المدخل الرفيع إلى علم الترجمة البديع

ما هو تأثير اللغة والترجمة في العلاقات الدولية؟

ثقافة

تعتبر الترجمة جسرًا حيويًا يربط بين الثقافات والشعوب، وفي ساحة العلاقات الدولية، تكمن أهمية الترجمة بوضوح. فهي ليست مجرد تبادل للكلمات بين لغتين مختلفتين، بل هي عملية تمكن التواصل والتفاهم العابر للحدود اللغوية والثقافية. في هذا السياق، تصبح الترجمة أداة أساسية لبناء الجسور بين الشعوب وتعزيز التفاهم والتعاون في مجالات مختلفة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية. يتناول هذا المقال دور الترجمة في ساحة العلاقات الدولية وكيفية تأثيرها في تشكيل القرار وتطوير العلاقات الدولية بشكل عام.

تعتبر الترجمة الشفهية والتحريرية ضرورية لتحقيق تفاعل في العلاقات الدولية والدبلوماسية بين دول العالم المختلفة، على اختلاف ثقافاتها وتنوع سياساتها. ومع ذلك، إذا ما نظرنا إلى حجم ونطاق الدراسات الحالية في هذا المجال، سنجد قصوراً كبيراً في جهود البحث العلمي والتحليل الأكاديمي المتعلقة بإشكالات الترجمة (الشفهية والتحريرية) والتواصل اللغوي، والتي غالباً ما يتم تجاهلها وعدم طرحها على طاولة البحث والدراسة في مجال العلاقات الدولية.

من بين الأبحاث الهامة التي تناولت هذا المجال، دراسة للباحث المعروف رولاند، أستاذ متخصص في مجال الدراسات السياسية في منطقة جنوب شرق آسيا، بعنوان ”المترجمون كدبلوماسيين: تاريخ دبلوماسي لدور المترجمين في السياسة العالمية“. تناولت هذه الدراسة قضية الترجمة ودورها وإشكالاتها في العلاقات الخارجية والدبلوماسية بين الدول. قام رولاند بتحليل الدور الوظيفي للترجمة في العلاقات الخارجية، وتتبع بعناية تاريخ الترجمة الشفهية والتواصل منذ العصور القديمة حتى يومنا هذا، من خلال جمع المواد البحثية المتنوعة من مناطق متعددة مثل أوروبا وأمريكا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.

أشار رولاند في دراسته إلى أن اللغة هي الحلقة المفقودة في التاريخ السياسي. وعلى الرغم من أن دور اللغة الوسيط لا غنى عنه لإقامة العلاقات الدولية والدبلوماسية، إلا أن الدراسات تشير إلى أن العنصر الوجودي للغة قد يكون غير مرئي أو خارج نطاق اهتمامات المؤرخين المعنيين بالأمر.

أهمية الترجمة لا تقتصر فقط على الاجتماعات والمفاوضات الرسمية، بل تمتد لتشمل توقيع العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. على سبيل المثال، معاهدة فرساي عام 1919 التي أنهت الحرب العالمية الأولى، كانت تحتاج إلى ترجمة دقيقة إلى عدة لغات لضمان فهم متساوٍ بين جميع الأطراف الموقعة. في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، تعتمد الاجتماعات والجلسات الرسمية على الترجمة الفورية لضمان مشاركة فعّالة من جميع الدول الأعضاء. كذلك في الاتحاد الأوروبي، تُعتبر الترجمة حيوية للتعامل مع التنوع اللغوي الواسع بين الدول الأعضاء.

خلال الأزمات العالمية، مثل جائحة كورونا، كانت الترجمة حاسمة لنقل المعلومات الصحية والإرشادات بين الدول المختلفة لضمان استجابة منسقة وفعالة. وأثناء الحرب الباردة، كانت الترجمة الفورية مهمة في القمم بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، حيث كانت أخطاء الترجمة يمكن أن تؤدي إلى تصعيدات خطيرة، مما أبرز أهمية دقة الترجمة في مثل هذه اللقاءات الحساسة.

يواجه المترجمون تحديات كبيرة تتعلق بالدقة والثقافة والسياق. الترجمة ليست مجرد نقل كلمات من لغة إلى أخرى، بل تتطلب فهمًا عميقًا للثقافات والتلميحات السياسية والاجتماعية. لذا، يتضح أن الترجمة تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز الفهم والتعاون بين الدول، وهي عنصر لا غنى عنه في إدارة العلاقات الدولية والدبلوماسية.

دور الترجمة الفورية في الدبلوماسية

في بعض الأحيان، قد يتطلب الأمر تكليف مترجمين فوريين من القطاع الخاص أو دبلوماسيين عاملين في وزارة الخارجية بمهام الترجمة. على سبيل المثال، لدى وزارة الخارجية الأمريكية قسم للغات يضم مجموعة من الخبراء في كل لغة. ومع ذلك، فإن مسألة الأمن القومي المتعلقة بسرية معلومات الدولة تتطلب أحيانًا أن يتم توفير المترجمين الفوريين من قبل الدبلوماسيين.

هناك واقعة متداولة بشكل كبير في التاريخ الياباني تتعلق بخطأ حدث في الترجمة أثناء محادثات بين رئيس الوزراء الياباني إيساكو ساتو والرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1969. عندما طلب نيكسون من رئيس الوزراء الياباني وضع قواعد للحد من صادرات المنسوجات إلى الولايات المتحدة، أجاب رئيس الوزراء الياباني ساتو ”zensho shimasu“، وترجمها المترجم المصاحب له إلى ”I will do my best“ أي ”سأبذل قصارى جهدي“، وهو ما فسره نيكسون على أنه استعداد اليابان للتعاون ووضع حد لهذا الأمر. لكن الحقيقة هي أن هذا التعبير الشائع في اللغة اليابانية عند ترجمته بشكل دقيق يكون ”سأبذل قصارى جهدي لتلبية طلبك، ولكن يرجى أن تسامحني إذا لم أستطع أن ألبي توقعاتك“، أي أنه لا يعني بطبيعة الحال أن القيام بالأمر أو الموافقة عليه مؤكدة.

تتميز اللغة اليابانية بقدر من الغموض أحيانًا في عدم استخدام إجابات محددة لتوفير قدر من المرونة أو ربما المراوغة في حالات أخرى. ولو ترجمنا العبارة باللغة الإنكليزية بشكل دقيق ستكون ”I’ll see what I can do“ وليس كما ذكر المترجم وفقًا للقصة المتداولة.

غالبًا ما يتم الاستشهاد بتلك القصة، بغض النظر عن حقيقة حدوثها من عدمه، عند حدوث سوء فهم في المفاوضات الدبلوماسية اليابانية. قد يكون الحل في بعض الحالات هو استخدام مترجمين مدربين تدريبًا عاليًا وذوي خبرة في الشؤون الدبلوماسية لضمان نقل الرسائل بدقة والحفاظ على العلاقات الودية بين الدول.

(النص الأصلي باللغة العربية، صورة العنوان من © بيكستا)

العلاقات الخارجية التعليم الترجمة التعليم الياباني