عشاق القطط اليابانيين يدعمون الابتكارات الطبية: علاج للقطط اليوم وربما للبشر في المستقبل!

علوم وتكنولوجيا

ما يقوم به الباحث ميازاكي تورو من أبحاث لإيجاد حل مناعي لألغاز الأمراض المزمنة أمر قاده إلى رحلة حول العالم وعبر مختلف التخصصات. ولكن قد يكون أكثر مؤيديه حماسة اليوم هم أصحاب القطط اليابانيين، الذين تبرعوا بالملايين لدعم تطوير علاج يعتمد على البروتين لأمراض الكُلى لدى السنوريات.

ميازاكي تورو MIYAZAKI Tōru

أستاذ جامعي بمركز علم أحياء الأمراض والطب التكاملي في جامعة طوكيو. ولد في محافظة ناغازاكي عام 1962. تخرج من كلية الطب بجامعة طوكيو عام 1986. مارس الطب الباطني في مستشفى جامعة طوكيو قبل الالتحاق ببرنامج الدراسات العليا في علم المناعة بجامعة كوماموتو. وكان زميلًا باحثًا في جامعة لويس باستور الفرنسية (الآن جامعة ستراسبورغ) ومعهد بازل السويسري للمناعة، وأستاذًا مشاركًا في علم المناعة في جامعة تكساس بمدينة دالاس.

في يوليو/ تموز 2021، انتشر خبر عن موضوع علمي يبدو غامضًا بين محبي القطط اليابانيين. ففي مقابلة وزعتها وكالة جيجي برس، كشف البروفيسور ميازاكي تورو من جامعة طوكيو عن أن صعوبات التمويل الناجمة عن أزمة فيروس كورونا قد أجبرته على تعليق التجارب السريرية لعلاج محتمل لأمراض الكُلى عند السنوريات، وهو سبب رئيسي للوفاة لدى القطط المستأنسة في المنازل. وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت الأخبار بسرعة بين أصحاب القطط المهتمين، وتجمع الآلاف من أجل ”مساعدة البروفيسور ميازاكي.“

ويتذكر قائلاً: ”بين عشية وضحاها، تدفقت ملايين اليينات من خلال منفذ التبرعات بجامعة طوكيو“. حيث أنشأ موظفو المكتب في عجالة رابطًا مخصصًا للتبرعات لدعم المشروع، وفي غضون أسابيع قليلة، جُمع ما يقرب من 200 مليون ين.

وقبل فترة طويلة، كانت شركات الأدوية المهتمة تسعى لطرق باب ميازاكي، حرصًا منها على الشراكة معه. ”ولحسن الحظ، لقد توصلنا بالفعل إلى اتفاق مع أحدهم لصنع الدواء، لذا فإن دعم كل محبي القطط هؤلاء لم يذهب سدى.“

تنظيف المخلفات داخل الجسم عن طريق بروتين (AIM)

إن ظهور هذا العلاج الواعد للقطط هو نتيجة ثانوية للبحث المخصص لتطوير علاجات جديدة للأمراض البشرية بمساعدة أحد البروتينات التي اكتشفها ميازاكي في التسعينيات وما زال يدرسه منذ ذلك الحين.

ويتم إنتاج بروتين AIM (apoptosis inhibitor of macrophage) (مثبط الاستماتة الخلوية للبلعميات) (المعروف أيضًا باسم (CD5L) بواسطة الخلايا المناعية المعروفة باسم البلعميات، مما يساعدها على تحديد وتدمير الخلايا الميتة وغيرها من المخلفات. ويوضح ميازاكي قائلًا: ”يقوم بروتين (إيه أي أم) ’بتحديد‘ البقايا الميتة حتى تتمكن البلعميات من ابتلاعها وتدميرها بكفاءة أكبر. وهو يستهدف الخلايا الميتة التي يمكن أن تتراكم في الأنابيب الكُلوية وتسبب الفشل الكُلوي، وكذلك لويحات بيتا-أميلويد (أحماض أمينية) التي يمكن أن تسبب مرض آلزهايمر.“ ويعتقد ميازاكي أن هذا البروتين يمكن أن يكون السر للتحكم في مجموعة واسعة من الحالات وعلاجها، بداية من السمنة وصولًا سرطان الكبد.

اذهبوا إلى الغرب أيها الباحثون

بصفته طبيبًا متخصصًا في أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى جامعة طوكيو، شعر ميازاكي بالفزع بسبب العدد الكبير من المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة لا علاج لها، مثل أمراض الكُلى المزمنة وداء السكري. وكان تحوله في منتصف حياته المهنية من الممارسة السريرية إلى البحث مدفوعًا بالحلم بتطوير عقاقير علاجية قد تقضي أو تقاوم مثل هذه الأمراض بدلاً من مجرد إبطاء تطورها أو تخفيف أعراضها. وانطلاقًا من وضع هذا الهدف نُصب عينيه، اختار علم المناعة كتخصص له.

وفي كلية الطب بجامعة كوماموتو، شارك ميازاكي في بحث رائد باستخدام الفئران المعدلة وراثيًا لدراسة داء السكري المناعي الذاتي. ثم واصل أبحاثه في الخارج، أولاً في جامعة لويس باستور في ستراسبورغ (التي أصبحت فيما بعد تابعة لجامعة ستراسبورغ)، حيث ركز على دور الخلايا الليمفاوية التائية في جهاز المناعة. وهو مقتنع بأن هذه السنوات الخمس عشرة التي قضاها في الخارج كانت حاسمة لنجاحه كباحث.

وفي سياق بحثه في معهد بازل للمناعة - ”البحث عن الكنز“ للجينات المرتبطة بالمناعة - اكتشف ميازاكي ”بالصدفة“ بروتين AIM (سُمي بهذا الاسم لأنه يبدو أنه يثبط موت البلعميات، أو الموت الخلوي المبرمج). لكن الأمر استغرق سنوات من العمل الدوؤب لتفسير كيفية عمل البروتين بالفعل.

”وفي بازل، حيث كان لدي تمويل سخي وحرية الاستكشاف، اكتشفت جزيء AIM. ولكن بعد هذا الاكتشاف، استغرق الأمر مني سنوات لمعرفة ما يفعله البروتين بالفعل في الجسم. وعندما انتقلت إلى جامعة تكساس في دالاس، لم أكن بعد قد نشرت أي بحث جديد، لكنهم كانوا على استعداد لتمويل بحثي بخصوص البروتين AIM على أية حال. وبعد مرور عام، فزت بمنحة بحثية من المعاهد الوطنية للصحة. وأعتقد أن شخصًا ما ممن قاموا بمراجعة مقتراحاتي قد رأى ’أن الأمر ربما يكون مثيرًا للاهتمام‘.“

ويشك ميازاكي في أنه كان سيحصل على مثل هذه الفرص لو ظل في اليابان. ويقول ”يحتفظ النظام بالمنح الرئيسية للأشخاص الذين لديهم سجل مؤكد من الأبحاث الناجحة، لذلك إذا لم تكن قد نشرت أوراقًا علمية بانتظام في المجلات المجازة العلمية، فلن تحصل على التمويل“.

أهمية التبادل المعرفي

ويواصل ميازاكي تطوره الكبير من خلال محادثة عابرة دفعته إلى تخصص مختلف. ويقول: ”تشتهر كلية الطب بجامعة تكساس بأبحاثها في الدهون، وحتى ذلك الحين، كان كل تركيزي منصب على علم المناعة. وبافتراض أن بروتين AIM مرتبط بالمناعة، فقد صممت جميع تجاربي على الفئران لقياس الاختلافات في الوظائف المناعية بناءً على وجود أو عدم بروتين AIM. وذات يوم، أجريت نقاشًا مع البروفيسور جوزيف غولدشتاين، وهو خبير مشهور عالميًا في استقلاب الكوليسترول، واقترح أن أجرب بعض التجارب على تصلب الشرايين في الفئران. ومن المفارقات، أن العمل الذي قمت به في تسمين الفئران للحث على تصلب الشرايين هو الذي قدم دليلاً هامًا لكشف لغز وظيفة بروتين AIM في الجسم“.

وأثارت التجربة إعجاب ميازاكي بالحاجة إلى هدم الحواجز بين التخصصات، والتي غالبًا ما تقيد مجال رؤية الباحث. ”في اليابان، ليس من المفترض أن تتدخل في أبحاث الآخرين، وهذه التابوهات الفكرية تمنع تبادل الأفكار بين التخصصات. لذا، حتى لو كنت قد اكتشفت بروتين AIM أثناء وجودي في اليابان، فلن أكتشف أبدًا كيفية عمله“.

كان ميازاكي يعتزم في البداية مواصلة أبحاثه في الولايات المتحدة، ولكن في عام 2006، وبدعوة من مدير مستشفى جامعة طوكيو، قبل الأستاذية في المركز الجديد لبيولوجيا الأمراض والطب التكاملي التابع للمعهد، والذي افتُتح في عام 2003 كجزء من مبادرة لتعزيز دمج العلوم الطبية والطب السريري والهندسة.

أسباب أمراض الكُلى عند القطط

يمتد اهتمام ميازاكي بالتخصصات المتنوعة إلى ما هو أبعد من عالم الطب. فعندما كان طالب في كلية الطب في جامعة طوكيو، كان على وشك ترك الجامعة على أمل السعي لكي يصبح قائدًا لفرقة موسيقية تحت قيادة أوزاوا سيجي. وفي عام 2006، بمناسبة إطلاق مختبر أبحاث الأمراض الجزيئية الخاص به، دعا عازف البيانو وقائد الأوكسترا البولندي الشهير كريستيان زيمرمان للمشاركة في منتدى حول موضوع الموسيقى والعلوم. ويوضح ميازاكي قائلاً: ”عزف زيمرمان كان يتوغل إلى أعماقي وينقلني إلى الإحساس المطلق الذي ينتابني عند السعي وراء الحقيقة في البحث العلمي، لذلك كنت مهتمًا حقًا بسماعه حديثه.“

وكان هذا هو نفس الانفتاح على الأفكار والإلهام من المجالات الأخرى التي قادت ميازاكي إلى عمله الحالي على أمراض الكُلى عند القطط.

وفي عام 2013، ذكر له طبيب بيطري حضر إحدى محاضرات ميازاكي العامة أن أمراض الكُلى كانت سببًا رئيسيًا للوفاة بين القطط المنزلية. وكان هذا قرابة الوقت الذي بدأ فيه ميازاكي بشكل جدي دراسة العلاقة بين بروتين AIM وأمراض الكُلى، وقرر جعل القطط محورًا رئيسيًا لأبحاثه. ووجد فريقه أن مشاكل تفعيل بروتين AIM كانت مسؤولة عن ارتفاع معدل الإصابة بالفشل الكُلوي لدى القطط.

وجد بحث ميازاكي أن القطط معرضة للإصابة بأمراض الكُلى بسبب مشاكل تفعيل بروتين AIM. (بيكساتا)
وجد بحث ميازاكي أن القطط معرضة للإصابة بأمراض الكُلى بسبب مشاكل تفعيل بروتين AIM. (بيكساتا)

ويشرح ميازاكي السبب قائلًا: ”ترتبط جزيئات بروتين AIM التي تدور في الدم بالأجسام المضادة (IgM) [الغلوبولين المناعي م]. وعندما تكون هناك بقايا أو مخلفات يجب إزالتها، ينطلق بروتين AIM من IgM (الأجسام المضادة) كمقاتلات نفاثة من حاملة طائرات. وهو يلتصق بالبقايا الإشكالية، ويضع علامة عليه حتى تبدأ عملية التطهير. ووجدنا أنه في القطط، يرتبط بروتين AIM بشدة بـ IgM بحيث يصعب إطلاقه، ونتيجة لذلك، لا تتم عملية التنظيف“.

وقد نشر الفريق هذه النتائج في عام 2016، وفي العام التالي شكل ميازاكي شركة ناشئة لإنتاج دواء علاجي للقطط يعتمد على بروتين AIM. ولكن عندما ضربت جائحة فيروس كورونا، واجهت الشركة الشريكة التي توفر رأس المال مشكلة مالية. وتتطلب الأمر تدخل جهود التمويل الجماعي المدعومة من قبل محبي القطط اليابانيين لإنقاذ المشروع.

ويقول ميازاكي: ”هذه المرة، نتعاون مع شركة أدوية، لذا من المفترض أن يؤدي ذلك فعليًا إلى تسريع عملية تطوير عقار بروتين AIM فعَّالٍ للقطط“.

ومنذ عام 2021، يعمل ميازاكي أيضًا مع إحدى شركات أغذية الحيوانات الأليفة لتطوير مكمل غذائي للقطط. ويقول: ”لقد كنا ندرس استخدام المكملات الغذائية للوقاية من المرض لدى البشر عن طريق تنشيط بروتين AIM، ووجدنا أن نفس الآلية تعمل عند القطط. ونتوقع طرح مكمل القطط في الأسواق في ربيع عام 2022. ومن المفترض أن يقطع شوطًا طويلاً نحو الوقاية من أمراض الكُلى إذا أضيف إلى طعام القطط وهم هرر صغيرة.“

أملٌ لمرضى آلزهايمر

ويعد اختبار العلاجات البشرية واعتمادها عملية أكثر تعقيدًا وتستغرق وقتًا طويلاً. ووفقًا لميازاكي، فإن فكرة علاج مجموعة واسعة من المشكلات المزمنة من خلال تعزيز وظيفة التطهير في بروتين AIM قد وجدت القليل من الدعم داخل المؤسسة الطبية في اليابان، مع استمرار تركيزها على التخصص. ومع ذلك، فإن تطوير علاجات بروتينات AIM البشرية يمضي قدمًا بمساعدة منحة حكومية كبيرة تم منحها في عام 2019.

”لقد جمعنا البيانات التي تُظهر أنها تعمل على مجموعة متنوعة من الأمراض، والآن نحن نقرر أيٍ من علوم الأمراض يجب التركيز عليه أولاً في تجاربنا السريرية. وتكمن الفكرة في البدء بواحد من المحتمل أن يستجيب بسرعة للعلاج، حتى نتمكن من الحصول على الموافقة على ذلك وتوسيع النطاق ليشمل استخدامات أخرى. وهدفي النهائي هو علاج أمراض الكُلى ومرض آلزهايمر.“ وسيكون هذا الانتصار بمثابة هبة من الله لملايين مرضى غسيل الكُلى والخرف هم وعائلاتهم.”

ميازاكي داخل معمله بجامعة طوكيو.
ميازاكي داخل معمله بجامعة طوكيو.

والبروتينات العلاجية مثل بروتين AIM، الموجودة بالفعل في جسم الإنسان، تقل احتمالية تسببها في آثار سلبية خطيرة مقارنة بالعلاجات المركبة كيميائيًا. لكن الإنتاج التجاري يمكن أن يستغرق وقتًا طولا، ويتطلب تقنيات ومرافق خاصة للتصنيع الأحيائي. ”ولا توجد العديد من شركات الأدوية اليابانية مجهزة للتعامل مع الأمر برمته، بدءًا من الإنتاج على نطاق واسع باستخدام الخلايا المستنبتة وحتى علمية التنقية. وفي بعض البلدان، مثل تايوان، ساعدت الحكومة في بناء نظام تصنيع تعاوني للبروتينات العلاجية، مع شركات مختلفة تتعامل مع مراحل مختلفة من العملية. لكن اليابان لا تفعل أي شيء من هذا القبيل“.

قيود التخصص

ويشير ميازاكي قائلًا ”هناك العديد من الأبحاث المثيرة للاهتمام في اليابان، لكن لا توجد ثقافة تدعم الأبحاث الناشئة. واشعر بمحدودية الأفكار البحثية. وإذا استمر هذا النهج الرأسي للمجتمعات الأكاديمية فلن يقودنا إلى علاجات للأمراض المستعصية، وأعتقد أن الوقت قد حان لإدراك ذلك الأمر.“ ويرى ميازاكي أيضًا أن هناك حاجة إلى دعم أقوى للباحثين الذين يكافحون لتحويل البحوث الطبية الأساسية إلى تطبيقات علاجية.

وفي السنوات الأخيرة، اتخذت جامعة طوكيو خطوات لسد الفجوة بين البحوث الأساسية والتطبيقات التجارية من خلال الاستثمار في الشركات الناشئة التي تقودها الجامعات. وفي الأول من أكتوبر/ تشرين الأول من هذا العام، أعلنت عن إنشاء صندوق بقيمة 60 مليار ينًا يابانيًا (536 مليون دولار) بهدف مضاعفة عدد الشركات الناشئة لتصل إلى حوالي 700 شركة بحلول عام 2030.

ويقول ميازاكي: ”أنا شخصياً أشعر أنه في كلية الطب على وجه الخصوص، لا يكفي إجراء بحث من أجل نشر الأوراق البحثية، ويبدو لي أن عمل الباحث الطبي لا يكتمل حتى تصل النتائج إلى المرضى على أرض الواقع. ولكي يحدث ذلك، تحتاج إلى زيادة رأس المال وبدء العمل التجاري. ولقد أنشأت الجامعة أخيرًا نظامًا لدعم هذه العملية، وهي بحاجة إلى تعليم فكرة ريادة الأعمال الطبية أيضًا. فالأمر من الناحية التجارية مسألة حيوية، ولا يتعلق الأمر بجني الأموال ولكن لأنها الطريقة الوحيدة للحصول على علاجات جديدة للمرضى الذين يحتاجون إليها.“

(تمت كتابة النص الأصلي باللغة اليابانية من إعداد إيتاكورا كيمي من فريق عمل nippon.com، والترجمة من اللغة الإنكليزية. صورة الموضوع: ميازاكي تورو. كل الصور مقدمة من ميازاكي تورو)

الطب الطب التجديدي القطط التكنولوجيا