كاميكازي: أسطورة ”الرياح الإلهية“ التي غيّرت مصير اليابان وصنعت تاريخًا من الدعاية في زمن الحرب

ثقافة

تحمل الأسطورة اليابانية عن ˮالرياح الإلهية“، أو الكاميكازي، رمزية عميقة في تاريخ الأمة. فقد تروي القصة كيف تصدت هذه الرياح العاتية للغزو المغولي في القرن الثالث عشر، لتصبح رمزًا لقوة اليابان وحمايتها الإلهية. ولكن خلال الحرب العالمية الثانية، أعادت الحكومة إحياء هذه الأسطورة، ليس كقصة إنقاذ فحسب، بل كأداة لتعزيز فكرة التفوق الوطني، مما دفع البلاد إلى مسارات مليئة بالتحديات والمآسي. كيف أثرت هذه القصة على الهوية اليابانية، وما العواقب التي خلفتها على المجتمع؟ في هذا المقال، نستكشف تطورات هذه الأسطورة وأثرها على مسار التاريخ الياباني.

لقد شكلت أسطورة ”كاميكازي“ جزءًا لا يتجزأ من السرد التاريخي والثقافي في اليابان، حيث نشأت من أحداث حقيقية في القرن الثالث عشر أثناء الغزو المغولي. ففي معركتي ”بوني“ عام 1274 و”كوآن“ عام 1281، تعرض أسطول المغول لسلسلة من العواصف العنيفة، التي ألحقت أضرارًا بالغة بسفنهم وقوضت قدرتهم على الغزو. وقد وثقت السجلات اليابانية هذه العواصف بوصفها تدخلًا إلهيًا من ”الرياح الإلهية“ (كاميكازي)، التي أنقذت البلاد من أعداء أقوى وأكبر.

على الرغم من صحة حدوث العواصف، إلا أن تأثيرها الفعلي على النتائج النهائية لتلك المعارك يظل موضوعًا للنقاش بين المؤرخين. فهناك من يرى أن العواصف كانت عاملًا حاسمًا في إنهاء التهديد المغولي، بينما يشير آخرون إلى دور الدفاعات اليابانية والتكتيكات العسكرية في تحقيق النصر.

في القرن العشرين، أعيد إحياء أسطورة ”كاميكازي“ في سياق مختلف تمامًا، خلال الحرب العالمية الثانية. استُخدم المصطلح للإشارة إلى الطيارين الانتحاريين الذين كانوا يضحون بحياتهم من أجل ضرب السفن الحربية الأمريكية. تم توظيف هذه الرمزية لتعزيز الشعور بالواجب الوطني والتضحية في مواجهة خطر يهدد بقاء الأمة. ولكن على عكس العواصف الإلهية التي صورتها الأسطورة، كانت هذه الهجمات مأساوية، مع خسائر بشرية هائلة دون تأثير حاسم في تغيير مجريات الحرب.

يرى البعض أن أسطورة ”كاميكازي“ تعكس الميل إلى تأطير الأزمات كاختبارات للبقاء الوطني، حيث تصبح قصص الصمود ذات طابع شبه ديني. وقد ساعدت هذه الأسطورة في تشكيل السرديات الوطنية في فترات مختلفة من التاريخ الياباني، سواء للدفاع عن الأرض في العصور الوسطى أو لمحاولة الحفاظ على الكرامة الوطنية في خضم الصراعات الحديثة.

التوغل في الماضي

لقد أثار البحث الأخير حول أسطورة ”الرياح الإلهية“ أو ”كاميكازي“ تساؤلات جديدة حول مدى صحة هذه القصة التاريخية. ففي عام 2016، قام فريق من جامعة مدينة أوساكا بقيادة الأستاذ المساعد هاراغوتشي تسويوشي، وهو الآن أستاذ زائر في جامعة توهوكو، بإجراء دراسة جيولوجية على الرواسب الرسوبية في قاع بركة دايجا (إيكيدا)، وهي مسطح مائي عذب يقع في مدينة أماكوسا بمحافظة كوماموتو على ساحل كيوشو.

كان التحقيق جزءًا من مشروع أكبر للبحث عن دلائل تسونامي ناتج عن الزلازل، والذي أُطلق بعد الزلزال الكبير في شرق اليابان عام 2011. وقد قام الباحثون بدراسة الطبقات الرسوبية في المنطقة للحصول على أدلة حول الأحداث الطبيعية الكبيرة التي قد تكون حدثت في تلك الفترة الزمنية، بما في ذلك العواصف أو التسونامي المحتمل الذي وقع خلال الغزو المغولي في القرن الثالث عشر.

وقد أظهرت النتائج وجود تلميحات لعواصف عنيفة في نفس الفترة الزمنية التي شهدت غزو قوات ”يوان“ المغولية. هذه الاكتشافات الجيولوجية تعزز من فرضية أن العواصف التي دمرت جزءًا من الأسطول المغولي قد تكون حقيقة تاريخية وليست مجرد جزء من أسطورة تم ترويجها لاحقًا.

ورغم أن الأدلة الجيولوجية تدعم فكرة وقوع عواصف عنيفة في تلك الفترة، إلا أن السؤال حول ما إذا كانت هذه العواصف قد لعبت الدور الحاسم في إحباط الغزو المغولي لا يزال محل نقاش. وما إذا كانت هذه الأحداث قد أثرت بالفعل على مسار الحروب أو أنها تم تضخيمها في الروايات التاريخية لتصبح أسطورة مع مرور الزمن.

يبلغ محيط بركة دايجا 800 متر، وهي منفصلة عن البحر بشريط صغير من الرمال. (© إدارة الثقافة في بلدية أماكوسا)
يبلغ محيط بركة دايجا 800 متر، وهي منفصلة عن البحر بشريط صغير من الرمال. (© إدارة الثقافة في بلدية أماكوسا)

أخذ هاراغوتشي وفريقه عينات لُبية من البركة واكتشفوا عدة طبقات حدثية أشارت إلى أن الأمواج اخترقت الحاجز الرملي الضيق وغمرت البركة في أوقات مختلفة عبر التاريخ. وتتكون الطبقات من الرمال وأصداف حيوانات وحيدة الخلية تسمى الدياتومات. ويوضح هاراغوتشي: ˮتتشكل الرواسب من هذا النوع من خلال أحداث كبرى مثل الأعاصير الكبيرة أو تسونامي أو العواصف التي تدخل الرواسب من قاع البحر“.

وقد كشف تأريخ الكربون المشع عن أن أغلب الطبقات تعود إلى أصول قديمة للغاية، ولكن شريطًا واحدًا يبلغ عرضه 63 سنتيمترًا ويقع على عمق 1,28 مترًا تحت السطح يرجع تاريخه إلى حوالي القرن الثالث عشر. ويقول هاراغوتشي، من خلال دراسته للطبقات، بأنه في الوقت الذي لا يمكن استبعاد حدوث تسونامي تمامًا، فإنه يزعم أن خصائص الرواسب تتوافق أكثر مع إعصار قوي من النوع المعروف بأنه يضرب اليابسة في المنطقة. ˮمن المحتمل جدًا أننا ننظر إلى أدلة على العاصفة التي ضربت أثناء معركة كوآن في عام 1281“.

وإذا كانت نظرية هاراغوتشي صحيحة، فقد كانت عاصفة عملاقة. وتعززت فرضيته باكتشاف بقايا سفن يوان في عام 2010 في قاع خليج إماري في محافظة ساغا، على بعد حوالي 120 كيلومترًا إلى الشمال من بركة دايجا. ويُعتقد أن القوارب كانت جزءًا من جيش يوان المُتخذ المسار الجنوبي الذي تم إرساله من البر الرئيسي للصين – كانت هناك مجموعة ثانية، جيش الطريق الشرقي، تم إرسالها من دولة غوريو التابعة في شبه الجزيرة الكورية - وتشير الأدلة بقوة إلى أن السفن غرقت في عاصفة أثناء بحثها عن مأوى في الخليج.

المواقع التي تشير إلى وقوع إعصار أثناء معركة كوآن

الثقة في الآلهة

لا يزال الجدل قائماً حول ما إذا كان الإعصار هو الذي أحبط الغزو المغولي في معركة بوني، ولكن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن الطقس لعب دوراً في معركة كوآن بعد سبع سنوات. ولا شك أن وصول عاصفة في مثل هذه اللحظة اليائسة كان ليُنظَر إليه باعتباره يداً من العناية الإلهية من قِبَل الطبقة الحاكمة، التي لجأت منذ زمن سحيق إلى الآلهة المحلية لحماية الأمة من القوى الخارجية.

ويقدم معبد هاكوزاكي في مدينة فوكوكا مثالاً ساطعاً للاعتقاد في القوى الوقائية التي يتمتع بها الـ ˮكامي“ أو الإله الياباني. وقد تأسس المعبد في عام 923، وهو مخصص للإله هاتشيمان، وهو إله يحظى باحترام كبير ويرتبط بالنصر في الحروب. وتوجد لوحة تحمل عبارة ˮتيكيكوكو كوفوكو“، والتي تُرجمت بشكل فضفاض إلى ˮاستسلام العدو“، مُعلقة على بوابة البرج الرئيسية. ويُقال إن العمل الأصلي كتبه الإمبراطور دايجو (حكم من 897 إلى 930)، وبعد تدمير المعبد في معركة بوني، نقش الإمبراطور كامياما (حكم من 1259 إلى 1274) الكلمات من جديد لطلب مؤازاة الإله هاتشيمان في الحفاظ على اليابان من جيش يوان.

لوحة عملاقة مكتوب عليها ˮتيكيكوكو كوفوكو“ مُعلقة على بوابة معبد هاكوزاكي. (© موتشيدا جوجي)
لوحة عملاقة مكتوب عليها ˮتيكيكوكو كوفوكو“ مُعلقة على بوابة معبد هاكوزاكي. (© موتشيدا جوجي)

وإلى جانب حشد قوتها العسكرية، توسلت الحكومة الشوغونية في حقبة عصر كاماكورا إلى الآلهة، فأصدرت أوامرها إلى المعابد البوذية والمزارات الشنتوية في البلاد بإجراء دعوات ˮلطرد“ التهديد الأجنبي. وكان هبوب الإعصار أثناء احتدام معركة كوآن يشكل دليلاً لا يقبل الجدل على أن دعواتهم قد استُجيبت.

ويمكن القول بأن الشوغونية كانت على علم بأن موسم الأعاصير قد بلغ ذروته عندما وصلت سفن يوان إلى خليج إماري في أغسطس/ آب، الأمر الذي كان يشير على أن احتمالية هبوب عاصفة قوية مسألة ليست بالمُستبعدة. ومع ذلك، في غياب أي وسيلة موثوقة للتنبؤ بالطقس، ناهيك عن اقتراب إعصار كبير، فمن الطبيعي أن تفسر الشوغونية تدمير الأسطول الغازي على أنه عمل سماوي. وقد زرع هذا بذور ما أصبح فيما بعد اعتقادًا في اليابان بأنها أرض الآلهة التي لا تُقهر.

ولقد لعبت المزارات والمعابد اليابانية دوراً محورياً في نشر أسطورة الـ كاميكازي في حرصها على الاستفادة من النتيجة المواتية للصراع، وهو ما فعلته بالتأكيد على دورها في دعوة الآلهة على نصرتهم. فعلى سبيل المثال، زعم ˮإيسون“، كبير الكهنة في معبد سايدايجي في مدينة نارا، أن الرياح بدأت تهب بينما كان يصلي بحرارة من أجل خلاص الأمة. والسجل التاريخي من تلك الفترة مليء بمثل هذه الادعاءات من قبل الزعماء الدينيين، الذين كانوا حريصين على استعادة ألقابهم من قبل الشوغونية في مواجهة التعدي المتزايد من قبل الطبقة المحاربة على ممتلكاتهم الريفية. وقد نجحت مؤسسات مثل معبد ˮأوسا هاتشيمان“ في ما يعرف اليوم بمحافظة أويتا، وهي منطقة ذات صلة قوية بالإله هاتشيمان، في تنفيذ هذه الاستراتيجية، حيث استعادت الحكومة ممتلكاتها.

ويقول ˮهاتوري هيديو“، الأستاذ الفخري بجامعة كيوشو والخبير في الغزو المغولي، بأن طبقة المحاربين لم تتبن أسطورة الـ كاميكازي. ويوضح: ˮبعد أن قاتلوا العدو بكل ما أوتوا من قوة، وقتلوا وتعرضوا للقتل بأعداد كبيرة، كان لديهم منظور مختلف تمامًا للنتيجة“. ويقول إنهم ذهبوا إلى المعركة على أمل أن يكافأوا على جهودهم، ولكن بعد هزيمة قوات يوان، لم يتلقوا سوى القليل مقابل تضحياتهم. وقد أثار هذا استياء طبقة المحاربين، مما أدى إلى تحريك الأحداث التي أدت إلى سقوط شوغونية كاماكورا بعد نصف قرن من الزمان.

الاستيلاء على التاريخ

وبعد أكثر من 500 عام على الغزو المغولي، عادت أسطورة الـ كاميكازي إلى الحياة كجزء من الحملات الإمبريالية اليابانية في أوائل القرن العشرين. وفي عام 1931، أطلقت حادثة منشوريا، التي ابتكر فيها ضباط جيش كوانتونغ الياباني ذريعة زائفة لغزو منشوريا، موجة عارمة من الوطنية في اليابان، مما دفع البلاد نحو الاستبداد.

وكانت الحكومة تعمل تدريجيا على تشكيل الوعي الوطني على أساس المرسوم الإمبراطوري الذي يهدف إلى تحريض الروح الوطنية في أعقاب زلزال كانتو العظيم عام 1923، وحادثة منشوريا، التي جاءت بعد 650 عاما من معركة كوآن، أحيت الاهتمام بانتصار اليابان على الغزو المغولي. وأقيمت فعاليات في جميع أنحاء البلاد لإحياء ذكرى الصراع. ويستشهد ˮياناغيهارا توشيأكي“، أستاذ جامعة توهوكو، بتقرير صحفي عن تجمع في محافظة كاغوشيما تميز بأداء الملازم العام للجيش ˮساتا تاكيهيكو“ لأغنية ˮجينكو“، وهي أغنية عسكرية كُتبت في عام 1892 للاحتفال بانتصار اليابان على جيش يوان قبل ستة قرون.

كما أضفت الكتب المدرسية، التي تعمل كمقياس لاستجابة الحكومة للتحديات الخارجية، لمسة وطنية على الغزو المغولي. فقد قامت السلطات بمراجعة الكتب المدرسية الوطنية خمس مرات بين عامي 1903 و1945، بما في ذلك أسطورة الـ كاميكازي في كتب التاريخ الابتدائية لأول مرة في الطبعة الرابعة، التي تم اعتمادها في عام 1934، وهو العام الذي شهد اتخاذ اليابان خطوات كبيرة نحو الاستبداد. ويصف الروائيان هاندو كازوتوشي وهوساكا ماساياسو، والباحث كاتو يوكو في كتابهم عن حرب المحيط الهادئ، كيف تولت وزارة الجيش عملية المراجعة وأحدثت تغييراً ملحوظاً في لهجة ومحتوى الكتب المدرسية، مستغلة تاريخ الأمة وجوانب أخرى من الماضي لغرس الأفكار القومية في الطلاب الصغار.

وقد وصفت الكتب المدرسية الإعصار بعبارات مؤثرة، ووصفت كيف ˮهبت الرياح الإلهية، وأغرقت أجزاء كبيرة من السفن الغازية“. كما أكدت الأعمال على روح وشجاعة القائد الشوغوني ˮهوجو توكيمونى“، قائلة بأنه ˮأظهر تصميماً عظيماً“، وأن ˮشعب اليابان انتفض كجسد واحد، متحداً في القلب والعقل“ لطرد الغزاة الأجانب.

ولكن هناك أدلة ضئيلة تشير إلى مثل هذا الترابط العظيم بين عامة الناس في مواجهة الغزو المغولي. ويؤكد ˮكوندو شيغيكازو“، أستاذ التاريخ في معهد التعليم عن بُعد بجامعة اليابان المفتوحة، أنه حتى بالنسبة للمحاربين المشاركين في المواجهة، كان مفهوم الحفاظ على الأمة فكرة غريبة وأن اهتمامهم الرئيسي كان تحقيق الشهرة والمكافآت في ساحة المعركة، غالبًا على حساب رفاقهم. ومن خلال تحريف حقائق تلك الفترة في الكتب المدرسية التي عينتها الحكومة، روجت السلطات بنشاط لأسطورة الـ كاميكازي لأغراض قومية. ووفقًا للمؤرخ ميكي يوشيماسا، ˮكان الغزو المغولي بمثابة رمزًا للأعداء الذين واجهتهم اليابان في ذلك الوقت وتم استغلاله لتشجيع الوحدة الوطنية وتعزيز الروح المعنوية للشعب الياباني“.

أسطورة خادعة

في أعقاب الهزيمة المدمرة التي مُنيت بها اليابان في معركة ميدواي في يونيو/ حزيران 1942، والتي أدت إلى تحول مجرى حرب المحيط الهادئ لصالح قوات الحلفاء، كثفت السلطات الدعاية في كتب التاريخ المدرسية. وتضاعفت المساحة المخصصة للغزو المغولي في النصوص المعتمدة منذ فبراير/ شباط 1943 مقارنة بالنسخة السابقة المنشورة في عام 1940. وفي انعكاس لليأس المتزايد الذي أصاب اليابان مع استمرار تدهور وضعها في زمن الحرب، استُبدلت الفصول التي تتناول الغزو المغولي وفيها إشارات إلى القائد ˮهوجو توكيمونى“ بتمجيد كامل لـ ˮالرياح الإلهية“ والتي تصور اليابان باعتبارها ˮأرض الآلهة“.

صفحة من كتاب التاريخ للمرحلة الابتدائية لعام 1943، تحتوي على قسم مميز يصف المحاربين الذين ضحوا بحياتهم دفاعًا عن البلاد، وحثوا الآلهة على استدعاء الرياح والأمواج للدفاع عنهم. (© مكتبة البرلمان الوطني)
صفحة من كتاب التاريخ للمرحلة الابتدائية لعام 1943، تحتوي على قسم مميز يصف المحاربين الذين ضحوا بحياتهم دفاعًا عن البلاد، وحثوا الآلهة على استدعاء الرياح والأمواج للدفاع عنهم. (© مكتبة البرلمان الوطني)

ويذكر أحد المقاطع، على سبيل المثال، متحدثًا بنبرة قومية مفرطة، معلنًا قائلًا: ˮبما أن اليابان أرض مقدسة، فقد هبت الرياح بقوة ضد جحافل السفن المتلاطمة. ويتابع ليؤكد ˮأن الطبيعة الإلهية لبلادُنا أنقذتنا من هذه الأزمة العظيمة... لقد خاض المدافعون المعركة دون اكتراث بأرواحهم، وصدوا صفوف العدو المتلاحقة. وبدافع من شجاعتهم، حرك الكامي (الإله) مياه خليج هاكاتا، فأعادها إلى الحياة، وحرك الرياح والأمواج“. وفي تحريف للسجل التاريخي، تقدم هذه الرواية لقرائها الشباب حكاية رمزية مفادها أنه من الحق والصواب أن يضحوا بحياتهم من أجل النصر في حرب المحيط الهادئ.

ويصف ˮهاتوري“ الكتب المدرسية التي صدرت في زمن الحرب بأنها دعاية محضة تم تمريرها على أنها تاريخ. كما حملت وسائل الإعلام مثل الصحف والإذاعة رسالة مفادها أن الانتحاريين سوف ينهضون مرة أخرى للحفاظ على اليابان، وبناء أسطورة اليابان التي لا تقهر.

ترتدي العاملات عصابات رأس مطبوعة عليها كلمة ˮكاميكازي“ في صورة مطبوعة في مجلة الدعاية الحربية ˮشاشين شوهو“. (© هاتوري هيديو)
ترتدي العاملات عصابات رأس مطبوعة عليها كلمة ˮكاميكازي“ في صورة مطبوعة في مجلة الدعاية الحربية ˮشاشين شوهو“. (© هاتوري هيديو)

لقد اجتاحت موجة لا نهائية من الدعاية للشعب الياباني، فصدق الأفكار التي غُرست في رأسه. ولم يكن لدى أولئك الذين كانوا يشكون في الاتجاه الذي تتجه إليه الأمة أي ملجأ سوى الانصياع للهستيريا الجماعية، وكانت أصواتهم مكتومة بسبب الأجواء الاستبدادية التي كانت سائدة في ذلك الوقت. ويوضح هاتوري: ˮلقد دفعت الأسطورة القائلة بأن اليابان لا يمكن هزيمتها أبداً الشعب الياباني إلى دعم حرب متهورة بلا أدنى شك“.

وفي نهاية المطاف، استشهدت الحكومة بأسطورة الـ كاميكازي لتبرير إرسال موجة تلو الأخرى من الشباب إلى حتفهم في هجمات انتحارية. ورغم أن القضية أصبحت يائسة على نحو متزايد، فقد أكد الضباط حتى نهاية الصراع للطيارين المنكوبين أن هجماتهم سوف تجلب النصر لليابان.

(النص الأصلي نُشر باللغة اليابانية، الترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: لوحة على بوابة برج معبد هاكوزاكي تحمل عبارة تيكيكوكو كوفوكو [استسلام العدو]. © موتشيدا جوجي)

اليابان ثقافة تاريخ اليابان أساطير