘.

وشاركت في اعتكاف آخر في اليابان، لكنها لم تستطع تبديد شكوكها. لم تستطع قبول حرمانها من الحق في اتخاذ قراراتها، حيث تقول ’’أردت أن أعيش حياتي الخاصة‘‘.

مغادرة المنزل

عندما بلغت التاسعة عشرة من عمرها، قررت مغادرة المنزل. وقد أسرّت لخالتها برغبتها في الهروب، واتخذت زمام المبادرة بعد أن عملت على التفاصيل مع أقربائها.

وتصف الأمر قائلة: ’’انتظرت إلى الوقت الذي كان فيه والدايّ مشغولين بعمل للكنيسة. ثم أمسكت بحقيبتي وغادرت‘‘. سافرتْ إلى محافظة أخرى حيث تعيش خالتها وخالها، ولكن سرعان ما علم والداها بمكان وجودها. ’’قالا لخالتي وخالي اللذين كانا يحاولان حمايتي فقط، أنه يتوجب عليهما الانتحار. قالا إنهم سيعيدانني إلى المنزل لإعادة تثقيفي لأنني أصبحت شيطانة‘‘. وعاشتْ فترة من حياتها هاربة بعد أن شعرت بخطر حقيقي، لكن عزيمة والديها لم تفتر أبدا. ’’بدآ في تعقبي، وحتى أنهما جعلا الشرطة تعيدني إلى المنزل ذات مرة‘‘.

اتصلت خالتها أخيرا بمحامٍ على دراية بالقضايا المتعلقة بضحايا كنيسة التوحيد، وبعد معركة قضائية نجحت المرأة في قطع علاقاتها مع والديها قانونيا، اللذين تخليا عن محاولة إجبارها على العودة إلى المنزل.

تقول المرأة: ’’كنت محظوظة لأنني حصلت على دعم من الآخرين. ولهذا أنا ممتنة إلى الأبد. كان من الصعب جدا على شخص في وضع مشابه أن ينفصل عن الكنيسة كما فعلت أنا. ربما لن يفكروا حتى في مناقشة الأمر مع شخص ما في الخارج. هذا هو مدى قوة الآباء والأمهات وكنيسة التوحيد على الجيل الثاني من الأتباع‘‘.

تواصل والدا المرأة مع المحامي الذي ساعدها في تحرير ’’الشيطانة‘‘، لكن والدتها أرسلت إليها أيضا 10 رسائل عبر المحامي، لم تقل في أي منها إنها ليست مضطرة للانضمام إلى الكنيسة مرة أخرى، أو إنها تريد فقط عودة ابنتها إلى المنزل.

اغتيال شينزو آبي

كما شاركت المرأة أفكارها حول إطلاق النار على رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي والرجل الذي تم القبض عليه بتهمة القتل، ياماغامي تيتسويا، الذي ذكر أن دافعه للإقدام على فعلته نابع من الضغط المالي الذي عانت منه أسرته نتيجة تبرع والدته بكل أموالهم إلى كنيسة التوحيد.

’’عندما سمعتُ أن مقتل آبي كان بسبب الصلة بالكنيسة، كان رد فعلي الأول هو الحزن‘‘، كما تقول. ولكنها تتعاطف أيضا مع ياماغامي، وتفهم إحساسه بالاضطرار للإقدام على فعلته، ولا يمكنها حمل نفسها على إدانته.

عندما بدأت وسائل الإعلام في بث تقارير عن كنيسة التوحيد بعد حادثة الاغتيال، صُدمت حقا بالأشياء الفظيعة التي ارتكبتها الكنيسة. ’’لم أكن أرغب شخصيا في العودة إلى الوضع الذي كنت فيه مع أسرتي، لكنني لم أعتقد مطلقا أن الكنيسة نفسها كانت كلها سيئة‘‘، كما تعترف. ولكن مع مشاهدة التقارير الإخبارية عن الممارسات السيئة لكنيسة التوحيد، بما في ذلك اختلاس المال من أتباعها عن طريق التبرعات القسرية، بدأتْ في ربط النقاط مع بعضها البعض في حياتها الخاصة. ’’أتذكر أن والدي كان يتصل أحيانا بأتباع آخرين حصلوا على القليل من المال –مثل الميراث– ويسأل عن المبلغ الذي ينوون التبرع به للكنيسة. كما كان يوبخ أتباعا آخرين بقسوة لفشلهم في إقناع شخص يعتنق المسيحية بالانضمام إلى الكنيسة‘‘.

العيش في خوف

وبعد أن هربت من كنيسة التوحيد، استسلمت المرأة لفكرة قطع جميع صلاتها مع أصدقائها في المدرسة الثانوية وعدم رؤية والديها مرة أخرى. ومنذ ذلك الحين، قامت بتكوين صداقات جديدة والتقت وتزوجت برجل يفهم ما مرت به. رزقت الآن بطفل ولديها وظيفة. وعلى الرغم من أنها تتحكم في حياتها الخاصة، إلا أنها تؤكد أن تعاليم كنيسة التوحيد ومخاوفها من الكنيسة لا تزال تلازمها.

تستذكر قائلة: ’’كنت في البداية أشعر بالذنب حتى عندما أحتسي مشروبا. وقد مرت عدة سنوات بعد مغادرة المنزل قبل أن أتمكن من التخلص من صورة البطريرك مون التي كنت أحتفظ بها. لم أكن أبدا قوية جدا في إيماني، لكن تعاليم الكنيسة لازمتني‘‘.

الآن وبعد 10 سنوات من قطع العلاقات مع كنيسة التوحيد ووالديها، تواجه المرأة أخيرا مشاعرها المعقدة في محاولة للانعتاق من قبضة الكنيسة عليها، حيث توضح قائلة: ’’عندما كنت صغيرة كان يقال لي باستمرار إنني سأذهب إلى الجحيم إذا اخترت الشريك الرومانسي الخطأ. قد يكون من الصعب على الآخرين فهم ذلك، لكن عندما غادرت المنزل كنت مقتنعة بأنني ملعونة. ما زلت غير قادرة على التملص من هذا الشعور‘‘.

لا يزال الخوف من إجبارها على العودة إلى منزل عائلتها يطاردها، وهي قلقة من أن طفلها قد يكون في خطر التعرض للاختطاف. تواصل اتخاذ الإجراءات لإخفاء مكان وجودها عن والديها، بما في ذلك وضع قيود قانونية على من يمكنه الوصول إلى معلومات إقامتها المسجلة في مركز الشرطة المحلي. وعلى الرغم من أن هذا يتطلب منها تقديم أوراق جديدة كل عام، إلا أنها تقول إنه في كل مرة يأتي فيها تاريخ إعادة ملء الأوراق، فإنها تملؤها بعزيمة متجددة.

وتقول المرأة: لم أرتكب أي خطأ. لا أستطيع أن أفهم لماذا يتعين عليّ الاستمرار في الهروب. يحزنني التفكير في الأمر، لكنني أخشى ألا أكون قادرة على إصلاح النظرة المشوهة للحب الذي تلقيته من والديّ‘‘.

تنتقد المرأة اليوم بشدة كنيسة التوحيد. ’’أي نوع من الكنيسة تدافع عن قيمة الانسجام الأسري بينما لا تترك لي في الوقت نفسه أي خيار سوى قطع العلاقات مع والديّ؟ كم عدد الأطفال الآخرين الذين أوذوا بنفس الطريقة؟ لا يساورني أدنى شك في أن كنيسة التوحيد منظمة إجرامية تتجاهل حقوق الأطفال. يتعين على أتباعها إدراك هذه الحقيقة‘‘.

(المقالة الأصلية منشورة باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. التقرير والنص من قبل أوغاوا ماسانوري من ’’باور نيوز‘‘. حقوق صورة العنوان لبيكستا)

البوذية الشنتو الدين