مواجهة واقع القصف الذري بمتحف هيروشيما التذكاري للسلام

ثقافة

في عام 2019، أعيد افتتاح متحف هيروشيما التذكاري للسلام بعد تجديد دام عامين. من المحتمل أن يكون هذا المرفق الرئيسي هو المرفق الذي سيزوره قادة مجموعة السبع خلال قمتهم في المدينة. وفي هذا الموضوع نلقي نظرة على المعروضات التي يحتويها المتحف الذي تم تجديده وأهميتها للزوار اليوم.

يقع منتزه السلام التذكاري في وسط مدينة هيروشيما، وهو موطن لقبة القنبلة A وتسمى أيضًا قبة غينباكو، والنصب التذكاري لضحايا القنبلة الذرية، والمبنى الرئيسي لمتحف هيروشيما التذكاري للسلام في خط مستقيم من الشمال إلى الجنوب. زرت هذا الموقع الرمزي العميق في أوائل أبريل/ نيسان 2023، وعلى الرغم من هطول الأمطار الخفيفة، كان هناك طابور من الزوار يزيد طوله عن 50 مترًا في انتظار دخول المتحف. بالإضافة إلى ذلك، فوجئت برؤية أن 90٪ يبدو أنهم سائحون أجانب. أخبرني مواطن من هيروشيما يعمل كمرشد متطوع ”لقد مر بعض الوقت منذ أن رأينا الكثير من الزوار من الخارج هنا. نميل إلى رؤية الكثير من الأجانب يصلون خلال موسم تفتح أزهار الساكورا، وفي مايو/ أيار ويونيو/ حزيران يفسحون المجال لمجموعات الجولات المدرسية المحلية“.

النظر شمالاً إلى قبة القنبلة الذرية من مبنى المتحف الرئيسي في وسط الحديقة. (© دوني هيروكو)
النظر شمالاً إلى قبة القنبلة الذرية من مبنى المتحف الرئيسي في وسط الحديقة. (© دوني هيروكو)

تركيز جديد على الضحايا

في 2017-2019، خضع المتحف لأكبر تجديد له منذ افتتاحه في عام 1955. يشرح تويا توشيهيرو، نائب مدير المؤسسة، سبب هذا العمل المطول.

”كان هدفنا الأساسي هو وضع التذكارات التي خلفها ضحايا القنبلة والصور التي التقطت مباشرة بعد التفجير في 6 أغسطس/ آب 1945 في قلب معروضات المتحف. بهذه الطريقة نركز على الخسائر البشرية للقنبلة. نصف مهمتنا بأنها “إخبار الحقيقة بشأن القصف”، مما يعني تقديم المشهد الرهيب الذي تكشّف في ذلك اليوم تحت سحابة الفطر التي نتجت عن القنبلة الذرية. ويعد نقل هذا هو الجزء المحوري من عملنا هنا“.

نائب مدير المتحف تويا توشيهيرو يصف مهمة المؤسسة. (© دوني هيروكو)
نائب مدير المتحف تويا توشيهيرو يصف مهمة المؤسسة. (© دوني هيروكو)

من المحتمل أن تكون صورة سحابة الفطر تلك، التي التقطها الجيش الأمريكي من الجو بعد إسقاط القنبلة، واحدة من أولى الصور التي تتبادر إلى الذهن لدى الكثيرين ممن يفكرون في القصف الذري لهيروشيما. سوف ينظر آخرون أولاً في القوة الهائلة للسلاح الذري، أو قدرته الهائلة على التدمير. لكن المتحف في شكله الجديد ينظر إلى الحدث من منظور أولئك الموجودين على الأرض، والبشر الذين تأثروا بالقنبلة وعواقبها.

يقول تويا إن هذا تطلب إعادة ترتيب وصول الزوار إلى أقسام المتحف المختلفة. يقضي زوارنا اليابانيون في المتوسط 40 إلى 45 دقيقة في المتحف. في السابق، كنا نرسلهم أولاً من خلال معروضات عن تطور القنبلة والأحداث التي سبقت انتشارها، ولم يصل الكثير من الزوار إليها أبدًا فيما يتعلق بمتعلقات ضحايا القنبلة أو المواد المتعلقة بتأثير الهجوم على أجساد البشر” الآن، كما يشرح، فإن مساحة العرض التمهيدي التي ترحب بالزوار أولاً تتكون ببساطة من صور بانورامية لهيروشيما كما كانت تبدو قبل وبعد القصف مباشرة وعرض رسومي للكمبيوتر لإسقاط القنبلة وانفجارها، ويواجههم على الفور بـ “حقيقة القصف الذري”.

يشاهد الزائرون عملية إعادة الإنشاء المحوسبة للتفجير في مساحة العرض التمهيدي. (© دوني هيروكو)
يشاهد الزائرون عملية إعادة الإنشاء المحوسبة للتفجير في مساحة العرض التمهيدي. (© دوني هيروكو)

يوم إسقاط القنبلة الذرية وأهواله

الصور التي تظهر على الألواح التي يراها الزوار أولاً عند دخولهم المبنى الرئيسي هي عبارة عن تلخيص لـ ”منظور الضحايا“ الذي يسعى المتحف إلى تقديمه. التقط المصور الصحفي ماتسوشيغي يوشيتو هاتين اللقطتين المشهورتين في حوالي الساعة 11:00 صباح يوم 6 أغسطس/ آب 1945، بعد ثلاث ساعات فقط أو نحو ذلك من انفجار القنبلة، بالقرب من جسر ميوكي على بعد 2.3 كيلومتر جنوبًا من نقطة الصفر وهي النقطة التي تم تفجير القنبلة فوقها. الأشخاص في صوره تعاني أجسادهم من حروق شديدة من الرأس حتى أخمص القدمين، وقد تفحم شعرهم. وقد تطاير بلاط السقف ونوافذ المبنى الذي يقف خلفهم. صمم مسؤولو المتحف المقياس الذي يتم عرض هذه الصور به ليكون الأكثر واقعية للمشاهدين. في قسم المتحف هذا، تم التقاط جميع صور سحابة الفطر من الأرض، وليس من الطائرات العسكرية الأمريكية، حيث ينصب التركيز على تقديم المأساة كما رآها الضحايا في ذلك الوقت.

مشاهدة صور ماتسوشيجي يوشيتو (© دوني هيروكو)
مشاهدة صور ماتسوشيجي يوشيتو (© دوني هيروكو)

قسم آخر من المتحف يستحق اهتمامًا خاصًا هو معرض ”الدمار في 6 أغسطس/ آب“ الذي يعرض حالة البلدة التي دمرت في لمح البصر. تم عرض قطع كبيرة بما في ذلك جدران من الطوب من الهياكل المتفجرة، والجدران مع شظايا الزجاج المضمنة فيها، وعوارض حديدية وفولاذية مثنية، وكتل من المعدن المنصهر والتي ذابت بفعل الحرارة الحارقة للقنبلة الذرية. يتخلل بينهم صور للناجين من الدمار الذي حدث في ذلك اليوم. في صندوق زجاجي بمركز القاعة يوجد أكثر من 30 قطعة من الملابس والحقائب التي كان يرتديها طلاب المرحلة الإعدادية الذين فقدوا حياتهم في ذلك الصباح أثناء أعمال هدم المبنى وقد تطايرت أجسادهم الصغيرة هنا وهناك فوق أنقاض المبنى. لا توجد تفسيرات مصاحبة لهذه العناصر، مما يترك الزائرين يفكرون بأنفسهم من أين أتوا وما هي الأهمية التي قد تكون لديهم.

يتم عرض الملابس ومتعلقات الطلاب الذين لقوا حتفهم جراء القنبلة الذرية في هذا المكان بالمتحف. (© دوني هيروكو)
يتم عرض الملابس ومتعلقات الطلاب الذين لقوا حتفهم جراء القنبلة الذرية في هذا المكان بالمتحف. (© دوني هيروكو)

قصة لكل ضحية

وعلى مسافة أبعد على طول الطريق الموصى به في المتحف، توجد مساحة عرض ”صرخات الروح“، والتي تعرض صورًا لضحايا أفراد مع متعلقاتهم كوسيلة لإلقاء الضوء على الحياة التي عاشوها في هيروشيما حتى ذلك اليوم (تم جمع عدد من هذه العناصر في كتاب مصور للأطفال، جنبًا إلى جنب مع القصص المرتبطة بها، مما جعلها مشهورة في جميع أنحاء اليابان) يتم عرض الألم الذي عانى منه الضحايا والحزن العميق لمن نجا منهم في هذا الجزء المؤثر من المتحف.

يتم شرح عدد قليل من هذه العناصر أدناه.

دراجة ثلاثية العجلات من مجموعة متحف هيروشيما التذكاري للسلام. تبرع بها تيتسوتاني نوبو.
دراجة ثلاثية العجلات من مجموعة متحف هيروشيما التذكاري للسلام. تبرع بها تيتسوتاني نوبو.

العجلة الثلاثية

في صباح ذلك اليوم المشؤوم كان الصبي تيتسوتاني شينئيتشي، الذي كان يبلغ من العمر 4 أعوام فقط يلعب ويمرح على دراجته الصغيرة ثلاثية العجلات أمام المنزل الذي كان يبعد 1.5 كيلو متر فقط عن مركز انفجار القنبلة، انتفخ وجه الصبي جراء الحروق التي سببها الانفجار، وقد توفي الصغير في نفس الليلة وهو يئن ”ماء، أريد الماء“. قام والده بدفنه في فناء العائلة مع دراجته ثلاثية العجلات حتى يتمكن من اللعب بها في العالم الأخر. بعد أربعين عامًا، عندما قرر والده نقل رفات شينئيتشي إلى قبر العائلة، تبرع بالعجلة إلى المتحف.

صندوق طعام من مجموعة متحف هيروشيما التذكاري للسلام. تبرعت بها أوريمين شيغورو.
صندوق طعام من مجموعة متحف هيروشيما التذكاري للسلام. تبرعت بها أوريمين شيغورو.

صندوق الطعام

كان شيغورو أوريمين طالباً في سنته الأولى بالمرحلة الإعدادية في مدرسة بمحافظة هيروشيما، وبعد أيام على التفجير عثرت والدته على بقايا هيكله العظمي ملقاة فوق صندوق الطعام المتفحم الخاص به والذي حولته القنبلة إلى قطع متفحمة. كان صندوق الطعام يحتوي على وجبته لهذا اليوم - خليط من الأرز والشعير وفول الصويا مع البطاطا المقطعة المقلية.

ملابس الطالب أساهي توشياكي من مجموعة متحف هيروشيما التذكاري للسلام. تبرعت بها أساهي تيروئيتشي.
ملابس الطالب أساهي توشياكي من مجموعة متحف هيروشيما التذكاري للسلام. تبرعت بها أساهي تيروئيتشي.

ملابس طالب

أساهي توشياكي (13 عامًا)، وهو طالب آخر في السنة الأولى بالمرحلة الإعدادية في مدرسة بمحافظة هيروشيما، أثناء قيامه بأعمال التفكيك مات جميع الطلاب والمعلمين في موقع العمل تقريبًا في العاصفة النارية التي نتجت عن القنبلة، لكن تم اكتشاف توشياكي بأعجوبة في مستوصف من قبل إحدى معارفه، التي أعادته إلى المنزل. في صباح يوم 9 أغسطس/ آب، شكرها على رعايتها له وتوفي في حجرها. وقد مزقت رياح وحرارة الانفجار أكتاف زيه والقميص الأبيض الذي كان يرتديه تحته ومزقت الأكمام.

يضم المتحف أيضًا معرضًا للمواد المتعلقة بـ ”المطر الأسود“ المشع الذي سقط على المدينة من سحابة الفطر وساساكي ساداكو، التي تعرضت للمطر عندما كانت طفلة صغيرة وتوفيت بعد عقد بسبب معانتها من اللوكيميا في سن 12 عامًا. القصة ستلهم بناء النصب التذكاري للسلام للأطفال جنوب قبة القنبلة الذرية.

صنعت ساساكي ساداكو طيور كركي بفن ”أوريغامي“ الياباني من أغلفة ورقية كانت تحتوي على دوائها. من مجموعة متحف هيروشيما التذكاري للسلام. تبرعت بها أوميدا يوريكو.
صنعت ساساكي ساداكو طيور كركي بفن ”أوريغامي“ الياباني من أغلفة ورقية كانت تحتوي على دوائها. من مجموعة متحف هيروشيما التذكاري للسلام. تبرعت بها أوميدا يوريكو.

مجموعة متنامية باستمرار

تضم مجموعة متحف هيروشيما التذكاري للسلام اليوم حوالي 20000 عنصر. ويشمل ذلك كل شيء من الحجارة، وبلاط الأسقف، وأجزاء أخرى من الهياكل التي تضررت في الانفجار إلى العناصر الخاصة بضحايا القنبلة، والرسومات واللوحات الخاصة بالقصف وما تلاه من صنع الهيباكوشا، والمعدات الطبية المستخدمة في علاجهم في ذلك الوقت، وحتى ندوب الجدرة وعينات أخرى من الأنسجة البشرية تم جمعها. والمثير للدهشة أن هذه المجموعة تستمر في النمو حتى يومنا هذا، بعد ما يقرب من ثمانية عقود، حيث يتلقى المتحف ما يقرب من 50 أو 60 تبرعًا سنويًا من العائلات العادية.

في كثير من الحالات، يتوجه أبناء أو أحفاد الضحايا الذين يحتفظون بتذكارات هؤلاء الأسلاف إلى مسؤولي المتحف، قلقين من تناثر العناصر وفقدانها بمجرد نقلها. كان أحد التبرعات غير العادية التي وردت مؤخرًا عبارة عن ألبوم عائلي مفصل من عائلة مكونة من ستة أفراد كانوا يديرون محل حلاقة بالقرب من نقطة الصفر وجميعهم لقوا حتفهم في الانفجار. أرسل والد الأسرة، وهو مصور، الألبوم مع صوره العديدة إلى منزل أحد الأقارب، خوفًا من ضياعها بسبب ألسنة اللهب في الغارات الجوية على المدينة.

يقول نائب المدير تويا: ”ما لم يكن هناك سبب غير عادي لعدم القيام بذلك، عندما يأتي الناجون أو الأحفاد إلينا مع عرض، نجري مقابلات معهم بعناية ونضيف تبرعاتهم إلى مجموعتنا. مهمتنا هي مشاركة أكبر عدد ممكن من هذه العناصر مع الزوار، والتأكد من أن ذكريات القصف الذري لن تتلاشى أبدًا“.

البحث عن قيادة سياسية

في عام 2016، آخر مرة استضافت فيها اليابان قمة مجموعة السبع، أصبح الرئيس الأمريكي باراك أوباما أول زعيم أمريكي في منصبه يزور هيروشيما. في متنزه السلام التذكاري، ألقى خطابًا مدته 17 دقيقة، قال فيه ”من بين تلك الدول مثل بلدي التي تمتلك مخزونات نووية، يجب أن تكون لدينا الشجاعة للهروب من منطق الخوف والسعي وراء عالم بدونها“.

في الفترة من 19 إلى 21 مايو/ أيار، سيجتمع قادة مجموعة السبع في قمتهم في هيروشيما. ماذا سيشعرون عند دخولهم هذا المكان، وما نوع الرسالة التي سينقلونها منه؟ يتذكر شيغا كينجي، التي كان مدير متحف هيروشيما التذكاري للسلام عندما زار أوباما وهي الآن أستاذًا زائرًا في معهد أبحاث جامعة هيروشيما لبيولوجيا الإشعاع والطب ما يلي: ”في الواقع، أكثر ذكرياتي حيوية هي اجتماع وزراء الخارجية الذي عقد في أبريل/ نيسان من ذلك العام، قبل اجتماع القمة“.

شيغا كينجي أمام متحف هيروشيما التذكاري للسلام (© إيشي ماساتو)
شيغا كينجي أمام متحف هيروشيما التذكاري للسلام (© إيشي ماساتو)

وزير خارجية اليابان في عام 2016 كان كيشيدا فوميئو، وهو رئيس وزراء اليابان الحالي. قاد كيشيدا الوزراء المجتمعين في جولة في حديقة السلام التذكارية، حيث زاروا المتحف قبل التوجه إلى النصب التذكاري لوضع الزهور هناك. يقول شيغا، ”كان كيشيدا على رأس موكبنا، وكنت أنا في المؤخرة. ما رأيته في ذلك الوقت هو أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند بدآ يتخلفان عن الآخرين. من الواضح أنهما كانا مفتونين بالمعروضات في المتحف، استطعت أن أرى أنهما كانا يتفاعلان بشكل مدروس مع متعلقات الضحايا والأشياء الأخرى المعروضة على المستوى الشخصي“.

خلال هذه الزيارة في 11 أبريل/ نيسان، تجول كيري أيضًا عن المسار المتفق عليه وتوجه بالقرب من قبة القنبلة A أيضًا، مما تسبب في بعض الذعر بسبب الترتيبات الأمنية. في مؤتمره الصحفي في ذلك اليوم، وصف ما رآه قائلا ”كان عرضًا مؤلمًا“.

يقول شيغا: ”ما شعرت به في ذلك اليوم عندما رافقت كيري، هو أن الرئيس أوباما سيأتي إلى هيروشيما أيضًا. كنت على يقين من أن كيري سيدفعه للقيام بذلك. عندما يشاهد الناس متعلقات ضحايا القصف والمعارض الأخرى هنا، لا يمكن إلا أن يتأثروا بعمق. آمل أن يخصص القادة وقتًا في جداولهم لزيارة المتحف خلال قمة هيروشيما. وآمل أن يأخذوا ردودهم الصادقة على تلك التجربة إلى بلدانهم، ويشاركونها مع شعوبهم“.

(المقالة الأصلية باللغة اليابانية، الترجمة من الإنكليزية. صورة العنوان: ملابس لطلاب ماتوا وهي معروضة في متحف السلام التذكاري في هيروشيما. © دوني هيروكو)

هيروشيما العلاقات اليابانية الأمريكية الحرب العالمية الثانية قبة القنبلة الذرية