محاولة الكشف عن الاختلاف في أسلوب التفكير بين الرجال والنساء: هل للرجال والنساء أدمغة مختلفة حقًا؟

هو وهي

يعتبر ادعاء الاختلافات القائمة على الجنس عملاً محفوفًا بالمخاطر، لكن باحثة الذكاء الاصطناعي كوروكاوا إيهوكو تؤكد بجرأة أن أدمغة الرجال والنساء تعمل بطرق مختلفة، وتراهن على أن فهم هذه الاختلافات هو المفتاح لتحسين التواصل بين الجنسين والخطوة الأولى في تعزيز التنوع بينهما.

كوروكاوا إيهوكو KUROKAWA Ihoko

كوروكاوا إيهوكو خبيرة الذكاء الاصطناعي ورئيسة شركة كانسي ريسيرش، وهي شركة تعمل على تطبيق أبحاث علم الأعصاب في الأعمال التجارية. حصلت على شهادتها العلمية من جامعة نارا النسائية في عام 1983 ثم انضمت بعد تخرجها إلى مختبر فوجيتسو للعلوم الاجتماعية حيث أمضت 14 عامًا في البحث في علوم تطوير الذكاء الاصطناعي، كما كانت عضواً في الفريق الذي صمم أول نظام ذكاء اصطناعي قادر على استخدام هذه التكنولوجيا الحديثة في محطات الطاقة النووية في اليابان، وفي منصبها الحالي استخدمت خبرتها لتحليل وتسويق مجموعة متنوعة من المنتجات اليابانية. ولديها العديد من المؤلفات.

نظرية مثيرة للجدل

هل للرجال والنساء أدمغة مختلفة حقًا؟ سؤال حير كثير من الناس حول العالم، بمن فيهم العلماء بالطبع. هناك العديد من النظريات حول الاختلافات بين أدمغة الذكور والإناث، من بينها النظرية القائلة بأن النساء قد طورن الدماغ الأيمن بوظائف بديهية، وأن الرجال قد طوروا الدماغ الأيسر بوظائف تحليلية ومنطقية. وحتى الآن لم يتم إثبات وجود اختلاف واضح بين الجنسين في بنية ووظيفة الدماغ من الناحية الطبية. يُقال أحيانًا ”لا يوجد فرق بين الجنسين في أداء أدمغة الرجال والنساء“ وهو ما يدعيه مؤلف كتاب ”Tsumetsu no Tetsutsu“ الأكثر مبيعًا والذي يزيد توزيعه عن 400 ألف نسخة. فلماذا إذاً لا يستطيع الرجال والنساء التواصل بشكل فعال في كثير من الأحيان؟ وفقًا للسيدة كوروكاوا فإن هذا يرجع إلى ما تسميه ” الازدواج العصبي“.

في هذا المقال خبيرة الذكاء الاصطناعي كوروكاوا إيهوكو صاحبة العديد من المؤلفات حول موضوع السلوك والدماغ تدحض فكرة أن البنية العصبية تختلف حسب الجنس، مشيرة إلى أن ”داخل جماجمنا كل شخص لديه نفس الموصلات“ لماذا إذن يفشل الرجال والنساء في كثير من الأحيان في رؤية الأمور بنفس الطريقة؟ وفقًا لكوروكاوا فإن السبب هو أن الجنسين يعتمدان على مسارات عصبية مختلفة مما يجعلهما يدركان محيطهما بطرق مختلفة تمامًا - وهو ما تسميه ”معضلة الاحساس“.

يصف مصطلح الإحساس أو ”kansei“ باللغة اليابانية الطرق التي يدرك بها البشر ويتفاعلون مع المنبهات البيئية. وتجادل كوروكاوا بأن تشغيل دوائر عصبية معينة يحدد كيفية استجابة الشخص نحو المؤثرات الخارجية. تشرح قائلة ”ما من شك في أن أدمغة الرجال والنساء متشابهة بنيوياً، ولكن يكمن الاختلاف في المناطق التي تنشط في ظل ظروف معينة، ومن هذا المنظور فقط يمكننا القول إن الرجال والنساء لديهم أدمغة مختلفة“.

ومع نمو الدعوات لإنشاء مجتمع يعترف بالتنوع وتسود فيه المساواة، قد تُعتبر هذه النظرية رجعية وغير متوافقة مع العصر. وتصر كوروكاوا على أنه من أجل تعزيز التواصل بشكل أفضل من الضروري إدراك أن الرجال والنساء ينقلون أفكارهم بطرق مختلفة. أحد المجالات التي تركز عليها كوروكاوا هي العلاقات الأسرية. ونظرًا لأن وباء كوفيد-19 قد أجبر كثير من الناس على البقاء في المنزل لفترات طويلة فقد أدى ذلك إلى ظهور العديد من المشكلات الاجتماعية، فعلى سبيل المثال شهدت اليابان ارتفاعًا فيما يسمى بحالات الطلاق بسبب فيروس كورونا. وتؤكد كوروكاوا أن الأزواج يمكن أن يساعدوا في تقليل التوترات المنزلية من خلال إدراك أنماط الإحساس لدى بعضهم البعض، وبالتالي منع التوتر في العلاقات بين الجنسين وتسهيل إيجاد أرضية مشتركة.

نماذج الإحساس

تدعي كوروكاوا في نظريتها أن هناك نموذجين لـ ”الإحساس الدماغي“. وتشرح ذلك قائلة ”عندما يشعر الناس بالإثارة أو التوتر، تنشط مسارات عصبية معينة، وتسمح لنا مجموعة رئيسية واحدة بالتركيز على الأشياء البعيدة وتزيد مجموعة أخرى وعينا بمحيطنا المباشر“ من وجهة نظر كوروكاوا، تم تطوير أدمغة الذكور للتعرف على المشكلات والتعامل معها، وقد ورثوا هذه المهارة عن أجدادنا القدامى الذين كان عليهم الدفاع عن أنفسهم ضد التهديدات الخارجية التي كانوا يواجهونها عند الخروج للصيد، في حين تم ضبط أدمغة الإناث من أجل الوعي الاجتماعي ومشاركة المعرفة والمهارات الضرورية لتربية الأطفال.

وتصنف كوروكاوا أنماط النشاط العصبي إلى نموذجين ”نموذج ذكوري موجه نحو الهدف وحل المشكلات“ و”نموذج أنثوي موجه نحو التعاطف“. وتدعي كوروكاوا أنه على الرغم من مرور آلاف السنين إلا أن أسلوب حياة الإنسان الأول مازال يعيش بداخلنا ويؤثر في أساليب الاتصال لدينا. وتوضح كوروكاوا أنه عند الشعور بالاضطراب أو التوتر يقوم الناس بمعالجة المعلومات وربطها دون وعي وفقًا لأحد النموذجين. يميل الرجال إلى أن يكونوا عمليين في نهجهم ويركزوا على إيجاد الحلول، في حين أن النساء بشكل عام أكثر حدسية وتناغم مع ما يفكر فيه الآخرون.

تعترف كوروكاوا بأن نظريتها ربما لا تكون صحيحة بنسبة 100%. حيث تقول ”تؤثر بيئات الناس على سلوكهم، وليس كل شخص لديه نفس مسببات التوتر أيضًا. فليس من الضروري أن كل الذكور يفكرون دائمًا بالنموذج الذكوري. وتشير إلى أن جميع الأشخاص تقريبًا قادرون على استخدام نماذج الإحساس التي يملكها الذكور والإناث على حد سواء إذا التزموا الهدوء والتريث. ومع ذلك فإن هذه القدرة تنخفض بشكل كبير عندما يتم الضغط على الشخص للاستجابة أو اتخاذ قرار بشكل مفاجئ.

وكثيراً ما يجد الزوجان أنفسهما يسيران في طريقين متعاكسين، حتى ينتهي بهما الأمر إلى الإصطدام المحتوم. وفي هذا السياق تؤكد كوروكاوا ”عندما تتصاعد التوترات يعود الناس غريزيًا إلى نموذج الإحساس المهيمن عليهم، مما يزيد الانقسام بين الجانبين ويتسبب في انهيار التواصل. إن ميل الناس إلى تبرير آرائهم والتقليل من أهمية وجهات نظر الآخرين يؤدي فقط إلى تفاقم الموقف“.

ميكانيكا الدماغ

تضيف كوروكاوا ”لقد شرعت في تطوير نظام ذكاء اصطناعي يمكنه التواصل بشكل فعال مع البشر، وللقيام بذلك كان علي أن أعلمه كيفية تلقي المعلومات وربطها بنفس الطريقة التي يفعلها البشر“ وتنظر كوروكاوا إلى الموضوع من زاوية مختلفة عن تلك التي يتبناها علم الأعصاب وعلم النفس، كما تقول ”مع تقدمي في عملية البحث بدأت في التعرف على نمطين من التواصل، أحدهما يركز على حل المشكلات والآخر على المشاعر المشتركة“

ووفقًا لكوروكاوا فإن المحفزات العاطفية هي المهيمنة على النموذج الأنثوي. فعلى سبيل المثال، عندما تشكو امرأة إلى صديقة لها من مرض ما، فإنها لا تهدف فقط إلى مجرد الشكوى، ولكن أيضاً إلى إغراء صديقتها للتورط في الحوار والحديث عن معاناتها هي الأخرى ومن ثم تحقيق ما يعرف بالمشاركة الحسية.

وعلى النقيض من ذلك، فإن المرأة تشعر بالإحباط عندما لا يشاركها الطرف الأخر نفس الدوائر العصبية المتعاطفة بشكل كامل كما هو الحال مع نموذج حل المشكلات السائد عند الذكور. على سبيل المثال، قد تتفاجأ الزوجة التي ترغب في مشاركة مغامراتها اليومية بزوج يستمع إليها بفتور، ويبدو مهتمًا بشكل أساسي بالإشارة إلى أسباب المشاكل وطرق حلها. وهنا ينقطع الاتصال وترتفع مستويات التوتر إلى أعلى درجة. ويمكن تجنب هذا السيناريو إذا استطاع الزوج بدلاً من التركيز على ”الأسباب والحلول“ أن يحاول فقط مشاركة زوجته الحوار.

التنوع العصبي

كما هو الحال في العديد من نظريات السلوك البشري، فإن نظرية كوروكاوا يعيبها أنها عامة وغير محددة، مما يجعلها قادرة على دغدغة مشاعر قطاع كبير من الناس، ولكنها غامضة بشكل محبط وتفتقد إلى التفاصيل. على سبيل المثال، الادعاء بأن الرجال والنساء استطاعوا تطوير أنماطًا مختلفة من النشاط العصبي كاستراتيجية من أجل البقاء والحفاظ على النسل، قد يبدو كلاماً معقولاً ظاهريًا إلا أنه يشير إلى أن الأمومة هي أعلى مراحل النضج لدى الأنثى. ولكن كوروكاوا تؤكد أنها لم تكن تعني هذا، وتشرح وجهة نظرها قائلة ”يتغير التوازن الهرموني للمرأة بالضرورة أثناء الحمل وتربية الأطفال، مما يزيد من انتباهها إلى أبنائها، لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن دماغ المرأة التي ليس لديها أطفال هي بطريقة ما أقل نضجًا، وتشير إلى تجربتها الخاصة في تربية الأسرة قائلة “أعرف كم هو سهل على الأم أن تستسلم للأسلوب النمطي في تربية الأطفال، ولكني كثيراً ما كنت أبحث عن نصيحة أصدقائي الذين ليس لديهم أطفال للحصول على منظور مختلف”.

تأمل كوروكاوا في أن تعزيز فهم نماذج الإحساس المختلفة من شأنه أن يشجع على مزيد من التنوع في المجتمع. وتؤكد أن ”جنس الشخص ليس محددًا مطلقًا لنموذج الإحساس المسيطر لديه“. فهناك رجال يندرجون تحت النموذج العاطفي تمامًا مثل أن هناك نساء يميلن نحو نموذج حل المشكلات. من المهم أن يكون لديك مزيج من وجهات النظر والأساليب، لذلك بدلاً من التركيز فقط على سد الفجوة المتعلقة بقلة النساء الرائدات في اليابان، فإن القطاع الخاص يحتاج إلى صناع القرار والموظفين المنتظمين الذين لديهم ”تنوع عصبي“. فهي ترى أنه يجب أن يعمل الناس من جميع الأعمار والأجناس والعقليات معًا.

كما يمكن أن يعيق التحيز في الإحساس قدرتنا على رؤية وجهات نظر الآخرين بشكل صحيح. وبالعودة إلى العلاقات الإنسانية، تقول كوروكاوا إن السمات السطحية مثل المظهر يُعتقد عادةً أنها تمنحنا القدرة على التواصل بشكل أفضل، ولكن في الحقيقة أن بناء الثقة وتفاصيل التعامل مع الطرف الأخر هو ما يصنع العلاقات أو يفسدها ”إن أدمغتنا تتوق إلى الاتصال، والوصول إلى شريك للمساعدة أو سد الثغرات الخفية داخلنا، وهي أشياء ضرورية لبناء روابط قوية بين الأفراد“.

نموذج الإحساس المسيطر عند السياسيين

في الوقت الذي تكافح فيه جميع دول العالم من أجل القضاء على وباء الفيروس التاجي، حازت القيادات النسائية مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة تايوان تساي إنغ وين، ورئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن، على إعجاب الناس بسبب أساليب قيادتهم المتعاطفة. فهؤلاء النساء قد قمن بعمل جدير بالثناء في حشد دولهم من أجل القضاء على الوباء من خلال الاعتراف بالقلق الذي يعاني منه شعوبهن.

ترى كوروكاوا أنه من المحزن أن القادة اليابانيين لم يكونوا مدركين لمخاوف الناس أثناء أزمة تفشي الوباء، وتشك في أن الحكومة يمكنها أن تنجح في تكرار نهج ميركل من خلال زيادة عدد السيدات داخل الحكومة فقط، فللأسف السيدات داخل الحكومة اليابانية يتوقع منهن أن يدرن الأمور بنفس الأسلوب الذكوري. تصر كوروكاوا على أن النساء بحاجة إلى استغلال نقاط قوتهن لإحداث تأثير أكبر في أسلوب إدارة البلاد. ”أحب أن أرى امرأة في المكتب تبذل جهدًا نشطًا للتواصل مع الناس على المستوى الإنساني“ وتشير على سبيل المثال إلى رئيسة الوزراء أرديرن التي لا تخفي أنها أماً لطفل صغير وأن تغيير الحفاضات لصغيرها هو جزء من واجباتها كأم وهو ما لا يتعارض مع كونها رئيسة وزراء البلاد.

وبخصوص تعامل حكومة أبى مع أزمة كورونا علقت كوروكاوا قائلة ”أعتقد أن الوضع كان ضبابياً بشكل كبير، الحكومة حاولت السيطرة على الأمور فأصابت في نقاط وأخفقت في بعض النقاط الأخرى“ ثم تضيف ضاحكةً ”أجد فكرة توزيع كمامات على جميع الناس أمر مضحك للغاية. فصناعة وتوصيل الكمامات يحتاج إلى وقت طويل، كما أن هناك الكثير من الناس الذين لا يرغبون في الحصول على هذه الكمامات أصلاً. كان من الأحرى تقديم دعم أكبر للطواقم الطبية التي تقف في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء. الكمامة شيء بسيط يمكن حتى صنعه يدوياً في المنزل. كان على الحكومة أن تقول للناس أنه في مثل هذه الظروف ينبغي على كل فرد أن يتحمل المسئولية بشكل أكبر ولا ينتظر من الحكومة أن تقوم بكل شيء بمفردها“.

تشير كوروكاوا إلى أن القادة مدعوون لاستخدام كل من نموذجي الإحساس سواء النموذج الموجه نحو الهدف أو الأخر الموجه نحو التعاطف. وتضيف قائلةً ”هناك مواقف تتطلب التواصل الصادق وأخرى تتطلب التركيز على الهدف وإنجاز الأمور، إن قادة الحكومة بحاجة إلى أن يكونوا قادرين على الاستفادة من أي من النموذجين حسب ما تتطلبه الظروف، وهو أمر بالغ الصعوبة بالنسبة لبعض السياسيين، ومن المهم أيضًا زيادة الوعي بنماذج الإحساس المختلفة وجلب الأشخاص ذوي وجهات النظر المختلفة إلى المجال السياسي. فأزمة فيروس كورونا تمس الجميع، ولضمان سلامة وصحة البلد بأكمله، نحتاج إلى أشخاص لديهم أفكار ووجهات نظر مختلفة يشاركون في إيجاد حلول جديدة ومبتكرة “

(النص الأصلي باللغة اليابانية،الترجمة من الإنكليزية. نص الحوار بقلم إيتاكورا كيمي من Nippon.com، تصوير: هاناي توموكو)

المجتمع الياباني المساواة بين الجنسين النساء